ربما تتعجب من عنوان المقال أو تتساءل عن الرابط بين الفاروق عمر بن الخطاب الذى عاش فى القرن الأول الهجرى،حين كانت أقصى علامات الحداثة التى قام بها هى تأسيس الدواوين وتقسيم الحكم إلى ولايات والسعى إلى إقرار نظام قضائى، وبين الجيل السادس من التكنولوجيا العنيفة التى يرى المتخصصون أنها ستغير وجه الكون الذى ما زال يتحسس طريقه فى عالم الجيل الخامس. الواقع يؤكد أن الرابط بينهما كبير يا سادة. فعمر بن الخطاب الذى عاش فى شعاب مكة يخافه العامة ويهابه الصفوة ويعمل له أعداؤه ألف حساب، كان ساعيًا للحداثة بأقصى طاقات جهده ووفقًا لمعطيات عصره مؤمنًا أن مهمة الإنسانية هى إعمار الأرض وفقًا لأمر الله لمخلوقاته من الإنس والجن أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض إن استطاعوا. ولذا لم يقف عمر ببداوة نشأته فى مكة، وبساطة بيئته فى المدينة أمام عبارات تتردد اليوم بعد ما يزيد على 1420 عامًا على وفاته للأسف. من عينة تلك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، بل سعى للابتداع بما يفيد الناس وهو يدرك دوره كإنسان عليه السعى وحاكم عليه التحديث وأن ليس للإنسان إلا ترك البصمة بالإنجاز والنفع حتى لو اختلف عن أجداده. كما لم يقف ابن الخطاب أمام مطاطية عبارة تغلق التفكير فى كل قضية حينما يتلفظ بها الجُهال أو أصحاب المصلحة مفادها لا مساس بتراث. فعمر تخطى التراث وعنّف من كتب عن النبى حديثًا واحتفظ به، وحينما زادت قوة الدولة فى ظل حكمه ولم يعد حاجة لتمييز المؤلفة قلوبهم ممن منحهم الإسلام بعضًا من مكانة فى توزيع عطايا الدولة بنص القرآن، قرر مساواتهم بعامة المسلمين ليأخذوا كغيرهم. وهو الذى أوقف حد السرقة عندما اشتد الجوع برعيته ولم يجد قدرة فى إشباعهم وهو المسئول عنهم. أتخيله اليوم لو كان بيننا فى عالمنا العربى الذى لم يزل يتعثر فى ماضيه، بين مؤيد يرفض أى جديد كرامة لهذا الماضى حتى صار ومن تبعه إساءة لدين، ومعارض يتعالى على أى حديث ذى صلة بذاك الماضى حتى صار مسخًا بلا هوية. بينما الأممالمتحدة قد أصدرت تقريرها منذ ديسمبر 2018 تتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة ومهارات الإنسان العملية التى تعجز تلك المؤسسة الدولية عن توصيفها بسبب التقدم التكنولوجى اللامحدود، والجيل الخامس والسادس من الإنترنت فائق القوة والسرعة الذى سيمنحنا حياة أقل ما يصفونها به هو برمجة الإنسان ذاته وتخليه عن الآلة فى الاتصال والقيادة والعمل لأنه هو سيصبح آلة. فأين نحن فى تفكيرنا وسعينا للعلم من هذا؟ لو عاش بن الخطاب لسعى لما بعد الجيل السادس دون تخلى عن هوية.