لا أنا ولا أنت كنا نعرف معلومة واحدة عن حياة وقصة شيخ العرب «همام» حتي أسابيع قليلة مضت منذ بدأ عرض المسلسل التليفزيوني البديع عن هذه الشخصية الأسطورية الفريدة، والتي قام بتجسيدها غول التمثيل المبدع الذي لا نظير له الفنان « يحيي الفخراني» عن نص بديع للكاتب الشاب «عبد الرحيم كمال» وإخراج «حسني صالح». كل ما في هذا المسلسل يدعو للإعجاب والتقدير والاحترام أيضا، فهناك جهد وعرق وصدق في هذا المسلسل. لكن ما لفت نظري وتوقفت أمامه بدهشة عدة سطور جاءت علي لسان العبقري الجميل يحيي الفخراني والذي ينتقل من دور إلي دور ومن شخصية إلي شخصية بخفة واقتدار وأستاذية تجعلنا نصدقه في كل حالاته وأدواره، من أيام مسلسل «بابا عبده» وحتي مسلسله الأخير!! السطور التي أعنيها جاءت ضمن حوار له مع الزميلة الصحفية اللامعة «علا الشافعي» في أهرام السبت بتاريخ 21 أغسطس عندما قال عن شيخ العرب همام بالحرف الواحد: «كل ما وجدناه في كتب التاريخ لا يتعدي الثلاثة سطور كتبها عنه الجبرتي والشيخ رفاعة الطهطاوي ود. لويس عوض، وهذه الكتابات القليلة عنه قام «عبد الرحيم» بتحويلها إلي دراما، لأن من الصعب أن تقدم للمشاهد معلومات جافة عن شخصية بعينها، وبالفعل هذا ما استفز بعض أفراد عائلته، ولكن أصول وقواعد الدراما لها متطلبات أخري، وهمام في الأول والآخر «بني آدم» ويجب أن يشد المتفرج.. الخ ». وفي زحمة الحفاوة النقدية والجماهيرية بهذا المسلسل الرائع تذكرت إنني سبق أن قرأت كتابا شديد الأهمية وبالغ الخطورة عن هذه الشخصية وعنوانه «الصعيد في عهد شيخ العرب همام » من تأليف الدكتورة «ليلي عبد اللطيف أحمد» أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر فرع البنات القاهرة.. «الكتاب صدر عام 1987 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويقع في 206 صفحات وثمنه مائة وستون قرشا. ومن هنا رأيت من واجبي الإشادة بجهد هذه الأستاذة الفاضلة د. ليلي التي أنجزت هذه الدراسة المهمة والتي من أجلها - وحسب قولها- زارت أحفاد الشيخ همام ثلاث مرات في أعوام 1965 و1966 و1968 ( من القرن الماضي ) في فرشوط، كما تجولت في محافظة قنا وقراها عند أقارب الشيخ همام نفسه ، وقد حصلت من أحفاد وأقارب الشيخ همام علي مجموعة طيبة من الحجج الشرعية الصادرة من المحاكم الشرعية في القاهرة ومحاكم الصعيد. وتقول المؤلفة عن حجج أحفاد همام: «إنها خاصة بعلاقاته مع الفلاحين في الصعيد واتضح لي منها كيف كان همام يعامل فلاحيه معاملة طيبة سواء أكانوا هوارة أو عربا آخرين أو فلاحين مصريين وكيف كان يمدهم بالقروض التي تساعد العاجزين منهم علي زراعة أراضيهم ، ومن تلك الحجج أيضا اتضح لي أن الشيخ همام كان يسيطر علي معظم أراضي الصعيد من المنيا إلي أسوان، وأنه بلغ حدا من القوة والنفوذ جعله يرغم الأمراء المماليك علي التنازل له عن أراضيهم في الصعيد، وكان له إدارة واسعة حافلة بالموظفين وكان له نفوذ علي أهالي الصعيد.. لقد كان الهوارة أقوي قبائل الصعيد بأسا وأكثرها استقرارا وأقدرها علي العمل السياسي ، وقد اشتهر الشيخ همام بأنه أقوي الشخصيات العربية التي سيطرت علي الصعيد في القرن الثامن عشر، مما دفع كبار الأمراء المماليك الذين كانت لهم أراض أخذوها بنظام الالتزام في الصعيد إلي التنازل عنها طواعية للشيخ همام لإدراكهم أنه سيكون هو المسيطر علي الصعيد وصاحب النفوذ والسلطة فيه»!! وتضيف المؤلفة في سطور بالغة الدلالة والأهمية: «وبدراسة الوثائق والمصادر التاريخية مثل تواريخ الجبرتي والمقريزي والقلقشندي، أبو المحاسن، السخاوي، ابن إياس، ابن زنبل ،الإسحاقي، الخشاب، مصطفي إبراهيم عزبان وكتب الرحالة أمثال جيمس بروس فانسليب وفولني اتضح لي أن الشيخ همام تمتع بسلطة واسعة في الصعيد، فكان هو الحاكم الفعلي له بالرغم من بقاء مظاهر الإدارة العثمانية كما هي ، كما كان الأمر بالنسبة للمماليك في القاهرة برغم بقاء الوالي العثماني بشكل ظاهري وقد أخذ «همام» لقب الإمارة تجاوزا لاستمداده سلطته من الأمير المملوكي حاكم جرجا». ولا تزال في القصة بقية!!