45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 5 مايو    ترامب يأمر بإعادة بناء وتأهيل سجن ألكاتراز    بعد الموافقة على توسيع العملية العسكرية.. 15 شهيدا في قصف إسرائيلي بغزة    رويترز: ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومى    لا أستبعد الخيار العسكري.. ماذا قال ترامب عن ضم جزيرة جرينلاند؟    15 شهيدا و10 مصابين إثر استهداف إسرائيلى لثلاث شقق سكنية غربى مدينة غزة    أشرف نصار ل ستاد المحور: توقيع محمد فتحي للزمالك؟ إذا أراد الرحيل سنوافق    كواليس حضور زيزو لتدريبات الزمالك    زوج شام الذهبي يتحدث عن علاقته بأصالة: «هي أمي التانية.. وبحبها من وأنا طفل»    عمرو دياب يُحيى حفلا ضخما فى دبى وسط الآلاف من الجمهور    زي الجاهز للتوفير في الميزانية، طريقة عمل صوص الشوكولاتة    ادعى الشك في سلوكها.. حبس المتهم بقتل شقيقته في أوسيم    ظهر بإطلالتين، عمرو دياب يتألق خلال حفله في القرية العالمية بدبي (فيديو وصور)    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    تفاصيل اتفاق ممثل زيزو مع حسين لبيب بشأن العودة إلى الزمالك    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    صراع ثنائي بين ليفاندوفسكي ومبابي.. جدول ترتيب هدافي الدوري الإسباني    وكيل إسكان النواب: ترقيم العقارات ينهي نزاعات الملكية ويُسهل التصدير    لطلاب الثانوية العامة 2025، التعليم تنشر اليوم نموذجا استرشاديا ل الرياضيات التطبيقية    التحريات تكشف ملابسات وفاة شاب إثر سقوطه من الطابق الرابع    مصرع شخص وإصابة 7 في مشاجرة طاحنة بقرية نزلة حسين بالمنيا    سعر الموز والبطيخ والخوخ بالأسواق اليوم الاثنين 5 مايو 2025    اعتقال مسئول حكومي بعد انفجار الميناء "المميت" في إيران    المعارضة الإسرائيلية: جماعات تشجع اليهود المتدينين على التهرب من الخدمة العسكرية    مبادرة «أطفالنا خط أحمر» تناشد «القومي للطفولة والأمومة» بالتنسيق والتعاون لإنقاذ الأطفال من هتك أعراضهم    لهذا السبب..ايداع الطفلة "شهد " في دار رعاية بالدقهلية    بعد تعرضه لوعكة مفاجئة.. تطورات الحالة الصحية للفنان صبري عبدالمنعم    ردا على نتنياهو، الحوثيون: إخطار منظمة الطيران واتحاد النقل الجوي بقرار الحظر الجوي على إسرائيل    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    رئيس محلية النواب يستنكر فكرة تعويض المستأجرين بمساكن بديلة    شوقي غريب يقود المريخ للفوز الثاني على التوالي بالدوري الموريتاني    مجلس الشيوخ يناقش اقتراح برغبة بشأن تفعيل قانون المسنين    قداسة البابا يلتقي مفتي صربيا ويؤكد على الوحدة الوطنية وعلاقات المحبة بين الأديان    انتهاء الورشة التدريبية لمدربى كرة القدم فى الشرقية برعاية وزارة الرياضة    جودي.. اسم مؤقت لطفلة تبحث عن أسرتها في العاشر من رمضان    محافظ الجيزة ووزير الشباب يشهدان حفل ختام مهرجان إبداع بجامعة القاهرة    أول تعليق رسمي من جامعة الزقازيق بشأن وفاة الطالبة روان ناصر    العثور على جثمان شاب بترعة النعناعية في المنوفية    أمين الفتوى يوضح حكم الميت الذي كان يتعمد منع الزكاة وهل يجب على الورثة إخراجها    محمود ناجى حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلى فى الدورى    الرئيس الفلسطيني يبحث مع نظيره القبرصي تطورات الأوضاع السياسية    