لم أتصور عندما قررت دخول فيلم الزعيم عادل إمام أنه سيبكيني قبل أن يضحكني، وسيضعني أمام قضية نفسية وفلسفية مهمة لهذا الحل، هي أن غياب العقل والذاكرة ونسيان كل من حولي حتي أصدقائي وأحبابي مؤلم لهذه الدرجة، فهو الموت بعينه ووجدتني أقول في أعلي موقف تراجيدي بتقسيمات وجه عادل إمام العظيم، وهو يبكي مشاهداً مصيره أمام عينيه متمثلا في صديق عمره الفنان سعيد صالح وقد سبقه لهذا المرض الذي أنساه حتي أولاده وجعله لا يتحكم في نفسه، إن أي مرض عضوي قد يكون أهون من هذا العذاب لإنسان لا يذكر بيته ويستيقظ مستغربا كل من حوله، وقد يصل ذلك لنسيانه أولاده. وكان أكثر المواقف تأثيرا ورمزا عندما مشي الصديقان عادل إمام وسعيد صالح في نفس الطريق يفصلهما سور حديدي لدار الرعاية التي يسكنها سعيد صالح بعد أن تمكن منه هذا المرض اللعين، الذي لا يعطي الفرصة لصاحبه بقهره لأنه ببساطة ينسيه من هو.. وبقدر هذا الحزن والتعايش مع شخصية البطل عادل إمام بقدر الضحك والسعادة التي شعرت بها عندما اكتشفت أن الموضوع لا يتجاوز خطة وضعها أولاده لإيهامه بإصابته بالزهايمر .. ومع أن قصة الأبناء الانتهازيين وزوجة الابن الشريرة فكرة مستهلكة دراميا، إلا أن خفة دم الزعيم، وإتقان الدور لكل من فتحي عبد الوهاب وأحمد رزق في دور الابنين والمواقف الكوميدية التي «خلص فيها والده حقه منهم» أكسبت الفيلم طعما كوميديا أضحك كل من بالسينما، خاصة عندما جمع ولديه في البانيو وصمم علي أن «يحميهم» ليؤكد لهم أنه بالفعل قد أصيب بالزهايمر من تأثير الأدوية التي اتفقوا مع الطبيب علي إعطائها له لتؤثر في ذاكرته أمام المحكمة، وهنا أبدع عادل إمام كعادته وخطف الضحكة من قلب كل المشاهدين، ولكني شعرت أن أحمد رزق يعيد دوره في مسلسل العار «الزوج ضعيف الشخصية»، ورانيا يوسف جميلة، ولكنها كررت نفسها بهذا الدور. زوجة الابن أو زوجة الأخ الشريرة التي تسعي للمال فقط، حيث قدمتها في أكثر من عمل «أهل كايرو.. مجنون ليلي».. أما الرشيقة نيللي كريم فتجعلك تشعر بأنك أمام فراشة رقيقة مصرية من خفة دمها وتلقائيتها وبملامحها الطيبة التي تعكس حسن نيتها رغم اشتراكها في التمثيلية علي البطل بإيهام أنه مريض وهي ممرضته، وأنه دائما ما ينساها، رغم أن كل هذا جزء من التمثيلية التي رسمها أولاده، وكيف تجعلك تطير معها، وهي ترقص برشاقة مع البطل وتتعاطف معه، ولا تكرهها عندما تشرح للبطل أنها وكل «طاقم الشغالين» قد دفعتهم الحاجة للمال للاشتراك في هذه الكذبة وليس الطمع مثل أبنائه أبطال الكذبة وتستمر المواقف التي يأخذ بها البطل ثأره ويحاول تربيتهم علي «كَبر» علي حد قوله، حتي يقولوا «حقي برقبتي»، وتبدأ خطة البطل الحقيقية لتأديبهم عندما يعطيهم درسا في نهاية الفيلم بأن الطمع «آخرته السجن». القصة كاريكاتورية للأب الذي يجنن أولاده بدلا من أن يجننوه وخفيفة مع عدم واقعية الكثير من أحداثها، ولكن مناقشة قضية الزهايمر قد تكون الأولي من نوعها في السينما. وكانت ديكورات فيللا عادل إمام والقصر الذي ظهر في لبنان لصديقه الذي اشترك معه في إيهام أولاده بوضع ماله في الكوكايين معبرة والمناظر الرائعة لبيروت. ونهاية بالأرض الخضراء علي مدد النظر التي ظهر فيها عادل إمام يحتضن فيها حفيدته وحبيبته الحقيقية والوحيدة في الفيلم، والتي تمثل البراءة والطفولة والصدق والمستقبل أيضا.. وكأنه يريد أن يقول إن هذه الطبيعة والهروب من ضغوط الحياة مع من تحب هي المنقذ الوحيد من الزهايمر آفة العصر...