علي مدار أكثر من مائه وعشرة أعوام لم يتول رئاسة مصلحة الطب الشرعي (كبير الأطباء الشرعيين) سوي امرأتين هما الدكتورة زينب القباني ولم تكن طبيبة شرعية ميدانية وكانت رئيسة للمعمل الطبي وكان هذا في السبعينيات والدكتورة أنهار السيد الغنيمي طبيبة شرعية ميدانية جاءت إلي رئاسة المصلحة بحكم قضائي وعزلت من منصبها أيضا بحكم قضائي ولم تستمر سوي عشرة أشهر: (صباح الخير) دخلت عالم الطبيبات الشرعيات لتعرف عن قرب طبيعة عملهن، والمشاكل التي تواجهن مع أزواجهن وما تجلبه المهنة لهن من متاعب لنؤكد أن المرأة استطاعت اقتحام العديد من المجالات وبرعت في إثبات جدارتها في مجالات أكثر قسوة من تولي القضاء، ولكن النظرة الذكورية كانت السبب في تأخر البعض لتولي منصب رئاسة المصلحة. في البداية يقول الدكتور السباعي أحمد السباعي كبير الأطباء الشرعيين في مصر ورئيس مصلحة الطب الشرعي: إنه لا فرق بين امرأة ورجل في هذا العمل موضحا أن مهنه الطب الشرعي مهنة شاقة ومن يقبل علي العمل فيها لابد أن يكون عاشقا لها مشيرا إلي أن المصلحة مقسمة إلي عدة أقسام منها قسم خاص بالطب الشرعي الميداني وآخر للطب الشرعي المعملي وهناك قسم للمعامل الكيميائية وبحوث التزييف والتزوير. ويوضح أنه يوجد في المصلحة 18 طبيبة شرعية ميدانية و50 طبيبة تعمل في مجال تحاليل ال DNA أي المعامل الطبية وما يقرب من 285 امرأة في بحوث التزييف والتزوير موضحا أن نسبة النساء العاملات في مصلحة الطب الشرعي تتجاوز 45% من القوي العاملة في المصلحة ومنهن من اثبتن جدارة وتفوقن وسافرن لبلدان عربية للاستفادة من خبراتهن بالإضافة إلي وجود نساء يعملن في المحافظات فلدينا في محافظة الإسكندرية امرأتان تعملان في الطب الشرعي الميداني وفي طنطا توجد امرأة وفي المنصورة خمس سيدات وفي الزقازيق سيدتان أما محافظات وجه قبلي فلا يقبل النساء العمل بالطب الشرعي الميداني نظرا لثقافة المنطقة. ويشير السباعي إلي أن القدرة علي التحمل ورؤية الجثث لا علاقة لها بجنس الطبيب فكثير من الرجال لم يتحملوا هذه المهنة وكثير من النساء أثبتن جدارة فيها موضحا أن قوة الأعصاب تظهر في بداية فترة التدريب والتي تتراوح من 6 إلي 7 شهور مشيرا إلي أن العمل في مجال الطب الشرعي يختلف عما يدرس في كلية الطب فالجثث تكون في بعض الحالات أكثر تشوها فضلا عن فحص حالات اغتصاب وتعذيب وحروق لا يراها طالب الطب أثناء دراسته. ويوضح السباعي أن إقبال المرأة علي العمل في المصلحة كبير مشيرا إلي أن آخر إعلان لشغل وظائف في إدارة أسيوط كان مطلوبا 28 طبيبا للعمل في المعمل الطبي واعتقدنا أن التدريب لمدة عام في القاهرة قد يعوق تقدم النساء للعمل في هذه الوظيفة وكانت المفاجأة هي إصرار النساء علي المضي قدما في هذا المجال حيث تقدم للوظيفة 25 سيدة وتم قبولهن وتعيينهن. ويوضح السباعي أن كثيرا من النساء يفضلن العمل في إدارات التزييف والتزوير والمعامل الطبية والكيمائية عن الطب الشرعي الميداني لظروف زواجهن ورعايتهن لأبنائهن وأحيانا لا يتم تكليف النساء في مهمات استخراج الجثث من القبور نظرا لوجود الكثير من الرجال في الموقع علي الرغم من أن كثيرا من النساء يطلبن الخروج في مثل هذة المهمات لإثبات وجودهن، وتوجد نساء أفضل من الرجال في هذا المجال. وعن الطبيبات الشرعيات ومهام عملهن ورؤية المجتمع لهن تقول الدكتورة إيمان عبد الغفار طبيبة شرعية ميدانية منذ 11 عاما