تباينت مستويات العروض العربية المشاركة فى المهرجان التجريبى فى دورته الحالية بين ما يحمل فى رؤيته الإخراجية ألوانا وأنماطا تجريبية حديثة وآخر ما زالت كتاباته النصية تمارس سطوتها على التعبيرات الحركية المسرحية المعاصرة وإن كان معظمها يشترك فى إبراز الجوانب النفسية والصراعات الداخلية لشخوصها والتى دائما ما يتعذر أن تحمل جديدا. على المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية قدمت الفرقة القومية من العراق العرض المسرحى «دائرة العشق البغدادية» المأخوذة عن رواية «دائرة الطباشير القوقازية» للكاتب العالمى بريخت، المسرحية بطولة عزيز خيون وسمر محمد وعدنان شلاش وآلاء حسين، وقامت بإعدادها وإخراجها د. عواطف التى أشارت إلى قيامها بإجراء العديد من التغييرات بالنص بهدف سحبه للمنطقة المحلية، وأيضا لكى يعكس الصورة التى تحدث فى العراق الآن، بعد التغيير عام 2003، وقالت: العرض يحتوى على رؤية سياسية للوضع الراهن إلى جانب الزاوية الاجتماعية والمنظور الثقافى ويستعرض الهموم والأوجاع العراقية فضلا عن أنه يجمع بين الكوميديا والتراجيديا. وعلى مسرح السلام الحديث قدمت فرقة مسرح بغداد عرضا عراقيا آخر «جلسة سرية» وهو من أعمال جان بول سارتر وإخراج علاء قحطان وفيها يكتشف مجموعة من الشباب أنهم يعيشون فى سجونهم الخاصة، فيعيشون فى أماكن عميقة حفروها لأنفسهم، وبعد المكاشفة والمواجهة يكون منهم من يحقق خلاصه ومنهم من يبقى مفتونا بسجنه. كما قدم على المسرح المكشوف العرض المسرحى «فى انتظار البرابرة» لفرقة آل السورية إعداد وإخراج وليد قوتلى الذى يقول إن العرض يشكل نموذجا مهما من الورش المسرحية السورية التى تشهد اليوم تطورا كبيرا على أكثر من مستوى فنى وأكاديمى من جهة العمل على الفضاء المسرحى إضافة إلى العمل مع الممثل للوصول إلى فضاءات أخرى أكثر عمقا للتجربة المسرحية السورية التى أثبتت أنها قادرة على تقديم خصوصية فنية عالية فى الأشكال المسرحية وأهمها المسرح التجريبى ويعلق على مضمون العرض قائلا: هو شعر مأخوذ عن قصيدة شاعر الإسكندرية «كفافيس» وهو عبارة عن تجربة جديدة فى مسرحة النص الشعرى بالاعتماد على عناصر سينوغرافية متعددة أهمها الأزياء والأقنعة والرقص التعبيرى إضافة إلى الغناء الحى المرافق لحركة الممثلين على الخشبة للوصول إلى توليفة متصاعدة دراميا قوامها اختبار شراكة الفرجة مع الجمهور عبر دمجه مع اللعبة المسرحية إلى أقصى حدود بهدف إحداث التفاعل مع الممثلين ومجاميع الراقصين. المسرحية من تمثيل نضال دبس، وكميل أبوصعب، وتاج الدين ضيف الله، وزهير البقاعى، وأميرة حديفى، وميس قمر. وغناء ليندا بيطار. اجتمعت العروض الشامية باستثناء سوريا على مظاهر التجريب والتحديث الفكرى فى جميع عروضها حيث قدمت لبنان فى قاعة زكى طليمات العرض المسرحى «جوانتانامو» تأليف فكتوريا برتين وترجمة مها بحبوج وإخراج فرح شاعر التى تقول عن العرض هذا النص كتب باللغتين العربية والإنجليزية وهو عبارة عن حكاية تروى معاناة خمس نساء فقدن أزواجهن، الذين اعتقلوا ولا يعرفن مصيرهم، إلا أن مصيرهن فى نهاية المطاف يكون الانتظار الذى لا يجدون له بديلا. كما يستعرض العمل حياة النساء الحبيسات وذكرياتهن الشخصية، وفى الوقت الذى تتحدث فيه النساء عن أنفسهن، يصرخ السجناء ويبكون ويضحكون على صراع المرأة العربية المعاصرة مع أيديولوجية تدعى حماية المرأة التى يعتقدون أنها واهية. وعلى المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية قدمت فرقة مسرح الفرقة الجامعة اللبنانية الأمريكية عرض «كافكا وأبوه والمدير والذئب والخنازير» حيث تقول مخرجته لينا أبيض: حاولت أن أفكك مجموعة العوالم فى العرض إلى جانب كتابات كافكا ثم أحدثت ربطا من خلال لغتى المسرحية لتظهر تلك الكتابات وكأنها تتوغل فى تركيبة كافكا نفسه، فى شخصيته وخصوصيته. سواء من خلال رسالته إلى والده الذى لم يقرأها أبدا، أو رسالة الابن الذى عانى طغيان الحضور الأبوى وهو حضور بمعناه البطريركى الذى يظهر كحاجزا منيع أمام حضور الابن منفردا. بينما قدمت فرقة المسرح الوطنى الأردنى عرض «ميشع يبقى حيا» من إخراج عبدالكريم الجراح وتأليف هزاع البرارى وبطولة عيسى الجراح وهالة عودة ومحمد الجراح وماسة زهران وحنين مارك ونادين سلامة ولانا خبازى ومى الكيلانى. تستحضر المسرحية الأجواء التى عاشتها