رئيس جامعة أسيوط يستعرض تقريراً حول الأداء البحثي خلال 2023    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى 2.73 مليار دولار خلال فبراير 2024    مصدر رفيع المستوى: رئيس المخابرات العامة يجري اتصالا مع رئيس المكتب السياسي لحماس    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    بيراميدز يفقد الشيبي في مواجهة فيوتشر    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    "تعليم القاهرة" تكشف التعليمات الخاصة بامتحان الشهادة الإعدادية    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    صدام جديد مع المخرج محمد رسولوف.. "بذرة التين المقدس" يثير غضب إيران    احتفالات شم النسيم 2024: نصائح لقضاء يوم ممتع ومليء بالفرح    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل الذى جرى : اول واكبر تحقيق سياسى موثق عن مباراه مصر والجزائر


عبدالله كمال 28 نوفمبر 2009 2:00 م

أول وأكبر تحقيق سياسى موثق عن أزمة مباراة الجزائر‮
بين القاهرة والخرطوم ‮2161 ‬كيلومترا تقطعها الطائرة فى قرابة ساعتين و‮04 ‬دقيقة،‮ ‬لكن الانفعالات الصادقة والملتاعة التى صدرها مشجعون مصريون إلى عاصمة وطنهم عقب مباراة الجزائر‮ ‬يوم ‮81 ‬نوفمبر طلبا للغوث واستنجادا بالقيادة قطعت المسافة فى لحظات‮.. ‬تتخطى سرعة الضوء‮ .. ‬ومن ثم سرعة الصوت‮ .. ‬ليس فقط لأنها جاءت عبر مكالمات تليفونية متلهفة‮ .. ‬وليس لأنها عبرت عن الشعور العميق بالإهانة الوطنية‮ .. ‬ولكن لأن الوقائع تكثف فيها أيضا اندماج المشاعر الوطنية مع مشاعر شخصية مختلفة‮ .‬
المطرب المعروف محمد فؤاد،‮ ‬الذى رأت تقديرات للبعض أن انفعاله كان أكبر من اللازم‮ .. ‬وأثار توترا أبعد من آخرين حوله‮ .. ‬مثال نموذجى لهذا المعنى‮ .. ‬ففى نصف ساعة عبئ بشحنتين معنويتين ونفسيتين هائلتين بخلاف الشحنة المعنوية النفسية التى سببتها الوقائع المؤلمة‮ .. ‬ما إن أفاق من الأولى حتى لحقته الثانية‮ .. ‬ومثله عشرات من الذين شعروا بغضب عظيم فى تلك الساعات العصيبة‮.‬
كان فؤاد فى أتوبيس الركاب مع رفاق آخرين حين قذف الباص بطوب مخلوع من‮ (‬بردورات‮) ‬أرصفة السودان‮ .. ‬سرعان ما أدت إلى تحطم الزجاج المقوى‮ .. ‬ومن بعد الطوب قصف المشجعون الجزائريون الهمج ركاب الأتوبيس بأسلحة بيضاء‮ .. ‬انكفأ الجميع فى الممر بين المقاعد‮ .. ‬لكن فؤاد نفسه حول جسمه إلى ما‮ ‬يشبه المظلة لكى‮ ‬يحمى ابنه المرعوب والذى كان معه‮ .. ‬وأصيب بفزع عظيم‮ .. ‬وقال لأبيه وهو فى حالة‮ ‬يرثى لها‮: (‬خلاص‮ ‬يابابى‮ .. ‬مش هاشجع مصر تانى‮)!‬
حمل فؤاد هذه الشحنة‮ .. ‬وفر مع من فروا إلى مكاتب شركة طارق نور للإعلانات فى قلب الخرطوم‮ (‬سودانا‮) .. ‬وبينما كانت الثورة عارمة‮ .. ‬والجميع‮ ‬يجرى اتصالات بالقاهرة‮ .. ‬وبما فيها اتصالات بمؤسسات رسمية‮ .. ‬تلقى أحدهم تليفونا من أحد أفراد سكرتارية الرئيس‮ .. ‬وقال له‮: ‬الرئيس‮ ‬يريد أن‮ ‬يكلمكم‮ .. ‬ليطمئن عليكم‮ .. ‬مَنْ‮ ‬إلى جوارك ؟‮.. ‬فأعطى متلقى المكالمة التليفون لمحمد فؤاد‮ .. ‬وسمع استفسارات الرئيس الذى بدا على اطلاع كامل بالأمر‮ .. ‬وفى المضمون قال الرئيس كلاما له مغزى كبير‮ .. ‬وبما فى ذلك التوعد‮ - ‬لا أقول التعهد فقط‮ - ‬بأن‮ ‬ينتهى هذا الموقف خلال ساعة‮ . ‬وكانت تلك هى الشحنة النفسية الثانية التى عبئ بها فؤاد‮ .. ‬والاثنتان لم‮ ‬يتدرب عليهما جهازه العصبى من قبل‮ .‬
مصريون تحت الحصار
هذه المجموعة التى كان بينها المطرب محمد فؤاد كانت تضم ‮331 ‬مصريا‮ .. ‬على متن أربعة أتوبيسات‮ .. ‬وبالصدفة كان بينهم‮ (‬بشرى المهدى‮) ‬ابن شقيق الصادق المهدى السياسى السودانى الأشهر‮.. ‬وقد اتصلت السفارة المصرية ببشرى المهدى نفسه‮ .. ‬فقال لمن اتصل إن هناك قوة أمنية سودانية مستعدة لمرافقة المجموعة للمطار‮.. ‬لكن محمد فؤاد‮ ‬يرفض المغادرة‮.. ‬وربما فهم مما‮ ‬يفعل‮ (‬معبأ بشحناته النفسية المركبة‮) ‬أنه‮ ‬يثير الموجودين أيضا‮ .. ‬ومن ثم تقدم منه المستشار أسامة شلتوت نائب السفير‮ .. ‬وهدَّأ من روعه‮ .. ‬وتحركت المجموعة‮ .. ‬بصحبة قوة أمنية سودانية‮ .. ‬وتفقد السكرتير ثان‮ ‬أحمد عيد‮ ‬الدبلوماسى من السفارة المصرية مقر الشركة‮ .. ‬باحثا عن أى متخلفين‮ .. ‬فلم‮ ‬يعثر على أحد‮ .‬
بالتوازى مع هذا كان خمسة مواطنين مصريين قيد الحصار فى صالة الحج والعمرة بمطار الخرطوم‮.. ‬الصالة نفسها كانت مخصصة أولا لترحيل الجماهير المصرية‮ .. ‬لكن السلطات السودانية قررت فجأة وبدون سبب معلوم أن تخصصها للجمهور الجزائرى‮ .. ‬وهناك كان قد شرد الخمسة‮ .. ‬فاصطادهم الجزائريون وحاصروهم بقصد الفتك بهم‮ .. ‬وتلقى المستشار الطبى المصرى خبرا بالأمر‮ .. ‬فأبلغ‮ ‬السفير عفيفى عبدالوهاب‮ .. ‬الذى كلف دبلوماسيا بالأمر‮ .. ‬فاتصل بدوره بالأمن السودانى‮ .. ‬وتحرك مع قوة‮ .. ‬أنقذت الخمسة‮ .. ‬وبينهم سيدتان بخلاف ثلاثة شباب‮.‬
فى التقرير الرسمى الذى وصل إلى القاهرة فيما بعد من السفارة فى الخرطوم‮ .. ‬وصف تفصيلى مدقق لما جرى فى مساء‮ ‬يوم ‮81 ‬نوفمبر‮ .. ‬لقد تلقت السفارة معانى تفيد أن السائقين السودانيين للباصات‮ ‬يتحدثون عن إصابات فى ‮04 ‬أتوبيسا على الأقل‮ .. ‬لكن السفارة تأكدت عمليا من تكسير الزجاج الجانبى والأمامى بفعل جماهير جزائرية فى عمليات هجوم فى شارع أفريقيا‮ - ‬شارع المطار الرئيسى والسودان من بين قلائل الدول التى لم تزل تحتفظ بمطارها فى قلب العاصمة‮ - ‬على ستة باصات‮ .. ‬فى حين قالت السلطات السودانية فى مؤتمر صحفى‮ - ‬خلافا للحقيقة‮ - ‬إن الإصابات فى أتوبيسين فقط‮ .‬
عدد من الدبلوماسيين،‮ ‬على رأسهم السفير‮ .. ‬كانوا فى فندق هيلتون‮ .. ‬حيث تجمع عدد كبير من المصريين وبينهم المنتخب‮ .. ‬وتلقت السفارة وقتها معلومات أن ‮8 ‬مواطنين قد تعرضوا للهجوم بأحجار الأرصفة خلال توجههم إلى المطار‮ .. ‬وقدم بعضهم صورا تليفونية لما جرى للباص‮.. ‬وبعيد دقائق كان الموقف حديث التليفزيونات فى القاهرة‮ .‬
وبينما كانت تتوالى الاتصالات والمعلومات على السفارة‮ .. ‬خصوصا تعرض الجماهير المصرية لعمليات قطع الطريق إلى المطار‮.. ‬وفى حين لجأ فنانون مصريون إلى مبنى السفارة‮ .. ‬قرر السفير عدم مغادرة أى وفد أو تحرك أية عربات‮ .. ‬قبل ضمان تأمين الطرق‮ .. ‬وأرسل السودانيون قوة أمنية لتأمين الفنانين‮.‬