أنها لم تفكر لحظة واحدة في تغيير مسارها ولم تشعر بان مهنتها قاسية مشيرة إلي أن زوجها يعمل مهندس إنشاءات وفي بداية زواجه كان يشفق عليها من قسوة المهنة ولكنه بعد ان عرف مقدار تمسكها بوظيفتها كان يساعدها علي الاستمرار. وتوضح إيمان أنها تفحص جميع الحالات التي تعرض عليها ولا تفرق بين امرأة ورجل مؤكدة أنه في بعض الحالات إذا كان يستوجب فحص ذكر بطريقة خاصة يمكنها أن تستدعي زميلا لها وتكون أيضا موجودة أثناء الكشف. وتشير إلي أنها طلبت الخروج في مأموريات عمل عديدة فكانت ضمن اللجنة التي عاينت ضحايا العبارة وطلبت أيضا السفر إلي دهب أثناء التفجيرات الأخيرة. فوظيفتها تتطلب أعصابا قوية وذكاء لتتبع سير التحقيقات وهو ما تبرع فية المرأة بشكل عام. وتضيف إيمان: إن عمل المرآة في المصلحة أضاف للمهنة، وتري أن أبشع الجرائم التي تؤثر فيها هي قضايا تعذيب الأطفال أو الحوادث التي يتعرض لها الأطفال بالإضافة إلي زني المحارم وأطفال الشوارع الذين يتعرضون للضرب والبلطجة من قبل الآخرين. وعن طموحها في تولي منصب كبير الأطباء الشرعيين تشير إيمان إلي أن المنصب يجب أن يشغله طبيب شرعي ميداني ونظرا لقلة عدد النساء في هذا الفرع فإن الأولوية تكون للرجال ولكن هذا لا يمنع أن تصل في يوم من الأيام لهذا المنصب. وتقول الدكتورة ريهام عبد الحكيم طبيبة شرعية ميدانية خريجة عام 2006 وفي فترة تدريب في المصلحة أنها لم تتردد في خوض هذا المجال مؤكدة أنها تشعر بأهمية وقيمة العمل في المصلحة فهي وظيفة حساسة تعلق عليها أمال الكثير في إثبات حكم البراءة. وتشير إلي أنها متزوجة من طبيب تخدير وكان في البداية متخوفا من عملها ولكنها أقنعته بأهمية عملها وما يقدمه للمجتمع. وتقول الدكتورة هناء محمد العربي تعمل منذ 13 عاما في مجال الطب الشرعي الميداني أنها لم تجد صعوبة في استمرارها كطبيبة شرعية ميدانية وأنها تنزل جميع المأموريات بنفسها وتتواجد في كافة لجان المعاينة وأن المهنة لم تؤثر علي حياتها الزوجية مؤكدة أن زوجها محام وكان يحفزها للاستمرار. وتوضح أن هناك نساء في هذه المهنة يطلقون عليهن الرجال كلمة (وحش) بمعني قوة في الأداء وتركيز وانضباط في العمل مؤكدة إن أغلب الطبيبات اللاتي عملن في مجال الطب الميداني لم يغيرن اتجاههن ولم ينتقلن إلي إدارات أخري. وتري الدكتورة لمياء لبيب طبيبة تعمل في المعمل الطبي وفي تحليل عينات(DNA) أن الطب الشرعي الميداني يحتاج إلي قوة تحمل وقد تمتلك امرأة قوه أعصاب تفوق عشرات الرجال موضحة أنها اختارت تواجدها في المعمل لأنها لا تستطيع التعامل مع جثث طوال الوقت وأن كان هذا لا يعني أنه في بعض الأحيان تتواجد في لجان فريق الكوارث. وتري لمياء أن المجتمع المصري مجتمع ذكوري ولا يزال الرجل الشرقي يرفض فكرة أن تكون المرأة أكثر نجاحا منه موضحة أن زوجها كثيرا ما كان يعترض علي تأخرها في العمل وطبيعة عملها شأنه شأن كثير من الرجال الشرقيين الذين لا يقدرون حجم المتاعب التي تراها المرأة في العمل. وتقول الدكتورة هبة العراقي طبيبة في المعمل الطبي وابنة كبير الأطباء الشرعيين الأسبق أن والدها كان أول من شجعها للاستمرار في مصلحة الطب الشرعي مشيرة إلي أنها لم تفضل العمل في مجال التشريح لأنه عمل شاق ويتطلب قوة أعصاب وهذا لا ينفي أن المرأة أثبتت نجاحا كبيرا في هذا المجال مشيرة إلي أن سيدات كثيرات وصلن لمراكز مرموقة في مجال الطب الشرعي الميداني.