فرضت الجامعة العربية، سياجا من السرية حول الاتصالات التي يجريها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بهدف تطويق الخلافات بين مصر والجزائر التي رافقت مباراة كرة القدم بين منتخبي البلدين في أم درمان الأربعاء الماضي. ورفض مقربون من موسى الإفصاح عن أي تفاصيل بشأن اتصالات الأخير بين البلدين، وهو ما عزز تكهنات بعدم التعاطي الإيجابي من جانب الجزائر إزاء جهود الأمين العام، خاصة مع إعلان السفير الجزائريبالقاهرة عبد القادر حجار، أن بلاده لا تنوي تقديم أي اعتذار لمصر عن أحداث أم درمان، رافضا تحميل بلاده مسئولية تلك الأحداث. واعتبرت مصادر السفارة الجزائرية أن المشجعين الجزائريين الذين استخدموا الأسلحة البيضاء في ترويع الجمهور المصري كانوا يردون على الاعتداءات ضدهم إبان المباراة التي أقيمت باستاد القاهرة في 14 نوفمبر. وفي المقابل، لم تبد القاهرة حماسا للاتصالات التي يجريها موسى، ورفض المسئولون المصريون التعليق أو تحديد موقف مصر من هذه الوساطة، ما أسهم في خلق حالة من التشاؤم حيال مساعي الوساطة التي يقوم بها. يأتي هذا في الوقت الذي استبعدت مصادر دبلوماسية إمكانية تطويق الأزمة بين مصر والجزائر خلال الفترة القادمة، لاسيما وأن هناك أجنحة داخل الحكم الجزائري لا تدعم هذا التقارب ولا تؤيده في المرحلة القادمة على الأقل، وفي ظل رفض سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الطامح في خلافة شقيقة في السلطة، الذي يستغل ما حدث لاكتساب أرضية داخل الجزائر. ويحظى سعيد بدعم أجنحة من الحكم الجزائري، لاسيما أن التيار المهيمن حاليا على الأوضاع هناك لا يؤيد أي تقارب مع مصر، ولم يبد أي تجاوب على السعي لتخفيف حدة الأزمة أو حتى التعهد بدفع تعويضات للمستثمرين المصريين والهيئات المصرية التي تم الاعتداء عليها في الجزائر. وكانت أجواء من التوتر الشديد هيمنت على مناقشات مجلس الشعب أمس حول اعتداءات المشجعين الجزائريين على الجماهير المصرية في أعقاب مباراة مصر والجزائر الأربعاء الماضي في تصفيات كأس العالم لكرة القدم، حيث اندلعت مشادات حادة نتيجة لتضارب الآراء حول سير المناقشات. وخلال اجتماع اللجنة المشتركة من لجان الشئون العربية والشباب والدفاع والأمن القومي أمس برئاسة اللواء سعد الجمال، أعلن الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابة أنه تقرر ألا يلعب أي فريق مصري مع فريق جزائري أي مباراة في المنافسات الإقليمية والدولية. وكادت تقع مشادة بالأيدي بين علاء مكاوي النائب عن الحزب "الوطني" والنائب الوفدي محمد مصطفى شردي، إثر اتهام الأخير للمنصة ممثلة برؤساء اللجان بمحاولة قتل المناقشات، وتمويت الموضوع، قائلا لهم: إنكم ترغبون في ضرب هذا الموضوع بالرصاص في دماغه، ما أثار احتجاج مكاوي الذي تبنى موقفا مدافعا عن حزبه، لكن تدخل النواب حال دون تطور الموقف بين الطرفين. وكان عدد من نواب الأغلبية والمعارضة سارعوا إلى الوقوف على المنصة، رافضين اقتراح الجمال بالاستماع إلى بيان الحكومة ممثلة في الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية قبل الاستماع إلى مقدمي طلبات الإحاطة. وانفعل الجمال بشدة، مطالبا النواب بالعودة إلى أماكنهم، لتلتهب الأجواء داخل القاعة، خاصة مع ارتفاع صوت نائب الأغلبية محمد عامر محتجا على المنصة، قائلا: "اشمعنى مش عايز تمنحني الكلمة.. مفيش حاجة اسمها نائب سوبر ولا نائب بشرطة.. ومفيش حاجة اسمها نواب كومبارس ونواب أبطال.. كلنا نواب وطنيون وحريصون على المصلحة العليا للبلد". وقال الجمال، إن ما وقع من أحداث وقع خارج الملعب وفي الطرقات هي أحداث فردية، خاصة وأن عدد الجماهير المصرية كان يفوق عشرة آلاف، وتابع: لسنا دعاة لشغب ولا فوضى وقد علمنا هذه الشعوب الحضارة والرقي والتقدم والخلق القويم. وقال النائب مصطفى بكري، وهو أحد شهود العيان على أحداث الخرطوم "إننا نسعى إلى تمويت القضية، وهناك مواطن مصري قلب عليه الجزائريون "الترابيزة" في شارع الشانزلزيه بباريس"، مضيفا: نحن حريصون على العلاقات العربية- العربية. بينما انتقد النائب الدكتور جمال زهران غياب وزراء الإعلام والخارجية والطيران عن الاجتماع، واتهم الفضائيات المستقلة بأنها تشن حملة معادية، محملا وزير الإعلام المسئولية عن ذلك، وطالب بعزل سفيري مصر في الجزائروالخرطوم فورا، بعدما اتهمهما بالتقصير في أداء واجبيهما. إذ قال إن سفير مصر بالجزائر لم يقم بإبلاغ القاهرة بأية معلومات