ومن الواضح أن عمليات الإخلاء المصرية كانت تعانى من ارتباك ما بعد المباراة‮ .. ‬خصوصا بين وفود الجهات التى لم تنظم الأمر بطريقة دقيقة‮ .. ‬باستثناء مجموعات الحزب الوطنى التى كانت منظمة بطريقة فائقة‮ .. ‬إذ أخلى عضو أمانة التنظيم رائد الببلاوى ‮0061 ‬مشجع بسرعة‮ .. ‬ونقلهم إلى قاعتين للأفراح تم استئجارهما من قبل‮ .. ‬الأولى فى الخرطوم واسمها‮ (‬الحضرى‮) ‬وكان فيها ‮004 ‬مشجع‮ .. ‬وهى قريبة من المطار‮ .. ‬والثانية اسمها‮ (‬الخليل‮) ‬فى أم درمان‮ .. ‬وكان فيها ‮0021 ‬مشجع‮ .. ‬لكن رائد اتصل بالسفير طالبا مزيدا من التأمين‮ .. ‬فاستدعى السفير قوة أمنية سودانية أخلت المجموعتين تحت حراسة مشددة‮.‬
تعديات بعد المباراة‮ ‬
وبينما كانت القاهرة منشغلة بعودة أبنائها الذين اغتربوا مؤقتا خلال المباراة‮ .. ‬كان أبناؤها المغتربون بصفة أطول فى السودان نفسه‮ ‬يتعرضون لما هو قد‮ ‬يكون أكبر من نفس الجماهير الجزائرية المهتاجة والمهيجة برعاية رسمية من دولة الجزائر‮ .. ‬لقد بدت قطعان منهم كما لو أن لديها أوامر محددة ضد المصالح المصرية فى السودان‮ .. ‬ومن ثم فإن الذين لم‮ ‬يرحلوا منهم فى مساء‮ ‬يوم المباراة وبقوا فى السودان لليوم التالى‮ (‬الجزائريون‮) ‬راحوا‮ ‬يواصلون التعدى على المصريين والمحلات المصرية‮ .. ‬بخلاف أن بعضهم استهدف المصريين‮ ‬يوم المباراة فى‮ ‬غير طريق المطار‮.‬
مجموعة مصرية من ‮21 ‬فردا‮ .. ‬كانت تستقل ميكروباص فى طريق العودة من المباراة‮ .. ‬قطع عليها الطريق ميكروباص آخر‮ .. ‬فى منطقة من الخرطوم أمام السفارة الإيطالية‮ .. ‬وكان قطاع الطرق جزائريين‮ .. ‬مسلحين بأسلحة بيضاء وخناجر‮ .. ‬اعتدوا على المشجعين المصريين‮ .. ‬وأصابوا اثنين منهم حسبما أبلغ‮ ‬مواطن المستشار العمالى فى السفارة‮.. ‬واستولى مشجع جزائرى على حقيبة مصرى فيها ‮0581 ‬جنيها سودانيا‮ .. ‬وتدخل حرس السفارة الإيطالية لإنقاذهم‮.. ‬إلى أن جاءت سيارة شرطة سودانية اصطحبتهم إلى مستشفى الحوادث فى الخرطوم‮.‬
ولم‮ ‬يستهدف الجزائريون فقط المصريين‮ .. ‬إذ فيما بعد كشف الفريق‮ ‬يوسف إبراهيم مدير الإدارة العامة بمطار الخرطوم فى مؤتمر صحفى عن أن صالة الحج والعمرة تم إتلافها تماما‮ .. ‬وأن جميع الأجهزة العامة بالصالة تمت إبادتها بالكامل‮ .. ‬وأشار إلى وصول الجمهور الجزائرى إلى مدرج الطائرات الرئيسى بعد تهشيم البوابة الرئيسية المؤدية إلى داخل المطار‮ .. ‬وبدوره أقر أن المشجعين الجزائريين اشتبكوا فى المطار مع الجماهير المصرية عند محاولة الصعود إلى الطائرة بجانب محاولتهم ضرب عمال النظافة،‮ ‬وتم تحويل الجماهير المصرية إلى صالة السفريات الداخلية ووجهت الجماهير الجزائرية إلى صالة الحج والعمرة‮.‬
فى اليوم التالى للمباراة‮ .. ‬هاجمت مجموعة جزائرية مطعم‮ (‬g.a.d)‮ - ‬يتبع محلات جاد الشهيرة‮ - ‬بدأوا بالتحرش بمديره والعاملين فيه‮ .. ‬وبعدها رشقوا المحل بالحجارة‮ .. ‬وحطموا أعمدة إنارة المطعم‮ .. ‬وأصيب أحد العاملين فى المكان‮ .. ‬وألقت الشرطة القبض على ‮11 ‬جزائريا من هذه المجموعة المعتدية‮ .. ‬وتخضع التحقيقات لمتابعة من المستشار العمالى بناء على تعليمات السفير لمنع التهاون معهم‮.‬
فى التحقيقات وبينما الجزائريون الهمج قيد العمل القانونى‮ .. ‬واصلوا التعدى اللفظى والإهانة للمصريين‮ .. ‬ووجهوا أقذع الشتائم لهم ومعهم الضباط السودانيون‮.‬ ثم بعيد قليل من هذا‮ .. ‬تعرض مطعم مؤمن‮ .. ‬ثم مطعم دودى‮ .. ‬وكلاهما مصرى‮ .. ‬لهجوم ورشق بالأحجار من قبل فيلق آخر من المشجعين الجزائريين‮ .. ‬وبالتالى قامت السفارة المصرية بالاتصال بوزارة الداخلية السودانية لكى تشدد الإجراءات الأمنية على كافة المطاعم المصرية فى الخرطوم‮ .‬
وبعد بضع ساعات عاد المواطن الذى أبلغ‮ ‬السفارة عن واقعة التعدى امام السفارة الإيطالية‮ .. ‬وأبلغ‮ ‬عن أن عربتى ميكروباص فيهما جزائريون‮ .. ‬فى منطقة الجريف‮ ‬غرب‮ .. ‬هاجمت مساكن للمصريين‮ .. ‬وتشاجروا معهم‮ .. ‬ثم لاذوا بالفرار‮ .. ‬بعد فترة قصيرة‮.‬ وتناثرت الوقائع فى مناطق أخرى‮ .. ‬إذ هاجمت مجموعة من الجزائريين مجموعة من المصريين فى السوق العربية وتمكن الجزائريون من الهروب إلا أن الشرطة قبضت عليهم لاحقا‮ .. ‬وحدث اشتباك بين ‮4 ‬مصريين مقيمين فى الخرطوم ومجموعة من الجزائريين بمنطقة الكويت‮.. ‬وقبضت الشرطة عليهم جميعا وذهب أحد المصابين المصريين إلى المستشفى للكشف عليه بعد تعرضه لضربات على ظهره وأصيب أحد الجزائريين بيده بعد أن ضربه مصرى بمطواة،‮ ‬وتم ترحيل المصاب للجزائر وتم الإفراج عن المصريين بكفالة لحين البت فى الأمر قضائيا‮.‬
هذه الوقائع جرت كلها فى اليوم التالى للمباراة‮ .. ‬دون أن تذكر فى الإعلام المصرى‮ .. ‬إلا بعض الوقائع التى كنت قد أشرت إليها فى مقال سابق فى الجريدة اليومية‮ .. ‬ولذا لم‮ ‬يكن‮ ‬غريبا أن‮ ‬يعلن مدير الشرطة فى مطار الخرطوم صباح‮ ‬يوم ‮91 ‬نوفمبر عودة البعثة المصرية إلى بلادها‮ .. ‬وأن الجزائريين‮ ‬غادر أكثر من نصفهم ومازال بعضهم‮ ‬يمكث بأرض المعسكرات ومعرض الخرطوم فى انتظار السفر‮.. ‬ومن المثير أن المسئول السودانى قد اشتكى فى هذا المؤتمر من عدم مساعدة سفارة الجزائر للسودان‮.. ‬وقال أنها إلى الآن لم تشارك فى حل الأزمة ولم تلتق بمسئوليها ولا حتى سلطات المطار كاشفا عن هبوط ما‮ ‬يزيد على مائة طائرة خلال‮ ‬يومى المباراة منها ‮46 ‬للجزائر تحمل ‮0058 ‬من المشجعين و‮43 ‬جماهير مصر تحمل ‮0053 ‬مشجع‮.‬
الأدلة على الميليشيات
كثيرون لاحظوا أكثر من أمر فى مجريات الوقائع التى قام بها البلطجية الجزائريون‮ : ‬ أنها مجموعات مدربة ومنظمة‮ .‬
كانت تعتمد أسلوبا موحدا‮ .. ‬بحيث تعمل بشكل جماعى وليس فرديا‮ .. ‬وخلال الهجوم تنقسم إلى ثلاث مجموعات‮ .. ‬الأول‮ ‬يقوم بالهجوم‮ .. ‬والثانى بالتمويه‮ .. ‬والثالث بالتغطية أو الإبلاغ‮ ‬عن وجود شرطة لكى‮ ‬يتم الفرار‮.‬
الأعمار متقاربة‮ .. ‬وكلها فى حدود شبابية‮.‬
كتبت صحيفة جزائرية إنه‮ ‬يجب أن‮ ‬يتوافر فى الجمهور المسافر مواصفات محددة‮: ‬القدرة البدنية‮ - ‬صغر السن‮ - ‬موافقة الأهل‮ (‬كما لو أنهم‮ ‬يذهبون إلى معركة جهادية‮)‬ وصلوا إلى الخرطوم فى طيران حربى‮ .. ‬متنوع الطرازات،‮ ‬وقدر عدد الرحلات حسب مصادر جزائرية بمائة رحلة طيران‮ .. ‬لكن السودان قال إنها ‮46 ‬رحلة طيران‮.‬ وزعت على أغلبيتهم وجبة موحدة‮ .. ‬مطبوع عليها العبارات التالية بالعربية والفرنسية‮: ‬وجبة فردية للقتال‮ - ‬وزارة الداخلية‮ - ‬المديرية العامة للأمن الوطنى‮ - ‬مكتب الإعاشة‮ (‬جمع مسئولون فى سفارات أجنبية فى السودان نماذج من الأكياس التى عبئت فيها هذه الوجبات‮).‬ قال شهود عيان مختلفون إنهم رأوا أفراد الجمهور الجزائرى وقد ارتدوا زيا موحدا‮ .. ‬أقرب إلى أن‮ ‬يكونوا أعضاء فى وحدات عسكرية مدربة،‮ ‬وقد ارتدت زيا مدنيا مموها‮ .. ‬ما‮ ‬يعنى أن الجمهور المصرى كان بصدد مواجهة ميليشيات‮.‬
