17 مايو، يحتفل محبو الفن في العالم العربي بعيد ميلاد عادل إمام، الفنان الذي لم يكن مجرد ممثل ناجح، بل ظاهرة ثقافية متكاملة، استطاعت أن تعبر عن نبض الشارع وتغير مفاهيم الكوميديا والدراما والسياسة في الفن المصري والعربي. خمسة عقود من العطاء جعلته يتربع على عرش لا ينازعه فيه أحد، حيث جمع بين الشعبية الطاغية والنقد الجاد، بين الضحك العفوي والرؤية العميقة، بين التسلية والرسالة. البداية من خشبة المسرح ولد عادل إمام عام 1940 في حي السيدة عائشة بالقاهرة، ودرس في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وهناك كانت انطلاقته المسرحية الأولى، حيث انضم إلى فرقة التليفزيون المسرحية، وبدأت موهبته تتفتح شيئًا فشيئًا، حتى بزغ نجمه في عروض مثل "مدرسة المشاغبين" و"شاهد مشفش حاجة"، والتي لم تكن فقط عروضا مسرحية ناجحة، بل لحظات فاصلة في تاريخ الكوميديا العربية. الزعيم على شاشة السينما على مدار مسيرته السينمائية، قدم عادل إمام أكثر من 100 فيلم، تنقل فيها بين الكوميديا الخفيفة والدراما الاجتماعية والسياسية، لكنه كان أكثر من مجرد "ممثل"، بل استخدم السينما كمنصة لطرح الأسئلة والقضايا في المجتمع، في "الإرهاب والكباب"، جسد ببراعة مأزق المواطن المصري المطحون في مؤسسات الدولة، وفي "طيور الظلام"، كان الصراع بين الفساد والسلطة والتيارات الدينية محورا جريئا، أما في "الإرهابي"، خاض معركة فنية ضد التطرف، في وقت كان فيه الخوف من الإرهاب يفرض الصمت على الجميع. الدراما والتجديد المستمر لم يتوقف عادل إمام عند السينما، بل عاد بقوة إلى الدراما التلفزيونية في مرحلة لاحقة، من خلال مسلسلات مثل "فرقة ناجي عطا الله"، "العراف"، "أستاذ ورئيس قسم"، و"عوالم خفية" هذه الأعمال، وإن اختلف تقييمها الفني، أكدت قدرة الزعيم على مواكبة تغيرات السوق الفني والبقاء حاضرا في وجدان الناس حتى وهو يقترب من الثمانين. ورغم شهرته الجارفة، ظل عادل إمام بعيدا عن الأضواء الشخصية، نادر الظهور إعلاميا، يحتفظ بخصوصيته كأب وزوج، وقد أنجب اثنين من الأبناء، أحدهما هو المخرج رامي إمام، الذي أصبح شريكا له في العديد من مشاريعه الدرامية، ما يعكس جانبا عائليا دافئا في حياة الزعيم. ما الذي يجعل عادل إمام استثناء؟ ربما هو هذا المزيج النادر بين الحس الشعبي والوعي الثقافي، بين الذكاء الفطري والبساطة، بين النكتة والقضية، لم يكن فنانا يسعى فقط لإضحاك الجمهور، بل كان أحيانا يعري الواقع ويكشف المسكوت عنه، من دون أن يفقد حب الناس، ويكمن سر الزعيم الحقيقي هو "التلقائية المحسوبة"، فهو يبدو بسيطا على الشاشة، لكن كل حركة وتعبير محسوب بدقة، وهو ما جعل أداءه لا يمل مهما تكرر. في عيد ميلاده الخامس والثمانين، لا نحتفل فقط بميلاد نجم كبير، بل نستعيد مشاهد من ذاكرتنا الشخصية، نضحك على جملة قالها، أو نتأمل في مشهد مؤثر قدمه، أو نضع فيلما قديما له كي نستريح من صخب الواقع، عادل إمام هو من القلائل الذين لم يصبحوا مجرد اسم في قائمة الفن، بل مرآة لعقود من تحولات المجتمع، من زمن الأبيض والأسود إلى ثورة الإنترنت.. ربما يغيب عن الشاشة، لكن حضوره في قلوب محبيه لا يغيب.