خلال موسم رمضان 2023، تناول مسلسل (مذكرات زوج) بموضوعية وواقعية شديدة، تفاصيل العلاقات الزوجية فى مُنتصف العمر، وما يشعر به الرجل فى هذه المرحلة، دون تحيّز الكاتب لبَنِى جنسه من خلال عرضه لنماذج متعددة من الشخصيات، التى تَوحَّدَ معها المشاهدون ليروا أنفسهم فيها. مجلة «صباح الخير» حاورت السيناريست محمد سليمان عبدالمالك حول تطويره للنص الأصلى ل (مذكرات زوج)، وسبب اختياره لعدم المباشرة فى التفصيلة المُغيرة للأحداث، وتصنيف العمل بأنه لايت كوميدى على الرغم من تواجد صراعات وتصاعُد أحداثه، وما أضافه للمسلسل رغم أنه قُدّم من قَبل ومأخوذ عن كتاب. فى «مذكرات زوج» قمت بتطوير النص الأصلى مع وضع جزء من إبداعك الشخصى ووصفت هذا الأمر بالصعب.. فكيف تعاملت مع هذه الصعوبات حتى تتجاوزها؟ - النص الأصلى مِلكٌ لمؤلفه مِلكية كاملة، فهو المسئول عن كل تفاصيله، ولكن عندما أقوم بتطوير نص أدبى قُدّم من قبل بوسيلة أخرى وأعيد تقديمه، يفرض عليّ أن أكون على قدر من الأمانة وأن أحافظ على الروح العامة وعمق القصة وشخصياتها، وفى الوقت ذاته لا أنقلها كما هى؛ فدورى كسيناريست أن أضيف وأطوّر فى القصة بما يتناسب مع العصر ومع رؤيتى الإبداعية، فإذا لم يحدث المزج ما بين إبداع المادة الأصلية وإبداعى كسيناريست فإن العمل لن يصل بالقدر الكافى ويصبح فيه مشكلة كبيرة، فمن الضرورى أن يكون الإبداع مشتركًا بين المادة الأصلية والجديدة، والكتاب المأخوذ منه العمل يُصنّف أدبًا ساخرًا، والأدب الساخر شخصياته ليس لها أسماء ورسوماته من الكاريكاتير ليس لها مسارات درامية واضحة للشخصيات، فهو مواقف يومية متكررة فى حياة كل الأزواج منذ بدء الخليقة.. وقد طوّر ذلك الأستاذ أحمد بهجت أثناء كتابته للمسلسل الذى قُدّم من قبل، فقد بَنى شخصيات وأطلق عليها أسماء وخَلق لها أحوالًا وأجواءً وبيئة محددة ومواصفات معينة، وحاولت بقدر المُستطاع الحفاظ على أسماء الشخصيات وإضافة شخصيات جديدة لم تكن موجودة، وحذفت شخصيات كانت موجودة؛ لأن هذا جزءٌ من عملى ككاتب سيناريست، فقد حافظت على روح الشخصيات وطبيعة العلاقات بينهم ومن خلال هذه العلاقات خُلقت تفاصيل وأحداث وصراعات وتحديات جديدة.
من مسلسل مذكرات زوج
دائمًا ما تتناول شخصيات أعمالك وردود أفعالهم بشىء من البساطة.. فما المغزى من ذلك؟ - أريد تقديم شخصيات حقيقية من لحم ودم، فالصدق هو الذى يصل لقلب المُشاهد؛ لأنه إذا شعر أن هذا تمثيل وليس حقيقيًا، وأننا نخدعه ونزيف له الأشياء؛ فلن يتفاعل معنا، وبالتالى لن يُحب المسلسل ولن يصل إليه أى رسائل، ولن يستمتع حتى بالمُشاهَدة، فكان ما يُحركنى دائمًا وحاولت بقدر الإمكان الحفاظ عليه هو الصدق وواقعية الشخصيات فى العمل، واجتهاد كل ممثل، وكذلك المخرج والديكور والمؤلف والموسيقى. ما الإضافة التى قدمتها فى (مذكرات زوج) رغم أنه موجود فى الأسواق ككتاب وتم تقديمه فى عمل فنّى من قبل؟ - أعتقد أننى استطعت إضافة أكثر من شىء لهذا الكتاب أو العمل الذى قُدّم من قبل؛ أولها ملاءمة العمل للعصر الحديث مع تعقد الحياة والعلاقات، ولكن دورى لم يقتصر على هذا فقط وهو نقل الأحداث لعصر مختلف، فكل قصة «بنت زمانها»، و«رؤوف» بطل العمل هذا العام مُختلف تمامًا عن «رؤوف» الذى قُدِّم قديمًا، وكذلك «شيرين».. فقد حاولت قدر الإمكان الحفاظ على أسماء الشخصيات، ولكن قدمت نسخًا جديدة منهم، وتتلاقى معهم، وتختلف عنهم أيضًا، فعلى قدر التلاقى على قدر الاختلاف، فركزت فى شخصية «رؤوف» على أزمة منتصف العمر وإحساسه الداخلى بأن هناك شيئًا ينقصه، وأنه لم يستطع ملاحقة أحلامه، فهذا الأمرُ قُدِّم فى العمل القديم ولكن بشكل مُبسط، لذلك حاولت التعمق فيه بشكل أكبر، وكيف يصل لهذه الحالة، وكيف يستطيع الخروج منها، وهذا أكثر شىء شعرت أننى أستطيع إضافته للعمل الذى قُدِّم من قبل. هل جعلت «رؤوف» يعود ل«شيرين» بسبب خوفك من الاتهام بالتحيز للرجل؟ - عودة رؤوف ل شيرين ليس لها علاقة بتخوفى من الاتهام بالتحيّز للرجل. وأعتقد أن هذه النهاية تُعطى رسالة مهمة تخص مؤسّسة الزواج؛ بأن كل شىء قابل للإصلاح، ولو ركزنا على إيصال هذه الرسالة للجمهور سنتمكّن من إصلاح هذه المؤسّسة، فإذا اهتممنا بهذا الأمر من البداية لِمَ وصل الأمر لما أصبح عليه الآن. هذه هى النهاية الطبيعية لرؤوف، وليس له علاقة بكونه رجلاً أو كونى مُتحيّزًا له؛ لأن شيرين أيضًا تغيّرت للأفضل، فأنا أسعى دومًا لأن أكون متوازنًا وبعيدًا عن انحيازاتى، وأتصرف بمنطق الشخصية وليس بالمنطق الذى أريد إيصاله للجمهور. كيف وجدت تشبيه البعض لك ب «رؤوف»؟ - لدىّ وجهة نظر وهى أن كل كاتب عندما يكتب أى شخصية سواء كانت ثانوية أو أساسية تحمل جزءًا منه بشكل أو بآخر، فشخصية «رؤوف» كرجل وكزوج وكأب بالتأكيد فيها بعض من صفاتى، ولكن ليست كلها، فبطبيعة الحال كل شخصية كتبتها سواء كانت رؤوف أو غيره تحمل جزءًا من طبيعتى وأفكارى وأحاسيسى. كما أن أداء طارق لطفى يُشبهنى، وقلت له ذلك، وجلسنا نضحك سويًا. معظم الأعمال التى تتناول العلاقات تنحاز لوجهة نظر المرأة، ولكن فى (مذكرات زوج) تناولت وجهتَىْ النظر.. فما السبب؟ - عرضت وجهتى النظر لأننى أرى أنه لا يوجد أبيض وأسود فى الحياة بشكل عام، ولا يوجد خير مُطلق أو شر مُطلق، حتى فى لُغة الدراما هناك درجات من الرمادى مليئة بالتناقضات. والقضية فى (مذكرات زوج) ليست قضية رجل وامرأة، ومَن المُخطئ ومَن المُصيب، لكن القضية أن كل شخص منهما يرى نفسه محقًا ولديه دوافع كافية، فإذا حكمنا عليه من الخارج سنحتار، وهذه هى الحياة لدينا جميعًا؛ حيث نعتقد أننا مُحقون وندافع عن وجهة نظرنا، وقد نحتاج لقدر من التنازل حتى يصبح هناك شراكة وأشياء مشتركة نقف عليها مع شريك الحياة، فكنت أبحث عن نقطة التوازن هذه وأتحدث عنها من خلال شيرين ورؤوف، وأنهما على قدر واحد من الصواب والخطأ. فى رأيك.. هل الرجل مظلوم فنيًا؟ - أرى أنها قضايا إنسانية طبيعية، فالمرأة فى مُجتمعنا تتعرض لقهر وصعوبات وظلم أكثر من الرجل، وضرورى أن نكون صريحين مع هذا الأمر.. ومن حق الرجل أن يكون له أعمال تتحدث عن وجهة نظره ومشاكله فى المجتمع، ولكن المرأة تواجه مشاكل وصعوبات أكثر، وبالتالى الأعمال التى تتناول قضايا المرأة ووجهة نظرها تكون أكثر، وأنا لستُ ضد ذلك إطلاقًا. كيف وجدت تصنيف المسلسل بأنه لايت كوميدى على الرغم من أن به صراعَ وتصاعُدَ أحداث مثل مُسلسلات التشويق والأكشن؟ - صُنفتُ من قبل ككاتب أكشن وتشويق ومغامرة وتصنيفى طُبع على إيقاع العمل، فأصبح هناك تصاعُد طوال الوقت، مع وجود أحداث تأخذنا لأحداث أخرى وليس مجرد اسكتشات كوميدية، فأنا شخص سريع المَلل وأحب دائمًا الإيقاع السريع المتدفق، وإن كنت أرى أن (مذكرات زوج) إيقاعه ليس سريعًا بل متوسط، ليس رتيبًا أو هادئًا ومملًا، كما أن كتاب (مذكرات زوج) مصنف ككتاب من الأدب الساخر، والمُسلسل الدرامى الذى قُدِّم قديمًا يُصنف تحت مظلة الكوميدى، فالذى كتب السيناريو والحوار هو الكاتب أحمد بهجت، ولكن مُسلسل (مُذكرات زوج) الذى قدمناه هذا العام ليس لايت كوميدى فقط؛ بل هو مُسلسل اجتماعى به صراعات وتصاعد فى الأحداث، فقد جمع بيّن الدراما والكوميديا، وهذا النوع يُعد الأصعب من حيث الكتابة والتقديم والتمثيل والإخراج، فنحن قدمنا قضية جادة فى قالب ساخر فيه لايت كوميدى، والمزج بين الاثنين مهمة صعبة للغاية وأرى أنها أصعب من الأكشن والإثارة والتشويق.