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    فرع محو الأمية بالإسماعيلية يفتتح دورة لغة الإشارة بالتنسيق مع جامعة القناة    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    سعر الذهب اليوم الاثنين 5 مايو 2025 عيار 14 بدون مصنعية ب 3,090 جنيها    ما هي محظورات الحج للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز التعاقد على شراء كميات محددة من الأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يجيب    «في عيدهم».. نائب رئيس سموحة يُكرّم 100 عامل: «العمود الفقري وشركاء التنمية» (صور)    حالة الطقس المتوقعة اليوم الإثنين 5 مايو 2025 فى مصر    سعر الدولار اليوم الاثنين 5-5-2025 يسجل 50.68 جنيه للشراءمن البنك الأهلى    برج الميزان.. حظك اليوم الإثنين 5 مايو: قراراتك هي نجاحك    مساعد وزير الصحة ووكيل صحة سوهاج يتفقدان مستشفى ساقلته    مجلس جامعة الأزهر يوجّه توصيات مهمة بشأن الامتحانات    البابا تواضروس الثاني يلتقي أبناء الكنيسة القبطية في صربيا    جامعة القاهرة تصدر تقريرها الرابع للاستدامة حول جهودها في المجال الأكاديمي    رئيس مجلس الشيوخ يفتتح الجلسة العامة لمناقشة ملفي الأمن السيبراني وتجديد الخطاب الدينى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 04 - 2010

كانت حرب الاستنزاف حرب الألف يوم ،وهذا الوصف قاله الأستاذ مايكل بريشر فى دراسته المهمة عن صنع القرار فى إسرائيل، ونسبة للقادة العسكريين وقال إن الأدبيات العسكرية الاسرائيلية وفى التاريخ العسكري الإسرائيلي وصفت حرب الاستنزاف بأنها حرب الألف يوم ونحن لم نتوصل لهذا الوصف و كان فى أذهاننا دائما أنها حرب الأيام الست، وقسمها بريشر والذى أعتقد أنه أهم أحد دراسى السياسة الإسرائيلية والاستراتيجية الاسرائيلية، إلى ست مراحل طبقا لتاريخ الحرب كما كتبت فى إسرائيل ولنظريات الحرب التى درست فيما بعد فى اسرائيل ، وأنا أعتقد إن السجلات تنصف حرب الاستنزاف بأكثر من كثير من الناس الذين حاولوا نسيانها أو تجاهلها أو غض النظر عنها وهذا موضوع سبق ان تحدثت فيه.
ولم تكن حرب الاستنزاف ضرب مدافع ودبابات وصواريخ وإغراق إيلات ودخول دوريات لأنه الأهم من ذلك هو اختبار للأعصاب وللصبر وللإرادة وهذا مهم للقدرة على توازن لأنه فى وقت من الأوقات كان لا يمكن الاعتبار به وهذه حرب الألف يوم كما قسمها مايكل بريشر إلى ست مراحل وهى مراحل فى التصعيد خطوة بعد خطوة كأنها لعبة شطرنج لكنها لعبة خطرة على المنطقة بأسرها وفى مرحلة تقرر أشياء كثيرة بالمستقبل.
وكان التصاعد فى حرب الاستنزاف وأنا لا أتحدث من ناحية التقسيم الاسرائيلي لأنه فيه اعتباراتهم ويتحدثون فيها عن ست مراحل فانا أقسمها لثلاثة مراحل أولها المرحلة العفوية التلقائية التى فيها ردة الفعل الطبيعية لبشر غضبوا مما جرى لهم ووجدوا ما لا يستحقونه ، وهنا كانت مرحلة المدافع وبها جرى عمل مهم وهو أثناء عملية ضرب المدافع واسرائيل ترد عليها بضرب مصانع تكرير البترول حدث أن هناك رهائن فى منطقة قناة السويس ، وأصبح سكان المنطقة رهائن فى منطقة قناة السويس وسكان كل المنطقة أصبحوا رهائن فى يد القوات الاسرائيلية وبالتالي كانت هناك عملية مهمة لنقل مصانع التكرير مثل ما حدث وإنما نقل نصف مليون مواطن إلى الداخل حتى لا يكونوا فى مطال المدافع الإسرائيلية وهي ترد على القوات المصرية.
