عيد الأضحي، أو كما كنت أسميه دائما وأنا طفلة، العيد الكبير، لأن إجازته كان أطول ونفسه الذي أسميته وأنا في المرحلة الجامعية عيد اللحمة لأنني سمعت الكثير يطلق عليه هذا الاسم، ولأنني كنت أحصل علي عيدية أقل من عيد الفطر. أما بعد تجربتي التي مررت بها مع عجل العيد، جعلتني أطلق عليه بالفعل عيد الأضحي لأني كنت هبقي أضحية فأول مرة أعيش إحساس العيد كان منذ 6 سنوات فقط لأنه ميلادي وحياتي كانت خارج مصر في إحدي الدول العربية الشقيقة. وكان العيد لا طعم له وأول مرة أشعر بالعيد عندما كنت وسط أهلي بعد عودتي لمصر، حيث اتفق أقاربي أنهم سيأتون عندي صباحا لنصلي صلاة العيد ونفرقع بمب وصواريخ، كنت عندها في أولي جامعة وبالفعل نزلت أنا وصديقاتي وأهلي لنصلي وبعد الصلاة بدأنا في فرقعة البمب والصواريخ ونأكل حلويات ونغني، وعندما ذهبت إلي البيت بدأت والدتي تخبرني أننا هندبح في المنور والجزار علي وصول، كان في المنور علي ما أذكر 3 عجول وخروفين وكان لينا عجل فيهم وعلمت أن النظر للذبيحة له ثواب كبير، قلت في قرارة نفسي أجمد قلبي، وطلبت من أقاربي أن أقف في الشارع لأشاهد المذبحة التي ستقام وقلت أديني هاخد ثواب والواحد ما بيصدق ياخد ثواب وقفت لأشاهد أحد المواقف الدرامية سيناريو أمامي وكان الموقع - location - في منور بيتنا والأبطال الخرفان والعجول والمخرج الجزار، والذي سينفذ طلبات الأهالي في قطع حتة من الكتف وأخذ جوهرة العجل والطحال والكرشة والفشة، وعلي رأي المثل اقطع عرق وحتة بتلو وجمهور الفيلم الأهالي المتشوقين لشوربة كوارع أو فتة لحمة موزة أو التهام خروف مشوي بحاله حتي يصابوا بالنقرس والديكور كان أحمر في أحمر خير إن شاء الله وجدت عائلات كثيرة تحجب الرؤية عني، كل عائلة تشاهد ذبيحتها، فأنا أتيت وكان المتبقي خروف وعجلين أحدهما يخصنا، فالجزار يبدأ يلا يا رجالة الهمة معانا عايزين عافيتكم معانا يلا كتفوا معايا الخروف، ولم يأخذ وقتا منهم فهو هزيل وسهل السيطرة عليه لحجمه الصغير، فجاء رجلان ممسكين به يلبسان جلابيب بيضاء لتخرج بعد الذبيحة حمراء تماما عشان البركة، يمسك الرجال بالخروف ويبدأ الجزار جملته المشهورة يلا واحد اتنين تلاتة حلال الله أكبر ولم أستطع أن أري الموقف فأدرت وجهي بعيدا وأعدته عندما أخبروني أن الخروف سال دمه، والجلبية البيضاء بقت حمراء وشالوا رأسه بعيدا لأري نهرا من الدماء ينزلق من منحدر المنور ليستقر في حفرة عملوها خصيصا لتستقر الدماء فيها وكلاكيت تاني مرة، ولكن الأمر مختلف فالبطل الآن عجل جيران لنا يسكنون بالدور الثامن، ويعيد الجزار يلا يا رجالة اسعوا للثواب ويمسك رجال أرجل العجل الخلفية وآخرون أرجله الأمامية، ويلا واحد اتنين تلاتة حلال الله أكبر والساطور نزل علي رقبة العجل، ووجدت الناس فرحانة وطبعا أيضا أدرت وجهي بعيدا ولكن عند عودة وجهي لنفس الموقع وجدت بحور دماء ورقبة العجل مفرفرة ملحقوش يشيلوها من قدامي، وعندما رأيتها وجدت جسدي ينتفض مني وشعرت بدوار غريب والدور علي عجلنا الذي عاش في منورنا يومين نسمع صوته كل يوم وهو يزوم لا أفهم لغته خلاص ثواني والجلابية البيضاء تبقي حمراء وتنهار دماء العجل لتنتهي حياته في ثوان.. شريط العجل يمر أمام عيني.. صوته في أذني أحاول أترجم ما كان يقوله في اليومين الماضيين، وكلاكيت آخر مرة الجزار بصوت عال: ياللا الهمة يا رجاله آخر عجل عشان البركة والثواب، تطوع أحد أقاربي ليمسك رجليه الأماميتين وبدأ يثور العجل ويتمتم بأصوات غريبة ويفرفر بأرجله حتي تغلب عليه الرجال، وأضعفوا قوته فهمد مستسلما أمامهم وعينه مليئة بالحزن.. وتناديني لأحرره وأخلصه ووجدت نفسي فجأة ولا إراديا أسحب قريبي بقوة من ظهره، وشيء غير متوقع وانفلتت يداه ليترك العجل وتغلب علي قوة باقي الرجال فهاج وماج ونزل من منحدر المنور يبحث عن مكان آمن ليستقر فيه، وأنكر الجميل الذي فعلته معه، وأصبح يجري وراءنا حتي أنا لدرجة أنني شعرت بأنه سيدهسني، وذهب فيها ضحايا مثل فانوس سيارة جيران لنا ونبتة جميلة، وبفضل الله استطاع الجزار السيطرة عليه بعدما لعب العجل قبل ذبحه وبدلا من واحد اتنين تلاتة حلال الله أكبر والجلابية البيضاء بقت حمراء، ولأول مرة أشاهده وهو يذبح، وشكرت الجزار الذي استطاع أن يسيطر علي الموقف وإلا كنت ذهبت أنا أضحية تحت أرجل العجل أو أحد الموجودين، وعندها بعد هذه الخسائر قرر مجلس إدارة العمارة الذبح عند الجزار أو في السلخانة، وفي الليل أكلت فتة لحمة بدون شوربة وكانت اللحمة مشوية بصوص الليمون والفلفل الحار.. كل سنة وأنتم طيبين وبالهناء.