حالة من القلق والترقب يعيشها الآن أكثر من مليونى أسرة تضم بين جنباتها طفلا من ذوى الاحتياجات الخاصة الذين كانوا يتعلمون بمدارس- 804 مدارس على مستوى الجمهورية- «التربية الفكرية» بعد أن قامت وزارة التربية والتعليم بمخاطبة مدارس التعليم العام بسرعة تخصيص فصل من فصول المدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة بدءا من هذا العام ومعنى هذا إغلاق مدارس التربية الخاصة وتحويلها إلى مدارس للتعليم العام مما يجعل تعليم هذه الفئة يتحول من حق مفروض على الدولة إلى منحة تتفضل بها مدارس التعليم العام وتستردها متى شاءت. وهذا ما جعل أولياء الأمور يعيشون كابوساً لا ينتهى فخلال السنوات الماضية كانت أسرة الطفل المعاق تجد كل الدعم من مدارس التربية الخاصة تجاه أبنائها فى صورة مساعدات طبية وعلاجية وبرامج تدريبية وتعليمية وإرشاد أسرى ورعاية اجتماعية ورحلات ترفيه كلها بالمجان مما دفع أعباء مادية جسيمة عن كاهل الآباء، تلك التجهيزات والبرامج التى لن توجد فى مدارس التعليم العام. هذا بالإضافة إلى وجود القسم الداخلى فى بعض مدارس التربية الخاصة والذى كان يحول المدرسة إلى مؤسسة متكاملة الخدمات لإقامة الطفل شاملة الأكل والنوم والرحلات والتعليم والرعاية الصحية تحت أيدى متخصصين فى كل مجال فى هذه المجالات طوال العام الدراسى. ولكن ما سر هذه القرارات التى جاءت بشكل مباغت بعد الثورة؟! انتقام فى غير محله هناك اتجاه بعد الثورة إلى التعتيم على كل الأنشطة التى دعمتها من قبل سوزان مبارك فى محاولة لتقليص دورها ومحو كل ما قامت به. وأول مجال فى هذه المجالات هو التربية الخاصة التى لم تكن تعرف بهذا الاسم منذ سنوات قليلة. فمنذ أن بدأت رعاية هذه الفئة فى مصر عام 1946 كانت تسمى قسم الشواذ - أى ناقصى العقل وكانت مجرد غرف للعزل داخل بعض المستشفيات وذلك حتى عام 58 وقت افتتاح أول معهد يضم ذوى الاحتياجات الخاصة وكان يقدم خدمات بسيطة ويقوم على إدارته بعض المشرفين الأشبه بالممرضات ولكن دون نشاط حقيقى للارتقاء بهذه الفئة أو تنمية قدراتها لأقصى درجة. ولكن رعاية هذه الفئة أخذت منحنى أكثر جدية منذ توقيع وثيقة العقد الثانى لحماية ذوى الاحتياجات الخاصة «2000/2010» تحت رعاية الرئيس السابق وبإشراف زوجته سوزان. حيث أنشئت المدارس حتى صار عددها 804 مدارس خاصة بتلك الفئة والتى تضم أكثر من مليون طفل بينما هناك عدد مماثل فى قوائم الانتظار ينتظر دورا يتيح له أخذ بعض حقوقه من خدمات تعليمية وتربوية وتدريبية على أعلى مستوى تنافس مثيلاتها فى أوروبا وأمريكا على يد متخصصين فى كل المجالات، مما لفت إليهم نظر الإعلام فدعمهم بقوة وتتبع أنشطتهم وكسر حاجز العزلة بينهم وبين المجتمع مما زاد التعاطف معهم وانهالت عليهم التبرعات المادية والعينية من داخل مصر وخارجها مساهمة فى التوسع فى تعليم وتدريب هذه الفئة بشكل - مجانى تماما - بل ورفع المستوى الثقافى والمادى والاجتماعى لأسرهم. ولكن بعد الثورة قامت الإدارة العامة للتربية الخاصة بمخاطبة مدارس التربية الفكرية بعمل إحصاء لعدد مدرسى وتلاميذ كل مدرسة وذلك تمهيداً لعمل - دمج كلى - بين تلاميذ التعليم العام والتربية الخاصة - أى تخصيص فصل فكرى بكل مدرسة. ليس دفاعاً عن سوزان ومثل هذا القرار يلغى بل ويدمر كل الجهود التى بذلت فى مصر خلال السنوات الماضية ويعود بنا إلى نقطة الصفر فرعاية تلك الفئة تحتاج أكثر من مجرد فصل بكل مدرسة حيث إن مدارس التربية الخاصة مجهزة بأجهزة ومعدات وبرامج أعدت خصيصاً من أجلهم ومدرسين متخصصين قادرين على التعامل مع كل طفل حسب قدراته واحتياجاته ودرجة ذكائه وذلك لن يتوفر إلا فى مدارس التربية الخاصة وتحت إشراف المتخصصين بها. كما كان الحال طوال السنوات الماضية التى اهتمت فيها الدولة ودعمت مدارس التربية الخاصة بقوة. نقول هذا لأن صروح التربية الخاصة بنيت بأموال المصريين ولابد أن ينتفع بها أبناؤهم من ذوى الاحتياجات الخاصة.. فهذا حقهم وواجبنا تجاههم، وإلا فسوف تتحول رعاية هذه الفئة من تعليم إلزامى حق لكل معاق إلى جهود عشوائية قد تخطئ أو تصيب. ويعود طفل التربية الخاصة الذى تدرب على الاعتماد على النفس فى قضاء حاجاته بل واكتساب قوت يومه من عمل شريف إلى كائن يتجاهله الجميع وفى أفضل الأحيان - بركة - يعتقد أنها تجلب الحظ للمحيطين به كما كان البسطاء فى القرى والنجوع يطلقون عليه قديماً.