اختبار الإرادة
المرحلة الثانية هى المرحلة التخطيطية وهى مرحلة الدخول إلى العمق والاشتباك مع العدو وضرب خطوط مواصلاته وتطعيم الشباب بقوة النيران وبمعرفة العدو وكسر الرهبة منه ، وقد وصف تقرير المخابرات الأمريكية بإنها نقلة نوعية خطيرة فى الحرب ووضح فيها إن جبهة قناة السويس هناك فيها قدرة كبير من التفوق سواء كان بقوة النيران أو بشجاعة الرجال وبدا هذه النقلة تلفت الأنظار وأن هناك خطوة لا بد أن نتوقعها من اسرائيل وسترد ، وكان الرد مفاجئا وأنا أعترف بذلك وكنا نتوقع وكذلك صانع القرار المصري وجاءت غارات العمق على نجع حمادى ومحاولات للسد العالي ، ولكن فى هذه اللحظة أعتقد أن هناك مرحلة للارادة والرغبة فى التوازن والاصرار عليه والمشي كما يقال على حد السيف.
وانتشر فى هذه اللحظة كلام حول صفقة طائرات كبيرة ستعطيها أمريكا لإسرائيل ، فبعد انتهاء حرب الأيام الست أعلنت حظر على تصدير السلاح على المنطقة واسرائيل كانت لديها كل ما تريده وحققت به ما أرادت تحقيقه فى يونيو سنة 1967 وأمريكا أعلنت حظر على تصدير السلاح إلى المنطقة وطلبت من الاتحاد السوفيتي أن يحذو حذوها والرغبة فى إبقاء الأمر الواقع يوم وقف اطلاق النار يوم 8 يونيو ولكن ما حدث فى المنطقة بالفعل تخطى هذا كله بعد أن استطاعت مصر أن تجلب السلاح وتقف فى المعركة واستطاع الشباب الدخول فى عمق سيناء وأثبتوا تفوقهم النوعي والكمي وهذا بدا مفاجئا ، وعلى الأقل الأمريكان أبدوا استغرابهم من كيفية حدوث هذا ، ولاحظوا وجود اصرار من نوع آخر.
وهنا حدث تصاعد من جبهة القتال إلى العمق المصري وهنا أمريكا فى هذه اللحظة تحاول أمريكا اعطاء اسرائيل صفقة طائرات كبيرة ولم يسبق لها مثيل فى كل التاريخ سواء على الشرق الأوسط وبدا أنه أمر لا يصدق ، وأن امريكا رفعت الحظر عن تصدير الأسلحة للمنطقة وبالفعل حصلت إسرائيل على 12 طائرة سكاى هوك لتعزيز قوتها على الدوريات فى شرق البحر الأبيض المتوسط مكان غرق إيلات وغرق داكار لكن بدأنا الأن نسمع عن صفقة عن طائرات الفانتوم ولم تكن أمريكا قد سمحت بإعطائها للحلف الأطلنطى وكانت قد استعملتها فى فيتنام وستحصل على كميات كبيرة منها وأن عدد الطائرات خمسين طائرة لكن الكلام مبهم من وكالات الأنباء وهى تخمينات ومتسربة من مجلس الشيوخ.
