أغلب الكتابات والمقالات التي قرأتها عن مسلسل «شيخ العرب همام» بطولة الفنان الرائع والقدير «يحيي الفخراني» وتأليف الكاتب المبدع «عبدالرحيم كمال» وإخراج «حسني صالح» أشارت بوضوح إلي فكرة تأسيس أول جمهورية في الصعيد استناداً إلي معلومة سبق أن كتبها الدكتور لويس عوض في كتابه الشهير «المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث» الذي صدر عام 1963. معلومة الدكتور لويس عوض المثيرة للدهشة والجدل استوقفت أيضاً الدكتورة ليلي عبداللطيف أحمد صاحبة كتاب «الصعيد في عهد شيخ العرب همام» الذي صدر عام 1987 (عن الهيئة المصرية العامة للكتاب). لقد استندت المؤلفة في كتابها العلمي الموثق إلي قائمة طويلة من الكتب العربية والإنجليزية والفرنسية وعشرات الصحف والمجلات!. كما أنها التقت أحفاد الشيخ همام ثلاث مرات في أعوام 1965 و1966 و1968 واستمعت إليهم وحصلت منهم علي عشرات الحجج الشرعية الصادرة من المحاكم الشرعية.. وكانت الخلاصة هي ذلك الكتاب المهم. إن الشيخ همام - حسبما تقول د. ليلي - يتمتع بنفوذ واسع في الصعيد وكان هو الحاكم الفعلي له، بالرغم من بقاء مظاهر الإدارة العثمانية وكسب ود القبائل العربية النازلة في الصعيد ومضي يبني قوته وسط رضي الجميع. وبرغم ما وصل إليه الشيخ همام من سلطة ونفوذ وسيطرة علي الصعيد فإن ذلك لا يدعونا إلي المبالغة في تصوير ذلك النفوذ وأنه مكن «همام» من فصل الصعيد عن الوجه البحري، وأن همام أقام دولة منفصلة بالصعيد استمرت من «1765م - 1179ه» إلي «1769م 1183ه» كما ذهب الدكتور لويس عوض، فدفاتر الالتزام بالقلعة تؤكد أن الشيخ همام كان تابعاً للدولة في هذه الفترة، وكان يؤدي إليها بانتظام ضرائب الأرض التي أخذها منها بالالتزام!! فلو كان الشيخ همام قد انفصل بالصعيد في تلك الفترة لما أمكن أن تصدر مثل هذه الحجة بل لساءت أو بالأحري انقطعت العلاقات بين «علي بك» وهمام!! وقد ذهب الدكتور لويس عوض أيضاً إلي أن الجبرتي وصف الشيخ همام بصفة الملكية حين لقبه «الأمير شرف الدين»، وفات الدكتور «لويس» أن اللقب لم يستخدم للدلالة علي الإدارة أو الملكية في العصر العثماني المملوكي الذي عاش فيه همام وإنما استخدام.. بهذا المعني في عصر سابق له وهو العصر الفاطمي، وأن الجبرتي حينما لقب «همام» بذلك اللقب إنما كان يقصد التفخيم فقط! وتضيف د. ليلي عبداللطيف في تفنيدها لما ذهب إليه د. لويس عوض فتقول أيضاً: «وذهب الدكتور لويس عوض أيضاً أن «همام» قد أقام جمهورية في الصعيد مستنداً إلي وصف رفاعة الطهطاوي لإمارة همام بأنها كانت جمهورية التزامية»، وقد اتضح لي من البحث أن الشيخ همام لم يطبق نظام حكم جمهوري في الصعيد، وأن حكم همام كان سلطة واسعة ونفوذاً كبيراً قدمته له سلطته كملتزم لمعظم أراضي الصعيد من المنيا إلي أسوان بالإضافة إلي ما كان يسنده من عصبية قبلية قوية في منطقة كان لقبيلته فيها سابق السيادة في العصر المملوكي، ولم يكن همام ولا معاصروه يعرفون معني الحكم الجمهوري ولا مفهومه!!. وقد كان لهمام حكومة واسعة وإدارة حافلة بالمباشرين والموظفين لتنظيم أراضيه الشاسعة وما فيها من فلاحين تربطهم بهمام صلات متعددة، وقد اعتاد همام عقد مجالس عامة للتعرف علي مشاكل فلاحيه وأهالي الصعيد وإصدار أوامره بالحلول التي يراها لفض تلك المنازعات والمشاكل لتسير الأمور بدقة وتنظم الحياة في أراضيه، وقد كان «همام» عادلا مع الجميع فالكل أمامه سواء. وتكمل المؤلفة قائلة: وربما كان الشيخ «همام» قد ساورته فكرة فصل الصعيد عن الوجه البحري نكاية في «علي بك» وزلزلة لحكمه لمصر ولكنه حتي وقت توجيه «علي بك» لحملته ضده، لم يكن قد أعلن تلك الفكرة أو أفصح عن شيء منها فهو لم يعلن الحرب رسمياً علي «علي بك»!! وقرب النهاية تعترف المؤلفة: «كان همام رجلاً عظيماً وصاحب شخصية جديرة بالبحث والدراسة ولو لم تتحالف عليه قوي أكبر من طاقته لكان له في تاريخ الصعيد شأن أعظم وأكبر مما كان له». وقد ازدهر الصعيد في عهد الشيخ همام ونعم أهله بالأمن والرخاء الأمر الذي جعلهم يبكون «هماماً» بعد وفاته أمرّ بكاء ويترنمون بأخباره ويتمنون عودته في مواويلهم الشعبية». انتهت قراءتي لهذا الكتاب الممتع لكن يبقي الاعتراف بأن التاريخ شيء والدراما شيء آخر تماماً، ولهذا يبقي مسلسل «شيخ العرب همام» بكل نجومه وأبطاله وكاتبه ومخرجه واحداً من أجمل وأمتع المسلسلات في السنوات الأخيرة فشكراً لهم.