لم‮ ‬يدخل هؤلاء إلى السودان بجوازات سفر ولكن بوثائق سفر لرحلة واحدة‮.‬
قالت مصادر إن تلك المجموعات تسمى فى الجزائر بمجموعات‮ (‬الكسحة‮).. ‬وهو ما‮ ‬يشار به إلى البلطجية‮ .. ‬ومجموعة من المثقفين الجزائريين أقاموا فى فندق الفاتح المخصص لبعثة الفريق الجزائرى كانوا‮ ‬يتحدثون حول ذلك مع مرافقين لهم‮ .. ‬وقالوا إن الهدف هو الانتقام لما جرى فى القاهرة ضد المشجعين الجزائريين‮.‬
تأكد من مصادر مختلفة أن المديرية العامة للأمن الوطنى فى الجزائر أرسلت عناصر لحماية الجمهور الجزائرى‮ .. ‬وقد نشرت ذلك جريدة‮ ‬آخر لحظة‮ ‬السودانية‮.‬
قال مدير شرطة الخرطوم فى مؤتمر صحفى بعيد أحداث المباراة إن معلومات متنوعة جاءت إلى الشرطة بخصوص قيام أفراد مختلفين من الجمهور الجزائرى بشراء أسلحة بيضاء‮.. ‬وخناجر‮ .. ‬من الأسواق العربية فى الخرطوم‮ .. ‬وألقى القبض على البائعين الذين أكدوا أنهم باعوا الأسلحة على أنها تراث وهدايا كما جرت العادة مع السائحين‮.‬
المجموعة المدنية الجزائرية الوحيدة التى سافرت إلى السودان لحضور المباراة كانت مكونة من نحو ‮005 ‬مشجع‮ .. ‬كانوا قد أقاموا لبعض الوقت بعد مباراة ‮41 ‬نوفمبر فى مقر السفارة الجزائرية فى القاهرة‮ .. ‬وطلبت السفارة تسهيل عمليات سفرهم‮ .. ‬وقد ساعدت سلطات مصر‮ - ‬للطرافة‮ - ‬فى ذلك ونقلتهم إلى الخرطوم‮ .‬
لماذا اختاروا السودان؟
والسؤال هو‮: ‬هل كانت هذه المعلومات لدى مصر ؟‮.. ‬وإذا كانت لديها‮ .. ‬فلماذا لم تستعد لها ؟
والإجابة هى أن تقديرات متنوعة للموقف رأت أن المباراة التى سوف تقام فى الخرطوم سوف تحيط بها ظروف‮ (‬محتدمة‮) .. ‬وأنه قد ذهب البعض إلى حد التفكير فى إرسال عناصر تأمين للجمهور‮ .. ‬أو إرسال جمهور من نوع خاص‮ .. ‬لكن القرار الحكيم توصل إلى أن مسئولية تأمين الضيوف المصريين تقع بالدرجة الأولى على السلطات السودانية المختصة‮ .. ‬وأنه لا‮ ‬يمكن ممارسة أى تعدٍ‮ ‬على سيادة السودان فى هذا الاتجاه ولو بشكل‮ ‬غير علنى‮ .. ‬وأن الأمر قد‮ ‬يقود بهذه الطريقة المفترضة إلى‮ (‬مذبحة‮) ‬بعد شجار عنيف‮ .. ‬أو على أقل تقدير سقوط قتلى بين الجانبين‮ .. ‬وأن الهدف المصرى هو أن تمر المباراة إلى بر الأمان‮ .. ‬والذى‮ ‬يريد بر الأمان لا‮ ‬يرسل ما‮ ‬يؤدى إلى تفجيرها والتحفز تجاه الآخر‮.‬
وقد ثارت أسئلة كثيرة حول أسباب اختيار السودان من جانب مصر لإقامة المباراة الفاصلة‮ .. ‬وفى هذا السياق‮ ‬يهمنى إبراز المعلومات التالية‮: ‬
الذى اختار السودان لكى تقام عليها هذه المباراة هو اتحاد الكرة‮ .. ‬وقد أجريت القرعة بين اختيار مصر‮ (‬السودان‮) ‬واختيار الجزائر‮ (‬تونس‮) ‬قبل مباراة القاهرة‮.‬
اختار الاتحاد السودان على أساس العلاقات التاريخية التى تربط الشعبين‮ .‬
الجهاز الفنى للمنتخب‮ ‬يفضل السودان لاقتراب المسافة‮ .. ‬وسهولة المؤازرة الجماهيرية لقرب المسافة مقارنة ببقية دول القارة‮.‬
عمليا،‮ ‬وعلى الرغم مما وقع فى ما بعد المباراة رأت جهات لها علاقة مباشرة بالواقع الميدانى فى السودان ما‮ ‬يلى‮: ‬
‮(‬المحصلة النهائية لكل الوقائع التى أحاطت بالمباراة تشير إلى خروجها لبر الأمان‮ - ‬بشريا‮ - ‬إلى حد ما‮ .. ‬رغم الأحداث المؤسفة التى ارتكبها الجمهور الجزائرى بعيدا عن أعين القوات السودانية وقياسا على حالة الشحن المعنوى والشد العصبى،‮ ‬فضلا عن تربص الجمهور الجزائرى وعدوانيته وشراسته‮).‬
‮ (‬وربما كانت هذه المحصلة قد أخذت الشكل الكارثى إذا أقيمت فى مكان آخر من الأماكن التى اقترحت‮ ‬غير السودان‮ .. ‬فالحقائق تؤكد أن الجانب السودانى سخر كل إمكاناته لإخراج هذا الحدث فى أحسن صورة ممكنة لأنه أدرك مدى ضخامة المسئولية،‮ ‬فضلا عن محاولة تفادى حساسيات كثيرة‮ .. ‬وحرص فى نفس الوقت على إظهار مقدرته على تنظيم هذه الفعاليات التى تعد بالنسبة للسودان فرصة تاريخية وغير مسبوقة‮).‬
والحاصل‮ .. ‬وهذا رأيى الخاص‮ .. ‬أن تأمين البعثتين والفريقين والجمهور كان الهم الشاغل للسلطات السودانية‮ .. ‬الذى أدى إلى وضع خطة أمنية‮ .. ‬وهى نسقت مع السفارة المصرية منذ اللحظة الأولى‮ .. ‬وأطلعتها على كل الترتيبات التى اتخذتها وأبدت استعدادا إلى تلبية كل الاحتياجات‮ .. ‬وأظهرت التدخل الإيجابى فى كل مرة طلب منها ذلك‮ .‬
لكن عمليات إعادة التقييم فى القاهرة بعد الأحداث التى جرت كان أن رأت أمورا أخرى‮ .. ‬جهات رياضية قالت فى هذا السياق إن اختيار السودان تم اعتمادا على الجانب الفنى من اتحاد الكرة،‮ ‬وهو لم‮ ‬يضع اعتبارا للجانب الأمنى ما ساهم فى حدوث المشكلة‮.‬
‮ ‬وأظن أن أحد التقارير التى قدمت إلى رئيس الوزراء بعد الأحداث قد قال ما‮ ‬يلى‮: (‬إن عملية نقل الجماهير من مصر إلى السودان خضعت للاجتهادات الفردية من مختلف الجهات دون تنسيق متكامل ولم‮ ‬يتم تشكيل لجنة منظمة‮ .. ‬تمثل فيها الجهات المختلفة للتنسيق بين مختلف الجهات لتنظيم عملية النقل وتتابع الرحلات وأماكن تواجدها وطرق الإخلاء وخطة التحرك‮) .‬ وقال التقييم ذاته‮: (‬إن التدارك السريع للأحداث من خلال توجيهات السيد الرئيس ومجموعات العمل بالسودان والقاهرة قد أدى إلى عدم تفاقم الأزمة وحلها بشكل سريع‮) .‬
عودة إلى التاريخ
واقعيا أدارت الجهات المختلفة التى نقلت مشاهدى المباراة‮ - ‬ولا أقول الجماهير‮ - ‬على طريقة‮ (‬الجزر المنعزلة‮) .. ‬إلى الدرجة التى دفعت وزير الطيران إلى أن‮ ‬يعيش ساعات عصيبة بينما تنهال عليه طلبات جهات مختلفة لاستئجار طائرات تقوم بعمليات نقل مدعويها إلى السودان لحضور المباراة قبيل انعقادها بساعات‮ .. ‬بينما الأسطول الجوى المدنى مشغول تماما بعمليات نقل الحجيج فى اتجاه الأراضى المقدسة‮ .. ‬ولم‮ ‬يتوقف الأمر على جهات رسمية وحزبية‮ .. ‬بل إن جهات خاصة استأجرت بدورها طائرات‮ .. ‬ودعت الشخصيات لحضور المباراة على نفقتها‮ .. ‬وتطوع رجل أعمال واستأجر طائرة ومنح مذيعا عددا من مقاعدها ليتصرف فيه‮ .. ‬ويوزعه على من‮ ‬يشاء‮ .. ‬ولم‮ ‬يسافر المذيع نفسه‮!‬
هذا جانب من المشكلة‮ .. ‬لكن لها جانبا آخر فى الواقع الميدانى‮ .. ‬هناك فى الخرطوم‮ .. ‬حيث صار على السفارة المصرية أن تدير هذا الموقف المعقد الذى هبط على آلياتها فجأة‮ .. ‬بدءا من تدبير تذاكر المباراة إلى متابعة ترتيباتها وتأمينها‮ .. ‬وحتى إخلاء الجمهور وترحيله‮ .. ‬بخلاف الشخصيات العامة التى ستحضر الحدث‮.
