يجيد الفنان القدير يحيي الفخراني صناعة النجاح وهي مهمة صعبة والأصعب منها أن تظل دائما في حالة نجاح مهما اشتدت من حولك المنافسة ومهما ازدحم الملعب بلاعبين آخرين. الفنان القدير يحيي الفخراني مثل الفارس الذي كلما قفز بخيله أحد الموانع وجد نفسه أمام مانع آخر أعلي وأصعب ورغم أن الجمهور حوله يتساءل: كيف سيستمر في القفز بنجاح؟ لكنه يجيب عن السؤال بمنتهي البساطة وينجح في القفز ليواجه ما هو أعلي وأصعب مرة أخري، لكنه يستمر في نجاحه .. إنها المهمة الصعبة أن تحافظ علي نجاحك وتتجاوزه إلي نجاح آخر، لكنه وطوال مشواره الفني المحترم كان قادرا علي تلك المهمة. وصناعة النجاح عند (الأستاذ) يحيي الفخراني تبدأ من الاختيار فهو لا يختار عملا إلا إذا كان مقتنعا به بنسبة تفوق ال 100% ولا يعترف أبدا بمنطق التواجد لمجرد التواجد أو اختيار أفضل المعروض عليه لكنه يختار بذكاء ما يمكن أن يساعده علي مهمته في صناعة نجاح جديد ويجيد (الأستاذ) أيضا التنقل من ملعب لآخر في التوقيت المناسب فهو يعرف متي يقدم «حمادة عزو» و«ابن الأرندلي» فيغزو بهما دنيا الكوميديا ومتي يقدم رحيم المنشاوي فيغزو به عالم الدراما الصعيدية ومتي يقدم «عباس الأبيض» و«جابر مأمون نصار» و«شرف فتح الباب» فيقتحم بهم دنيا الدراما الاجتماعية ومتي يقدم «شيخ العرب همام» فيغزو به دنيا الأعمال التاريخية والسيرة الذاتية الممزوجة بمقتضيات الدراما. ولذلك ليس غريبا وسط هذا الكم من الأعمال الدرامية التي تستهلك أوقاتنا وعقولنا وأعصابنا أن يلتف الجمهور بمنتهي الثقة حول (الأستاذ) ومسلسله الجديد (شيخ العرب همام) وأن يجد الجمهور لديه متعة المشاهدة .. وما أندرها متعة علي الشاشة! (شيخ العرب همام) القفزة الجديدة للفارس الأستاذ يحيي الفخراني قفزة شدية الصعوبة وعمل محفوف بالمخاطر الفنية وغير الفنية أيضا، فاختيار شخصية لها أصولها التاريخية ووجودها الحقيقي حتي لو تم مزجها بمقتضيات الدراما وخيال المؤلف هو اختيار شائك، وهو ما كان واضحا من حالة الهجوم علي المسلسل قبل عرضه من بعض من ظنوا أن العمل يسيء لصورة شيخ العرب همام، ولذلك كان التحدي الأبرز لصناع العمل وفي مقدمتهم الأستاذ ألا يتأثروا بتلك الحالة الهجومية أثناء التصوير لأنها حالة يمكن أن تصيب صناع أي عمل بارتباك وتشتت، لكن يحيي الفخراني كان يعلن بهدوء للجميع انتظروا حتي تشاهدوا أولا وجاءت المشاهدة لصالحه. إلا أن مواجهة هذا الهجوم لم تكن هي التحدي الوحيد للعمل، فالمسلسل ليس عملا اجتماعيا عاديا يمكن تصويره داخل الاستديوهات المغلقة أو بين الجدران وإنما عمل شديد الإرهاق تطلب التصوير في الصعيد وسط أجواء شديدة الحرارة مثلما تطلب أيضا التحضير الجيد لتفاصيل كثيرة ربما تمر أمامك علي الشاشة دون أن تلتفت لها لكن الحقيقة إنها تحتاج إلي جهد ووقت وتعب أنها تفاصيل من نوعية الملابس والاكسسوارت والديكورات وإجادة اللهجة بل حتي العصا التي يمسك بها شيخ العرب همام كلها كانت بالتأكيد أحد الصعوبات التي واجهت صناع العمل خاصة أن الكل يعلم أن الفنان القدير يحيي الفخراني يحرص علي التفاصيل الصغيرة في أعماله قدر حرصه علي التفاصيل الكبيرة . لقد نجح الأستاذ كعادته في أن يمنحنا متعة المشاهة بأداء يحمل خبرة العمر ونضج السنين .. نجح في أن يجعلنا نلتف حوله نتابعه ننتظره يوما بعد آخر لنستمتع بهذا الأداء الساحر .. نبرة الصوت التي تناسب كل لقطة .. نظرة العين التي تغني عن لغة الكلام .. التألق في اللهجة .. التمكن من كل انفعال .. وكعادته يتحول تألق الأستاذ إلي عدوي تنتقل إلي كل من يحيطون به .. الكل تألق .. صابرين .. عبدالعزيز مخيون .. سامح الصريطي .. محمود عبد المغني .. ريهام عبدالغفور .. شيري عادل والموهوب القادم مدحت تيخة الذي حصل علي فرصة عمره وهو يقف أمام الفخراني ليؤدي شخصية شقيقه الشيخ سلام وخلف هؤلاء جميعا مؤلف موهوب هو عبد الرحيم كمال ومخرج متميز هو حسني صالح. «شيخ العرب همام» كان القفزة الجديدة التي نحيي فيها الفارس يحيي الفخراني ولأنها كانت قفزة خطيرة وشديدة الصعوبة فمؤكد سيكون مطالبا بتجاوزها بقفزة فنية أخري أصعب وأعلي .. إنها أنانيتنا كجمهور تجاه فنان نادر ننتظر منه دائما أن يواصل قفزاته الفنية الرائعة لكن من حق الأستاذ الآن أن يسعد ويستمتع بنجاحه قبل أن يفكر في قفزته القادمة.