حتى نوبل يلهث وراء الإعلام : من يذكر هيرتا موللر؟ في 12 أكتوبر الماضي حصلت علي جائزة نوبل في الآداب. وكان حصولها علي الجائزة مفاجأة بكل المقاييس. ومع هذا سرعان ما نسيناها في وطننا العربي. المحزن أكثر هو نسيانها هنا في مصر. ورغم كثرة المراكز التي تترجم والسلاسل التي تترجم. والجهات التي تترجم. فإننا لم نقرأ رواية واحدة لها مترجمة إلي العربية. الذي ذكرني بهيرتا موللر حديث مهم أجري معها بعد حصولها علي الجائزة مباشرة. وترجم مؤخراً في مجلة نزوة التي تصدر في سلطنة عمان. ويرأس تحريرها الصديق الشاعر سيف الرحبي. ورغم كثرة المجلات عندنا والصحف والدوريات الثقافية. إلا أن نزوة تسد نقصاً وتدافع عن تقصير وقعنا فيه. قالت هيرتا موللر في الحديث الذي ترجمه سعيد بوخليط. وهو ناقد ومترجم من المغرب. هيرتا موللر تفجر قنبلة في هذا الحديث. عندما تقول إن مؤسسة نوبل أخذت عليها عدم الإدلاء بتصريحات للصحافة. وهكذا نجد أن مؤسسة نوبل أشهر مؤسسة تمنح جوائز ثقافية وسياسية وعلمية واقتصادية في العالم كله. تجري وراء الشهرة. وتلهث وراء الإعلام، بل وتوجه لوماً لفائزة لأن كل جريمتها أنها قررت أن تدلي بحديث واحد للصحافة الدولية باستثناء السويدية قبل تسلمها الجائزة. هيرتا موللرومشروعها : في هذا الحديث الجميل وصف لهيرتا موللر. هيرتا موللر، صاحبة جسم ضئيل، طائر صغير جداً وشاحب كثيراً، يكسوه ريش أسود، حذاء، سروال، قميص، تنبثق منه عينان واسعتان وقلقتان، مبتسمة لكنها مضطربة إلي حد أن كل كيانها يظهر كأنه ممتد علي حبل. أنا في غاية التوتر تهمس وهي تفتح باب منزلها الكبير الموجود وسط برلين. أنا جد مرهقة تقول بعد انقضاء أسابيع علي فوزها بجائزة نوبل للأدب شهر أكتوبر. بحيث لم تعد تتحمل قط سماع أي تعليق بهذا الصدد. قطعاً تلح علي الأمر. وهي تسير بخطوات متثاقلة وسط أرضية خشبية تلمع بطلاء البرنيق - أنا لم أفهم معني كلمة البرنيق هذه ومن يفهمها يفهمني أصل الكلمة وإلي ماذا تشير - وللاحتفاظ بقواها حتي تتخلص من وضع يفزعها ويخلق لديها الضجر، قررت إجراء حوار صحفي واحد، مع الصحافة الدولية لا غير. باستثناء السويدية قبل تسلمها الجائزة بمدينة استوكهولم. رفضت بشكل قاطع التقاط صور لها. اشترطت ألا يستغرق اللقاء أكثر من نصف ساعة. لو طال اللقاء أكثر من هذا سيضعني في وضع يتناقض مع طبيعتي. فأنا أفضل أن اختلي بنفسي لكي أكتب. إن حياتي الخاصة وعملي ليس في مستوي التعبير عنهما بشكل آخر. قالت إن كل مشروعها التأليفي مجموعات شعرية 22 رواية ترجمت منها حتي الآن ثلاثة نصوص إلي الفرنسية. وستصدرها جاليمار في أكتوبر 2010، أعمالها تنطوي علي خاصية الاضطهاد الذي حطمها كما تقول. عناوين أعمالها: الثعلب هو قبل ذلك صياد. سوي 1990، الإنسان أكبر نصاب علي وجه الأرض. فيولو الدعوة، ميتيلي 2001، مؤلفات غريبة وجميلة حيث يكتسي معها الوصف الغارق في النثرية مسالك عجيبة توحي بطريقة خارقة ويقوم علي قوة استحضار زخم لغة فاتنة. تعبر أحياناً عن شتي مضامينها كتابة أو شفهياً كما لو أن متانة الصور التي تسكنها وتلازمها ساعدت الروائية علي هزيمة الخجل وعصبية المزاج ثم