قدمت مسرحية «أهو ده اللى صار »للكاتب محمد الرفاعى والمخرج محسن حلمى ملحمة لمعاناة الشعب المصرى على مدار السنوات الماضية، كما استعرضت جوانب الفساد التى تفشت قبل ثورة52 يناير، فقدمت المأساة من خلال سيناريو ساخر يثير الضحك ويرغمك على البكاء. النص المسرحى جاء بلغة بسيطة وسلسة، حيث اختار الكاتب شخصيتين ليكونا محور القضية وهما هيثم المصرى والذى لعب دوره الممثل القدير لطفى لبيب ومصراوية والتى جسدت شخصيتها الممثلة منى حسين. حيث يعبر كل من هيثم ومصراوية عن ملايين من البسطاء الذين لايزالون يحملون أخلاق القرية ونقاءها فى زمن غابر كئيب. ويتناول الكاتب مظاهر القسوة والقهر فى المجتمع المصرى من خلال أحداث يمر بها كل من هيثم ومصراوية واللذين جاءا من الصعيد لمصر بحثا عن ابنهما الطبيب الذى يعمل فى مصر والذى انقطعت اتصالاته من 3 سنوات. وخلال رحلة بحثهما يتعثران فى العديد من الكوارث بداية من حريق قطار الصعيد فيستعرض النص مظاهر الفساد فى علاج المصابين والمستشفيات الخاصة وتفاهة الإعلام وعدم مصداقيته مرورا بالشوارع المزدحمة وتوهة أهل مصر داخلها متمثلة فى الشاب الذى يمشى يحدث نفسه وهو يحاول أن يحسب احتياجاته من راتبه الذى لايتعدى ال 003 جنيه حتى تصدمه سيارة. وينقل لمستشفى استثمارى ويموت وتباع جثته لطلبة الطب فى مزاد علنى فيباع بثمن بخس، فالإنسان فى موته وحياته لايساوى شيئا. وتستمر المسرحية فى عرض الصور الهزلية لحياتنا التى نعيش فيها ما بين الحياة والموت وتدنى ثمن البنى آدم. وقد استوقفنى مشهد الفرح والجنازة والذى قدمه المخرج بشكل سلس، ففى آن واحد هناك من يموت وهناك من يدخل دنيا ويتسرب المعزون من العزاء ليحضروا الفرح بعد أن فقد الموت هيبته. وتنتقل المسرحية لتقدم صورة عن التزوير الفاضح فى الانتخابات وتصارع المرشحين ومصالحهم الشخصية وسطوة جهاز أمن الدولة وتلفيقه للتهم لسحل الأبرياء. المسرحية لم تكتف بعرض المهزلة التى تعيشها مصر داخليا بل تطرقت إلى مولد ستنا الجامعة اللى مجمعة الحبايب فى إسقاط سياسى على جامعة الدول العربية وتراخى دورها. وتستمر المسرحية فى عرض ما تمر به مصر من فوضى وقهر وظلم.. بينما يردد البطل دائما أن مصر هى أغنى دولة فى العالم فهى تسرق على مدار ال7 آلاف عام ومفلستش. المسرحية وصفت حالة المصريين بدقة بالغة من خلال عبارة (بلد دايخة زى الفروج ماشية تنقر فى بعضها). ويأتى مشهد النهاية، حيث ينام الجميع من الضغط النفسى فى محاولة للهرب، وتأتى مصراوية وتحاول أن تبث فيهم روح المقاومة والصمود فيقفون فى وجه الظلم حاملين لافتات ثورة 52 يناير وترى ابنها فى عيونهم جميعا وما تلبث أن تنجح الثورة حتى يتشتت جسدها ما بين إسلامى وليبرالى وعلمانى وسلفى وإخوانى واشتراكى، فتصرخ مصراوية بينهم حائرة حزينة وتنتهى المسرحية على صرخة مصراوية على جسد الثورة الممزق. وتختم المسرحية بلحن سيد درويش «مصرنا وطنا» مذكرًا بأن مصر هى الباقية وأن التوافق هو الحل. ويعتبر وقت عرض المسرحية مناسبا، خاصة ونحن نحتفل بالذكرى الأول لثورة 52 يناير، حيث جاءت المسرحية كجرس إنذار ليذكرنا بفترة ما قبل الثورة وأسباب قيامها وينبهنا إلى أن الثورة مستمرة لسبب بسيط جدا هو أن أسباب اندلاعها فى 52 يناير 1102 لا تزال موجودة فلايزال المواطن يعانى ولاتزال المستشفيات تمص دم الغلابة ولايزال الموظف يكلم نفسه حتى يجن ويفقد عقله بحثا عن إجابة منطقية فلا يجد. فمشاكلنا الحقيقية التى قامت من أجلها الثورة لاتزال موجودة، بينما انصرفنا نحن وتشتتنا كل يبحث عن بطولة مزعومة فى بلد لايزال يئن من الأوجاع. المسرحية هى أول مسرحية يتم افتتاح مسرح الهناجر بها بعد أن ظل مغلقا لمدة ثلاث سنوات لخضوعه لعملية إحلال وتجديد، وقد قدم المخرج محسن حلمى مجموعة من الشباب الموهوب أدوا أدوارهم بعيدا عن الابتذال أو الاستخفاف. ولفت نظرى الممثل الشاب على قنديل والذى قام بدور المجذوب، فقد أدى الدور ببراعة شديدة وخفة دم ليعلن عن ميلاد فنان كوميدى. وعلى الرغم من بساطة الديكورات فإنها جاءت معبرة والتحرك من مشهد لآخر جاء بسيطا دون أن يشعر المشاهد بذلك.