‬ لكن الموضوع أيضا كان أكبر من هذا بكثير‮ .. ‬ولا‮ ‬يقتصر الأمر على الإجراءات التنظيمية‮ .. ‬فالحدث كان محملا بأثقال الحاضر‮ .. ‬وتفاعلات الشحن المعنوى الصاخب والنفسى المعقد بين البلدين لأسباب متنوعة‮ .. ‬والمباراة التى جرت‮ ‬يوم ‮81 ‬نوفمبر نتيجة لعدم حسم الموقف فى مباراة ‮41 ‬نوفمبر‮ .. ‬ألقى فوق كاهلها ليس فقط ما كان قد دار بين الدولتين‮ .. ‬وما كان قد حدث بين الجمهورين‮ .. ‬وما كان‮ ‬يدور فى صراعات البيزنس داخل الجزائر‮ .. ‬وإنما أيضا استدعت إليها تاريخا مضى‮ .. ‬لكن ضغوطه تبين أنها لم تزل حاضرة فى نفوس الجزائريين أو فريق منهم إذا افترضنا حسن النية‮.‬
الصحيح أن الجماهير المصرية فى تنابزها مع الجماهير الجزائرية فى‮ ‬غضون الشهر الماضى تحدثت عن الجميل التاريخى الذى قدمته مصر للجزائر فى ثورة تحررها من الاستعمار الفرنسى‮ .. ‬لكن الأكثر صحة أن الجماهير الجزائرية مضت إلى ماهو أبعد من الحديث عن رد الجميل‮ .. ‬ووصل الأمر حد ذكر عشرات من الوقائع التاريخية التى تريد إثبات الأفضلية الجزائرية على مصر‮ .. ‬وما‮ ‬يمكن تصنيفه على أنه رقى حضارى‮ .. ‬كما تريد أن تقطع أى كلام عن جميل مصرى تاريخى‮ .. ‬من أى نوع‮ .‬
هكذا وصل الأمر حد تذكير المصريين بأن القاهرة‮ - ‬التى وصفها الجزائريون فيما بعد بأنها‮ (‬العاهرة‮) - ‬هى تلك التى بناها المعز لدين الله الفاطمى الذى‮ ‬يعود إلى أصول جزائرية‮ .. ‬ومضى أحدهم حد القول بأن البربر‮ - ‬أى الأمازيج‮ - ‬هم سادة مصر‮ .. ‬فقد‮ ‬غزاها ملكهم‮ (‬شيشنق‮) ‬وهزم الملك الفرعونى بسونس الثانى‮ .. ‬وفى الطريق راح الجزائريون‮ ‬يذكروننا بدورهم فى حرب أكتوبر حتى ظننت أنهم هم الذين خاضوها وحدهم‮ .. ‬وحرب ‮7691 ‬حتى اعتقدت أنه لولا الإسهام الجزائرى لكانت مصر بالكامل قد احتلت‮.‬
وبغض النظر عن كل ذلك‮ .. ‬وصحته أو‮ ‬غيره‮ .. ‬فقد اتضح أن ما بين الدولتين‮ ‬يفوق أحداث المباراة‮ .. ‬وأن له جذورا‮ .. ‬وأن حديث المصريين عن الفضل الذى قدموه للثورة الجزائرية‮ ‬يريد له الجزائريون أن‮ ‬يتوقف‮ .. ‬وأنه إذا كان لنا جميل فى رقبتهم فإنهم قد سددوه وانتهى الأمر‮ .‬
من المثير فى الأمر أن أحدا فى الجزائر لم‮ ‬يتذكر واقعة تاريخية مهمة جدا‮ .. ‬تعنى أن الفضل المصرى لا‮ ‬يقتصر على عصور سابقة‮ .. ‬وإنما حاكم مصر الآن قام بدور مهم وبارز فى إنهاء خلاف عميق بين الجزائر والمغرب فى‮ ‬يناير ‮6791 ‬حين كان مبارك نائبا للرئيس‮ .. ‬وكلفه الرئيس السادات بأن‮ ‬يخوض وساطة مكوكية بين البلدين‮ .. ‬إثر تغلغل قوات جزائرية مدججة بالأسلحة والعتاد فى الأراضى المغربية‮ .. ‬حيث استهدف الحيلولة دون تصاعد الصراع المسلح‮ .. ‬وثانيا الإفراج عن الأسرى من الضباط والجنود الجزائريين فى حوزة المغرب‮ .. ‬وهو ما جرى بالفعل‮ .‬ وفيما مضى،‮ ‬وفى عصر الرئيس عبدالناصر،‮ ‬كادت مصر تتورط فى صراع عسكرى بين البلدين‮ .. ‬فى حوالى عام ‮3691 .. ‬وكانت مصر تقف إلى جانب الجزائر‮ .. ‬إذ كانت لديها علاقة وثيقة بها على خلفية مساندة الثورة الجزائرية فى ‮4591 .. ‬تلك المساندة التى دفعت فرنسا بالأساس إلى خوض العدوان الثلاثى ضد مصر فى ‮6591 .. ‬لكن الأمور اختلفت قليلا فيما بعد‮ .. ‬حين انقلب وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء هوارى بومدين على الرئيس أحمد بن بيلا‮ .. ‬بعد أن أرسل وزير الخارجية عبدالعزيز بوتفليقة إلى فرنسا لكى‮ ‬ينال رضا ديجول عن خطة انقلابية اتفق عليها ستة من أركان الحكم وقتها‮ .. ‬وأمضى بوتفليقة عشرة أيام فى باريس سرا‮ .. ‬ولما حصل على الضوء الأخضر‮ .. ‬وقع الانقلاب‮.‬
الرئيس عبدالناصر فى هذا التوقيت كان متعاطفا للغاية مع بن بيلا‮ .. ‬ومن ثم أرسل عبدالحكيم عامر إلى الجزائر لاستطلاع الأمر‮ .. ‬وبينما كان المشير الراحل طائرا‮ .. ‬كان أن صدر الأهرام ورئيس تحريره محمد حسنين هيكل وقتها‮ .. ‬وكتب‮: ‬القبض على بومدين وإعدامه‮ .. ‬ووصل عامر حيث صادف حرجا كبيرا‮ .. ‬ولكن الأمور هدأت فيما بعد‮.‬
فى الأيام الأولى لهزيمة‮ ‬يونيو ‮7691 .. ‬وربما بعد ساعات‮ .. ‬وقبل أن‮ ‬يصدر المشير عامر قرار انسحاب الجيش عشوائيا من سيناء‮ .. ‬كان عبدالعزيز بوتفليقة‮ - ‬وفق المذكور فى مذكرات وزير الخارجية الأسبق محمود رياض‮ - ‬هو أول من وصل إلى مصر على طائرة خاصة‮ .. ‬عارضا كل العون الجزائرى على مصر‮ .. ‬ونقل اقتراح بومدين بأن ترسل الجزائر دبابات إلى مصر‮ .. ‬بشرط أن‮ ‬يتم تأمين هذا الإمداد بريا حتى لا تقصفه إسرائيل أثناء تحركه إلى مصر فى كل هذه المسافة الطويلة بين البلدين‮ .. ‬وشكره عبدالناصر‮ .. ‬وقال إن مايريده هو الطائرات‮ .. ‬لأن الجيش مكشوف‮.‬
وفيما‮ ‬يبدو فإن الاتحاد السوفيتى قد حفز الجزائر على أن تمضى فى دعم مصر بالطائرات العسكرية‮ .. ‬وكان أن جاء عدد كبير منها‮ .. ‬ميج ‮51 ‬وميج ‮71 .. ‬هى التى ساهمت فى معركة رأس العش‮ .. ‬التى تمثل بداية مصرية جديدة بعد الهزيمة‮ .. ‬ودشنت حرب الاستنزاف‮ .. ‬وفيما بعد وفى أكتوبر ‮3791 ‬فإن الجزائر كان أن قدمت ما‮ ‬يزيد على الألف جندى‮ .. ‬وهو ما فعلته أيضا المغرب‮ .. ‬وشاركت من خلال الجبهة المصرية فى الحرب
غير أننى لابد أن أتوقف عند واقعة تاريخية مهمة فيما بعد حرب ‮7691 .. ‬ذلك أنه فى أغسطس من هذا العام كان أن طرح على مجلس الأمن مشروع قرار عرف فيما بعد‮ - ‬كما‮ ‬يقول الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير خارجية مصر الأسبق فى مذكراته‮ - ‬كان‮ ‬يقوم على أسس ثلاثة‮ .. ‬هى‮: ‬ إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية وإسرائيل‮ .‬ انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى التى احتلتها فى النزاع الأخير‮ .‬
ضمان حرية الملاحة فى الممرات المائية‮.‬
وبصورة أو أخرى فإن القرار الذى كان قيد الإصدار لقى ترحيبا من مصر‮ .. ‬فهو فى نهاية الأمر‮ ‬يعيد الأرض المحتلة‮ .. ‬حتى لو أنهى حالة الحرب مع إسرائيل‮ .. ‬والقرار لم‮ ‬يعكس ثقل الهزيمة التى لقيتها‮ .. ‬ولكن‮ - ‬وكما‮ ‬يقول عصمت عبدالمجيد وينقل عنه محمد الجوادى فى كتابه‮ ‬من أجل السلام‮ - ‬فإن المزايدات التى قام بها عدد من وزراء الخارجية العرب هى التى عطلت القرار‮ .. ‬لأنهم لا‮ ‬يريدون إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل‮ .. ‬وكان على رأس المزايدين كل من إبراهيم ماخوس وزير الخارجية السورى‮ .. ‬وعبدالعزيز بوتفليقة وزير الخارجية الجزائرى‮.‬
