مع شهر رمضان المبارك يزداد الإقبال علي الصلاة، ويتعاظم الشوق للاستمتاع بها والوصول بفضل الله للاقتراب من الحالة التي كان يأتنس فيها رسولنا «صلي الله عليه وسلم» بالصلاة إلي الدرجة التي كانت تدفعه لأن يقول لسيدنا «بلال بن رباح»: «أرحنا بها يابلال». إنما ما معني الصلاة؟ كما جاء في تفسير «المنار» للشيخ «محمد رشيد رضا» أن الصلاة هي إِظهار الْحاجة وافتقَارٌ إِلَي الْمعبود بِالْقَول أو العمل أَو كليهما، وهو المراد بِقَولهِم (الصَّلَاةُ مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ) لأن إظهار الْحاجة إِلي العظيم الكريم ولَو بِالفعل فَقَط الْتماس للحاجة واستدرار للنعمة، أَو طلب لدفْع النقمة. هذهِ الصلاة كَانَت توجد عند بعضِ الْجاهليين وهم الذين كَانوا يعرفون بِالحنيفيين والحنفاء، وعند بعضِ أَهل الكتاب. وقد ذكر الشيخ رشيد رضا وصف الشيخ محمد عبده للصلاة كما يلي: الصلاة الَتي فرضها اللهُ علَي المسلمين، هذه الأقوال والأفعال المفتتحةَ بالتَكبِير والمختَتمةَ بِالتَّسليمِ علي النَّحو الَذي جاءت بِه السنة المتَواترة من أفضل ما يُعَبَّر به عنِ الإِحساسِ بِالحاجة إلَي المعبود، وشعور الأنفسِ بِعظمته لو أَقَامها المصلون وأتَوا بِها علي وجهِها، ولذَلك قَال: (وَيُقِيمُونَ الصلاة) ولم يقل: يصلون. وما الفرق بينهما، الفرق أن الصلاة متَي حُدِّدَت بِكَيفية مخصوصة يُقَال لِمَن يُؤَدِّيهَا بتلْك الْكَيفية: إِنه صلي، وإِن كَان عمله هذَا خَلْوًا من معنَي الصلاة وقوامها المقصود من الهيئَة الظاهرة، فَاحْتِيجَ إِلي لَفظ يدل علي هذَا المعني الذي بِه قوام الصلاة ، وهو ما عبر عنه الْقرآن بِلفظ الإقَامة. وقَد قَالوا: إِن إِقَامةَ الصلاة عبارة عنِ الإتيان بجميع حقوقها من كَمال الطهارة واستيفاء الأَركَان والسنَنِ. وهو لا يعدو وصف الصورة الظاهرة، وإِنَما قوام الصلاة الَذي يحصل بالإقَامة: هو التوجه إِلي الله تعَالي والخشوع الحقيقي له، والإحساس بِالحاجة إِليه تَعالي. إنما كيف ينال الإنسان المتعة في الصلاة ويصل إلي هذا الخشوع الحقيقي: الطريقَة: هي ألا ينطق الْمصلي بِلفظ إِلا وهو يستورد معناه علي ذهنه، فَإِذا قَال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يستحضر معني الْحمد وإِضافتَه إِلي ذات الله تعالي، مع وصفه بِالربوبِية لجميع الأكوان العلوية والسفلية، وإِذا قَال مثل (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) تصور معني الملْك وتعلقَه بِذلك اليوم يوم الجزاء. اللهم ارزقنا الخشوع في الصلاة وحلاوة استحضار معني آياتك الكريمة التي نتلوها إلي أن نصل إلي ما ميزت به المصلين عن غيرهم في الآية الكريمة: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ) وفي تفسير هذه الآية أقرأ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي قوله: إن طبيعة الإنسان أن يخاف من كل شر، ويحرص علي كل خير ولكن المصلين مستثنون من هذه القاعدة. لماذا؟ لأنهم اتصلوا بالله عز وجل فوجدوه غنياً، فغنيت نفوسهم، واستغنت به عمن سواه. إنهم اتصلوا بالله عز وجل فوجدوه رحيماً، أرحمَ بأنفسهم من أنفسهم، فاستسلموا لمشيئته وصبروا لحكمه. إنهم اتصلوا بالله عز وجل فوجدوه قوياً قادراً فلم ترهبهم قوة عدوهم، ولا شدة بأسه، وآمنوا بأنه ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي علي صراط مستقيم. إنهم اتصلوا به عز وجل فوجدوه عادلاً لا يضيع مثقال ذرة، فأمنوا من جور الزمان، وتقلبات الأيام. إنهم اتصلوا به عز وجل، فوجدوا الاتصال به مُسعداً أيما سعادة، فلم تستخفَّهم شهوات الدنيا ولذائذها، ولم تستهوهم زخارفها وزينتها، إنهم آمنوا بأنه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.