«مجد القصص» ممثلة ومخرجة ومؤلفة مسرحية أردنية - من أصل فلسطيني - صاحبة تجربة متميزة في المسرح الأردني المعاصر، حصلت علي الماجستير في «مسرح فيزيائية الجسد» من جامعة لندن، ورئيسة فرقة «المسرح الحديث»، قدمت مجموعة من العروض منها «وبعدين» و«ليالي الحصاد» و«القشة» و«من الحب ما قتل» و«الخادمات» و«الباب» و«نساء بلا ملامح» و«كوميديا سوداء»، و«قبو البصل» و«القناع»، و«بلا عنوان»، و«سجون» وغيرها. وتعتمد «مجد القصص» في مسرحها علي أشكال متنوعة من التجريب، بالإضافة إلي مساهماتها في التنظير المسرحي من خلال عدة مؤلفات أهمها «مدخل إلي المصطلحات والمذاهب المسرحية»، و«رواد المسرح والرقص الحديث من القرن العشرين.. النظرية والتطبيق». تمارسين مجالات متعددة من الإبداع المسرحي ما بين الإخراج والتأليف والتمثيل وغيرها، مما يمكن أن يطلق عليه «الفنان الشامل»، هذا التنوع قد يكون ميزة، وأحيانا يكون عبئا علي الفنان.. كيف ترين ذلك؟ أنا فنانة متطورة وليس شاملة بدأت حياتي كممثلة تليفزيونية ومسرحية عام 1975، وعام 1992 بدأت عملي كمنتجة وممثلة وسبب ذهابي للإنتاج أنني كنت أريد أن أكون صاحبة المقولة في المستوي الفني والفكري فكنت أشتري النصوص وأختار الكادر الفني كاملا، وحازت أعمالي المنتجة - وأنا فيها كنت ممثلة - علي تقدير كبير من النقاد والجمهور وحصلت علي بعض الجوائز، لأنني فنان لا أبخل علي العمل ولا أبحث عن ربح مادي. لكنني وجدت أن عندي نوازع إخراجية - وسببها الثقافة والنضج فعند المخرج الجيد، أتلقي التعليمات وأطورها، ولكن عند المخرج السيئ - لأن في الوسط السيئ أنت تعمل ولا تجد مخرجين فذين، فأنت تضطر للعمل مع مخرجين أقل وكنت أتدخل في الإخراج بصورة كبيرة. في عام 1996 كان هناك مخرج شاب أعمل معه كممثلة ومنتجة، لكن لظروف خاصة به تعذر أن يكمل العمل فأكملت العمل، ولم أضع اسمي علي الأفيش لأنني لم أكن مخرجة أكاديمية، وكتبت جريدة «جرش» بالأفيش الكبير قائلة: «جودة الإخراج والتمثيل والموسيقي تطغي علي الحدث» وذهب المديح كله للمخرج الشاب، فكان اتخاذي لقرار حاسم في حياتي أن أذهب للدراسة لأصبح أكاديمية وأنا في الأربعين من عمري بجامعة اليرموك، وهي الوحيدة التي تدرس الدراما في الأردن وحصلت علي شهادة الإخراج والتمثيل بالامتياز. ولم أكتف بذلك فذهبت إلي لندن مباشرة لاستكمال الرحلة وتخصصت بتخصص جديد في العالم وهي ما يسمي ب «مسرح فيزياء الجسد» وهو باختصار مزيج مما بعد الحداثي في المسرح وما بعد الحداثي في الرقص، وعندما عدت إلي الأردن عام 2004 أسست فرقتي الخاصة بعنوان «فرقة المسرح الحديث» واستقطبت لها الشباب من تخصصات الدراما المختلفة. هنا أصبحت مخرجة ولست ممثلة فقط، فلم آت علي المهنة إلا بعد تمثيل 46 مسرحية وصلت الآن إلي 60 عملا. ولم أبدأ الكتابة إلا بعد تخرجي من لندن، وكان لذلك أسبابه وأصدرت كتابين.. الأول «مدخل إلي المصطلحات والمذاهب المسرحية» والكتاب الثاني من منشورات وزارة الثقافة «رواد المسرح والرقص في القرن العشرين» هذا إضافة إلي أنني كتبت مجموعة من الدراسات والأبحاث وأصبحت عضوة في نقابة الفنانين الأردنيين وكتابي يدرسان في الجامعات السودانية والأردنية. إذن كان دخولك إلي عالم الكتابة سواء علي مستوي النص المسرحي أو النقد والتنظير نوعا من المغامرة؟ سبب دخولي إلي الكتابة جاء نتيجة الترجمات الخاطئة في العالم العربي، وأنا في لندن اضطررت إلي دراسة مجموعة من العناوين التي قرأتها قبل ذلك بترجمة خاطئة، فبعد درين خشبة في كتابه «المذاهب المسرحية» في الأربعينيات كان لابد من كتابة كتاب جديد يؤسس لهذه المذاهب. أما الكتاب الثاني «رواد المسرح والرقص في القرن العشرين» فقد وجدت أن العالم العربي توقف المسرح والعلم لديه عند «بريخت» في العشرينيات، لكن ظهرت مصطلحات ورؤي لا يعلم العالم العربي عنها شيئا مثل المدرسة البولندية لرائدها فلذرميرستانويسكي «الجارذرنيتشة». أما عن الرقص الحديث فلا يوجد في المكتبة العربية إلا كتاب واحد عن فن «البالية» وكتاب آخر مترجم في مصر عن «مسرح الراقص» لبينا باوتشي، لا يعرفون شيئا عن تطور حركة الرقص من الباليه أو الرقص الحديث أو ما بعد الحداثة في هذا المجال. وهناك مدارس كبيرة وأسماء كبيرة، وعندما كنت في لندن أصبت بصدمة كبيرة لأنني لا أعرف شيئا عن هؤلاء فأردت أن أضع كتابا للعالم العربي حتي لا يصابوا بنفس الصدمة، ولتجسير الهوة بين ما يحدث في الغرب وما يحدث في الشرق. البعد الإنساني تهتمين - كثيرا - في أعمالك بالبعد الإنساني من خلال البحث داخل الذات الإنسانية عن رؤي جمالية أو كشفت عن المسكوت عنه؟ عدد الأعمال التي قدمتها في المسرح حتي الآن 60 مسرحية، وعندما تحلل أعمالي كمخرجة أو كممثلة تجد أن موضوع الإنسان وفضاء الحرية هو المحور الذي تدور حوله جميع أعمالي، مسرحي مسرح تحريضي ولكن ليس علي طريقة المفهوم العربي لبريخت، مسرحي يخاطب العقل والحواس، ومسرحي يطالب المتلقي أن يصبح شريكا في العملية الإبداعية فأنا لا أقدم السهل علي خشبة المسرح، دائما المتلقي عليه أن يشغل عقله وثقافته، وإنسانيته ليتلقي العرض. يقول وكيل وزارتنا في الأردن جملة عممت هناك: «مجد القصص تلعب بالنار ولكنها تعرف كيف لا تحرق أصابعها» نعم أنا ألعب بالنار وألعب بالمسكوت عنه وأضعه أمام المشاهد لأعري الفكر البائد ولأعري بعض السياسات العقيمة، ولأعري الظلم. المسرح له دور في عملية التغيير الاجتماعي، قد لا يعمل ثورة ولكنه يساعد في تغيير القيم البالية، ويساعد في العملية التنويرية التي نحتاجها كأنظمة عربية من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية أشعر أن مسرحي كالبرلمان، نحن البرلمانيين غير الفاسدين الذين ننقل القضايا بقسوتها علي خشبة المسرح، ليس هدفنا الهدم، وإنما البناء من الداخل والعيش في فضاء أفضل وفضاء من الحرية أوسع. ورش مسرحية في مسرحيتك «سجون» نجد حالة من المسرح السياسي - عبر النص وعبر تشكيل الفضاء المسرحي من خلال قراءة تجريبية للواقع - كيف استطعت المزاوجة بين الأشكال المتنوعة للمسرح؟ مسرحية «سجون» ليست فقط مسرحية سياسية فقط، والتناول الذي قمت به أنا ومفلح العدوان عبارة عن ورشة مسرحية وهو العمل الثاني الذي تعاونا فيه، الأول كان «بلا عنوان» شاركت به في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة العام الماضي. في هذا العام، تبدأ مسرحياتي دائما بفكرة من عندي، تطغي أحدها - فنبدأ بتنفيذها - و«سجون» كانت عبارة عن مقولة رددتها في داخلي أولا وهي «أننا نشعر بسجن كبير بداخلنا - ثم يكبر حتي يضم الجميع»، وقمنا بمشاركة