الخوف. أيضاً ينبغي علي الكلمات قطعاً اكتساح الميدان في مواجهة الموت. لحظة نوبل: أما عن لحظة إعلانها بفوزها بالجائزة تصفها هكذا: - لحظتها لم أفكر في أي شيء ولم أتفوه بأي كلمة. سعادة غامرة هي تقريباً مأساة كبري. أعجز عن فهم ما جري. وقد عتبت عليَّ مؤسسة نوبل عدم إدلائي بأي تصريح. حتماً أنا مبتهجة. لكنني لست من النوع الذي يهتف فرحاً. خاصة أنني لا أريد لهذه الجائزة أن تغيرني. في رومانيا جعلت اليومي خوفاً من الموت. ولكي لا أنبطح حاولت جعل وقائع محددة تبدو كأنها عادية. قالت: ينبغي أن تحافظ علي تماسكك حتي لا تتحطم، بالتالي عملت تلقائياً علي تصنيف الأشياء حقاً. دخل رأسي بقدر خطورة حظ كهذا. حدث بغتة في مسار حياتي. أعرف الموقف الذي نسبته له. إنه بجانبي. لست أنا من نجح. إنه مؤلفاتي. قالت عن عملية الكتابة خارج قصائد الشباب: لم أتوخ الكتابة قط. وإذا كتبت فلأني طردت يوماً ما من العمل. إنها وسيلة لتأكيد حضوري الذاتي. لكني لم أعتبر ذلك أدباً. ابتدأت بتدوين أشياء كثيرة وقلت مع نفسي: إذا تأتي لي صياغتها في قالب فهذا يدل علي أني أفكر أيضاً. أصدقائي شجعوني وكانت النتيجة أول كتبي. انصب موضوعه الأساسي علي قريتي وركودها حيث تشبه علبة، كل شيء فيها جامد ولا يتغير. الفرسان الصاعدون على الخشبة المنهارة: في الملف الجميل الذي خصصته مجلة الثقافة الجديدة لفاروق عبد القادر - شفاه الله من مرضه - تحت عنوان قاضي الأدب النزيه. استوقفني أمران: الأول ما قاله الفنان محمد صبحي من أنه يري أن فاروق عبد القادر من أنضج النقاد المسرحيين الذين عاشوا مع جيله وقتاً طويلاً. فهو عاشق للمسرح بمعني أنه عندما يجد فناناً موهوباً لا يوجهه فقط من خلال الكتابة. بل بشكل شخصي. وهو ما حدث معي بالفعل. وقوله إننا نفتقد عبد القادر. فلا يوجد عمل يستحق النقد. ولا يوجد أيضاً ناقد مثله. ويعتقد صبحي أن عبد القادر مر بفترة اكتئاب، لأنه لا يمكنه الانفصال عن الحركة المسرحية والواقع. وقد أسهمت ترجمته للكثير من الأعمال الأجنبية مثل هاملت. التي اعتمد صبحي عليه كثيراً في تجسيده لهاملت. ويؤكد صبحي أن تقييم النقاد لا يهم بقدر امتلاكهم الحجة العلمية في وقت زاد فيه الشتامون وليس النقاد. وسقطة صبحي وخطأ إدارة تحرير المجلة. أن فاروق عبد القادر لم يترجم هاملت أبداً. خصوصاً أن صبحي يقول: إنه اعتمد علي الترجمة في تجسيده لشخصية هاملت. فهل جسد الشخصية ونسي المترجم؟ أو أنه جسدها علي أنها من ترجمة فاروق عبد القادر. ونحن الذين لا نعرف؟ في العدد نفسه شهادة جميلة كتبها القاص والروائي حسين عبد العليم تحت عنوان: هكذا عرفت فاروق عبد القادر. كتب فيها: كان الأستاذ فاروق عبد القادر أستاذاً بمعني الكلمة يحمل صفات المعلم الأكاديمي والمبدع الخارج عن الأطر. لم يساوم فاروق عبد القادر ولم يبع ولم يخضع لشروط المؤسسات وظل يأكل (إن جاز التعبير) بذراعه، ظل كالأسد الجريح المدرك أن جرحه ما هو إلا جزء من الجرح الأكبر للوطن فقط. تتبدي في عينيه دموع متحجرة في لحظات الأسي وسرعان ما كان يبتلعها. في كبرياء المقاتل. ورغم كل ما كتبه عن لويس عوض فإنني حينما كنت أناقش الدكتور