اللجنة القضائية المشرفة على الجمعية العمومية لنقابة المحامين تعلن الموافقة على زيادة المعاشات ورفض الميزانية    وزير الاتصالات: تجديد رخص المركبات أصبح إلكترونيًا بالكامل دون أي مستند ورقي    وزير الاتصالات: فرص العمل الحر في التكنولوجيا قد تصل إلى 100 ألف دولار    اللمسات الأخيرة.. تفاصيل التجهيزات النهائية لافتتاح مركز الإسماعيلية التجاري    9 قتلى و10 جرحى فى حادث انقلاب حافلة بولاية بنى عباس جنوب غرب الجزائر    الاتحاد الأوروبى: سنركز على الوحدة فى مواجهة النزاعات العالمية    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الحكومة البريطانية تبدأ مراجعة دقيقة لأنشطة جماعة الإخوان.. ماسك يدعو إلى إلغاء الاتحاد الأوروبى.. تقارير تكشف علاقة سارة نتنياهو باختيار رئيس الموساد الجديد    جيش الاحتلال يطلق قنابل ضوئية في محيط مخيم البريج وسط غزة    الرئيس السوري: إسرائيل نفذت أكثر من ألف غارة جوية و400 توغل بري على سوريا منذ ديسمبر الماضي    آخر مباراة ل ألبا وبوسكيتس أمام مولر.. إنتر ميامي بطل الدوري الأمريكي لأول مرة في تاريخه    وكيل بنتايج بعد فسخ عقده مع الزمالك: اللاعب لم يحصل على مستحقاته منذ 3 أشهر ونصف    أخبار × 24 ساعة.. متى يعمل المونوريل فى مصر؟    مصدر أمني ينفي وجود إضرابات عن الطعام بمراكز الإصلاح والتأهيل    أول صورة لضحية زوجها بعد 4 أشهر من الزفاف في المنوفية    أخبار مصر اليوم، نتائج ال19 دائرة الملغاة وجولة الإعادة في إطسا الخميس المقبل، موعد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول بالجامعات، الأرصاد تعلن درجات الحرارة غدا    تكريم القارئ الشيخ طه الفشني في الحلقة الثامنة من "دولة التلاوة"    الحق قدم| مرتبات تبدأ من 13 ألف جنيه.. التخصصات المطلوبة ل 1000 وظيفة بالضبعة النووية    محمد متولي: موقف الزمالك سليم في أزمة بنتايج وليس من حقه فسخ العقد    الوطنية للانتخابات: نتائج ال19 دائرة الملغاة وجولة الإعادة في إطسا الخميس المقبل    التحفظ على 5 مركبات تلقي المخلفات في الشوارع بكرداسة (صور)    ارتفاع سعر "هوهوز فاميلي" من 35 إلى 40 جنيهًا    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ يتفقد مستشفى دسوق العام    أصالة تحسم جدل انفصالها عن فائق حسن : «الناس صارت قاسية»    تأجيل محاكمة 25 متهما بقضية "هيكل اللجان الإدارية" لجلسة الغد    الجامعة اليابانية تبرز زيارة "أخبار اليوم".. شراكة لنموذج تعليمي فريد    جولة إعلامية موسعة لوزير السياحة بالولايات المتحدة لتعزيز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية    شيكابالا يطالب مجلس الزمالك بالرحيل بعد أسوأ فترات النادي    أول ظهور فني لزوجة مصطفى قمر في كليب "مش هاشوفك"    محمد كريم على السجادة الحمراء لفيلم جوليت بينوش In-I in Motion بمهرجان البحر الأحمر    طالب يُنهي حياته شنقًا داخل منزل أسرته في قنا    بعد 4 أشهر من الزفاف.. زوج ينهي حياة زوجته بالمنوفية    هرتسوج معلقًا علي طلب ترامب العفو عن نتنياهو: إسرائيل دولة ذات سيادة    تعليق مفاجئ من حمزة العيلي على الانتقادات الموجهة للنجوم    «هيئة الكتاب» تدعم قصر ثقافة العريش بألف نسخة متنوعة    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لنشر ثقافة الكلمة المسؤولة    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    قطر وسوريا تبحثان تعزيز التعاون التجاري والصناعي    أسلوب حياة    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    بايرن ميونخ يكتسح شتوتجارت بخماسية.. وجولة مثيرة في الدوري الألماني    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    الرئيس الإماراتي يبحث مع رئيس الإكوادور علاقات التعاون ويشهد توقيع اتفاقيات بين البلدين    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    عاجل استشاري أمراض معدية يحذر: لا تستخدم المضادات الحيوية لعلاج الإنفلونزا    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    اسعار المكرونه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى أسواق ومحال المنيا    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    الجزائر تواجه تحديًا جديدًا في كأس العرب 2025.. مواجهة قوية للسيطرة على صدارة المجموعة    مواجهة اليوم.. الكويت والأردن فى صراع النقاط الثلاث بكأس العرب 2025    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آنسات على باب الدنيا
نشر في صباح الخير يوم 23 - 08 - 2023

جلستْ فى هدوء مصطنع تتأمّل كل ما حولها فى ريبة، تنظر فى ساعتها فإذا بها السادسة مساء كما تم الاتفاق على الميعاد مسبقًا، تنادى عليها الممرضة: آنسة منال، اتفضلى…
تدخل غرفة الكشف مرتعشة الخُطى، فيلاحظ الطبيب ارتباكها محاولًا تهدئتها وطمأنتها أن العملية بسيطة «زى شَكّة الدبوس»، تجلس على الكرسى المقابل له تشعر بوخز الدبابيس يُدمى روحَها عزيزة الكبرياء بما هى قادمة على فعله.
