شهد عام 1957 وجود أول امرأتين فى البرلمان المصرى هما: راوية عطية (السياسية والمناضلة فى حرب التحرير من العدوان الثلاثى عام 1956)، وأمينة شكرى.. وقد خاضتا الانتخابات بشكل تنافسى مع المرشحين من الرجال، وفازتا بأول مقعدين للنساء، حيث لم يكن هناك الكوتا للمرأة، آنذاك، وكانت نسبة تمثيل النساء فى هذا البرلمان 0.6 %. وعلى مدار الستين عامًا السابقة، لم تتجاوز نسبة تمثيل النساء الناتجة عن تنافس حر عن نسبة ال5 % من إجمالى مقاعد فى أى برلمان، وهى نسبة منخفضة جدًا. لذا لجأت الدولة إلى نظام «الكوتا»، وهو شكل من أشكال التمييز الإيجابى لصالح المرأة المصرية بتخصيص مقاعد لها فى البرلمان، يساندها نسبيًا على مواجهة الثقافة المجتمعية الذكورية ويدعمها فى العملية الانتخابية التى يلزمها التحصن بالقوة المالية والسياسية والخبرات المتراكمة، كالتى يعرفها الرجال، والتى تفتقدها الكثير من النساء المتميزات والصالحات لتمثيل الشعب المصرى على أفضل ما يكون. هناك فرضيات عادة ما تتردد حول تمثيل المرأة المصرية فى مجلس النواب من أهمها: أن النساء لا بد أن تكون مثاليات ومميزات فى أدائهن البرلمانى أكثر من الرجال، وأنه يمكن للنائبات تشكيل كتلة تصويتية أو تحالف نسائى داخل المجلس. أو أن مهمة النائبات الأولى هى الدفع بالتشريعات الخاصة بالمرأة ومراقبة أداء الحكومة بخصوص تفعيل حقوق المرأة الاجتماعية والمدنية والثقافية، وحمايتها من كل أشكال العنف.. إلا أن النساء المصريات لا تشكلن كتلة واحدة صماء، فهن مختلفات فى انتماءاتهن الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وبالتالى لا يمكن تخيلهن كتلة تصويتية متجانسة فى كل الموضوعات. ونفس الأمر يطبق على الموضوعات التى تخص المرأة، فسنجد كل ألوان الطيف من النسويات المتشددات اللاتى يردن إصدار التشريعات التى تقر حقوق المرأة والمساواة التامة فى العلاقات بين النساء والرجال فى كل قطاعات الحياة ومراقبتها بكل حسم ودقة، إلى النائبات الإصلاحيات التى يجتهدن فى أجندة الحقوق والمساواة بتدرج يراعى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وانتهاءً بالنائبات اللاتى تتبنى الأجندة التقليدية للثقافة الذكورية، وترى التوسع فى حقوق المرأة إفسادا للمجتمع وهدماً للعادات والتقاليد..وقد اعتاد الإعلام فى الفترات الأخيرة أن يبرز دور النائبات فى التشريعات والقضايا التى تخص المرأة، بينما لا يكاد يُسمعنا أصواتهن فى قضايا الأمن القومى والاقتصاد وموازنة الحكومة، وهو ما يرسخ صورة ذهنية لدى الجمهور بأن اختصاص النائبات هو موضوعات المرأة فقط. وقد ساهم أداء بعض النائبات فى ترسيخ الصورة نفسها. إن تغيير هذه الصورة النمطية سوف يتطلب من النائبات فى مجلس النواب القادم التركيز على قضايا مختلفة والتعامل معها بحرفية وعلم، بما يعكس تحيزاتهن المتنوعة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) وليس النسوية فقط...وفى هذا الإطار، تبرز قضايا التنمية المستدامة وخاصة فيما يتعلق بالتعليم والصحة والعمل والبيئة بشكل عام، وزيادة معدلات انخراط المرأة المصرية فيها، كأولية قصوى على أجندة النائبات المصريات. حيث تعبر عن حاجات غالبية نساء مصر.. وقد يظن البعض أن تطبيق «الكوتا» وزيادة نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان مجرد ديكور أو أمر شكلى، ولكننى اظن العكس.. وأعتقد أنها فرصة كبيرة أمام المرأة المصرية يمكن أن تصنع منها تمثيلًا حقيقيًا وتراكمًا صوب مستقبل تستطيع فيه أن تنافس وتكسب مقاعد أكثر دون حاجة إلى تمييز إيجابى.