لويس في تلك الآراء كانت تعتري وجه الرجل سحابة من الحزن ويقول: خسارة.. فاروق ناقد كويس.. ياريت كلهم يبقوا زيه. ما لم أقتنع به حتي الآن قسوته الشديدة علي الشاعر والمسرحي نجيب سرور. ما زلت أذكر بدقة كلماته عن (الفرسان الصاعدين إلي الخشبة المنهارة). بقي شيء يؤكد شرف الرجل وحساسيته أنه رغم قراءته لكل ما كتبت تقريباً، ورغم علاقتي الشخصية والأسرية الوثيقة معه فإنه لم يكتب عن أعمالي حرفاً واحداً سوي في عام 2006 أي بعد نحو 25 سنة من تاريخ ممتد بيننا، مما جعلني مفعماً بالفخر والسعادة ومملوءاً بالامتنان والاحترام لذلك الرجل الجميل. إليها يا أنا : كانت تري المناظر جميلة. خصوصاً عندما تري النيل. أو تري القاهرة في الليل. تقول: في النهار تتملكنا القاهرة. نكون أسراها بعد غزوات الكر والفر. أما في الليل فإن القاهرة تمنحنا نفسها بهدوء. تسلمنا كيانها دون معارك أو حروب. أما أنا فكنت أقول لنفسي: ربما اكتمل إحساسي بالجمال لو أني عرفت ما وراء هذا المنظر. كنت لا أري غير السراب. أما هي فقد أقنعت نفسها بحقيقة ما تراه. فزعت، لقد أصبحت تسكن حكاياتي وأحرفي وكلماتي. أستمع إلي كلامها كتغريد البلابل في الذهن. أقول لنفسي: الحواس بوابة الذاكرة. نهر رقيق ينبع من عينيها عند اللقاء. نهر أكثر رقة ينبع من عينيها عند الوداع. عطر الأحباب: جمال الغيطاني وسمير فريد وأحمد عاطف: اختلفت طريقة ردودهم عليَّ، لكنهم ردوا: جمال الغيطاني لوح بالدستور الأسبوعي في برنامج صباح دريم الذي تقدمه الإعلامية المتميزة دينا عبد الفتاح، وأشار لما كتبته وقال إن أخبار الأدب لم تكتب عن التطبيع حرفاً واحداً. لكن أخبار الأدب تكتب دائماً وأبداً عن معرفة العدو وعن الحق في معرفة العدو. أما سمير فريد فقد اختار أن يرسل لي رداً علي فاكس جريدة الأسبوع. لفت نظري أحد الأصدقاء لجفاف الطريقة التي أرسل بها الرد. قلت له ومع هذا أنا سعيد. لأن الفارق الأساسي بيني وبين سمير فريد أنني فلاح وأنه يأكل بالشوكة والسكين منذ طفولته الأولي. أما أحمد عاطف فقد أرسل لي مقالاً منشوراً في جريدة القدس العربي يؤكد أن الفيلم المشكلة شاركت إسرائيل في إنتاجه. يا محمد: هذه أولاً رسالة سمير فريد. ولاحظ أنه يناديني بمحمد. وهو اسمي. لأن يوسف هو اسم والدي يرحمه الله. أي أن الرجل يعرفني منذ سنواتي الأولي بالقاهرة: عزيزي محمد تحياتي قرأت اليوم صفحتك الرائعة في «الدستور» وأنني أتابعها بانتظام، كما أتابع كل ما تكتب، وأعتبرها يوميات كاتب كبير تعبر علي نحو متفرد عن نبض مصري أصيل. دهشت من أنك لم تلحظ الفرق بين موقفي وموقف جمال الغيطاني. مع أنه واضح تماماً. وفي مقالاتي عن هذا الموضوع. ذكرت بالنص يوم 21 أبريل: بقدر اتفاقي مع الكاتب الكبير علي حدود معرفة إسرائيل ومشاهدة أفلامي، بقدر اختلافي معه علي أي مشاهدة. الفيلم في المركز الفرنسي كانت فرصة للمعرفة. وذلك لأن الأفلام أصبحت مثل الكتب. ويمكن معرفتها عن طريق شرائط الفيديو واسطوانات الدي في دي ولأن عرض الفيلم في المركز الثقافي الفرنسي كان شكلاً من أشكال التطبيع الذي لا أوافق عليه ولا يوافق عليه الغيطاني. قاطعت مشاهدة الفيلم