ينظر الدكتور فى تقرير الحالة التى أمامه ثم يضغط على الجرس فتدخل الممرضة سريعًا لتذهب بالحالة كما أشار الطبيب إلى الغرفة المعقمة - آخر الكوليدور- ولتعدها للدخول إلى غرفة العمليات.
أضواء كثيرة مصوبة نحوها تلاحقها وهى ممدة على الشيزلونج تنظر إليها كفراشات النار، بينما صوت بعيد يسائلها عن نفسها فتجاوبه فى استسلام: اسمى منال، عندى 40 سنة. ثم سكتت قليلًا وقالت بصوت ضعيف: نفسى ربنا يطبطب على قلبى و.......…
انقطع صوت منال تدريجيّا منتهيًا بكلمات غير مفهومة نتيجة فعل المُخدر الذى كان قد غلف داخلها بالسكون استعدادًا لعملية جراحية تحت رعاية قسم خاص جديد افتتح بالمَشفى يسمى «الأمومة المؤجلة»، هذا الاسم الذى يحمل واقعيّا نوعًا من الأمل باستخراج بعض البويضات لحفظها وحمايتها من هدر الزمن لها وإتلافها، لكنه أيضًا حمل فى باطنه بعضًا من العذاب فما ذنبها إذا لم تتزوج منال فى القريب العاجل لتحرم من الحب والسكن أولاً ثم ليحكم على أمومتها بالعجز بقية حياتها.
ولكن هل يعقل ألا تنجب منال؟! صاحبة هذا القلب اللين العطوف الذى يحسدها عليه جميع من يعرفها، وعلى رقتها المتناهية رغم أنها فتاة قوية، ولكن ماذا تفعل قوتها أمام هذا العدو الخفى الذى يسرق العمر ويمضى بلا شفقة أو رحمة؟!
تغيب منال عن الوعى تمامًا لتترك مشرط الطبيب وأدواته تفعل بها ما يحفظ لها حقها فى إنبات رحمها لزهرة يومًا ما وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فى معركة الزمن.
تقبض يدها بقوة على شىء - حسبته يد أمّها - لترافقها فى رحلتها القصيرة إلى اللا وعى، فهى كغيرها من الفتيات تخشى الوحدة والظلام الذى دخل حياتها لحظة وفاة أمّها، لم تكن تتخيل يومًا أنها ستواجه العالم وحيدة، فجميعنا نعلم علم اليقين أننا زائلون فى لحظة ما، ولكن رغم ذلك لاتزال الصدمة والمفاجأة والحزن يدفع بنا إلى الانهيار.