ويبدو الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة حاضرا بقوة فى الأزمة الأخيرة بين مصر والجزائر‮ .. ‬لأسباب مختلفة‮ .. ‬لا تعود فقط إلى أنه قرر أن تحمل الطائرات الحربية الأنصار الجزائريين‮ - ‬المشجعين‮ - ‬إلى الخرطوم‮ .. ‬ولكن لأن وصول المنتخب الجزائرى إلى نهائيات كأس العالم كان‮ - ‬بالنسبة إليه هو‮ - ‬تعهدا انتخابيا معلنا‮.‬
‮ ‬فى الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة اهتم بأن‮ ‬يذكر ناخبيه بأنه كان أول وزير للشباب والرياضة‮ .. ‬ثم مضى أبعد مخاطبا انشغال الجزائريين بالكرة وقال فى مدينة بلعباس‮: ‬المنتخب الوطنى‮ ‬يحظى باهتمام بالغ‮ ‬فى برنامجى ووصوله إلى المونديال فى جنوب أفريقيا‮ ‬يمثل ضرورة ملحة‮ .. ‬لاسيما أن كل الظروف مهيأة لتحقيق الهدف‮ .. ‬وأنا مستعد لتوفير كامل الظروف لإرضاء الشعب الجزائرى‮ .. ‬ولو تطلب الأمر شراء فريق كامل للجزائر سوف أفعل‮.‬
الولع بالكرة دفع بوتفليقة أيضا إلى أن‮ ‬يستعين بالنجم الفرنسى المعشوق فى الجزائر‮ - ‬لأسباب تعود إلى أصوله‮ - ‬زين الدين زيدان فى حملاته الدعائية بين المهاجرين فى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا‮ .. ‬ومن ثم رددت أصواته الإعلامية شائعة أن زيدان قد‮ ‬يكون مديرا فنيا للفريق الوطنى فى القريب‮ .. ‬وهو مالم‮ ‬يحدث‮.‬
ومن المؤكد أن الانشغال بالكرة فى الجزائر‮ ‬يفوق كل وصف‮ .. ‬ويتخطى كل تقدير‮ .. ‬عشق دموى‮ .. ‬أو لنقل أنه دماء عاشقة‮ .. ‬إذ من الطبيعى كما صار معروفا الآن أن‮ ‬يصل الأمر بين المشجعين إلى حد‮ ‬يقترب من الحروب الأهلية بين مؤيدى هذا الفريق أو ذاك‮.. ‬فى شهر مارس الماضى على سبيل المثال حدثت مواجهات دامية بالخناجر وتراشق بالزجاجات أدى إلى سقوط ‮04 ‬جريحا بينهم ‮7 ‬كانوا فى حالة خطرة فيما عرف بحرب الأنصار‮ .. ‬بين مشجعى‮ (‬نصر حسين داى‮) ‬و(رائد القبة‮) .‬
وفى أغسطس الماضى توقفت مباراة بين‮ (‬مولودية‮) ‬و(البرج‮) ‬بعد إحراز هدف‮ .. ‬أدى إلى ‮004 ‬جريح‮ .. ‬إذ اجتاح المتفرجون أسوار الملعب‮ .. ‬بل إن خلافا نشب فى ملعب ‮5 ‬يوليو‮ ‬يوم مباراة مصر والجزائر بسبب النزاع على تذاكر المباراة أدى إلى سقوط ‮06 ‬جريحا‮ .. ‬ولم تتمكن قوات الأمن من السيطرة على عشرة آلاف من الأنصار‮ .. ‬وبالطبع‮ ‬يعرف الكثيرون الآن أن ‮41 ‬قتيلا قد سقطوا خلال احتفالات الجزائر بوصولها إلى نهائيات كأس العالم على حساب مصر‮ .. ‬هؤلاء هم الذين‮ ‬يوصفون فى أدبيات الصحافة الجزائرية بأنهم‮: ‬شهداء المونديال‮ .. ‬وكلمة شهيد لها دلالات خطيرة فى الثقافة الجزائرية التى تقوم على أسس‮ (‬بلد المليون ونصف المليون شهيد‮).‬ فى مثل هذا المناخ أمر بوتفليقة بالسفر المجانى فى أغلب الأحوال وشبه المجانى فى أقلها إلى الخرطوم‮ .. ‬وقال بيان رسمى عن الحكومة الجزائرية إن الرئيس بوتفليقة قد أمر بتسخير كل طاقة الشركة الجوية الوطنية لنقل الأنصار،‮ ‬وكذا تسخير طائرات الجيش الوطنى الشعبى لضمان نقل أكبر عدد ممكن من المناصرين‮ .. ‬يرافقهم ‮002 ‬طبيب‮ .. ‬ورجال الحماية والشرطة من أجل إمدادهم بأى مساعدة‮ ‬يحتاجونها هناك‮ .. ‬وفى ذلك السياق راحت المديريات المختصة تصدر وثائق السفر فى عدد ساعات أقل وظلت أبوابها مفتوحة إلى ما بعد منتصف الليل‮ .‬
ولست أدرى ما هى الحاجة إلى‮ (‬رجال الشرطة والحماية‮) .. ‬وإذا كانت مهمتهم التأمين‮ .. ‬فما هى الأسباب التى دفعت البيان لأن‮ ‬يقول إن مهمة رجال الأمن‮ (‬إمداد المناصرين بأى مساعدة‮ ‬يحتاجونها هناك‮) ‬؟؟‮!!‬
‬ الأجواء كانت واضحة‮ .. ‬وقد تبين أن المجريات لا تسير فى اتجاه كونها مباراة تحدد من سوف‮ ‬يصل إلى المونديال‮ .. ‬ومن ثم دخلت على الخط فى وقت مبكر وزارة الخارجية المصرية‮ .. ‬وأصدر متحدثها الرسمى بيانا فى‮ ‬يوم ‮01 ‬نوفمبر قال فيه‮: (‬هناك رغبة مصرية جزائرية مشتركة فى تهدئة الأجواء قبل مباراة منتخبى البلدين الحاسمة فى تصفيات كأس العالم‮ .. ‬وهذه الرغبة جرت ترجمتها إلى تعاون رسمى بين الجانبين للتأكد من أن ما‮ ‬يحدث فى ساحة التنافس الرياضى أيا كانت حدته لن‮ ‬يؤثر على العلاقة الثنائية المتميزة التى تربط بين الشعبين والبلدين‮).‬ فى هذه الأثناء تراخى اتحاد الكرة المصرى فى تسليم التذاكر المخصصة رسميا للسفارة الجزائرية‮ .. ‬ومال مسئولون فى الاتحاد إلى احتجاز التذاكر أو تأخيرها‮ .. ‬لكن حسن صقر تدخل ضاغطا لتطبيق قواعد الفيفا‮ .. ‬وتسلمت سفارة الجزائر ألفى تذكرة‮ .. ‬وقدم لها ‮051 ‬تذكرة على سبيل الهدية فوق الحصة الرسمية خلال استقبال وزير الشباب والرياضة الجزائرى‮.‬
عقب ذلك بيومين،‮ ‬وفى القاهرة التقى وزير الخارجية على هامش اجتماع لجنة مبادرة السلام مع وزير خارجية الجزائر مراد مدلسى‮ .. ‬حيث جرى الاتفاق على ضرورة وقف التعبئة السلبية التى تقوم بها بعض الأطراف من الجانبين فى التمهيد للمباراة‮ .. ‬وقد عقب الوزير الجزائرى على أنه‮ ‬يتفق مع الوزير أبوالغيط فى الرأى‮ .. ‬وأشار بدوره إلى ضرورة ألا تؤثر المباراة على طبيعة العلاقات بين البلدين‮.‬
ويعنى هذا أنه كان هناك إحساس قوى بأن الطريق‮ ‬يقود إلى تفاعلات‮ ‬غير حميدة‮ .. ‬ومن ثم فى نفس اليوم وبعد المقابلة قال حسام زكى المتحدث باسم الخارجية إن أبوالغيط قال إن العلاقات المصرية الجزائرية أكبر وأعمق من أن تهزها أو تنال منها منافسة رياضية من أى نوع‮ .‬
فى مساء نفس اليوم،‮ ‬وصل الفريق الجزائرى‮ .. ‬حيث لم‮ ‬يجد المهندس حسن صقر فى استقباله بالمطار‮ .. ‬وكان فى استقباله عدد من مسئولى اتحاد الكرة والقيادات الرياضية الأخرى‮ .. ‬إذ بالصدفة ذهب الرئيس مبارك إلى تدريب الفريق القومى لمؤازرتهم‮ .. ‬وكان أن ذهب حسن صقر إلى الاستاد‮ .. ‬وبعيْد دقائق من وصول الفريق الذى كان مشحونا معنويا بشكل رهيب إلى درجة أن إدارييه اصطحبوا معهم الطباخين‮ .. ‬وفى ذهنهم تحذيرات صحفية من تناول الملوخية المصرية حتى لايفقدوا السيطرة على أمعائهم‮ .. ‬واصطحبوا معهم أيضا‮ (‬ملاءات الأسرّة‮) ‬ليغطوا بها مفروشات الفندق‮ .. ‬وأغلقوا طابقا كاملا على أنفسهم خشية أى‮ (‬مكيدة مصرية‮).‬
بعد دقائق من هذا جرت واقعة قذف أتوبيس لاعبى الجزائر بالحجارة التى أنكرتها مصر‮ .. ‬واقعيا الواقعة حدثت‮ .. ‬ولكن الجانبين نحيا إلى أبعد نقطة واجبة فى التعامل مع الأمر‮ .. ‬مصر نفتها تماما‮ .. ‬وقالت إن اللاعبين الجزائريين قد افتعلوها خشية أن‮ ‬يؤدى هذا إلى إلغاء المباراة فى القاهرة ونقلها إلى ملعب آخر‮ .. ‬والجزائر ضخمت فى المشكلة وقررت تصويرها على أنها كارثة لكى تحاول أن تنقل المباراة إلى خارج القاهرة‮.‬