بوستر المسلسل
جميع خطوط العمل انتهت بشكل يُناسب شخصياته، حتى النهاية غير السعيدة لقصة يارا ويوسف؛ حيث رأى الجمهور أنها منطقية لمسار شخصيتيهما، فهل تهتم فى الخطوط الدرامية بالملاءمة والمُناسبة أكثر من إرضاء الجمهور؟ - لم أنشغل فى كتابتى للنهاية بالشكل الذى يُرضى الجمهور، فأنا أعمل للقصة ولشخصياتها، وعندما أحكى قصة أشعر أنها هى من تحكى نفسها، ولا أستطيع استخدام سياسة «لى الذراع» سواء الأحداث أو النهاية لمجرد نيل إعجاب المشاهدين؛ لأنها فى النهاية لن تُعجبهم لو لم أصدقها ككاتب، فأحرص على النهاية التى تصل لها حتمية الشخصيات، وما تريد أن تصل له، وليس ما أريده أنا بشكل شخصى، ففى وقت من الأوقات وبعد ثلثى العمل أعتقد أن الشخصيات ستتحرك من تلقاء نفسها، فكل شخصية تذهب لمسارها الدرامى وتفرض نهايتها فى الإطار العام لنهاية العمل، وبطبيعة الحال شخصية «يوسف» التى قدمها الفنان عمر الشناوى رأيت أنها لم تتغير التغيُّرَ الكبير؛ لأن الطبع غالب، وشخصية «رؤوف» التى قدمها الفنان طارق لطفى لم تتغير تغيُّرًا جذريًا؛ فقد عاد لقواعده سالمًا، فأنا أحب هذا النوع من النهايات؛ أن تكون النهاية سعيدة حتى تُعطى أملاً للجمهور والبهجة التى نفتقدها فى هذه الأيام الصعبة التى نمر بها، كما تُعطى إحساسًا وشعورًا بأن كل شىء قابل للتغيير لو عملنا عليه بشكل حقيقى. البعض رأى أن بناء العمل كان يحتاج أكثر من 15 حلقة لكسر النمط الزمنى الذى سار عليه من البداية فى رواية الأحداث.. فما تعليقك؟ - تغيُّر رؤوف لم يبدأ فى الحلقة 14 بشكل سريع، ولكنه بدأ من الحلقة 12 منذ إصابة ابنه وذهابه إليه فى المستشفى، فبدأت العلاقة بينه وبين شيرين تعود كصديقين، ثم بدأ يعود للمنزل، وأرى أن 4 حلقات فى إطار 15 حلقة كافية للتحول للنقيض؛ لأن رؤوف يعود لأصله ولا يتحول تحولاً كبيرًا فهو أخذ المساحة الزمنية الكافية، ومن الممكن أن يكون الجمهور لم يشبع من التفاصيل التى كان من الممكن أن تتواجد فى هذا الإطار، ولكن هذا يعود لطبيعة العمل وأننا اخترنا أن يكون مُكثفًا وسريعًا، لذلك رأيت أن ال 15 حلقة مناسبة للعمل. البعض يرى أن العمل الفنى يجب أن يُقدم رسالة.. فما تصنيفك لرسالة (مذكرات زوج)؟ - ليس ضروريًا وجود رسالة فى الفن، فالفن حتى لو كان للمتعة والتسلية فهذا فى حد ذاته رسالة هائلة، وإذا تحدّثنا عن مضمون (مذكرات زوج) وعمق قضيته التى تناولها؛ نجد أنه ناقش مؤسّسة الزواج فى العصر الحديث إلى أين وصلت فى منتصف العمر، وما الذى يجعل بعض العلاقات فى بعض الأحيان لا تحقق النجاح، فهاتان القضيتان الرئيسيتان اللتان حاولتُ طرحهما فى العمل؛ ليس من خلال رؤوف وشيرين فقط؛ ولكن من خلال جميع العلاقات المتواجدة بالعمل.