الطريق الساعة الحادية عشر مساءً، بدأت الحافلة فى التحرُّك . حدد المرشد أماكن الاستراحة، سرنا بالطريق المعتاد للإسكندرية ثم طريق العالمين الجديد ومع تباشير الفجر وصلنا إلى نقطة مدينة مرسى مطروح المرورية، لنستدير بعدها فى طريق ضيق فى قلب الصحراء غير ممهد تمامًا. استغرقت الرحلة اثنتى عشرة ساعة وفجأة عبرنا بوابة زمنية: (النخيل - البحيرات –بيوت القرشيف – الجبال –السماء) مرحباً بكم في واحة سيوة
الواحة الساحرة أول ما يمر بخاطرك عندما تسير بجوار بحيرات الملح، يحاوطك النخيل وتتبادل النظرات مع سلاسل الجبال فى الأفق أن الحياة بسيطة نحن المعقدين . كنت فى الطريق إلى عيد الصلح فى جبل الدكرور، الملابس البيضاء الأعلام الخضراء فى كل مكان هو عيد الحصاد وعيد السياحة وهى ليست السياحة - بمعناها المتعارف عليه - ولكنها تعنى التصالح بالأمازيغية التى يتحدث بها أهالى واحة سيوة، أما عندما يوجهون الكلام لنا فيتحدثون باللهجة العامية التى تشبه لهجة أهل النوبة فى مخارج بعض الحروف. الجبل مزدحم تمامًا ولكنهم بالسلم الداخلى يتحركون بين الناس بود وحب خالص، ينظمون العيد، يرحبون بالضيوف فلا يؤذيك مشاحنة أو عصبية من تعب التنظيم. بسطاء هادئون كل هذا الجمهور ولا يصادفك متسول أو بائع ملح أو منتظر لإكرامية، يغمرنى سلام وأبدأ الصعود للجبل لمتابعة الاحتفال. المزارات كل مكان بسيوة هو لوحة تنتظر، هكذا كنت أقاوم الرسم لضيق الوقت أو أستسلم له. صعدنا إلى جبل الموتى لأشاهد رؤوس النخيل على مرمى البصر، أما المقابر الأثرية التى تعود للقرن الثالث والرابع قبل الميلاد فقد نُهبت تمامًا إلا ثلاث أو أربع مقابر تقربيًا ومع اقتراب الغروب توجهنا إلى جزيرة فطناس التى تبهرك بهدوئها. فبالرغم من وجود رحلات كثيرة؛ فإن الجمال يطغى فيسود الصمت وأستسلم لرسم النخيل، المركب القديم، مقاعد من الجريد، البحيرة الحالمة، والشمس الغاربة فى هدوء ملكى. الأماكن فى واحة سيوة تتخلل الروح حتى أنك تجد صعوبة فى انتقاء الكلمات، عيون سيوة – عين كلبوباترا – بحيرات الملح-العيون ببحر الرمال الأعظم والسفارى بسيارات الدفع الرباعى والصمت من جديد أمام الغروب على امتداد السهل الرملى ثم التخيم تحت قبة النجوم اللا متناهية.
العودة
أمامى اثنتا عشرة ساعة أجلس فى هدوء أراجع فى ذهنى بعض الكلمات الأمازيغية التى تعلمتها شالى أى المدينة – إدرار تعنى جبل – ميلان تعنى أبيض – واحة سيوة تستحق أن تنتظر جالسًا الساعات الطوال، تستحق العناء، أجزم أنها لا تحتاج مطارًا للوصول، إذ يجب أن تحترم فطرتها، يحب أن نتعب كى نغتسل من عادم المدينة وصخبها، لذا أحببت سيوة ووعدتها بالعودة.