عقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير زاد الحديث عن أهمية حرية التعبير وقبول الآخر، لما أحدثته الثورة من خلق حالة جديدة من التعددية السياسية وإتاحة الفرصة لظهور قوى سياسية جديدة ليس لديها الخبرة الكافية لممارسة السياسة. من المؤكد أنه لا يمكن لأى دولة أن تحقق التحول الديمقراطى بدون غرس ثقافة الحوار وقبول الآخر، وانطلاقاً من ذلك يُثار فى ذهنى سؤال وهو: أين الحوار من النظام السياسى المصرى؟
يكون الحوار عادة بين أطراف مختلفة أيديولوجياً وفكرياً؛ كل منها يتحاور ويتناقش محاولاً إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره، وفى أحيان كثيرة قد يتفق الأطراف على بعض النقاط فيما بينهم ومن ثم يتحول الحوار إلى حوار بناء يتم توجيهه لخدمة الصالح العام.
حين نستعرض التاريخ المصرى نجد أن الحوار قد غاب عن النظام السياسى المصرى لفترات طويلة فللأسف الشديد عادة ما كانت تشهد النظم السياسية فى مصر حواراً من طرف واحد وهو الحزب الحاكم فقط والمؤسسات التابعة له، أما بقية الأطراف فعادة ما تكون أطرافاً وهمية غير قادرة على المشاركة فى صنع القرار.
بعد قيام ثورة يناير التى أطاحت بنظام مبارك وأتاحت المجال لظهور قوى سياسية جديدة ذات توجهات فكرية مختلفة زادت الرغبة فى الحوار فيما بينها للمساهمة فى رسم مستقبل مصر، ولكن هل يمكننا أن نصف هذا الحوار بأنه حوار بنّاء؟ فى تقديرى «لا»! بدليل جلسات مجلس الشعب التى تفتقر فى تقديرى إلى مبادئ وأسس الحوار، فهى بلا شك دليل على عدم استيعاب الشعب المصرى للديمقراطية وقيم التنوع والاختلاف.
لكن فى الوقت نفسه يجب أن نلتمس العذر، فلأول مرة يشارك الشعب المصرى فى رسم خريطة ومستقبل الوطن.
وصلت شعوب الدول الديمقراطية الحديثة المتمثلة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا لدرجة عالية من الديمقراطية تجعلها قادرة على إجراء أقصى درجات الحوار وهى المناظرات، والمناظرة تعنى منافسة بين طرفين مختلفين يحاول كل طرف التغلب على الطرف الآخر بالحجة والمنطق والإقناع، وحينما نقول مناظرات عادة ما تأتى فى الأذهان انتخابات الرئاسة الأمريكية وما تشهده من مناظرات بين المرشحين لمنصب الرئاسة بحيث يقدم كل مرشح برنامجه الانتخابى وبناءً عليه يختار الشعب من هو أكثر إقناعاً وقدرة على خدمة الصالح العام، والسؤال هنا: هل يمكن ممارسة ثقافة المناظرات فى مجتمعاتنا العربية؟
ما يعيشه العالم العربى الآن من تعددية ورغبة ملحة فى تحقيق التحول الديمقراطى هو أنسب وقت لغرس تلك الثقافة فى عقول الشعوب العربية خاصة فى ظل كثرة التيارات الأيديولوجية وحالة الانفتاح الفكرى التى يشهدها العالم العربى الآن، وبالتالى فنشر تلك الثقافة أصبح ضرورة حتمية فالمناظرات تغرس فى الفرد مجموعة من القيم الأساسية مثل: مهارات التفكير التحليلى، والقدرة على الإقناع، والتسامح، واحترام وقبول الآخر.
فى أعقاب ثورة يناير وقبيل الانتخابات البرلمانية ظهرت ممارسات عديدة لمناظرات تم تنظيمها من قبل العديد من المؤسسات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدنى فى مصر وعادة ما كانت بين التيار الليبرالى والتيار الإسلامى وعلى الرغم من أن ثقافة المناظرات هى بالأساس أقرب إلى الفكر الليبرالى فإن استجابة التيار الإسلامى لها كانت كبيرة ومثمرة.
أيضاً بادرت مؤسسات عديدة نحو نشر ثقافة المناظرات بين الشباب؛ ففى أواخر العام الماضى بدأت مؤسسة أناليند بالتعاون مع المركز الثقافى البريطانى فى تنفيذ مشروع «صوت الشباب العربى» بهدف نشر ثقافة المناظرات بين الشباب العربى من خلال تدريب الشباب وتنظيم نوادٍ للمناظرات حول الموضوعات المختلفة التى تهم الرأى العام العربى، وذلك من خلال الاستعانة بعدد من منظمات المجتمع المدنى، والمدارس، والجامعات، وغيرها، وقد انطلقت المرحلة الأولى من المشروع فى ثلاث دول «مصر - تونس - الأردن» وقد لاقت الفكرة قبولاً كبيراً..
تعيش مصر الآن لحظة تاريخية فارقة فخلال الشهور القليلة المقبلة سيشارك الشعب المصرى فى اختيار أول رئيس مصرى منتخب وهو أمر فى غاية الأهمية يتطلب من المواطن المصرى الحذر، فيومياً نسمع عن أسماء جديدة لمرشحين للرئاسة دون وجود برامج واضحة ومعلنة تجعلنى على أساسها كمواطن أصوت لمرشح معين على أساس منهجى ومنطقى، كل ما نتمناه خلال المرحلة المقبلة أن يأتى اليوم الذى يختار فيه الشعب الرئيس الأنسب والمقنع والقادر على تحقيق طموحات الشعب، وبالتالى فلماذا لا يتنافس المرشحون فيما بينهم على غرار انتخابات الرئاسة الأمريكية من خلال تنظيم مناظرات رسمية تبث فى وسائل الإعلام الرسمية يعلن فيها المرشحون عن برامجهم بشكل واضح ومعلن؟∎
إخصائى بمنتدى الحوار والدراسات السياسية بمكتبة الإسكندرية