عرفتها منذ سنوات ورغم لقاءاتنا التى كانت تتم على فترات متباعدة إلا أننى كنت أكتشفها وأعرفها أكثر من خلال علاقتها بالآخرين والذين كانوا يرددون لى كثيراً عن دورها المؤثر والإنسانى مع كل منهم وعن قدرتها العظيمة على العطاء فى صمت والتواصل مع البشر على اختلاف طبائعهم بشكل حميمى يوحى لهم عن صدق بأن كلا منهم أو منهن هو محور اهتمامها الأول فهى تحمل همه وتفكر فى حل مشاكله.. ويجدها حاضرة دائما مع كل محنة يمر بها لتربت على كتفه وتهون عليه وتجد له مخرجا. فإذا ما تجاوز أى منهم محنته ورسا على شاطئ الأمان يكتشف أن هذا الجهد الصادق الذى تطوعت بالقيام به هذه السيدة عن طيب خاطر هو طابع أصيل تمارسه مع الجميع بكل الحب والتفانى بلا تكلف أو ادعاء. وإن صدق مشاعرها ونبل مقصدها ينبع عن شخصية متصالحة مع الحياة محبة لها قادرة على المواجهة والصبر على الشدائد والهروب من أسر الأنانية إلى رحاب العطاء بلا من ولا أذى فإذا بى أكتشف أن هذه السيدة صاحبة البنيان الضخم يسكن جوارحها قلب عصفور يشعر بمعاناه الآخرين ويسعى للتخفيف عنهم. وإذا بى أدرك أن هذه السيدة التى تتكئ دائما على العصا وتسير بصعوبة بالغة تمتلك روحا شابة متألقة محلقة فى السماء وتمتلك من الحيوية والقدرة على الفعل والتجديد والتطوير والجرأة فى تبنى الأفكار غير المسبوقة وتنفيذها على أرض الواقع مما جعلها رائدة فى مجال العمل الاجتماعى، خاصة مع المسنين وشعلة نشاط لم يخمدها سوى الموت إنها الدكتورة سوسن عثمان العميد الأسبق لمعهد الخدمة الاجتماعية ورئيس جمعية تدعيم الأسرة ونائب رئيس منظمة الأسرة العربية. والتى كانت أماً وصديقة ورفيقة درب لكثيرين شعروا مع غيابها بحالة من اليتم والوحدة القاسية والفراغ الإنسانى الفظيع والافتقاد للسند وللخل الوفى. أذكر أنها قد دعتنى يوماً لحضور حفل ويحيه كورال المسنين وهى فكرة مبتكرة من بنات أفكارها حيث شجعت كثيرين وكثيرات على الوقوف على خشبة المسرح والغناء لأول مرة أمام الجماهير وهم لم يسبق لهم الغناء قط من قبل ، فقط هم يملكون أذنا موسيقية وحسا فنيا مرهفا يمكنهم من أداء الأغانى بشكل مقبول وكانت النتيجة مبهرة مجموعة من كبار السن.. الهواه معظمهم لم يجرؤ على الغناء بصوت عال من قبل يقف ليغنى على خشبة المسرح بالأوبرا كالمحترفين يومها انطلقت الدكتورة سوسن فى وصلة من التصفيق الحاد والتشجيع الرائع وبفخر واعتزاز بهم لأكتشف بعد ذلك أن معظمهم كانوا يعانون من حالات اكتئاب شديد ويأس ويعيشون فى حالة من العزلة. وإن الدكتورة سوسن قامت بدور عظيم مع كل منهم ليخرج من عزلته ويندمج مع الآخرين فى هذا النشاط الاجتماعى الجرىء وغير المسبوق. مشروعات كثيرة نفذتها لصالح كبار السن «دورات تدريبية لإعداد جليس للمسن زى الونس، رحلات حج وعمرة، رحلات سياحية داخلية، خدمات طبية مخفضة» ولكن الموت لم يمهل الدكتورة سوسن حتى تنعم بافتتاح المشروع الذى كان حلم حياتها والذى شرعت فى تنفيذه منذ عشر سنوات كاملة بالتجمع الخامس بالجهود الذاتية والتبرعات وحرصت على تجهيزه على أفضل مستوى لتكون داراً نموذجية لمسنين ليوفر لكبار السن جميع الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية المتكاملة وملحق به أول ناد اجتماعى لكبار السن.. ماتت الدكتورة سوسن قبل أيام قليلة من افتتاح الدار لكن كل من سيسكنها فيما بعد سيدعو بالتأكيد للدكتورة سوسن بالرحمة والمغفرة كما سيدعو لها دائماً كل من عرفها ومنحته حباً واهتماما ورعاية فالسيرة العطرة، والعمل الصالح هما الأبقى دائما.