الصفقة الكبرى
ووقعت حادثة سأتوقف عندها فى الأسبوع الأول من نوفمبر سنة 1967 حيث تلقيت برقية من صديق هو السفير نديم دمشقية وهو كان سفيرا للبنان فى واشنطن فى ذلك الوقت وكانت البرقية من بيروت وطلب منى أن أرتب لحضوره القاهرة وأنه سيبقى 24 ساعة يريد فيها مقابلة عبد الناصر وكان موجودا فى مصر وكان قائما بالأعمال ثم سفير مفوض وكانت تجمعه صداقة مع عبد الناصر وكان قوميا عربيا بالطبيعة والتربية ،وقال لى أنه يأتى لمهمة ولن يبوح بالمعلومات التى لديه إلا لجمال عبد الناصر شخصيا وحاولت لكن نديم صمم على هذا الكتمان فاحترمت ذلك.
وذهبنا الساعة الخامسة لمنزل عبد الناصر وحكى نديم قائلا أنه صديق لريتشارد هالمز مدير السي آى إيه فى ذلك الوقت ولديه صلات بمجلس الشيوخ كبيرة ولأنه عميد بالسلك السياسي فى واشنطن فلديه اتصال وهو سفير نشيط وزوجته السيدة مارجريت وهي إيرلندية وكانت باعتبارها إنجليزية أيضا، وكانا مركز اتصال كبير، وقال لعبد الناصر أنه عرف بصفقة 50 طائرة فانتوم لإسرائيل و36 طائرة سكاي هوك وأنها سوف تسلم لإسرائيل وأن هذا القرار أتخذ بالفعل وهناك تلميحات وهو يعلم ويأتي ليؤكد أن هذه خطوة خطيرة من نقل المعركة من منطقة قناة السويس إلى غارات العمق وقال نديم أنه لما عرف هذه المعلومات رأى أن يقول للرئيس اللبناني ويشرح له وقال له هو و شارل حلو اقترح نديم أن يتصل بالملك فيصل باعتبار انه يستطيع الضغط على الأمريكان ويستطيع ان يمنع أو يعرقل أو يعطل هذه الصفقة فى هذه اللحظة لأنه اذا دخلت هذه الطائرة فى المعركة فى هذه اللحظة من حرب الاستنزاف فسوف يكون تأثيرها فادحا وعندما سمع عبد الناصر هذا الكلام أبدى دهشته لأن هذه الصفقة من هذه اللحظة مسألة كبيرة ، وطلب رسالة أرسلها له جونسون قبل ذلك وهى نص رسالة شفوية مبعوثة من أندرسون مبعوث الرئيس جونسون.
وقال أندرسون خلال الرسالة الشفوية لعبد الناصر أن الرئيس جونسون لن يدخل الانتخابات الرئاسية الأمريكية مرة أخرى وبدأت وتجرى تقريبا وهى ستجرى فى نوفمبر القادم لرئاسة جديدة سنة 1968 وأن ظروف حرب فيتنام تمنعه من ترشيح نفسه للرئاسة مرة أخرى وهذا حقه، وقال جونسون خلال الرسالة أنه رئيس حر محرر من أى ضغوط وأنا أستطيع تحقيق حلم السلام فى الأرض المقدسة والذى حاول كل رئيس أمريكي قبلي أن يفعله ولم ينجح ، وأنه متحرر من أعباء رئاسية أو انتخابية وأنه سيسلم الرئاسة إما لهانفري أو لنيكسون والذين كانا مرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، وأن الشهور المتبقية لى أستطيع أن أصنع سلاما فى الشرق الأوسط.
وتذكر جمال عبد الناصر هذه الرسالة وطلبها ليقول لنديم كيف يمكن أن يوفق بين رجل يقول أنه يستطيع أن يقوم بعملية سلام ويستطيع أن ينجح فيه وأن عبد الناصر يعرف أن هذا الكلام لا يساوى شئ من يوم حرب يونيو ، ولكن كيف أوفق بين هذا بعد قرار بشهر أو شهر ونصف لى بما أثر على معركة ويدخل عناصر لم تكن موجودة فيها ، وبين كلام شارل حلو واحساسه ومجيىء نديم بهذه الطريقة ، وبالفعل أعلن عن هذه السابقة بعد ذلك صفقة 50 طائرة فانتوم لإسرائيل و38 طائرة سكاي هوك كان سلم منهم 12 طائرة بعد اغراق داكار.