فى هذه الأثناء جرت اتصالات موسعة بين جهات الأمن المصرى ورئيس جهاز الرياضة ووزير الخارجية للسيطرة على الأمر‮ .. ‬وذهب حسن صقر إلى بعثة الفريق الجزائرى على سبيل الاطمئنان‮ .. ‬وأكد على الموقف الرسمى للحكومة المصرية الحريصة على سلامة جمهور وبعثة الجزائر‮ .. ‬والتقى بدوره وزير الشباب والرياضة الجزائرى‮.‬
فى اليوم التالى التقى وزير الخارجية أحمد أبوالغيط مجددا بوزير خارجية الجزائر‮ .. ‬ومرة جديدة جرى الاتفاق على ضرورة السعى بشكل مشترك لتهدئة الموقف على الجانبين خاصة فيما بين وسائل الإعلام‮ .. ‬التى كانت قد صعدت من حملات التراشق بعد حادث الأتوبيس‮ .‬
ولم‮ ‬يعلن فى القاهرة عن أن وزارة الخارجية وجهت السفارة المصرية فى الجزائر إلى تعزيز الاحتياطات الأمنية على مقار البعثة الدبلوماسية‮ .. ‬والمصالح المصرية المختلفة‮. ‬
انتهت المباراة الأولى بفوز الفريق المصرى ‮2- ‬صفر‮ .. ‬ما كان‮ ‬يعنى أن الفريقين لابد أن‮ ‬يتقابلا فى السودان‮ .. ‬ومن العجيب أن الجمهور الجزائرى خرجت مجموعات منه لتحتك بالجمهور المصرى السعيد فيما بعد المباراة وحول الاستاد‮ .. ‬ولم‮ ‬يكن عجيبا فيما بعد ذلك بساعات أن تحدث اشتباكات بين الجمهورين قرب فندق أوروبا‮ .. ‬لم تسفر سوى عن بعض الإصابات‮ .. ‬ولم‮ ‬يسقط قتلى‮ .. ‬لكن الصحافة الجزائرية راحت تتحدث بوضوح لا لبس فيه عن مذبحة للجمهور‮ .. ‬ووصل الأمر حد أن قالت الإذاعة الجزائرية الرسمية أن هناك قتلى بالفعل‮ .‬
تخاذل السفير الجزائرى فى القاهرة عبدالقادر حجار فى أن‮ ‬يعلن أنه لا‮ ‬يوجد قتلى‮ .. ‬رغم إلحاح الجهات المختلفة عليه‮ .. ‬وتراخت جهات مختلفة بالتالى فى الجزائر نفسها فى أن تهدئ من روع جماهيرها كما لو أن هذا الالتباس مقصود ومتعمد رغم أنه معروف العواقب‮.‬
أبلغت السفارة المصرية فى الجزائر بوقوع سلسلة من الاعتداءات على المصريين والشركات المصرية‮ .. ‬بحجة الانتقام من القتلى الجزائريين‮ .. ‬وكان الرئيس مبارك قد وصل إلى إيطاليا لحضور قمة الفاو‮ .. ‬ومن هناك تابع مجريات الأمور‮ .. ‬وأصدر توجيهاته إلى وزير الخارجية‮.. ‬وسارع عدد من الوزراء الموجودين فى الوفد الرسمى بإجراء اتصالات مع جهات وأفراد لمعرفة أبعاد الأمر‮ .. ‬فيما دار حوار بين رئيس الوزراء ووزير الخارجية على أثره اتصل الدكتور نظيف مساء‮ ‬يوم الأحد ‮51 ‬نوفمبر برئيس وزراء الجزائر أويحيى مطالبا إياه بأن تعمل سلطات الجزائر على وقف الاعتداءات على المواطنين والمصالح المصرية‮ .‬
وأجرى وزير الخارجية أبوالغيط اتصالا بالوزير مراد مدلسى طالب فيه بضرورة التدخل بسرعة كافية لاحتواء الموقف وحماية أرواح وممتلكات المصريين‮.. ‬وأن‮ ‬يقوم المسئولون الجزائريون بنفى أى أخبار عن وقوع ضحايا حتى‮ ‬يهدأ الرأى العام‮ .. ‬وفى نفس الوقت تلقت السفارة المصرية فى الجزائر ‮0002 ‬طلب فورى من المصريين هناك‮ ‬يطلبون الرحيل إلى القاهرة فى اللحظة‮.‬
قوة الشرطة فى الجزائر لايمكنها إيقاف شغب المباريات‮ .. ‬فما بالك بمجموعات من الحمقى المهتاجين الذين‮ ‬يعتقدون أن عليهم الانتقام لمن لم‮ ‬يقتلوا فى مصر‮ .. ‬ومن ثم كان من الضرورى تحرك قوات من الجيش لحماية الشركات التى تتعرض للهجوم بما فى ذلك عمالها فى مساكنهم‮ .. ‬ومن الطبيعى أنه لا‮ ‬يمكن أن تتحرك قوات الجيش إلا بأمر من الرئيس بوتفليقة الذى تأخر بعض الشىء فى إصدار ذلك الأمر‮ .. ‬ولم تهدأ الأمور إلا عند منتصف الليل‮ .‬
وبينما كان التليفزيون الجزائرى‮ ‬يكتب أسفل شاشته لفترة ليست قصيرة أنه لا‮ ‬يوجد قتلى جزائريون فى القاهرة‮ .. ‬كان السفير عبدالقادر حجار‮ ‬يرسل خطابا إلى الخارجية المصرية‮ ‬يقول فيه إنه نمى إلى علمه أن هناك قتلى‮ .. ‬ويطلب إبلاغه إن كان هذا قد حدث‮.‬
جرت الأحداث خلال هذا الوقت بالتوازى فى أكثر من مكان‮ .. ‬فى القاهرة شكلت الخارجية مجموعة أزمة‮ .. ‬ضمت عناصر من داخل وخارج الوزارة وبما فيها جهات أمنية مختلفة للتعامل مع مختلف تداعيات الموقف‮ .. ‬وفى نفس الوقت تشكلت‮ ‬غرفة عمليات لتيسير عمليات التسفير إلى السودان‮
فى الخرطوم‮ (‬يوم ‮51 ‬نوفمبر‮) ‬وجد السفير نفسه أمام مطلب من القاهرة بتوفير أكبر عدد من التذاكر للجمهور الذى سيحضر المباراة‮ .. ‬واجتمع دبلوماسيون مصريون مع مسئولى اتحاد الكرة السودانى‮ .. ‬وطلب الاتحاد السودانى موافاته بأعداد المشجعين وضيوف المقصورة‮ .. ‬وفى‮ ‬غضون ذلك وصل المنتخب إلى الخرطوم‮ .. ‬وحظيت بعثته بكل الحفاوة والاهتمام‮ .. ‬وتشجيع ملتزم‮ .‬
فى هذه الأثناء وبينما الفريق‮ ‬ينام كان المصريون فى الجزائر‮ ‬يواجهون ساعات رهيبة‮ .. ‬ومن ثم استدعى السفير الجزائرى فى القاهرة إلى وزارة الخارجية،‮ ‬حيث أبلغ‮ ‬بأن بلده تتحمل المسئولية كاملة عن أمن وسلامة المصريين‮ .. ‬وأرسل أبوالغيط إلى نظيره مدلسى رسالة شفوية مؤداها أن على السلطات الجزائرية أن تبدى تعاونا مماثلا لما تبديه مصر من تعاون لتهدئة الأوضاع بين جماهير البلدين‮ .. ‬وبالذات من خلال تصريحات علنية تنفى وقوع أى ضحايا جزائريين فى مصر‮ .‬
فى مساء‮ ‬يوم ‮61 ‬نوفمبر أجرى أبوالغيط اتصالا تليفونيا مباشرا مع الوزير مدلسى‮ .. ‬حيث حثه على قيام السلطات الجزائرية بالعمل على احتواء الموقف فى ضوء معلومات عن استمرار حالة التوتر فى محيط المصالح المصرية المختلفة والهتافات العدائية التى‮ ‬يتعرض لها المصريون وعمليات إحراق العلم المصرى‮ .. ‬مشيرا إلى بطء التحرك الجزائرى فى مواجهة الجماهير الغاضبة‮.‬
أجريت الاتصالات المختلفة بين جهات مصرية متنوعة للتعاون بشكل كامل مع السفارة الجزائرية‮ .. ‬لنقل المشجعين الجزائريين المتواجدين فيها إلى الخرطوم بأسرع ما‮ ‬يمكن‮ .‬
فى الخرطوم كانت الإجراءات تسير على قدم وساق‮ .. ‬اجتماعات مكثفة بين ممثلى الجهات المصرية المختلفة لترتيب عمليات وصول الجماهير التى اتضح فيما بعد أنها أقل مما تم توقعه‮ .. ‬وطلبت السلطات المدنية المصرية للطيران من الطيران السودانى ترتيب وصول ‮82 ‬رحلة‮ .. ‬ومضى موضوع التذاكر فى مرحلة جديدة‮ .. ‬بعد أن طلب السودانيون قيمة التذاكر قبل تسليمها لمندوبى السفارة‮ .. ‬فتدخل البنك السودانى المصرى وسدد شيكا ب ‮795 ‬ألف جنيه سودانى قيمة تسعة آلاف تذكرة من ‮03 ‬ألف تذكرة مقررة للمباراة‮ .. ‬وبطريقة أخرى استطاعت السفارة أن توفر ‮0524 ‬تذكرة إضافية‮ .. ‬من حصة الجمهور السودانى‮ .. ‬ربما‮ ‬يكون ذلك عن طريق السوق العادية‮ .. ‬لكنها فى النهاية بقيت مقيدة بضرورة أن تسدد المبلغ‮ ‬للبنك‮.‬