مع من قاطعوا مشاهدته. ولكني لا أعتبر موقفي مقياس الوطنية الوحيد. ولا أخون من يختلفون معي. وقد تابعت المهرجان منذ بدايته ولم يعرض أبداً أي فيلم إسرائيلي. أو لمخرج إسرائيلي كما قال سفير فرنسا. ولا أدري من أين جاء بهذه المعلومات. سمير فريد 5-5-2010 ثقافة الاحتلال: أما أحمد عاطف فقد أرسل لي مقالاً منشوراً في جريدة القدس العربي اللندنية. وهي من الجرائد القليلة الممنوع دخولها مصر. عن حكاية الفيلم. كتبه صلاح سرميني من باريس وعنوانه: الفيلم الروائي القصير «شبه طبيعيّ» نموذجٌ لثقافة الاحتلال. هل هي معاداةٌ سينمائيةٌ للسامية، أم للصهيونية؟ تحت عنوان «مُعاداةٌ سينمائيّة للسامية»، نشرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية بتاريخ 30-03-2010 خبراً بدون توقيع، أشار بأنّ المركز الفرنسي للثقافة، والفنون في القاهرة رضخَ لابتزاز مُخرج مصري (دون أن يذكر اسم المخرج أحمد عاطف)، ونعته بمُعاداته للسامية، وزعمَ بأنّ الإدارة استبعدته من لجنة التحكيم. في نفس الفترة، تناقلت الصحافة أخبار إعادة الوزير الفرنسي للعلاقات الخارجية الفيلم المقصود إلي البرمجة، طالباً من الوسط السينمائي المصري الحكم عليه كما هو، وليس انطلاقاً من السيرة المهنية لمُخرجته. قال صلاح سرميني في مقاله: بالنسبة لي، من حُسن حظّ إدارة «اللقاء السادس للصورة» المنعقد خلال الفترة من 8 إلي 15 أبريل 2010، بأنّ أحداً لم يشاهد بعد الفيلم الفرنسي الروائي القصير شبه طبيعيّ» لمُخرجته الإسرائيلية، وحكمَ عليه كفيلمٍ كما طلب الوزير الفرنسي، وإلاّ كان من المُحتمل تضاعف خطورة ردود الأفعال الغاضبة، وعدم اقتصارها علي انسحاب أعضاء لجنة التحكيم، ومعظم الأفلام المصرية المُشاركة، والمخرجين، والهيئات الحكومية، والخاصة المُساهمة، وبيانات الاستهجان المُناهضة اليوم، وبعد أن تسنّي لي مشاهدة الفيلم، أعلنُ تأييدي للموقف المصريّ الجماعيّ الحازم ضدّ عرض هذا الفيلم في قلب العاصمة المصرية، حتي وإن كان ذلك في قاعة مبني اشتراه الفرنسيون، ورفعوا عليه العلم الوطنيّ. والأفلام الفرنسية القصيرة، لأنه، وبحكم مُتابعتي لأفلام التخرج لمعهد السينما الفرنسي الأشهر، والأفلام الفرنسية القصيرة، أؤكد بأنّ هناك أفلاماً من إنتاج عام 2009 أفضل بكثيرٍ من «شبه طبيعيّ» العاديّ جداً، ولن أقول «المُتواضع» كي لا يتهمني أحدٌ بالتحامل علي الفيلم بسبب الجنسية الإسرائيلية للمُخرجة. قانونياً، الفيلم من إنتاج فرنسيّ رئيسيّ (معهد السينما بدعمٍ من المركز الوطني للسينما، ووزارة الخارجية الفرنسية)، وبمُساهمة جهاتٍ إسرائيلية (مؤسّسة سيتكوفسكي، المُؤسسة اليهودية الفرنسية، مدرسة سام شبيجل، قسم السينما في جامعة تل أبيب). وعلي الرغم من فرنسية الإنتاج الغالبة، فإنه فيلمٌ إسرائيليّ المُحتوي (هناك وجهات نظرٍ عربية، وأجنبية كثيرة تميل إلي منح أيّ فيلم جنسية مخرجه، بالإضافة إلي الجهة الإنتاجية). يرتكزُ الفيلم علي فكرةٍ مُثيرة، بريئة ظاهرياً، خبيثة باطنياً، وصهيونية المغزي، كشف السيناريو عن استيحاءاتها (التقارب الزمنيّ بين الاحتفال بيوم الاستقلال، وذكري شهداء الحرب)، وهنا، لا أدري