مفاوضات مهينة
وأنا أمامي الوثائق الأمريكية عن هذه الفترة وهي حقيقة الأمر اختبار للمشي على حافة السيف وعلى حد السيف. ومن هذه الوثائق يظهر الرئيس جونسون فى مزرعته ومع بعض الأصدقاء وكان هناك اجتماع فى تكساس و ووافق الرئيس فى وجود بعض أعضاء اللوبي الإسرائيلي وهنا مذكرة من ألولاسترو مستشار الرئيس للأمن القومي بتاريخ 31 أكتوبر 1968 بعد بدء غارات العمق بيومين ب48ساعة وقد أعطى الوزير راسك لمساعدة السفير بيتر هارت لكي يطلب من رابين أن يجئ ومعه قائمة الطلبات مع مسودة اتفاق ، وكان ايزاك رابين فى ذلك الوقت عين سفيرا لإسرائيل فى الولايات المتحدة الأمريكية والهدف أن يكمل عملية إمداد السلاح وأن يحاول كسر حظر تهديد السلاح بكل الوسائل وكان التقرير من والتروستد للرئيس جونسن يقول أن وزير الخارجية أعطى تعليمات لوزير الخارجية رابين أن يعطي القائمة بالطائرات ، وقال له "اسرائيل ستأتي هذا الصباح ومعهم المسودة ووزارة الدفاع لديهم رأى فى هذا "، وقال أننا سنعطى اسرائيل هذه الطائرات ولكننا نعرف ان الفرنسيين فى وقت حرب السويس سنة 1956 ولكى يعفي نفسهم من التواطؤ مع اسرائيل ويشعرون أنهم مدينين بشئ لإسرائيل ، وبعد العدوان الثلاثي أعطوهم قنبلة نووية صغيرة يمكن تركيبها فى أى وقت.
وقال البنتاجون أنهم موافقين على الطائرات ولكن رافضين أن تحتفظ إسرائيل بالقنبلة وأن وجود القنبلة فى ظل التصاعد فيه خطورة كبيرة على المنطقة ومن الممكن أن تقلب الموازين والمصريين يمكن أن يردوا عليه بما لا نعرف وندخل الاتحاد السوفيتي أكثر ومن الممكن إذا بقيت هذه القنبلة بإسرائيل والإسرائيليين استعملوها أو هددوا بها فى مرحلة من مراحل التصاعد قد نجد أنفسنا فى مواجهة الاتحاد السوفيتي وهذا هو الموضوع الذى وضعته البنتاجون كشرط لإعطاء الطائرات لإسرائيل وهو ليس شرط ولكن كطلب أو كضمان لا بد أن يعطي للولايات المتحدة أو حتى التصاعد لن يعطي مواجهة مع الاتحاد السوفيتي. وبالتالي يوافق البنتاجون على الطائرات ولكنه يخشى من حركة أخرى قادمة فى التصعيد قادمة قد تؤدي إلى تدخل الإتحاد السوفيتي.
ونطمأن هنا إلى ما يقوم به المصريين من خطى التصاعد أن هذا مضمون ومحكوم.
أما الوثيقة الثانية فهى مذكرة عن محادثة تلفوينية بين وزير الخارجية راسك ووزير الدفاع كلارك كليفورد وهو محام وأكثر اصدقاء إسرائيل والغريب أنه كان محام لبضع الدول العربية وأصبح
وزيرا للدفاع مع جونسون وكانت اسرائيل سعيدة به، وقال وزير الخارجية أنه تحدث مع وزير الدفاع عن الطائرات الفانتوم والرئيس يعارض أن يقوم البنتاجون بلى ذراع إسرائيل فى موضوع
المسألة النووية وربطها بصفقة الطائرات ، وأنه بناء على ضغوط شديدة جدا بمجلس الشيوخ ومن أصدقاء إسرائيل وأن البنتاجون يربطه بمسألة القنبلة النووية هذا فى رأى جونسون تعسف لا مبرر له وأنه سيعطيهم الطائرات ، وتقول مذكرة الحديث التلفونى أن يخفف الخبراء فى البنتاجون من غلوهم قليلا ولا يلووا ذراع إسرائيل ، فقرار البنتاجون يخشى خطوة فى التصاعد قد يدخل فيها الاتحاد السوفيتي كطرف وأن مصر بماذا سترد وإسرائيل لديها جهاز نووى قنبلة صغيرة وكان لديهم أبحاث فى هذا المجال ومتقدمين فيها لكنهم لم يصنعوا أسلحة ، وهنا يحاول البنتاجون ضمان خطى التصاعد حتى لا تضعه فى مواجه مع الروس.
