في مقرها الكائن بإحدي بنايات وسط البلد توجد دار ميريت للنشر التي تعتبر مقرًا شبه دائم لمثقفي وأدباء مصر وبالإضافة إلي هذا ظهر مؤخرا دورها البارز كملجأ وملاذ لشباب الثورة الذين عرفوا طريقهم إليها فكانت تمدهم بالطعام والشراب والمبيت أحيانا فإذا تجولت في المكان تشعر أنه بيتك بكل معني الكلمة فالجميع في حالة حركة والكل يقدم المساعدة وهناك من يعد الطعام وآخر يقوم بإيصاله وآخرون يفترشون الأرض للحصول علي دقائق من الراحة لاستكمال يومهم الشاق طوال أيام الثورة فكانت قبلة لجميع الثوار فأطلقوا عليها العديد من الألقاب «مطبخ الثورة وغرفة عمليات الثورة» وغيرهما من الألقاب التي يعتبرها مديرها وصاحبها محمد هاشم وساما علي صدره وأن هذا حقهم، تحدثنا معه ليخبرنا بالكواليس والتفاصيل التي لا يعرفها أحد وكيف ساهم مع شبابه في مساعدة الثوار. • أخبرنا بالتفاصيل التي لا يعرفها أحد؟ - أنا في حالة ذهول حتي الآن ولا أستطيع استيعاب وهضم هذا الإنجاز الذيش تحقق ولكن مثل أي أحد كان لديه أزمة مع الحكومة أو النظام ولديه شكاوي حقيقية نعترض أحيانا ولكن لم نكن نتوقع أن يجتمع هذا الكم من الناس في مكان واحد ويوم واحد فحدث هذا اليوم العظيم ويومها حدثت محاولات فظيعة للقمع وإلقاء القنابل المسيلة للموع بعد أن امتلأ التحرير بالمتظاهرين الذين احتكوا ببعضهم وعرفوا أن مطالبهم واحدة واحتياجاتهم واحدة وتدفأوا بهذا الشعور الذي ساندهم لاكمال مشوارهم الذي نزلوا من أجله فكان الطبيعي أننا كمكان محاصر وكدار ميريت فمعظم وجوهنا معروفة لكثرة نزولنا المظاهرات سواء أنا أو الأدباء والمثقفين أو الشباب الذين يجتمعون في ميريت فكنا مستهدفين من قبل بعض البلطجية الذين بدأوا بقذف زجاج مقر الدار بالطوب وحدث هجوم كاسح علي المكان ولولا نزول هؤلاء الشباب للبلطجية والمتظاهرين بالشارع أيضا لكنا في خطر كبير فطبيعي لمكان إقامتنا وموقع الدار في شارع قريب من قلب الحدث أن نوفر مكانًا يأكل فيه الشباب وتوفير مشروبات دافئة ودورات مياه ومكان لمن يريد الصلاة ولمن يريد النوم فالشباب كانوا ينامون علي السلالم أحيانا أو في الطرقات فكانت هناك روح عظيمة من الصعب أن أوصفها والآن أشعر أن بلدنا رجع لينا بأيدي شباب زي الورد. • وكيف كان يجتمع الشباب في ميريت حتي لمن لم يكن يعرفها من قبل؟ - الشباب الذي يعرف المكان كان يأتي بشكل تلقائي ويعرف أن هذا مكان تجمعنا حتي في يوم انقطاع الاتصالات من تلقاء نفسهم جاءوا إلي المكان في ساعة محددة كانوا متفقين أنها ساعة التجمع تحسبا لأي حدث ويبدوا أن توقعاتهم قد صدقت فانقطعت اتصالات المحمول يومها ومن كان متابعًا لنشاطنا علي الفيسبوك كان يعرف أننا منضمين للدعوة التي دعا لها الشباب فهذا عن الشباب والناشطين السياسيين الذين يعرفون مكاننا ودورنا أما من لم يكن يعرفنا ففي الميدان كان يجتمع الشباب طوال اليوم ومن ليس لديه مكان ليبيت فيه كان هناك من يخبره بمكاننا وهكذا فأصبح المكان تلقائيا يمتلئ بهؤلاء الشباب الثوار وهذا ملاذهم وحقهم بدون أي تفضل فهذا أقل دور وأقل واجب لهؤلاء الشباب وحلم أي شخص وطني إيمانًا مني بهؤلاء الشباب وكراهية للنظام الفاسد واللصوص الذين نهبوا الشعب. • دار ميريت كان لها دور في توصيل الإمدادات للمتظاهرين في التحرير. كيف قمت بتنظيم هذه العملية؟ - وزعنا علي المتظاهرين آلاف البطاطين وكنا نحضر لهم وجبات للإفطار وأي طعام كنا نستطيع توصيله وفي البداية كانت الجهود مقتصرة علينا في ميريت خاصة الأيام الثلاثة الأولي لأن عددنا كان قليلاً ولم نكن بهذه الكثرة ولكن فيم بعد عندما بدأت الإمكانيات في النفاد وجدنا الكثير من المساعدات من رجال الأعمال وبعض الجمعيات كالجزويت وغيرها وبعض رجال الأعمال الذين يرفضون ذكر أسمائهم باعتبار أن هذا عمل خيري وبعض المهندسين ولواءات بوليس ومقاولين من القاهرة والمنصورة فكل من كان يقدر علي شيء كان يحضره لنا ونحن نقوم بتوصيله وحتي الأدوية التي كانت تصل إلينا كنا نوصلها للمستشفيات فورا والبطاطين كانوا يأتون بها بالآلاف من محلات في وكالة البلح وكان هناك سيارة نصف نقل جاءت بعصائر معلبة قام الشباب بتوزيعها علي المتظاهرين لهذا لم نشعر بأي نقص في الإمكانيات بل كان كل شيء يأتينا من حيث لا ندري، وأحيانا كنا نقوم بعمل الشاي والساندوتشات صباحا ومساءً لتدفئتهم وليقدروا علي المواصلة والسيدات في المطبخ طوال الوقت يطبخوا فكان هناك جو رائع لا يمكن وصفه. • مع طول المدة ألم تفقدوا الأمل أو القدرة علي المواصلة؟ - من كثرة المظاهرات التي شاركنا فيها وكنا ننزل فقط بال50 فردًا ونضرب ونعود مرة أخري ظننا أن هذا اليوم سيكون يومًا للتظاهر فقط وكنا سننزل في كل الأحوال، ولم نكن نتوقع هذا العدد ولا هذه القوة والطاقة الدافعة، ولكن الشعب نزل وقال كلمته ولم يكن له من رادع ومع زيادة الأعداد وزيادة الأيام كنت مذهولاً ولكن ثقتنا وقوتنا زادت وذابت الفروق بين الجميع سواء غني أو فقير ومسلم ومسيحي فكلنا كنا مصريين منهوبين ومسروقين فمصر خلال ال18 يوما قدمت أجمل ما فيها وأجمل شبابها فمرت الأيام بدون تحرش وبلا معاكسات ولا سرقات والناس كانت تقول سلمية سلمية رغم أنهم قوبلوا بالضرب في البداية وكانت تنتصر علي البلطجية كل هذا كان يشجعنا وأبعد اليأس عن روحنا جميعا فبالنسبة لنا جميعا كان ميدان التحرير قطعة من الجنة . • ما رأيك فيمن ركبوا فوق أكتاف الثورة بعد بدايتها من معارضين ورؤساء أحزاب؟ شعبنا يقظ جدا ولن يستغله أحد لأنه يعرف من معه ومن عليه ومن يحاول استغلاله واستثمار نجاح الشباب لتحقيق مصالح شخصية ويعرف من يحاول مسك العصا من المنتصف ومن نزل معه من أول يوم ومن نزل في اليوم الثالث والرابع ومعروف من كان معهم ومن كان ضدهم من أفراد وأحزاب، لذلك لن يستطيع أحد أن يستخدمه لصالحه أبدا فقد ولت هذه الأيام. • وماذا عن الفوضي التي حدثت بعد الثورة وكثرة الاعتصامات التي نشهدها حاليا هل هي نتيجة طبيعية للثورة؟ - أعتقد أن كل ما يحدث الآن هو نتيجة طبيعية للثورة لأن معني الثورة هو أحوال وأوضاع تتغير للأفضل حتي إذا سبق هذا التغيير بعض المشاكل وهذه الاعتصامات ستنتهي عندما يفهم الناس أن هناك حكومة ومجالس يجب أن تتشكل فالمعتصمون أفراد متعجلون علي حقوقهم للكبت الذي تعرضوا له والظلم علي مدي سنوات لذلك فلنعطهم وقتهم حتي يستوعبوا الموقف ونحاول طمأنتهم وإيضاح الموقف وهذا هو دور النخب السياسية. • انتهت الثورة وتحققت معظم المطالب، ما الخطوة القادمة من وجهة نظرك؟ -بالنسبة لنا يجب أن تتم محاكمة رموز الفساد والاستبداد ونحن قلقين علي مدنية الدولة وندافع عنها ونريد أن تكون مصر لكل المصريين وأن نبتعد عن الطائفية ونحافظ علي الروح التي أنعشتها الثورة بداخلنا ونريد مصر موحدة قوية ودفاعًا عن روح الأمة التي ولدت في هذه الثورة ويجب كمصريين أن نعمل علي أنفسنا من الداخل فيجب ألا نسمح بفساد ولا استبداد ونبلغ عن أي واقعة فساد ونحب بعض وندافع عن بعض وعن وطننا. • دار ميريت كانت قبلة لعدد من الفنانين والمثقفين المدعمين للثورة، ما رأيك في الفئة الأخري التي هاجمت ما قمتم به؟ - عدد كبير من فناني ومثقفي مصر وقفوا بجوارنا وبجوار الثورة وهؤلاء الشباب لن ينسوا دورهم فهناك المخرج مجدي أحمد علي الذي شارك معنا من البداية ويقوم الآن بتجهيز عمل فني يستخدم فيه المادة التي صورها علي مدار هذه الأيام، حامد عبد الصمد، إيهاب عبد الحميد، إبراهيم داوود، أحمد العايدي، خالد كساب، ومن الفنانين أحمد سعد، نهي العمروسي، حمادة هلال، وعزة بلبع أما من هاجم الشباب وسبهم وقلل من شأن ثورتهم وسخر منهم فهؤلاء كانوا مستفيدين من الفساد ويدافعون عنه ويجب ملاحقة من سبهم بألفاظ بذيئة قضائيا لأنهم اتهموهم بأنهم عملاء ويمارسون الرذيلة وغيرها فهذا استهزاء بالثورة ودم الشهداء وتضحيات الناس هذا لا يصح وكل هذا موثق وموجود ولن نسكت علي ذلك وسنلاحقهم قضائيا واحدًا واحدًا. • دار ميريت كانت ملجأ للشباب وأصبحت رمزا بالنسبة لهم لدرجة أنهم أطلقوا عليها عدة ألقاب ما شعورك بهذا؟ - هذا مكانهم وهم ينتمون إليه وبالنسبة لي هذا إحساس عظيم جداً وإطلاقهم هذه الألقاب شرف لي ويسعدني جدا ولكن شعوري دائما بأن هذا المكان لهم وليس لي حتي من قبل الثورة وإطلاقهم هذه الألقاب وسام لي وللدار نفسها فكانوا يطلقون عليها «مطبخ الثورة» و«مركز قيادة الثورة» و«بيت الإنسانية» و«غرفة عمليات الثورة». • رأينا أثناء الثورة وبعدها روحًا جديدة للشباب المصري لم نعرفها من قبل أين كانت من قبل؟ - الورد له أوان و25 يناير كان أوان هؤلاء الشباب فهم كانوا كالورود التي تتفتح ولم يدفعهم أحد للنزول للتظاهر ولا للتنظيف بعد ما انتهت الثورة وأعادوها أفضل مما كانت فمنذ اليوم لن يتحكم فيهم أحد فهم سيحافظون علي ثورتهم ومصر أفضل من الآن. • شباب ميريت والتقينا بهؤلاء الشباب الذين افترشوا دار ميريت علي مدار 18 يوما كان بعضهم يعرف طريقها من قبل لأنشطتها الأدبية والثقافية، والآخرون عرفوها لأول مرة كمأوي لهم ومكان تصل لهم بعض الإمكانيات من خلاله فتوطدت علاقتهم به وأصبحت كبيتهم علي حد قولهم، التقينا بهؤلاء الشباب ليخبرونا بعلاقتهم بهذا المكان. هشام محاسب في أحد البنوك علاقتي بدأت مع ميريت من قبل الثورة فأنا وأصدقائي نجتمع هنا يوميا تقريبا لأنشطتها