منطقة مؤاب وصراعاتها الطويلة من أجل نيل الحرية والكرامة مع كل من حاولوا النيل من سلامتها واستقرارها. اندهش جمهور المهرجان التجريبى من التعاون غير المسبوق بين دولتى فلسطين واليابان حيث قدمت فرقة «اللجنة التنفيذية لقافلة فلسطين» العرض اليابانى الفلسطينى المشترك «بيتوكيوفى العيزرية» الذى تدور قصته حول «أساطير الشهداء» حيث تعبر الأحلام والحقائق عن رغبة لكل من قصاص فلسطينى وطفل فقير من المخيمات يحول نفسه إلى لعبة خشبية تدعى بينوكيو محاولا أن يتخلص من الإيماءات النفسية التى تسيطر عليه إلى أن يصبح طفلا فلسطينيا أصيلا. العرض العمانى «الجسر» الذى قدم على المسرح العائم الكبير لفرقة «الدن» من أهم العروض الخليجية بالمهرجان، وتتمحور قصته كما يقول مخرجه محمد النبهانى حول الجندى القديم «قاسم» المهزوم نفسيا نتيجة هزيمة حرب سابقة، وزوجته «وصال» التى تحاول أن تستلهم لحظة سعادة زوجية من زوجها البارد عاطفيا كما تراه هى، فتحاول لفت انتباه مشاعره لكن دون جدوى لأنه ما زال مولعا بتذكر الهزيمة التى حلت بالجيش، ودائما ما يزعجه كابوس الحرب فى المنام متذكرا «الجسر» الذى شهد هزيمتهم. قدمت كذلك فرقة جمعية الثقافة والفنون بالدمام على المسرح العائم الكبير العرض السعودى «مجرد علامة استفهام» من إخراج عقيل الخميس الذى أكد ل«الشروق» أن العرض يطرح الكثير من التساؤلات حول حرية الإنسان وصراعه مع نفسه ومع الآخرين، متضمنة الكثير من الرموز التى تحمل دلالات عديدة مثل الباب والتفاحة. ويضيف الرؤية الإخراجية للمسرحية تنتمى إلى المدرسة الأوروبية التى تعتمد على إيقاع الجسد والتعبير الحركى. قدم مسرح ميامى العرض القطرى «عابر سبيل» الذى يشترك مع العرض العمانى فى عناصر القوة وحداثة التجريب وهو من إنتاج فرقة قطر المسرحية وتأليف سعد على الشمرى وإخراج ناصر عبدالرضا الذى يؤكد أن العرض يروى قصة الصداقة ومدى تأثيرها على حياة الآخرين عبر مشاهد تعتمد على الميلودراما المسرحية التى ترسل من خلالها العديد من الرسائل ذات الصلة بجوهر الحياة وقسوتها، حيث تعيش شخصيات المسرحية انفعالاتها الإنسانية تجاه تجاربها مع معطيات الحياة وأحداثها ومع شخصية الرجل المسن «عابر السبيل» الذى يجسد شخصيته الفنان عبدالله أحمد، ويضيف يتعرض العرض إلى تقلبات حياة بطلى المسرحية أشرف العوضى وفيصل رشيد عندما يلتقون عابر السبيل ليبدل حياتهما عندما يدعوهما إلى التفكير بالماضى إلى جانب المستقبل. العرض المسرحى «المهاجران» لفرقة مسرح أوال البحرينى وهو من تأليف سرافوميرو مورجي، وترجمة على الشيراوى، وتدور قصته فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى إبان الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا وهجرة الشيوعيين إلى الدول الرأسمالية، وحول اغتراب اثنين من البشر يغادران وطنهما لتبدأ معاناتهما مع الغربة والحنين للوطن من خلال شخص مثقف وآخر غير متعلم تجمعهما غرفة واحدة لكن تفرقهما الأفكار والثقافات، إلا أنهما يجتمعان فى المعاناة والآلام والحنين إلى الأهل والوطن والديار. وعلى مسرح مركز الإبداع الفنى قدمت فرقة المسرح الوطنى التونسى عرض «حقائب» إخراج جعفر القاسمى وبطولة يوسف البحرى وأحمد بن على وصحبى عمر وصالحة نصراوى وسماح الدشراوى وسماح التوكابرى. تتجلى مظاهر التجريب بالعرض كما يقول مخرجه فى رحلة يقوم بها العرض مع الممثل وداخله حيث يقدم الممثل وكأنه حقيبة تحمل بداخلها الكثير من الأسرار التى تعبر عن الآخر فى كل حالاته إلا أنها تخفى ما يمكن أن يعيشه الممثل فى صمته وأحلامه وهواجسه. المسرح الوطنى من ليبيا بمسرح الجمهورية قدم عرض «صور فى الذاكرة» تأليف وإخراج عوض الفيتورى وبطولة حاتم قرقوم، عبدالسلام المسمارى حول رجل يحاول اكتشاف الصراع بينه وبين ذاته من خلال انتقالاته فى أزمنة وأمكنة مختلفة إلى جانب مواجهته للصراع بين الداخل والخارج. اختتمت العروض العربية فى أيام المهرجان الأولى مع فرقة المسرح الوطنى اليمنية التى قدمت عرض «عروس النسر» على مسرح البالون إعداد وسيناريو منير طلال وإخراج سلمى الظاهرى وبطولة حسن بخيت ونوال عاطف وهى من الأساطير الشعبية اليمنية القديمة وتحكى الصراعات الدينية والعقائدية فى العصر الجاهلى قبل الإسلام، وحتى ظهور الدعوة الإسلامية وما حققته من تقدم وارتقاء للبشرية جمعاء بقيادة سيد الأنبياء.