والوثيقة الثالثة تتحدث عن المفاوضات مع رابين وللأسف هذه المذكرة تظهر كيف تتصرف دولة صغيرة تشعر بدورها ، وعندما قيل لرابين أن البنتاجون يريد ضمانات بسبب القنبلة النووية وعدم استعمالها فى التصاعد قال رابين "قدمنا تصريحا إن اسرائيل لن تتخذ الخطوة الأولى فى ادخال الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط وهذا يكفى وهذا يغطى كلام البنتاجون". وكل هذا الكلام كان قديما ولكن رابين استعمل خبرته العسكرية ومهاراته السياسية ، وقال هل يمكن فى دولة لديها أسلحة نووية سواء كانت حصلت عليها من الفرنسيين أو أنتجته من غير إجراء تجارب ، وهم كانوا قد أجروا تجارب فى دولة جنوب أفريقيا فى زمن التمييز العنصري أو كان يقوموا بها. وكان رابين فى وجهة نظر الأمريكان من خطط لمعركة الأيام الستة ، ورئيس أركان حرب أيام هذه الحرب وخصوصا فى مجلس الشيوخ والبيت الأبيض ويرفض رابين هذا الكلام.
وهنا محضر مناقشة عن اجتماع الجانبين ، الجانب الاسرائيلي فيه السفير الإسرائيلي اسحق رابين ، ومجيور جنرال هود قائد السلاح الجوى الإسرائيلي ، ودايفيد كارمون الملحق العسكري الاسرائيلي للسفارة الإسرائيلية بواشنطن ، وشابيرو رئيس بعثة وزارة الدفاع.
ومن الجانب الأمريكى بول وارتكه مساعد وزير الدفاع ، وهارى شوارتز مساعد وزير الدفاع ، وروبرت ميرى وكيل إدارة الشرق الأوسط. وكان الجانب الأمريكي يطلب ومن الاسرائيلي إتمام الصفقة وشراء الطائرات وان البنتاجون متخوف من التصاعد فيما بعد.
وهنا كيف يمكن أن تتصرف دولة صغيرة أمام دولة كبيرة هي فى حاجة إليها ، وهنا قال رابين أن اسرائيل لا تقبل قيد على استقلالها ولا حتى من أمريكا ولا تقبل قيد على قراراها حتى من أكبر أصدقائها ، وهى بلد صغيرة يعتمد على أمريكا فى كل شئ لكن نرى كيف تتعامل مع سيادتها وأهمية قول لا وأن يقول لا معتمدا ليس فقط فى الكونجرس واللوبي والمحيطيين وليس حتى ميول الرئيس الأمريكي فقط بل يدرك أنه يؤدي دور فى المنطقة تحتاج إليه الولايات المتحدة فى المنطقة وبالتالي فالولايات المتحدة فى حاجة لإسرائيل بنفس المقدار الذى تحتاج فيه اسرائيل لأمريكا. وهنا نرى كيف تستطيع دولة صغيرة أن تقول لا لدولة كبيرة وهى من يعتمد عليه سواء فى السلاح أو المساعدات، ولكن نتصور أن صداقتنا مع دولة كبرى يمكن أن تلغى حقنا فى أن نقول لا وحق أى دولة ، وبدون وجود هذا الحق لا توجد سياده ، وهنا تعطينا إسرائيل نموذج لكيف يمكن أن تقول لا.