أزاحت عن نفسها غبار الماضى عقب فقدان والدتها وقررت السعى وراء الرزق، والزواج رزق، وبدأت فى مراسلة صفحات الزواج وشريك الحياة لعلها تجد بين زوّارها من يتآلف مع روحها، رغم أن الأمر بهذه الصورة لم يكن يروق لها فى البداية فكانت تتمنى ككل الفتيات من يطرق بابها مختارًا لحسبها ونسبها ودينها، ولكن النصيب لم يترك لها قرارًا فتركت الأمور تجرى كما هو مقدّر لها ودفنت نفسها بالعمل والانشغال بتحقيق مزيد من النجاح والإنجاز فى الحياة العملية، وقد فعلت، لكن بينما كان يصعد مؤشر العمل، هناك مؤشرات حيوية أخرى كانت قد تعلن الهبوط كبطارية هاتف أوشكت على النفاد فى صحراء، فالحب والمشاعر كان أنينهما يشتد بين الحين والآخر، فهما طاقة الجسد وشحنته وليس كما يعتقد البعض أنهما من هوامش الحياة أو كماليات يمكن الاستغناء عنها أو تنحيتها جانبًا، فمشاعرنا تصدأ وتتبلد بمرور الزمن إذا تجاهلناها أو أسأنا التعامل معها، ومنال رغم قوة شخصيتها وتربيتها القويمة فإنها فى النهاية امرأة، فعامٌ بعد آخر تئنّ عليها جاذبية أحشائها بالأمومة، وتئنّ روح الأنثى بداخلها إلى ونس تألف إليه روحها، يكون لها السّند والحب والأمان، فمن منّا لم يجلس يومًا مع نفسه يستجدى روحه البريئة التى غادرته فى لحظة نضج عابرة؟!
توقفت منال عن حساب الأرقام وهى تعبر عامًا إلى آخر، وقد صارت عقلا أثقل من مشاعر، تحولت إلى ذلك الشخص الذى كان دائمًا يتمناها الجميع أن تكون، هى لم تكن تنتظر تلك المرحلة ولكنها جاءت على غير موعد، فكانت تستجدى روحها القديمة فى خفتها وبراءتها، خدعتها حكمة العمر المتراكم وقد ظنت كغيرها أنها نعمة، لكنها فى الحقيقة لا تملك من أمرها شىء، فالعمر يمضى شئنا أمْ أبينا، نحن نملك فقط بعض أحداثه، حكت لأمها - رفيقة خيالها - أثناء إجراء العملية أنها تحب زميل لها بالعمل، وتقرأ فى نظراته بعض المشاعر تجاهها إلا أنه لم يتحدث إليها مباشرة، فماذا تفعل؟ ذات مرّة أعطاها زهرة وهو يُحَيّيها بابتسامة، أيكون هذا اعترافًا ضمنيّا بالحب؟!أمْ أنها أضغاث مشاعرى؟ لكن لا أخفى عليكِ يا أمى سعادتى حينها وهو يعطينى الزهرة... وكأن العالم كله حولى يغنى ويرقص، شعرت بالدفء يغمرنى وبسهم يغزو قلبى فيدمى فرحًا، إلى سماوات الحب كنت أصعد يرافقنى، يمسك على يدى، يهمس فى أذنى وهو يثنى على ثوبى وابتساماتى وتلك الغمازة الخجولة على خدّى، إحساس جميل يا أمى أن تجدى من يواجه العالم لأجلك ولا يرضى لك بديلًا.
ترتسم ابتسامة على وجه منال - بعد مرور قرابة ساعة ونصف الساعة مدة إجراء العملية - لتتفتح عيناها على مهل وكأنها سكيرة نشوى ليلة ساهرة، تشعر بتنميل فى أطرافها، تنظر حولها لا أحد، أضواء كثيرة تكاد تحيل المكان إلى احتفال متلألئ، هى ترتدى زيّا أبيض، ترى أهى أخيرًا عروس؟ تضحك فى نفسها بشىء من الرضا وتقول: «يالّا تأثير هذه العقاقير المخدرة، لكن هذه فرصتنا معًا ولتفعل بى ما تشاء»! يدق الباب وتدخل الممرضة تساعدها فى ارتداء ملابسها، وتحمل عنها حقيبتها لتستعد لمغادرة المشفى، وما أن فتحت باب الغرفة لتخرج حتى وجدت زميلها الذى كانت تحكى عنه أمامها، وقفا صامتين رغم ضجيج المشاعر بينهما، يتبادلان نظرات حب ثرثارة، تحركت الممرضة فى خجل إلى خارج الغرفة لتراقب فى فضول هذا المشهد الرومانسى عن بُعد، هو يسحب يدها ويقبّلها ويطلبها زوجة له.
حلم يقظة قصير، لكنه أعطاها شحنة من السعادة والقوة جعلها تتوجه فى ثقة من المَشفى إلى حيث زميلها لتخبره أنها تحبه وليكن ما يكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.