الثقافية ويعد مكان التجمع الخاص بنا ومنذ يوم 28 حيث بدأت أشارك في المظاهرات أصبحنا نبيت هنا ولا أعرف السر وراء القوة الدافعة في هذا المكان ولعل السبب أن كل شيء علي طبيعته، وكل من هنا ساعدنا كثيرا وبدون مقابل سواء بالطعام أو البطاطين وحتي الحصول علي مشروب دافئ في هذا الطقس أثناء وجودنا في الشارع كان يفرق معنا كثيرا وكل هذا بشكل منظم ونشعر أننا مع أناس تفهمنا وتحتوينا خاصة من المثقفين والثوار الأكبر منا سنا فأصبحنا نطلق علي الدار «المركز القيادي للثورة» فكل شيء كان يحدث هنا حيث نأكل ونشرب ونبيت ومناقشتنا يوميا ليلا حول ما سيحدث وما نحن مقبلون عليه خاصة الخوف والقلق معها مما سيحدث غدا، فهذا التساؤل كان مسيطراً علي تفكيرنا جميعا ولكن وجودنا معا في مكان واحد وتفكيرنا بصوت عال كان له أثر إيجابي علينا جميعا. محمد صلاح كاتب وصحفي شارك في الثورة من يوم 25 يقول: بدأت مشواري مع دار ميريت في مظاهرات متعددة من قبل حيث كنا نتحرك منها ونعود إليها مرة أخري، فالمكان له دور سياسي كبير منذ فترة طويلة، وهذا الدور تجلي بوضوح أثناء ثورة 25 وكانت مركزاً مصغراً لتحركات الشباب حتي يوم انقطاع الاتصالات فكانت بؤرة تلاقي لنا جميعا، وبعدها كنا نجد هنا الأكل والشرب وكل ما يمددنا بالطاقة لاستكمال مشوارنا، ومن يصاب بالاجهاد يصعد ليستريح وكانت مركزاً لكثير من التبرعات خاصة الأدوية والبطاطين التي كنا نستعين بها في الميدان، فهي بالنسبة لنا مركز دعم الثورة وبيتنا الثاني. كمال سمير مصور شاب من الإسكندرية جاء خصيصا للمشاركة في المظاهرات في ميدان التحرير يقول لم أكن أعرف ميريت قبل 28، فبعد بدء الثورة ونزولنا المظاهرات كنت أسمع طوال الوقت أن ميريت ترسل الطعام ميريت ترسل البطاطين وإذا أصيب أحد نسمع أن الأدوية دي من ميريت فبدأنا نأتي إلي المكان للراحة والمبيت وفوجئت بهذا الرجل الذي يفتح بيته لهؤلاء الشباب ويعرض نفسه لخطر كبير جدا خاصة إذا لم تنجح الثورة فقد تكون حياته معرضة للخطر بعد كل ما فعله، لكن الحمد لله ربنا أكرمنا جميعا وكلنا نوجه له شكرا كبيرا جدا ولن ننسي له هذه المواقف خاصة إننا جميعا كنا نعتقد أن الموضوع سيطول بنا أكثر وكنا نفكر ماذا سيحدث وكان يصيبنا الإحباط أحيانا ولكن شيئا ما كان يدفعنا للتفاؤل مرة أخري وأنا لا أنتمي لميريت بكل معني الكلمة. دكتور محمد طبيب بيطري أيضا لم يكن يعرف المكان ولا ما يحدث في مطبخ الثورة، ولكنه كان يتواجد بصفة مستمرة في التحرير للمساعدة قدر الإمكان بقدراته الطبية رغم أنه ليس طبيبا بشريا، يقول حاولت تقديم المساعدة قدر الإمكان، ففي مثل هذه الظروف نحن في حاجة لأية إمكانيات متاحة وعرفت دار ميريت عن طريق الشباب الثوار في التحرير، وأصبحنا نبيت هنا أحيانا وجمعتنا روح غريبة، لم أكن أعلم من قبل أنها موجودة أساسا فمن أين تأتي هذه القدرة علي العطاء التي تدفع هؤلاء البشر لخدمة بعضهم خاصة أن معظمهم يتقابل لأول مرة وهذا درس لنا جميعا في الحب والعطاء، ولن أنسي هذا المكان طوال حياتي في 18 يوماً ما لم أكن أتعلمه في عمري كله.