بالتزامن مع الإضراب عن حضور الجلسات..وقفاتٌ للمحامين احتجاجا على زيادة رسوم التقاضي    استعدادا لعملية عسكرية مُوسّعة .. قوات الاحتلال تُكثّف هجومها على مستشفيات غزة والدفاع المدني يتوقف عن العمل    أندية الدوري المصري تصوت لصالح إلغاء الهبوط    مصدر حكومي: نسعى لعلاقة متوازنة بين المالك والمستأجر فى الإيجار القديم    الكنائس الأرثوذكسية الشرقية يحتفلون بذكرى مرور 17 قرنا على انعقاد مجمع نيقية بالكاتدرائية    خبير: الحرب البرية بدأت فعليًا.. وحماس وقعت في شرك المفاوضات الأمريكية    كجوك: القطاع الخاص استحوذ على 60% من الاستثمارات بالنصف الأول من 2025-2026    أتلتيكو مدريد يحسم الشوط الأول بثنائية أمام ريال بيتيس في الليجا    عيد الأضحى 2025 في مصر.. موعده فلكيًا وعدد أيام الإجازة الرسمية    وصول ليلى علوي ونجلاء بدر وإنجي المقدم العرض الخاص لفيلم المشروع x    صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف    تأجيل دعوى إلغاء قرار نقيب الموسيقيين بمنع هيفاء وهبي من الغناء ل 25 مايو    ما هي العيوب التي لا تجوز في الأضحية؟    لأول مرة بصحة الدقهلية، نجاح جراحة دقيقة لإصلاح كسر بالرقبة في مستشفى تمى الأمديد    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب في سيارة تحمل كرتون مضغوط بالمنوفية    تعليم قنا: استعدادات مكثفة للامتحانات وتجهيز قاعة أزمات بكل إدارة تعليمية    وزير دفاع باكستان: فرص اندلاع أعمال عدائية مع الهند لا تزال قائمة    حزب المؤتمر يبدأ استعداداته للاستحقاقات الانتخابية بتشكيل غرفة عمليات مركزية    أسرة عبد الحليم حافظ: العندليب لم يتزوج من سعاد حسني والجواب مكتوب بخط يدها    احتفال ثقافي شامل يجمع الإبداع والهوية في اليوم العالمي للتنوع    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    محافظ المنوفية يترأس اللجنة العليا للقيادات لاختيار مدير عام التعليم الفني    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    محافظ القاهرة يكرم 40 طالبًا وطالبة الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقة الدينية    هل يجوز للمرأة الحج دون محرم؟.. أمين الفتوى يجيب    مستشار بمعهد الدراسات الإستراتيجية: موسكو بين ضغط العسكريين وتحذيرات الاقتصاد    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    أنغام تتألق في "ليلة العمر" بالكويت وتستعد لحفل عالمي على مسرح "رويال ألبرت هول" بلندن    أستاذة علوم سياسية: كلمة الرئيس السيسى ببغداد شاملة تتفق مع السياسة الخارجية المصرية    أتالانتا يتمسك بماتيو ريتيجي رغم اهتمام ميلان ويوفنتوس    حكم قضائي بحبس صالح جمعة شهرا لعدم سداده نفقة طليقته    إغلاق ميناء الغردقة البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    اقرأ وتدبر    "جلسة جديدة".. بايرن ميونخ يكشف تطورات المفاوضات مع ساني    بدء التصويت في الانتخابات التشريعية بالبرتغال    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    محافظ المنوفية يتابع الموقف التنفيذى لمشروعات الخطة الاستثمارية 2025    تواضع رغم النجاح| 4 أبراج لا تغريها الأضواء وتسعى للإنجاز بصمت    هل الكركم ضار بالكلى؟    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال المرحلة الأولى بنادي المنصورة الرياضي فرع جمصة    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    السلطات السعودية تحذر الحجاج من ظاهرة منتشرة تعيق حركة الطائفين والمصلين    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    أشرف العربي: رغم التحسن الملموس في أداء التنمية في مصر إلا أنه لازال أقل من المأمول    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيمان إحدي ضحاياها: البلطجي قال لي: عشان تبطلي تنزلي التحرير يا ثورجية
نشر في صباح الخير يوم 08 - 06 - 2011

فجأة أحكم إغلاق التاكسي ب«السنترلوك» زجاج وأبواب، السيارة تركض في مكان غير مأهول.. القمامة تحيطه من كل اتجاه، أنفاسها تتسارع قلبها يخفق بنبضات تكاد تسمعها رعب، ترقب لحظات تمر كأنها الدهر كله.. وسؤالها الحائر ماذا سيفعل مع فتاة وضع بنفسه كرسيها المتحرك علي سطح التاكسي؟!
