ليس صحيحًا أن المعلومات المتاحة عن «شيخ العرب همام» هو ثلاثة سطور كما جاء علي لسان الفنان والنجم الكبير الرائع «يحيي الفخراني» في حديثه للزميلة «علا الشافعي» عبر صفحات الزميلة «الأهرام». صحيفة «الأهرام» نفسها نشرت في ديسمبر 1933 ويناير 1934 عدة مقالات عن تاريخ الهوارة وإمارة الصعيد في عهد همام، وكذلك صحيفة «البلاغ» في نفس الوقت. لكن المؤكد أن كتاب دكتورة ليلي عبداللطيف أحمد وعنوانه «الصعيد في عهد شيخ العرب همام» الصادر عام 1987 هو أشمل وأكمل وأعمق دراسة موثقة عن حياة هذا الرجل الأسطورة الذي عاش في الصعيد في النصف الأول من القرن الثامن عشر ونحو عشرين عامًا من النصف الثاني منه، والذي بدل حياة الهوارة والصعيد من القلق والتأرجح بين المتنافسين إلي الهدوء والاستقرار والأمن والعدالة. وحسب ما جاء في كتاب الدكتورة «ليلي عبداللطيف» فقد تمتع «همام» بشخصية ساحرة امتازت بالكرم والسخاء والعدل والفطنة وحسن السياسة مما مكنه من تآلف قلوب الناس في الصعيد عربًا كانوا أو فلاحين بل وحكام جرجا من الأمراء المماليك مثل صالح بك القاسمي، وقد سيطر «همام» علي أراضي الصعيد وعلي مسالك التجارة فيه وقد كسب همام ود القبائل العربية النازلة في الصعيد، ومضي يبني قوته وسط رضا الجميع، ولكي يحمي همام أراضيه الواسعة ويدفع عنها شر هجمات الأعراب وأطماع أمراء المماليك كون جيشًا كبيرًا من الهوارة أقاربه ومن المماليك الفارين إلي الصعيد هربًا من وجوه منافسيهم، وقد قدر البعض عدد رجال جيش همام بخمسة وثلاثين ألف مقاتل. كما اهتم الشيخ «همام» بالعلماء واشتهر بتقريبه لهم وإكرامهم ومقابلتهم بما يستحقون من احترام وتقديم الهدايا العظيمة لهم إذا ما قصدوه في موطنه، كما اشتهر بالتقوي والورع فكان يؤدي الصلاة في أوقاتها، وقد أوقف أوقافاً كثيرة علي المساجد في الصعيد وقام بكثير من الإصلاحات فيها مثل ما قام به من إصلاح في مسجد سيدي عبدالرحيم القنائي أشهر أولياء الصعيد، كما أنشأ مسجدًا خاصًا به في موطنه فرشوط سنة 1757 ميلادية وأوقف 19 فدانًا للإنفاق منها علي هذا المسجد، ولثراء همام الواسع وكرمه الشامل كان يمد بعض الناس بالمؤونة التي تكفيهم طوال العام. لقد امتدت أملاك «همام» من المنيا إلي أسوان، لذا أقام همام حكمًا إداريًا دقيقًا لتنظيم شئون أراضيه والعاملين فيها! فكان لديه دواوين «مجالس إدارة» تضم جيشًا من الكتبة ومعظمهم من الأقباط لمهارتهم في الشئون الحسابية، وكان الشيخ «همام» يباشر كل أعمال موظفيه يراجع حساباتهم ويمليهم أوامره وتعليماته ومكاتباته، ومن تلك الأوامر ما يتعلق بمنازعات أبناء المنطقة سواء أكانت مدنية أو جنائية أو متعلقة بشئون الزراعة، فقد اعتاد «همام» عقد مجالس عامة جريًا علي عادة شيوخ القبائل المعروفة لسماع شكاوي أهل المنطقة من الفلاحين وعرب لتنظيم إدارة أراضيه الواسعة، وكان الشيخ «همام» يستمع بنفسه إلي الشكاوي، وبعد دراستها والتحقيق فيها كان يصدر حكمه عليها ويمليه لأحد كُتابه ليسجل أمر الشيخ بما يراه في الشكوي. وكانت تلك الأوامر تصدر علي أوراق صغيرة بحجم كف اليد وتحمل في نهايتها ختم همام وتوقيعه! وقد ضمت إدارة الشيخ همام بالإضافة للعديد من الكتبة عددًا من المباشرين الأقباط الذين كانوا يمثلون الصرافين ويعرفون في الصعيد بالعمال ويختصون بتوزيع الضرائب علي الفلاحين وتحصيلها منهم، وكان أشهر هؤلاء المعلمين في عهده المعلم «بولص بن منقريوس» الذي كان يقوم بتسديد الأموال والغلال المطلوبة من الشيخ همام لحكومة القاهرة! وقد أوردت دفاتر الالتزام بالقلعة أمثلة كثيرة لهذا منها ما كان من قيام المعلم بولص نيابة عن الشيخ همام بتسديد العوايد الخاصة ببعض قري همام، وكان هؤلاء المعلمون ينوبون عن الشيخ همام أحيانًا في حضور عمليات تنازل الأمراء المماليك له عن أراضيهم بولاية جرجا ويسلمونهم الثمن الذي يدفعه الشيخ همام مقابل ذلك أمام محاكم القاهرة، مثال ذلك ما كان في قيام المعلم «بولص بن منقريوس» بحضور عملية تنازل الأمير «محمد جاويش» عن حصته بناحية طهطا بولاية جرجا للشيخ همام، وقام المعلم بتقديم الثمن الذي دفعه همام مقابل حصوله علي هذه الأرض! وتشير المؤلفة د. ليلي «بأن كُتَّاب ذلك العصر نوهوا بأن الصعيد كان سعيدًا في عهد سيطرة همام وقد حفظ أهله من فقير وغني ومسلم ومسيحي لهمام أكرم الذكري». وتبقي حكاية جمهورية همام بين الحقيقة والأسطورة وهي حديث المقال القادم بإذن الله.