الرئيس السودانى عمر البشير فى هذا اليوم‮ (61 ‬نوفمبر‮) ‬أصدر قرارا بتشكيل لجنة عامة لترتيبات المباراة‮ .. ‬تفرعت منها خمس لجان‮ .. ‬واحدة للسكن والإيواء‮.. ‬وثانية للترحيب والنقل‮.. ‬وثالثة أمنية تحت إمرتها ‮51 ‬ألف جندى‮ (‬ارتفعوا فيما بعد إلى ‮81 ‬ألف جندى‮)‬،‮ ‬ورابعة إعلامية‮.. ‬وخامسة للترفيه عن المشجعين‮ .. ‬وتابع مسئولون مصريون على هامش تدريب المنتخب فى استاد أم درمان الإجراءات الأمنية المتوافرة للجمهور‮.‬
فى صباح‮ ‬يوم ‮71 ‬نوفمبر،‮ ‬وتعبيرا عن توتر عميق‮ .. ‬ومؤشرات مختلفة،‮ ‬تلقى الوزير مدلسى من أبوالغيط رسالة شفوية جديدة‮ .. ‬يعرب فيها عن قلقه العميق من ردود فعل الجماهير الجزائرية فى الخرطوم والجزائر إذا جاءت النتيجة‮ ‬غير مرضية لهم‮ .. ‬وطالب الوزير المصرى نظيره الجزائرى باتخاذ إجراءات الحماية للمصريين‮ .. ‬ووقف الشحن الإعلامى الزائد للجماهير‮ .. ‬واقترح عليه أن‮ ‬يقوم مسئولون جزائريون بزيارة تجمعات العمال المصريين لتهدئة خواطرهم‮ .‬ وفى هذا السياق عملت السفارة المصرية فى الجزائر تحت توجيهات على تهدئة روع المواطنين الذين‮ ‬يطلبون السفر‮ .. ‬وإجراء اتصالات مع مديرى الشركات التى لحقت بها أضرار لكى‮ ‬يطالبوا الجزائر بالتعويضات اللازمة‮ .. ‬والقيام بجولات مع مسئولين أمنيين جزائريين فى أماكن تجمعات المصريين لطمأنتهم واتخاذ إجراءات حمايتهم‮ .. ‬وفى ذات اليوم أجرى أبوالغيط اتصالا جديدا مع مدلسى،‮ ‬حيث أكد عليه ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المصريين فى الخرطوم أو الجزائر بعد أى نتيجة للمباراة‮ .. ‬ويلاحظ هنا تكرار هذا المعنى فى الاتصالات ما‮ ‬يعنى أن مصر كانت لديها مخاوف أكيدة وتريد تحميل الجزائر بمسئولياتها‮.‬
فى الخرطوم كان الوضع منشغلا بالمباراة‮ .. ‬اجتمع ممثلو الجهات المختلفة فى السفارة لتوزيع التذاكر فى صباح‮ ‬يوم ‮71 ‬نوفمبر‮ .. ‬وطرحت تذاكر الدرجة الثالثة فى منفذ بيع على باب السفارة‮ .. ‬وتدافعت الجماهير‮ .. ‬ولم تتمكن القوات السودانية من السيطرة عليها‮ .. ‬ودخلت فناء السفارة‮ .. ‬ونفدت التذاكر‮.‬
وفى الاجتماع تم ترتيب أمر الخيام ومجموعات العمل والأتوبيسات ورحلات الطيران بشكل مبدئى واستقدام الأطباء من مصر‮ (01 ‬أطباء طوارئ من دار الفؤاد‮) .. ‬وفجر فجأة ممثلو المجلس القومى للرياضة مشكلة أنهم سوف‮ ‬يأخذون التذاكر التى تخصهم‮ .. ‬وسيتركون أمر تذاكر اتحاد كرة القدم للاتحاد نفسه‮ .. ‬ووجدت السفارة نفسها فى مشكلة لأنها لابد أن تحصل على الثمن مقدما‮ .. ‬لأن عليها دينا للبنك،‮ ‬وزاد المأزق حين استلم مندوب المجلس تذاكر إضافية للمجلس‮ .. ‬وتذاكر خاصة بسمير زاهر بخلاف حصة الاتحاد‮ .. ‬ومن ثم وزعت السفارة بقية التذاكر على الجهات المصرية الأخرى حتى تسدد الشيك‮.‬
مساء‮ ‬يوم ‮71 ‬نوفمبر وخلال تمرين المنتخب‮ .. ‬فتح حسن صقر نقاشا مع السفير حول مشكلة التذاكر‮ .. ‬فشرح له السفير عفيفى مشكلته‮ .. ‬وقال إن السفارة دبرت ‮0021 ‬تذكرة أخرى بطريقة ما‮ .. ‬لتلبية طلبات صقر‮ .. ‬وسلم عفيفى لصقر ‮0051 ‬تذكرة درجة ثانية و‮001 ‬درجة ثالثة و‮11 ‬درجة أولى‮ .. ‬وطلب ممثل للمجلس القومى تذاكر إضافية فى المقصورة الرئيسية والجانبية‮ .. ‬ولم تتم الاستجابة لطلبه‮.‬
فيما بعد كتب حسن صقر فى تقريره أنه لم‮ ‬يتلق أى طلب من أى جهة مصرية لتوفير تذاكر‮ .. ‬وأنه ساهم فى حصول السفارة على خمسة آلاف تذكرة إضافية‮ .. ‬وأنها هى التى تولت التوزيع بناء على الاجتماع التنسيقى‮ .. ‬حتى تسدد الثمن‮.‬
فى صباح‮ ‬يوم ‮81 ‬نوفمبر بدأت الاحتكاكات بين الجمهورين مع بدء وصول الجماهير المصرية فى الرابعة صباحا‮ .. ‬ومن ثم فصلت سلطات المطار مصاف خروج الجمهورين المصرى والجزائرى‮ .. ‬وفى وقت مبكر تلقت السلطات السودانية بلاغات تفيد بدء سؤال الجماهير الجزائرية عن أماكن بيع الأسلحة البيضاء‮ .. ‬وبقية أحداث اليوم معروفة‮ .. ‬وإن كان‮ ‬يمكن أن أضيف إليها أنه قد تم تأمين خروج سيارات المنتخب من الاستاد فى أم درمان بسيارات مدرعة على الجانبين‮ .. ‬لمنع تعرضها لأى مضايقات‮ .. ‬لكن هذا لم‮ ‬ينف حدوث رشق بالحجارة من بين أفراد الجمهور الجزائرى لم تؤد إلى أى إصابات‮ .‬
فى صباح هذا اليوم‮ .. ‬الأربعاء قبل الماضى‮ .. ‬وقبل أن تتصاعد الأحداث‮ .. ‬كان أن أصدرت أمانة الإعلام فى حزب التجمع فى القاهرة بيانا ساذجا وخارج ما تذهب إليه الأحداث‮ .. ‬عنوانه‮: (‬نداء إلى الجماهير العربية المتابعة لمباراة مصر والجزائر‮) .. ‬وفيه مطالبة لتلك الجماهير بأن ترفع أعلام فلسطين إلى جانب أعلام مصر والسودان والجزائر‮ .. (‬اجعلوا علم فلسطين‮ ‬يرفرف فى السماء فقضية فلسطين هى التى توحد العرب‮).. ‬وبالطبع لم‮ ‬يستجب أحد‮.‬
فى القاهرة كانت الأوضاع مختلفة صباح اليوم التالى‮ .. ‬إذ عقد اجتماع عاجل فى مقر الرئاسة‮ .. ‬برئاسة الرئيس‮ .. ‬وحضور رؤساء مجالس الوزراء والشعب والشورى‮ .. ‬ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والطيران والشئون البرلمانية والإسكان والإعلام ورئيس المخابرات ورئيس ديوان الرئيس ورئيس المجلس القومى للرياضة‮ .. ‬ودار نقاش طويل حول الأحداث التى وقعت للجماهير المصرية فى الخرطوم‮ .. ‬ومن الواضح أنه كانت هناك وجهتا نظر فى الاجتماع‮ .. ‬الأولى تميل إلى الحدة‮ .. ‬والثانية تميل إلى الحسم والحزم والحفاظ على المصالح بكل دقة وبدون تصعيد منفعل‮ .. ‬على أساس أنه لايوجد خلاف استراتيجى بين كل من الجزائر ومصر‮ .. ‬وإنما هى تبعات مباراة كرة‮.‬
والتزمت الرئاسة المصرية موقفا محددا‮ .. ‬يبقيها فى المخزون الاستراتيجى حسب تطورات الأحداث‮ .. ‬ومنحت الخارجية مرونة أكبر فى الحركة والتعبير عن الغضب المصرى‮ .. ‬وهكذا صدر بيان تقريرى من الرئاسة كان أقسى ما فيه هو وصفه لما جرى فى الخرطوم ب(الأعمال الغوغائية‮) .. ‬وتأكيده على أن الرئيس اطمأن حتى فجر اليوم على عودة جميع المصريين بدون خسائر فى الأرواح‮.. ‬فى حين كان بيان الخارجية أكثر وضوحا‮ .. ‬وعلى إثره استدعى السفير الجزائرى إلى وزارة الخارجية‮.. ‬وقد تباطأ فى الحضور‮ .. ‬وقال لبعض من حوله لقد علمت باستدعائى من وسائل الإعلام قبل أن أعلم به من الخارجية‮.. ‬ويبدو أن هذا كان معنى مقصودا‮.‬