لم تتخيل أنه لن يرحم ضعفها ولا عجزها.. ولا قدميها المشلولتين.. كانت كل دعواها.. بعد أن تركها بين أكوام القمامة «يارب نزل الرحمة في قلبه دقيقة واحدة وانزعها تاني بس يرجع لي الكرسي المتحرك»!
من بين دموعها التي لم تنقطع من يومها.. روت لي إيمان حكايتها التي تنزف من بين سطورها.. حزنا وألما.. لكن اكتشفت خلف تلك الدموع قصة كفاح غير عادية.
إيمان مراد عثمان - 30 سنة - حاصلة علي ليسانس الآداب قسم فلسفة بجامعة القاهرة وأيضا الحاصلة علي ليسانس الحقوق من نفس الجامعة.. والحاصلة علي دبلومة القانون الدولي العام ودبلومة الإجراءات الجنائية الخاصة والتي كانت علي وشك مناقشة رسالة الماجستير بعد شهر تقريبا.
قالت إيمان: في يوم الحادث خرجت من حرم الجامعة حوالي الساعة السابعة مساء بعد انتهاء محاضراتي، وكالعادة زملائي لا يتركونني وحدي بل يسارع أحدهم لمساعدتي حتي يطمئنوا أني ركبت التاكسي.
وانطلق التاكسي في طريقه إلي المقطم كما طلبت منه.. وخلصنا طريق صلاح سالم وقبل أن يدخل إلي المقطم وجدته ينحرف في مدخل آخر.. سألته فقال لي هاتعرفي أكثر مني هو ده طريقي.. وفجأة سمعت صوت السنترلوك يغلق الأبواب والزجاج كله ويقف في منطقة بين منشأة ناصر والمقطم.. اسمها العزبة.. عشوائية جدا وكلها زبالة ولا يوجد بها بشر إلا نادرا. روحي راحت مني.. إنت عايز مني إيه ورحت أردد الآية الكريمة للعذراء مريم «أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا».
لم يرحم دموعي ولا ضعفي ولا حتي عجزي وعدم قدرتي حتي علي المقاومة.. «عايز مني إيه صرخت بها في وجهه» فإذا به يلتفت إلي لأري وجها ملامحه كلها شراسة وعيون تنطق غدرا وشرا أسكتي لأشرحك، وإذا به يضع مطواة في رقبتي - طلعي كل اللي معاكي.. قلت مش معايا حاجة.. خلصي يا بنت كذا وكذا مش اللي معاكي ده بتسموه كمبيوتر والشنطة دي فيها إيه مش فلوس وموبايل.. قلت له أنا لم أفعل لك شيئا ليه عايز تأذيني!!
وشرد ذهني للحظات في صور وأفكار كثيرة تري ماذا سيفعل بي.. خاصة والكلمات القذرة والقبيحة التي قالها لي «ها عمل فيكي كذا وكذا».. صداها في أذني يكاد يقتلني رعبا وخوفا - ماذا سأفعل كيف سأقاومه والفضيحة ومستقبلي كله هاعمل فيهم إيه.. وبمحاولات يائسة أضع يدي علي الشباك والباب فيضحك ساخرا بتعملي إيه!
فاكرة نفسك هاتعرفي تعملي حاجة يا حلوة.. هات كل اللي معاكي.. وبالفعل أخذ اللاب توب اللي مسجلة عليه كل شغلي ورسالة الماجستير اللي كان باقي لي شهر علي مناقشتها.. وخطف شنطة يدي اللي كان فيها الموبايل وفلوسي الشخصية وفلوس مصاريفي الدراسية 1200 جنيه كنت قابضة معاش بابا وجمعت عليه من أخواتي باقي المبلغ لكن للحظ ملحقتش موظف الخزنة بالكلية فأجلتها ليوم تاني عشان أرجع بالفلوس ويحصل لي اللي حصل قلت له لو تعرف.. الحاجة دي تهمني وتعبانة فيها إزاي ومحتاجاها قد إيه - ترحمني - لم يجد معه استعطاف ولا إثارة شفقة ليفاجئني بخبطة شديدة في وجهي حتي أسكت تماما وتبعها بضربة أخري علي رجلي العاجزة وشدني من هدومي والحمد لله إنها ما اتقطعتش.
وسألته: ليه العنف ده - مش أنت عايز الحاجة خلاص بتضربني تاني ليه.