رقعة الشطرنج
وحاول الأمريكان كثيرا مع رابين أثناء المحادثات وقالوا له أن يجرب ويسأل الحكومة الاسرائيلية فرد رابين أنه لا يسأل الحكومة وأنه يعمل وينفذ تعليمات واضحة للحكومة الاسرائيلية وأنه غير مستعد أن يسأل الحكومة على سؤال لا مبرر له وأن المسألة ليست أن الطائرات الفانتوم أو غيرها لكن هذا سيعرضنا لأشياء كثيرة جدا فى المنطقة لأنه نحن فى هذه الصفقة سوف نظهر علنا فى الشرق الأوسط وأنتم الأصدقاء ونحن المورد الرئيسي للسلاح لإسرائيل وهذا سيعرفه كل الناس فى الشرق الأوسط وفى العالم.
وربما استطاعوا أن يخفوا دورهم فى يونيو حول السلاح ولكن هذه المرة ليست بها خفاء لأنه بالفعل فى يونيو كانت معظم الأسلحة والطيران إنجليزية وفرنسية وكان هناك معدات أمريكية للتشويش ومعدات إلكترونية ومتقدمة وتصنع ورصد ولكن هذه الصفقةهي أضخم من ما أحد يتصور ثم أنها تعلن فى وقت بالغ الحساسية ، فواركن وزير الدفاع يقول لرابين راعوا موقفنا ، وقال رابين له راعوا أنتم إرادتنا المستقلة. وهنا وثائق فى الحقيقة تفزعني ومعي هنا وثيقة تتحدث عن اللجوء للرئيس جونسن لأن رابين لوح فى احدى المقابلات أنه ليس هو من يعود ليسأل حكومته فى شأن هذا السلاح النووى وقال أنكم من تعودوا للرئيس جونسن، وبالفعل رجع للرئيس جونسن وقرر جونسن أنه لا داعى للمفوضين الأمريكان أن يتعنتوا هذا التعنت وأن يتقدموا ويوقعوا ويبلغ هذا الأمر للمفوضين الأمريكان ، وأن يبقوا على هذه الصفقة.
وهنا وكيل وزارة الدفاع يترجى رابين المساعدة وأن قرار الرئيس موجود وأن صفقة الطائرات ستتم ولن نصر على ضمان قاطع ولكن أعيدوا جسورا أقوى قليلا وتعهدكم بعدم دخول أسلحة نووية بالمنطقة. ورابين يقول أنه لا مانع من تكرار نفس التعهد القديم وأريد اضافة جديدة ، لتغطية موقف البنتاجون الذي يمثل وزارة الدفاع والجيش الأمريكي وكذلك تغطية موقف الرئيس وأجد أن الوفد الأمريكي تقريبا مغلوب على أمره إلى أن تأتي آخر وثيقة أجدها مهينة والله لأمريكا.
واتفقوا على صيغة وقبلها رابين وعاد رابين لسفارته واتصل بوزارة الخارجية وأنه بعد أن قرأ الوثيقة وتشاور مع مساعديه وجد انه يريد أن يغير فيها كلمة أو عبارة وهو يرى أنه لا تبدو متسقة بعد أن وافق عليها مبدئيا وأحس أنه لا بد أن تتغير الصياغة نهائيا فى السياق وأنه قد تبدو ملتبسة وتبدو أن إسرائيل بتعهد لا تريد أن تعطيه، وأنا لم أقرأ هذه الوثائق أستفز حتى من الجانب الأمريكي وتأتي أوامر الرئيس بالاستجابة لكل شئ وبالفعل أجد المفاوض الأمريكي يقول ان رابين اتصل به وغير ما سبق وأن وافق عليه وعلى أى حال فإن ما لدى من تعليمات فوافقت على هذا التغيير.
