حالة شديدة من الحزن والإحباط والغضب أيضا سيطرت علينا جميعا وعلى ملايين المصريين إزاء ما حدث ويحدث فى ميدان التحرير، وهى الأحداث التى تسببت فيها واندلعت شرارتها بعد مليونية الجمعة الماضية التى دعت إليها القوى الدينية، وبالتحديد تيار الإخوان والسلفيين للاعتراض على وثيقة السلمى فى تصعيد متعمد منهم للاستحواذ والاستئثار بكل مظاهر السلطة فى الفترة المقبلة ابتداء من أغلبية البرلمان ومرورا باختيار وانتخاب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وانتهاء بالانفراد بالموافقة على بنود ومواد الدستور الجديد. وكأننا بعثنا الحزب الوطنى الميت من مرقده، لكن بشكل جديد والمبرر أنهم الأغلبية.. ونسوا أو تناسوا ونسى الشعب المصرى أنه كم من الجرائم السياسية ارتكبت باسم الأغلبية! وكيف تم تزوير إرادة الشعب مرارا وتكرارا.. وكم تم تعديل مواد الدستور أكثر من مرة لصالح الديكتاتورية باسم الأغلبية التى كانت مسيطرة على البرلمان! وكانت لا تسمع للمعارضة رأيا أو صوتا وكانت تحقق فقط إرادة الديكتاتورية للحاكم والحزب باسم الأغلبية.. ولذا كان من الطبيعى والمنطقى أن تخرج وثيقة السلمى لضمان عدم تكرار ما حدث. إننا استبدلنا حزب أغلبية يمارس الديكتاتورية بشتى أنواعها لمصلحة رئيس الدولة ومصلحة التوريث وتزييف إرادة الشعب باسم الأغلبية، استبدلنا هذا الحزب بحزب دينى آخر يمارس الديكتاتورية بصورة أفظع، حيث تكفير الناس وتسييس الدين وفرض الرأى بالقوة باسم الشريعة، والدليل على ذلك أنهم اعترضوا بشدة على مدنية الدولة رغم ما يدعونه غير ذلك مع أن الحقيقة البديهية أن مصر دولة جمهورية ديمقراطية مدنية، وأنها ليست دولة عسكرية أو دولة بوليسية أو دولة دينية، وأيضا يعترضون على أن الجيش يحمى الشرعية الدستورية مع أن الجيش وظيفته الأساسية حماية الحدود وأيضا منع الانقلابات وأيضا يعترضون على معايير اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ويصرون على أن تكون الأغلبية من أعضاء البرلمان الذين يحاولون الاستحواذ عليه، يرفضون أيضا ضمان الجيش لمدنية الدولة فى هذه المرحلة الانتقالية وحق الاعتراض على أى بند فى مشروع الدستور يخالف المقومات الأساسية للدولة المصرية. وأخيرا يرفضون ويعترضون على أن تكون المحكمة الدستورية هى الفيصل فى أى خلاف يحدث بين اللجنة التأسيسية لوضع الدستور والمجلس العسكرى ليكون مجلس الشعب وحده هو الفيصل وهو سيد قراره بالضبط كما كان فى برلمان الحزب الوطنى الذى كان يرفض كل أحكام الإدارية والدستورية فى أى شىء يتعلق بالبرلمان، وكأنك فى النهاية استبدلت حزبا وطنيا فاسدا بحزب دينى يرفض الرأى الآخر! وفى النهاية يضع على رأس المطالب أن يقوم المجلس العسكرى بتسليم السلطة مع نهاية أبريل، والسؤال يسلمها لمن؟ ومن هى السلطة التى تتحمل مسئولية الدولة بدون انتخابات وبدون اختيار الشعب ومن الذى فوضهم لاستلام السلطة نيابة عن الشعب.. وهل سيتفقون على المجلس الرئاسى الذى سيتم تسليم السلطة إليه؟! كل هذا جعل التيار الدينى يشعل الميدان ويستدرج للاعتصام فى الميدان بعض القوى الثورية وبعض الفصائل الأخرى مثل حركة «6 أبريل»، والغريب أن السلفيين والإخوان أنفسهم انسحبوا من الميدان وتركوا باقى الفصائل يلاقون مصيرهم، وحثهم حازم أبو إسماعيل على المكوث فى الميدان وعدم مغادرته رغم أنه أول من انسحب. السؤال الذى يلح علينا جميعا: هل محاولات الاستحواذ على السلطة والصدام المتعمد مع الحكومة والمجلس العسكرى تساوى دماء ال 22 شهيدا وال 1500 مصاب الذين فاضت أرواحهم وسالت دماؤهم على أرض الميدان؟.. هل يساوى الصراع على السلطة أن تراق دماء المصريين بهذا الشكل وبهذا الأسلوب؟! وفى النهاية مصر هى التى تدفع الثمن ويدفع اقتصاد مصر الثمن ويدفع شعب مصر الثمن من أرواح ودماء أبنائه وشبابه! وعودة ومحاولة لفهم ما حدث فى ميدان التحرير على مدى الأيام الثلاثة السابقة والشرارة الأولى التى اندلعت وأشعلت النار التى تزداد يوما بعد يوم.. وهى بدأت عقب عصر السبت بمحاولة فض بقايا الاعتصام ومعظمهم كانوا من أسر المصابين والشهداء وأيضا بعض القوى الثورية، والتعامل كان غريبا وفظا وغير مبرر على الإطلاق من الداخلية وقوات الأمن، لماذا؟ ومن الذى أعطى الأمر الذى أدى إلى اشتعال الموقف خاصة أنهم لم يكون ليعوقوا الحركة فى الميدان.. ما حدث جعل أعداد المتظاهرين والمتعاطفين تتزايد وتحتقن ليس فى الميدان وحده، لكن فى محافظات مصر خاصة الإسكندرية والسويس.. وكانت الحصيلة قتيلين ومائتى مصاب تقريبا، جاءت نتيجة تراشق المتظاهرين مع الشرطة ومحاولة اقتحام الداخلية، وأيضا إطلاق الغازات المسيلة للدموع، ومع تجدد الأحداث يوم الأحد وتكرار التراشق بين الجانبين حدثت الطامة الكبرى غير المتوقعة من جانب قوات الداخلية أيضا التى اقتحمت الميدان تجاه شارع قصر العينى ومن شارع محمد محمود فى محاولة لفض الاعتصام، وطرد المتظاهرين وشاهدناهم جميعا يكسرون ويحطمون ويحرقون خيام وموتوسيكلات المتظاهرين دون مبرر! ومثلما دخلوا فجأة تراجعوا أيضا إلى أماكنهم الأصلية على مشارف شارع محمد محمود فجأة وعاد المتظاهرون مرة أخرى، وللأسف إن محاولات الاقتحام هذه أسفرت عن ضحايا كثيرين نتيجة التدافع ونتيجة الاختناقات ونتيجة إصابات برصاصات أسفرت عن 22 قتيلا ومئات المصابين! أرواح كثيرة أزهقت ودماء كثيرة سالت على أرض التحرير دون مبرر ودون مقابل ودون قضية حقيقية يدفع الشباب أرواحهم ثمنا لها! وهو ما يعنى أنه للأسف الشديد تسقط الحكومة والداخلية فى الامتحان بجدارة شديدة ومثلما سقطت فى امتحان 28 يناير تسقط بشدة فى امتحان 20 نوفمبر، والغريب أنه بدلا من استقالة الحكومة كلها وتدفع ثمن ما حدث واستقالة وزير الداخلية الذى يجب أن يدفع ثمن قرارات الاقتحام الفاشلة، وجدنا أن المجلس العسكرى يرفض استقالة الحكومة، وأن الحكومة بدورها تجدد الثقة فى وزير الداخلية مع أن الاثنين منتهيا الصلاحية، لابد من حكومة جديدة تحت اسم إنقاذ وطنى أو تحت اسم حكومة حرب أو تحت أى مسمى، المهم إنقاذ مصر من هذا الخراب المستمر، وهذا الصدام المفتعل الذى يدفع بمصر إلى حافة الهاوية! الحقوا مصر قبل أن تضيع ولتذهب الوثيقة والانتخابات ومكاسب الأحزاب إلى الجحيم!