فى هذا الاستدعاء‮ ‬يوم ‮91 ‬نوفمبر قال مساعد الوزير للشئون العربية للسفير الجزائرى أن مصر مستاءة جدا من التصريحات التى أدلى بها وزير التضامن الجزائرى بخصوص أحداث مباراة‮ ‬يوم ‮41 ‬نوفمبر‮ .. ‬وأنها تصريحات لم تؤد إلا لتأجيج المشاعر بين الشعب الجزائرى؛ الأمر الذى‮ ‬يعرض حياة المصريين فى الجزائر للخطر‮ .. ‬وهو ما انعكس على تصرفات مشجعين جزائريين فى الخرطوم اعتدوا على الجماهير المصرية‮ .‬
وتكرر على السفير ما قيل له من قبل‮ ‬يوم ‮61 ‬نوفمبر بضرورة أن‮ ‬يقوم المسئولون الجزائريون بإصدار تصريحات إعلامية تعمل على تهيئة الأجواء‮ .. ‬وأن هناك ضرورة لقيام مسئولين جزائريين بتفقد ميدانى للمصالح المصرية وأماكن إقامة الرعايا المصريين‮ .. ‬وأنه على الرغم من حرص مصر على عدم ترحيل المواطنين المصريين فى الجزائر وحرصها على عمل الشركات المصرية هناك على أساس أن هذا‮ ‬يعود بالنفع على الجانبين،‮ ‬فإن على الجزائر أن تنظر بشكل إيجابى فى أية مطالب تتقدم بها الشركات المصرية التى تضررت من أعمال العنف‮ .‬
ورد السفير بأن هناك حرصا كاملا على أرواح المصريين وممتلكاتهم‮ .. ‬ومن ثم كرر إلقاءه باللائمة على القنوات الفضائية التى شحنت المشجعين فى الفريقين،‮ ‬وقال إنه صدرت تعليمات لرؤساء الأحياء لتقييم أوضاع المصريين والعمل على راحتهم‮ .. ‬وأن الشركات المصرية مؤمن عليها وليس هناك ما‮ ‬يمنع من الاستجابة لطلبات الشركات‮.. ‬وهاجم السفير شركة أوراسكوم وانتقد قيامها ببيع مصنع الأسمنت لشركة لافارج الفرنسية التى سبق أن أممتها الثورة الجزائرية‮ .‬
ومن العجيب أن‮ ‬يثير السفير هذه المسألة الخاصة بموضوع أوراسكوم وشركة لافارج الفرنسية فى هذا التوقيت‮ .. ‬إذ كان الموضوع قد طرح من قبل خلال زيارة رئيس الوزراء الدكتور نظيف إلى الجزائر قبل أشهر طويلة‮ .. ‬وأبدى المسئولون الجزائريون امتعاضهم من هذا التصرف‮ .. ‬وفى دوائر مختلفة دافعت شركة أوراسكوم عن تصرفها بأساليب مختلفة‮ .. ‬فهى أولا مملوكة لأسهم مصرية‮ .. ‬ويديرها رئيس مجلس إدارة مصرى‮ (‬ناصف ساويرس‮) .. ‬والأهم أن شركة لافارج موجودة فى الجزائر‮ .. ‬وشاركت الحكومة فى مصنع أسمنت آخر‮ .. ‬ولديها تعاقد معها على محطة كهرباء‮ .. ‬وأغلب السيارات التى تسير فى الشوارع الجزائرية فرنسية‮ .. ‬رينو وبيجو‮.‬
ويعتقد كثير من المتابعين للبيزنس فى الجزائر أن جزءا من التسخينات الحالية له علاقة بمجموعة مصالح‮ ‬يمثلها السعيد بوتفليقة‮ .. ‬شقيق بوتفليقة الرئيس باعتباره وكيلا لشركات مقاولات منافسة من إيطاليا والصين‮ .. ‬فى حين أنه فى مجال الاتصالات تعتقد أوراسكوم تيليكوم المالكة لشبكة‮ ‬جازى‮ ‬التى لديها ‮41 ‬مليون مشترك فى الجزائر أنها تدفع دفعا إلى أن تبيع ترخيصها الذى حصل عليه نجيب ساويرس ب‮007 ‬مليون دولار لمدة ‮51 ‬سنة‮ .. ‬ومن ثم فإن هذه المصالح بالتحديد هى التى تعرضت أكثر من‮ ‬غيرها للتضرر‮.‬
عموما السفير الجزائرى بعد أن خرج من هذا الاستدعاء‮ .. ‬كان أن أصدر بيانا صحفيا‮ ‬يدافع فيه عن نفسه‮ .. ‬ويقول أنه قد كرر مرارا أنه لم‮ ‬يسقط أى ضحية جزائرية فى القاهرة‮ .. ‬مشيرا إلى عدد الحوارات التى أجراها مع محطات التليفزيون فى مصر بدءا من دريم إلى مودرن واللورد‮ .. ‬وسرد القائمة كلها‮ .‬
استدعاء سفير مصر‮ ‬
وأعلنت مصر بعيد ذلك بساعات فى‮ ‬يوم ‮91 ‬نوفمبر القرار الذى اتخذ فى صباح نفس اليوم باستدعاء السفير المصرى للتشاور فى أسرع وقت‮ .. ‬وتفاعلت الأمور‮ .. ‬وتظاهر عشرات المصريين فى وقت متأخر من اليوم نفسه أمام سفارة الجزائر إلى فجر اليوم التالى‮ .. ‬وفجأة اتصل السفير عبدالقادر حجار بمساعد وزير الخارجية المصرى فى الساعة الرابعة صباحا‮ .. ‬وقال إن السفارة تتعرض لاعتداءات‮ .. ‬وأنه وخمسة من أعضائها موجودون داخلها‮ .. ‬وأنه‮ ‬يطلب الحماية اللازمة من قبل قوات الأمن المصرية‮.‬
وبعد ساعة عاد السفير واتصل مدعيا أن مسئولا فى رئاسة الجمهورية قد اتصل به وأبلغه صدور قرار بقطع العلاقات بين مصر والجزائر‮ .. ‬وعليه مغادرة البلاد فى‮ ‬غضون ‮42 ‬ساعة‮ .. ‬وأجابه مساعد الوزير بأن هذا الكلام‮ ‬غير صحيح‮ .. ‬وأن التعامل مع البعثات الدبلوماسية‮ ‬يكون من خلال وزارة الخارجية‮.‬
وبعد ذلك تبين أن كل ما‮ ‬يدعيه السفير بخصوص تعرض السفارة للتعدى‮ ‬غير صحيح‮ ..‬لأن هناك تشكيلين من قوات الأمن المركزى‮ ‬يحيطان بها‮ .. ‬ولاسيما أن هناك أوامر من وزير الداخلية بمضاعفة التأمين‮ .. ‬للسفارة وكل المصالح الجزائرية‮ .. ‬وقد أبلغ‮ ‬السفير بهذه المعانى‮ .. ‬فادعى أن لديه أكياسا من الأحجار التى تلقى على السفارة‮ .. ‬وعادت الخارجية لكى تطمئنه إلى إجراءات الحماية‮ .. ‬وهو ما ثبت بالفعل‮.‬
فى صباح اليوم التالى‮ (02 ‬نوفمبر‮) ‬استدعى سفيرنا فى الجزائر للقاء وزير الخارجية الجزائرى مراد مدلسى‮ .. ‬وأشار الوزير إلى اتصالاته المتوالية مع الوزير أبوالغيط‮ .. ‬وتحدث عن الإجراءات التى قامت بها السلطات الجزائرية لتأمين المصالح المصرية‮ .. ‬وأن رؤساء البلديات فى ولايات وهران والمسلة وسكيكة قد زاروا المواقع المصرية للاطمئنان عليها‮ .. ‬وأنه لم تصدر تصريحات تصعيدية من أى مسئول جزائرى‮ .‬
وفيما‮ ‬يبدو فإن رؤساء البلديات أبلغوا السلطات الجزائرية بأن تقديرهم هو أن عددا قليلا من المصريين‮ ‬يريد أن‮ ‬يغادر الجزائر‮ .. ‬ولكن السفير المصرى قال للوزير إن تقديرات السفارة مختلفة‮.‬
ويشير هذا الموقف إلى ما كان قد دار بين مصر والجزائر خلال الأزمة‮ .. ‬إذ طلبت الجزائر عدم ترحيل المصريين رسميا وأن‮ ‬يكون هذا من خلال رحلات طيران عادية‮ ‬غير إضافية‮.‬
وعاد الوزير لكى‮ ‬يقول للسفير إنه فوجئ بأنه قد تم استدعاؤه للقاهرة‮ .. ‬وأنه‮ ‬يأمل أن تكون مدة هذا الاستدعاء ثلاثة أو أربعة أيام‮ .. ‬وقال إنه قرار‮ ‬غير مقبول ومؤسف بشكل قاطع‮ .. ‬وإن الجزائر رغم كل هذا سوف تلتزم التهدئة وعدم التصعيد‮.‬
متى‮ ‬يعود؟
عاد السفير المصرى إلى القاهرة‮ ..‬وانقضت الأيام الأربعة‮ .. ‬ولم‮ ‬يعد بعد‮ .. ‬وقال وزير الخارجية إن السفير لن‮ ‬يعود من استدعائه إلا حين تنقضى أسباب استدعائه‮.‬
أما العمال المصريون الذين وصلوا إلى مصر على فترات متقطعة وبإصرار شديد خلال الأيام الماضية‮ .. ‬فإن أصحاب أعمالهم‮ ‬يتوقعون أن‮ ‬يعود الكثيرون منهم إلى الجزائر بعد العيد‮ .. ‬فهل انتهى المشهد؟ أم أن له بقية أو بقايا؟
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي‮: ‬
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.