وبعد ذلك اتضح ما قاله نديم دمشقية من معلومات أنها حقائق ولكن هذه الوثائق لم تكن قد ظهرت وقتها وحصلنا عليها بعد ذلك بمقتضى قانون تداول المعلومات ، ولم نأخذ كلام نديم بصورة قاطعة إلا بعد إعلان ذلك رسميا وحتى بعد إعلانه لم يكن احد يتصور فى القاهرة أن الوثائق ستحكى لنا هذا الكلام.
وبعد اعلان هذه الصفقة كان لها آثار مباشرة بالطبع فى ماذا يمكن ونحن أمام تحدي فى نقلة حدثت على رقعة الشطرنج فى صورة كما كانت لأنه اذا استمرت ، وحدث بعدها خلاف حول ميعاد استلام اسرائيل لهذه الطائرات.
قيمة السياسة
وقال البنتاجون أنه سيسلم هذه الطائرات سنة 1970 واسرائيل رفضت مشددة على ضرورة تسليمها أول سنة 1969 ، ويوافق الرئيس الأمريكي على موعد التسليم واعلان الصفقة فى حد ذاته مسألة يعني إن التسليم بدأ ولم يكن أحدا لم يتأكد هل تم تسليم كل هذه الطائرات ولكن كنا نعرف أن 12 طائرة سكاى هوك سلمت بعد إغراق إيلات وبعد تسليم كل هذه الصفقة كان صانع القرار المصري أمام موقف يقتضى نقلة وماذا يفعل ولكن فى ذلك الوقت أعرف أن هذا حقيقي وحصل فى ذلك الوقت وبدا أن هناك مناقشة قوية وعالية الصوت، وبدا الانقسام الذى كنا نتحدث فيه عن الاستقلال وعدم الانحياز إزاء هذا الموقف الذى نراه أمامنا ، والكل يعرف أن أمريكا تساعد اسرائيل لكن فى هذه اللحظة من حرب الاستنزاف أمريكا أصبحت طرف فى المعركة وبالتالى أى كلام عن عدم الإنحياز ليس له معنى.
وفى اعتقادي أن ما حدث هو اختبار فى القدرة على التوازن لأنه هنا فى قضيتين السلامة والتصاعد والأمن ثم الضرب فى العمق، ولكن هنا قضية اخرى وهى لأى مدى نستطيع أن نتصرف ولأى مدى يمكن أن نرد بفعل واذا كان هناك بعض الناس يتصور أن نموذج كوبا هنا يصلح فهذا تصور خاطئ.
ولكن هنا كانت لدينا فكرة البلد المستقل الغير منحاز ، والبلد الحر القادر على اختيار طريقه للتنمية والتطور الاجتماعي بطريقته وليس بأى طريقة أخرى وهذا ما صنع قيمة هذا البلد إلى جانب القومية العربية ، وهذا ما صنع الالتفات الذى حوله من العالم العربي. وكانت مصر أمام خيارين أن تتعرض الجبهة الداخلية للضرب وأن هنا مشكلة وطاقة نيران مختلفة وقدرة على الانتشار فوق أهداف حيوية وبدنية وهنا قضية معقدة جدا وبعض الناس من أنصار الثورة من أنصاف الحلول لا تصلح وبدت مناقشة حقيقية مزعجة وبدأت هذه المناقشة وكنت وقتها أكتب فى الأهرام وكان أناس كثيرين حزينين رغم التصاعد ورغم أى شئ وهنا مسألة التقرير المستمر إلى المستقبل مسألة فى منتهى الأهمية وهذا المشي على حد السيف حتى وان كان خطرا فى بعض المرات فالأمريكان يعملوه لأن هذا الانحياز بهذا القدر كل الناس تشعر به وكل الناس مجروحة منه وكل الناس الصبر عندها وصل لمداه ، ولكن هناك قضايا القرار فيه ليس سهلا.
وهنا قيمة السياسة وقيمة السياسة كإدارة فأسهل شئ فى الدنيا أن تختار أسهل الطرق.
***
اقرأ أيضا :
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.