د. فيصل درّاج ومهندس الديكور طلال عبوش، وضعنا العناوين وحددنا أن في هذا العالم سجونا ثابتة وسجونا متحركة، من السجون الثابتة «الاستعمار» - ومنها كذلك - وتشكل خطورة كبيرة «وجود أحادي الفكر»، وهناك سجون متحركة كبيرة مثل «المدرسة»، «البيت» وعلاقة الطفل بالبيت وبالمدرسة، لذلك أخذنا الرحلة من الرحم إلي القبر، وكان هناك سؤال فلسفي كبير، «إذا تأملت أيها الإنسان كم هي قصيرة هذه الرحلة علي الأرض لما فعلت هذا الكم الهائل من السجون علي الأرض»، وتناولنا سجونا اجتماعية وسجونا اقتصادية وسجونا سياسية. من خلال السجان الراوي الذي يولد مع الأجنة والخروج إلي الحياة انتهاء بتمرد الشخصيات علي السجان تحت حوار يقول: «لابد أن يكون هناك خيار آخر، لم تنته الأسئلة ومازالت الأجوبة.. ذلك الثقب الذي فتحناه في لجدار أصبح كوة ثم أصبح هوة» بدأنا قصيدة لدرويش «آه ما أقسي الجدار/ عندما ينهض في وجه الشروق/ ربما ننفق كل العمر كي تثقب ثغرة/ كي يمر النور للأجيال مرة». مسرح نسائي هناك اهتمام واضح في أعمالك بقضايا المرأة في العالم العربي .. ما أهم الأعمال التي قدمتها في هذا المجال؟ في عام 1992 قدمت أول عرض عن المرأة إخراج د. عوني كروم، كان عنوانها «القشة» من تأليف فاروق محمد وكنت أنا الممثلة والمنتجة كانت عن الخيانة الزوجية، أردنا أن تأخذ القضية بعدا أعمق من قضية المرأة فقط كانت عن الشعب الذي يقبل باستلابه يستحق ما يحدث له، والمرأة التي تقبل باستلابها تستحق ما يحدث لها. أكثر عمل أكثر نسوية عندي - كما اعتبره النقاد - كان عام 1999 وهو «نساء بلا ملامح»، فقد أخذت ثلاثة نماذج امرأة متدينة، وامرأة مثقفة، وفتاة شارع داخل سجن، وناقشنا العلاقات الثلاثة وقضية الحب لكن الأكبر كانت قضية العولمة. في «قبو البصل» اقتبستها من قصة قصيرة لجونتر جراس، أخذت نموذجين للمرأة، ومن قصة قصيرة لكاتبة أردنية بسمة نسور، أول نموذج لجونتر جراس امرأة تحب رجلا فيغتر الحب بينهما فيطلب منها أن يدوس علي إصبع قدمها فيتوهج الحب ويفتر الحب فيطلب أن يدوس علي الإصبع الآخر فيفتر الحب حتي لا يتلقي إصبع إلا وداس عليهه، هناك تبقي صرخة للمرأة أما النموذج الآخر من بسمة نسور امرأة تنتظر من الشباك علي رجلايأتي من الشارع تضع الكحل وتمشط شعرها لتكتشف أن هذا الرجل يوميا يذهب للبيت المقابل، أنا أعرف أن النساء دائما ينتهين وحيدات. وفي مسرحية «القناع» اتهموني بالمسرح النسوي وفيها دحضت الإسرائيليات في المقولة الشائعة في العالم العربي التي تقول «إن أمنا حواء هي التي أغوت آدم بالنزول من الجنة» وفي القرآن لا يوجد ذلك، لا توجد خطيئة للمرأة إنما حمّل آدم الخطأ وتبعته المرأة، هم لا يقرأون حتي قرآنهم، وإنما يسمعون للآخر فقط دون بحث حقيقي. وتعرضت في هذا العمل للمجتمع الأمومي منذ 2500 عام الذي كانت فيه المرأة مسيطرة، بعد ذلك قمعت المرأة. ثم جاء عصر التنوير دافعت المرأة عن حقوقها حصلت علي البعض ولم تحصل علي البعض الآخر، وكما أدنت الرجل أدنت نموذجا من النساء - في العمل - لأن المرأة تحمل أجندة المرأة الذكورية وترددها عبر الأجيال. وهناك رجل وضعته مناصرا حقيقيا للمرأة، بدون زوجي الرائع لم أكن متواجدة في مهرجان القاهرة ولم أدرس في لندن، هذا النموذج الذي نريده فنحن شركاء في هذا المجتمع.