«الأستاذ» هيكل في حواره الشهير إلي الأهرام بعد أن استخدم كلمة «هزيمة» في وصف حرب 67 بدلا من كلمة «نكسة» التي ابتدعها هو شخصيا وقدمها للرئيس عبدالناصر في خطاب التنحي للإجابة علي سؤال المصريين الذين خرجوا إلي الشوارع في هذا الوقت يطلبون تفسيرا للذي حدث وكيف حدث بعد بشارة إرشاد «إعلام» الأستاذ هيكل بأننا علي أبواب تل أبيب. قال «الأستاذ» هيكل إن سلاح الجو المصري في حرب أكتوبر 1973 لم يكن في حاجة إلي ضربة جوية تنفذها أكثر من 220 طائرة وكان يكفيه 16 أو 18 طائرة فقط نظرا لمحدودية الأهداف الإسرائيلية من جانب وللمعرفة المسبقة لإسرائيل بموعد الحرب مما أتاح لها إخلاء معظم الأهداف بشكل جعل الضربات الجوية لها غير مؤثرة من جانب آخر، ومن ثم لم يكن هناك حاجة عسكرية إلي انطلاق كل هذا العدد من الطائرات، وأن الحاجة الوحيدة كانت لرفع معنويات القوات لا أكثر و لا أقل. وإن كنا نعلم جيدا أن «الأستاذ» هيكل لا يلقي بالكلمات جزافا ولا عبثا وإنما تأتي كلماته ككرة البلياردو تضرب كرة فتصدم كرة أخري في متتاليات تنقل طاقتها وقوتها إلي كرات أخري تحقيقا لنتيجة إنزال كل الكرات في «أكواز» طاولة البلياردو، في سياق تصفية حسابات سياسية مع الرئيسين السابقين وكلاهما مرتطب ارتباطا وثيقا بحرب أكتوبر. إلا أن الأستاذ هيكل قد تجاوز أمر تصفية حساب سياسي إلي التعرض إلي العسكرية المصرية وأدائها التخطيطي والتكتيكي والقتالي في حرب أكتوبر وهو الأداء الذي أذهل العالم كله كأداء لم تعرفه قوات مسلحة في تاريخ الحروب التي شهدتها البشرية. وإذا كان «الأستاذ» هيكل وهو يفجر قنبلة دخانية من هذا النوع وهذا الحجم علي أداء القوات المسلحة وسلاح الجو المصري والإيحاء بأن قادة حرب أكتوبر قد غامروا بأرواح كل هذا العدد من الطيارين والطائرات من أجل هدف نفسي معنوي لم تكن هناك حاجة عسكرية ضرورية إليه . قد ضرب بكل الوثائق والدراسات عن حرب أكتوبر عرض الحائط وألقي بكل شهادات القادة العسكريين المصريين الذين خططوا وأداروا هذه الحرب المجيدة وكذلك شهادات القادة الإسرائيليين ممن تلقوا الضربة العسكرية القاسمة مستندا إلي رواية واهية عن حوار حضره بين الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل وكلاهما في ذمة الله، واقعة لم يذكرها الأستاذ هيكل نفسه بخط يده في كتاباته المتعددة عن حرب أكتوبر وفي مقدمتها كتاب «أكتوبر السياسة والسلاح» ولا في أحاديثه المتلفزة، ولكنه تذكرها فجأة بعد 25 يناير. أجد لزاما علي القوات المسلحة المصرية أن تتحرك لتبدد هذه السحابة الدخانية الكثيفة التي أطلقها الأستاذ هيكل علي سلاح الجو المصري في حرب أكتوبر، فأسلوب الأستاذ هيكل الساحر يجعل ما يتفوه به ويكتبه يبقي في ذهنية ووجدان العامة جاهزا للتحول إلي حقيقة ثابتة غير قابلة للجدل يستحيل نقضها بغض النظر عن تقدم الأبطال من طياري سلاح الجو المصري الذين شاركوا في حرب أكتوبر للنائب العام ببلاغ للتحقيق مع الأستاذ هيكل فيما اعتبروه إهانة لهم و تقليلا من دورهم البطولي وإلقاء للتراب علي تاريخهم العسكري، فهذا موضوع يخص سجلهم العسكري الشخصي. كلنا نعلم أن «الأستاذ» هيكل مدقق في كلماته يراجعها أكثر من مرة مثلما يطلب مراجعة حواراته قبل النشر مضيفا كلمة، مستبدلا تعبيراً، مختارا لعنوان رئيسي أو فرعي، وإن كان قد تنصل في استدعائه أمام جهاز الكسب غير المشروع مخليا مسئوليته نافيا ما قاله من أنه حصل علي معلوماته من تقارير للبنك الدولي والاستخبارات الأمريكية، مؤكدا أنها تقارير إعلامية عادية. ولكن التاريخ العسكري لهذا الوطن وانتصاره العظيم في حرب اكتوبر لا يقبل القنابل الدخانية، فإما أن يصحح الأستاذ «هيكل» أو يعتذر للعسكرية المصرية وإما أن يثبت بالوثائق ما قاله عن أداء سلاح الجو المصري.