فإذا به ينزل من التاكسي.. ويفتح الباب ويجرجرني ورماني علي الأرض وبقدمه ضربني في جنبي صرخت من قوة الألم.. حرام عليك ليه كده أنت مش بني آدم. المنطقة لا يوجد بها «صريخ ابن يومين» وفي وسط أكوام القمامة ألقاني وكأني جثة لحيوان ميت.. ياه ما أصعبها لحظة.. لا أجد من الكلمات ما يصفها.. وتسقط دموعها: إهانة، ذل، انكسار، عجز، وضعف، قلة حيلة - وكان كل ده ممزوجا بالرعب.. ماذا سيفعل بي رحت أستجمع أعصابي وألملم نفسي حتي لا يحدث ما أخاف منه.. لحظات من الصمت تسود لا أتفوه بكلمة وهو لا يتفوه لكن نظراته الشرسة التي تنطلق من ملامح لا يمكن أن تكون ملامح إنسان.. ليقول لي بعدها.. كفاية عليكي كده.. عشان تعرفي تنزلي ميدان التحرير أنت واللي زيك وعاملين لي ثورجية!! وبقدمه مرة أخري يضربني في جنبي الثاني.. ليمضي بسيارته ويتركني في ذلك المكان.. الموحش.. خاصة أن الظلام قد حل.. ويأخذ مني حتي الكرسي المتحرك الذي لا أستطيع التحرك بدونه - صرخت خلفه الكرسي من فضلك الكرسي.. لكن لم تجد صرخاتي عنده أي صدي. ظللت في مكاني من السابعة والنصف حتي العاشرة والنصف مساء.. وسط الزبالة والظلام ونادرا ما تمر سيارة كانت أغلبها سيارات نقل خاصة بالمنطقة.
مرت الثلاث ساعات.. وكأنها ثلاث سنوات.. ما بين بكاء إلي الله ودعاء سيدنا يونس في بطن الحوت «أستغفر الله العظيم إني كنت من الظالمين» وما بين حوار مع نفسي يا تري أنا عملت إيه في دنيتي أو ظلمت مين عشان يحصل لي كل ده!
شريط حياتي كله يمر أمام عيني.. ويقطع شريط الذكريات من حين إلي آخر نور سيارة قادمة أحاول التلويح لها أو الصراخ لكي أستوقفها لكن للأسف الكل إما كان يظنني شحاتة أو حرامية هاعمل فيهم مقلب!
ومع كل محاولة فاشلة أزداد إحباطا ويأسا.. لكن لم أجد أمامي إلا الزحف إلي خارج المنطقة إلي الطريق العمومي - وبصعوبة شديدة رحت أجرجر في أقدامي المشلولة إلي أن وصلت إلي رصيف علي الطريق.
وللأسف تعامل معي كثيرون بنفس الإهمال وكأني كم مهمل إلي أن أرسل الله لي يد المساعدة أخيرا.. سيارة تقودها سيدة فإذا بها تقف أمام إشاراتي لها فتحت لي باب سيارتها.. اركبي اركبي بسرعة علشان الطريق.. قلت لها مش عارفة مش قادرة.
ونزلت لتساعدني.. رويت لها ما حدث معي - تأثرت بشدة وراحت تهدئ من روعي مش هاسيبك إلا اما أسلمك لأهلك ولحد باب بيتك بس لازم نروح نبلغ في القسم ونعمل محضر. وعلي الطريق توقفنا بجوار المجزر الآلي كانت هناك نقطة مرور «نقطة مرور شرطة البساتين» وكان فيها ضابط.. قلنا له عايزين نعمل محضر ضد سائق تاكسي أبيض وشرحت له ما حدث معي.. وأخذ مني مواصفات السائق.. الطويل جدا ووجه أسمر يميل إلي السواد.. وله شنب عريض.. وبعد ما كتب لي المحضر بتاريخ 13/4/2011 ورقم 3452 سألته هاتعملوا إيه؟ هز لي أكتافه وقال لي ربنا يسهل!
وتمضي إيمان في سرد مأساتها..
عدت إلي منزلي بعد يوم شاق وصعب في حياتي وبداخلي أحاسيس ومشاعر كثيرة مؤلمة ومتضاربة.. لأنه رغم عجزي المرضي لأول مرة أشعر أني مكسورة ومقهورة وبتصعب عليا نفسي الألم كان يجتاح كل جسمي طلبت إخواتي وأخذوني علي المستشفي لعمل أشعات فإذا بذراعي الشمال مكسورة من شدة الارتطام عندما ألقاني علي الأرض.
مكثت في البيت شهرا - لا أخرج ولا أتكلم مع أحد.. حتي اتصل بي صديقي وأبويا الروحي.. الأستاذ عمار الشريعي يسأل عني.. فحكيت له الحكاية.. فحثني علي الخروج والبحث عن حقي وأعلن ما حدث لي.
كان سؤالي الأخير لإيمان: السائق عرف منين أنك من شباب التحرير؟!
مش عارفة بس يمكن عرف من خلال كلامي مع زميلي الذي كان يلف علي رقبته كوفية علم مصر وكنا نتفق علي موعد اللقاء في ميدان التحرير يوم الجمعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.