كيف تسامحت «لطيفة فهمي» مع هذه القناعة المُعلنة، واعتبرت الأمر «شبه طبيعيّ». أتخيل أنها وقعت علي رأسها قبل اختيار الفيلم، فورّطت نفسها، ومعها إدارة المركز الفرنسي للثقافة، والتعاون، أو تجرأت الاستهانة بمشاعر المُتفرج المصري، أو راهنت علي استفزازه الآنيّ، وغضبه اللحظيّ، أو رغبت فرض مفهوم «قبيح» لمعني الحرية، حرية أن يعرض المركز ما يشاء من الأفلام، ولكنها كمصرية، كان عليها التفكير كثيراً قبل الإقدام علي اختيار «أخرق» لا يأخذ بعين الاعتبار آراء، وأفكار، ومشاعر مواطنيها. رُبما اعتقدت السيدة «فهمي»، أن المُتفرج المصري سوف يرتاد قاعة العرض مسطولاً، ولن يُفرّق بين الفرنسية، والعبرية، لغة الجيران أولاد العمّ، ورُبما يتسامح برقيٍّ، وتحضرٍ مع فيلمٍ إنسانيّ النزعة تجري أحداثه في «تل أبيب»، وأكثر من ذلك، سوف يستمتعُ كثيراً بالتعرّف علي قصة الطفل «شادي» الذي امتنعت عائلته عن الاحتفال بعيد ميلاده لأنه يُصادف ذكري وفاة «إسحاق» الزوج الأول لأمه، ولكنّ الصبيّ الأذكي، المهموم بتصحيح هذا الغبن، يُرتبُ بنفسه خطوات تحويل ذلك الحدث المُؤلم إلي بداية حياةٍ جديدة، بحيث تُوازن العائلة بين أحزانها، وأفراحها. تراجيديا عائلية تتمحور حول «إسحاق» جنديّ «مسكينٌ» مات في الحرب (والمُتفرج ليس غبياً كي لا يعرف من قتله)، عائلة «مسكينة» فقدت شاباً يافعاً، جدةٌ «مسكينة» ثكلي بموت ابنها المُبكر، أمٌ «مسكينة» راضخة للأمر الواقع، وطفلٌ «مسكينٌ» يحصدُ نتائج قدرية. مساكينٌ، وضحايا، تيمة يهودية بامتياز، تُثير تعاطف أكثر القلوب الغربية تحجراً، وإحساساً بالذنب، فلِمَ لا تزجّه «مسكينةٌ» أخري في برمجة «اللقاء السادس للصورة»، وتُنجزُ فعلاً نضالياً لتعريف المُتفرج المصري بعدوّه، وبالآن، تستدرّ منه القليل، أو الكثير من تعاطفه، أو علي الأقلّ إعجابه، ومن يدري أيّ نوعيةٍ من الأفلام سوف تتسرّب مُستقبلاً إلي برمجة الدورة السابعة؟. و«لطيفة فهمي» التي لم تُشاهد الفيلم، أو شاهدته مُغمضة العينين، لم تسمع سابقاً عن ردود أفعال مخرجين مصريين تصعقهم المُفاجأة عندما يلتقون صدفةً في مهرجانٍ ما سينمائيّ إسرائيلي، ورُبما لم يصل إلي مسامعها انسحاب المخرج المصري «سعد هنداوي»، وفيلمه «ألوان السما السبعة» من إحدي دورات المهرجان الدولي لأفلام الحب في مونز ببلجيكا بعد أن تبيّن له تنظيمه لبرنامجٍ خاصّ احتفاءً بمُناسبة مرور 60 عاماً علي استقلال إسرائيل (ذكري النكبة بالنسبة لنا). حسناً، سوف تستهجنُ السلطات الإسرائيلية مواقف الوسط السينمائي المصري (وهل ينتظر أحدٌ بأن تُصفق لهم؟)، وسوف تنعتهم بالمُعاداة للسامية، التهمة الأكثر استخداماً، ورواجاً. لم ننته بعد: لا يتصور أحد أنني أصنع من الحبة قبة. وأكبر موضوع من المفروض أنه انتهي أو في طريقه للانتهاء. القضية بالغة الخطورة وما عرفناه منها يبدو مثل قمة جبل الثلج التي نراها فوق سطح الماء وتخفي من تحتها الجبل نفسه. وما دام العدو الإسرائيلي لديه كل هذا الإصرار علي أن يكون عدواً. عدو الماضي. وعدو الحاضر. وعدو المستقبل. ستظل قضية التطبيع من القضايا المستمرة معنا. أو علي الأقل معي أنا شخصياً.