عن الترتيبات التي تجرى بالجزائر لإحداث الشغب الجزائري في الخرطوم، وتساءل أيضا: "أين سفيرنا في السودان وقد ذهب "البلطجية" الجزائريون في اليوم التالي لانتهاء مباراة القاهرة، حتى نقوم بإرسال بلطجية من هنا لا أن يذهب "المنشيون" إلى هناك". بدوره، طالب النائب الدكتور مجدي علام وهو أحد شهود العيان بإعداد ملف قانوني يوجه اتهامات محددة للحكومة الجزائرية عما ارتكبته جماهيرها بالخرطوم، كاشفا أن 48 طائرة حربية جزائرية نقلت جمهور الجزائر إلى الخرطوم، واتهم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي كان متواجدا بالخرطوم بأنه وراء ما حدث، حيث دفع مبالغ للسيارات نصف نقل و"التوك توك" في الخرطوم لحمل الجزائريين والطوب والحجارة للاعتداء على المصريين، على حد قوله. وقال إنه لديه أسماء شهود سودانيين، كما أن الصحف الجزائرية أكدت بما نشرته تورط الحكومة الجزائرية، وطالب اتحاد الصحفيين العرب ومجلس وزراء الشباب والرياضة العرب واتحاد المحامين العرب بحث هذا الملف، كما دعا النائب العام إلى إيفاد موفد من النيابة إلى السودان لمتابعة التحقيقات مع 62 متهما جزائريا من أصل 210 جزائري تم اعتقالهم على خلفية أحداث العنف عقب المباراة، بينما تم الإفراج عن الباقين. من ناحيته، دعا النائب طلعت السادات الرئيس حسني مبارك إلى القيام بما دعاها "ثورة تصحيح"، قائلا: "الكيرف" في النازل ولنا أن نذكر حادث ضرب وزير الخارجية المصري السابق (أحمد ماهر) في القدس، وأضاف: لابد من أن يكون هناك احترام للمصري في بلده قبل أن نطالب الآخرين باحترامنا محملا الجهات الأمنية مسئولية ما حدث. جاء ذلك فيما حملت الحكومة المصرية، الجزائر مسئولية ما حدث للمصريين بالجزائر أو الخرطوم، وأكد الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابة "أننا سننتظر الإجراء المقابل من الحكومة الجزائرية، ولن نفرط في حق أي مصري ناله ضرر سواء في الجزائر أو الخرطوم، وكذلك أية منشآت مصرية تضررت في الجزائر بسبب اعتداءات الجزائريين، وسنتخذ كافة الإجراءات القانونية أمام القضاء الداخلي أو الخارجي إذا استلزم الأمر لاسترجاع حقوقنا". وأضاف: إننا نتابع الموقف لتأمين سلامة المصريين في الجزائر وكذلك المنشآت المصرية، وسوف نتخذ إجراءات أكثر وأشد في ضوء تطور الموقف وهناك متابعة دقيقة من كافة الأجهزة ذات العلاقة يقودها الرئيس حسنى مبارك بنفسه. ونفى شهاب أن تكون الحكومة قصرت في حماية مواطنيها، موضحا أن الجهات المعنية أجرت اتصالات ابتداء من 10 نوفمبر قبل مباراة القاهرة بأربعة أيام لتأمين المصريين بالجزائر وضمان التدابير لخروج المباراة بصورة جيدة، كما أجرت اتصالات قبل مباراة الخرطوم وحرص الرئيس مبارك بنفسه على إجراء الاتصالات حتى الساعة الخامسة صباحا لتأمين عودة المصريين من الخرطوم، مشيرا إلى أن الطائرات كانت كافية لنقل المصريين، لكن نتيجة للتوتر والاعتداءات ووصول الجزائريين للمطار ووجودهم على طريق المطار تسبب في حالة من الفوضى. وقال إن رئيس الجمهورية دعا إلى اجتماع عاجل يوم الأربعاء وتقرر استدعاء السفير الجزائريبالقاهرة وتوجيه رسالة عنيفة تحمل الجزائر كل ما حدث للمصريين، كما وصل السفير المصري بالجزائر أمس للتشاور، وهذا "بمثابة رسالة احتجاج من جانبنا". وأكد شهاب أننا "نتابع الموقف أولا بأول مع عدم الدخول في أي تفاصيل إلا بعد معرفة التحقيقات التي تجرى بالخرطوم نتيجة بلاغات المصريين عن الاعتداءات التي وقعت عليهم، وكذلك في الجزائر لإعداد ملف قانوني لتحديد حجم الأضرار تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية للحصول على التعويضات المباشرة". وأشار إلى أن رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف اتصل بنظيره الجزائري، كما اتصل رئيس مجلس الشعب الدكتور أحمد فتحي سرور بنظيره الجزائري، وكذلك وزير الخارجية بهدف الخروج باعتذار رسمي من جانب الجزائر عما حدث، ثم بعد ذلك نتخذ الإجراءات ضد المعتدين. لكنه قال إن هذا لم يحدث بسبب الأوضاع غير الطبيعية هناك، ولو كانت الأوضاع طبيعية لما حدث هذا، وأشار إلى أنه تقرر ألا يلعب أي فريق مصري مع فريق جزائري أي مباراة في المنافسات الإقليمية والدولية. وأشاد شهاب بالجهود السودانية للوصول بالمباراة إلى بر الأمان، حيث بذل المسئولون هناك أقصى الجهود لذلك، وكانت هناك ترتيبات بعد المباراة تقضي بخروج الخاسر أولا، لكن للأسف هاجم الجزائريون المشجعين المصريين بعد انتهاء المباراة.