لاحظت منذ فترة قصيرة أن أقنعة الوجه للحماية الصحية من فيروس «الكورونا» قد بدأت تتحول تدريجياً فى العالم كله وفى مصر أيضاً إلى أقنعة أحتفالية بعيدة بعض الشيء عن الشكل الطبى التقليدى وأغراض الحماية الصحية التى صنعت لأجلها. وخاصة بعدما قررت عدة دول مثل ألمانيا والنمسا وبعض الولايات فى أمريكا، فرض ارتداء القناع بشكل إلزامى فى الشوارع والمواصلات العامة وأماكن العمل. النساء كن سابقات فى تغيير شكل القناع الطبى الأبيض التقليدى، فقد قمن بصناعته من أقمشة زاهية الألوان وزينوه بالمجوهرات الصناعية والريش. والأغنياء منهن رصعوه بالمجوهرات الكريمة وطرزوه بالذهب. أما الشباب فقد فضلوا القناع الأسود أو أقنعة أبطال الأفلام الثأرية مثل «فانديتا» و«الجوكر»، أو اقنعة الفرسان الشعبيين التاريخيين مثل: «روبن هود»، و«زورو»، كنوع من الاختلاف والغموض والموضة. وهناك أيضا الأشخاص والمجموعات التى وضعت الأقنعة وعليها الألوان والرسومات والكائنات المفضلة لديها مثل: الكلاب والقطط والورود والشخصيات الفنية والتاريخية . أما الفقراء فقط صنعوا أقنعة من قشر الخضروات والفاكهة المتوفرة مثل البرتقال والكرنب والخس، أو من أغطية الشعر التقليدية للنساء ولفافات الرقبة للرجال. الاختلاف فى أشكال وأحجام الأقنعة أصبح ظاهرة؛ فالبعض قاموا بتغطية الفم والأنف فقط، والبعض الآخر قام بتغطية أغلب الوجه كله وترك العينين والجبهة، ولمزيد من الحماية والتباعد الاجتماعى قام البعض بتغطية جسده بالكامل بمواد بلاستيكية. وقد استغلت شركات التسويق ومصانع المنسوجات وبيوت الأزياء العالمية رغبة الناس فى تغيير شكل القناع الطبى، وقامت بتصنيع الأقنعة بشكل يناسب جميع الأذواق و«الموضات». كما ابتكرت مصانع لعب الأطفال دمى وعرائس مغطاة بالأقنعة الملونة. وذلك حتى يقبل عليها الأطفال ويعتادون على وضعها لحمايتهم وحماية آبائهم وجدودهم. أغلب هذه الأقنعة لا توفر الحماية الصحية المطلقة ضد فيروس كورونا، لأنها لا تحمل المواصفات والاشتراطات العلمية الصارمة فى القناع الطبي. وفى تقديرى أن الناس تحاول التحايل على الواقع القاسى لأزمة «كورونا» من خلال اللعب بالأقنعة وتغيير شكله الأبيض النمطى إلى شكل كرنفالى مفرح أقرب إلى أقنعة المسرح. وكأننا نعيش هذه الفترة حياة المسرح بما فيها من دراما وصراع وتراجيديا وميلودراما وكوميديا، بين أبطال طيبين يصارعون الفيروس الشرير وينقذون أرواح الناس من آثاره المدمرة من جهة، وضحايا الفيروس بأمراض الجهاز التنفسى، وآخرين بأمراض القلق والخوف والوسواس القهرى ورهاب العزلة والتباعد الاجتماعى من جهة ثانية، وبين مستغلى الأزمة من الشركات العالمية والسياسيين من جهة ثالثة...الجميع يلبسون الأقنعة؛ الأبطال من الفريق الطبى، والمرضى بالأعراض التنفسية القاسية يلبسون الأقنعة الطبية الصارمة، اما المرضى بالقلق والوسواس فيلبسون الأقنعة «الكرنفالية» المسرحية. وفى نهار رمضان الطويل وخاصة مع العزلة المنزلية هذه الأيام، قررت أن ألعب مع أصدقائى لعبة صغيرة للتسلية، وسألتهم عبر التليفون وشبكات «السوشيال ميديا»، إذا تم فرض القناع بشكل إلزامى فى الشارع وأماكن العمل والمواصلات فى الفترة القادمة مثل الدول الأخرى، فهل تفضل ارتداء القناع الطبى أو القناع «الكرنفالى»؟ وإذا أخترت القناع «الكرنفالى» فأى لون أو شخصية أو رمز تفضل أن تضعه على وجهك؟ وجاءتنى إجابات متباينة جداً. القليل جداً من الأصدقاء رفض بشكل قاطع ارتداء القناع لأنه مقيد للحرية والتنفس ويفضلون عدم الخروج نهائياً من المنزل. والبعض يفضل القناع الطبى لأنه يوفر الحماية الطبية المطلوبة. والبعض الآخر كان تواقا لارتداء القناع «الكرنفالى» لأنه يعبر عن هوياتهم أو رغباتهم أو شخصياتهم الحقيقية التى لا يستطيعون إخراجها فى الحياة اليومية. الأقنعة الحية هى الأكثر خطورة. نحن نعيش الحياة ونرتدى أقنعة حية من لحم ودم، هى وجوهنا وأجسادنا التى نطوع إشارتها وإيماءتها فيما نسميه «لغة الجسد»، لنرضى ثقافة وتقاليد المجتمع المحيط بنا، ونحصل على بعض الامتيازات والمصالح الاجتماعية الضيقة. وما أكثر الأمثلة: أقنعة الطاعة التى نمتثل بها أمام آبائنا وأمهاتنا ورؤسائنا فى العمل، أما عقولنا فتكاد تنفجر بالملاحظات والاعتراضات المنطقية التى لا نستطيع التعبير عنها. أقنعة التدين الشكلى والتقوى الخارجية التى تجعلنا نبالغ فى إظهار طقوس الدين ونحكم على الناس من خلال شكل ملابسهم وسلوكهم بينما نغض النظر عن الخطايا الجسيمة مثل: الإهمال وعدم اتقان العمل وعدم الحرص على المصلحة العامة. وهناك أقنعة النقاق والرياء الاجتماعى والنفعية وغيرهم. وفى جميع الأحوال ، فإن القناع الحى أخطر من المصنوع من القماش والورق، لأن الناس تنخدع أكثر فى الحى وتظنه الحقيقة. القناع الكرنفالى الذى اختاره بعض الناس فى أزمة كورونا يحمل الكثير من الخير والمنفعة، لأنه يعطى قدرا من الحماية الصحية ضد الفيروس، ويمنحنا بعض الحرية فى التعبير عن رغباتنا الحقيقية.