مستأجرو "الإيجار القديم": دفعنا "خلو" عند شراء الوحدات وبعضنا تحمل تكلفة البناء    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    بيل جيتس ينوي إنفاق قسم كبير من ثروته على الأعمال الخيرية    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر يونيو 2025 بعد قرار التأمينات (اعرف هتقبض كام؟)    في خطوة لخفض التصعيد، باكستان والهند تجريان اتصالات على مستوى مجلسي الأمن القومي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    النيابة تعاين حريق شب داخل مقر الشركة القابضة للأدوية بالأزبكية    حبس 5 متهمين لسرقتهم السيارات والدراجات النارية بالتجمع    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    بجائزة 50 ألف جنيه.. محمد رمضان يعلن عن مسابقة جديدة لجمهوره (تفاصيل)    7 يونيو.. جورج وسوف يُحيي حفلًا غنائيًا في لبنان بمشاركة آدم    «الأسقفية الأنجليكانية» تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب بابا الفاتيكان    رئيس "إسكان النواب": الدولة ملزمة بتوفير سكن بديل حال تعديل "الإيجار القديم"    أموريم: الدوري الأوروبي يختلف عن بريميرليج.. ومواجهة توتنهام ستكون رائعة    منح الدكتوراه الفخرية للنائب العام من جامعة المنصورة تقديرًا لإسهاماته في دعم العدالة    عهد جديد من النعمة والمحبة والرجاء.. الكنيسة الكاثوليكية بمصر تهنئ بابا الفاتيكان    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    متحدث الكنيسة الكاثوليكية: البابا الجديد للفاتيكان يسعى لبناء الجسور من أجل الحوار والسلام    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    موعد مباراة بيراميدز ضد البنك الأهلي في الدوري    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    عاجل- مسؤول أمريكي: خطة ترامب لغزة قد تطيح بالأغلبية الحكومية لنتنياهو    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    موجة شديدة الحرارة .. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس اليوم الجمعة 9 مايو 2025    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    حدث في الفن- انهيار كارول سماحة ونصيحة محمود سعد بعد أزمة بوسي شلبي    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    منافسات قوية فى الدورى الممتاز للكاراتيه بمشاركة نجوم المنتخب    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. انتخاب الكاردينال الأمريكى روبرت فرنسيس بريفوست بابا للفاتيكان.. إعلام عبرى: ترامب قرر قطع الاتصال مع نتنياهو.. وقيمة عملة "بتكوين" تقفز ل100 ألف دولار    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروس الصحراء.. تغرق!
نشر في صباح الخير يوم 10 - 11 - 2015

علمونا زمان فى مدارسنا.. أن نعشق الوادى والدلتا فقط وأن نخجل من الصحراء التى تحيط بالوادى فى صمت وعن بعد وكأنها فى حالة حب من طرف واحد.. فنشأنا نكره الصحراء ونتجاهلها.. ونخاف منها وننكر أفضالها وكل ما يمت لها بصلة.. حتى ولو كان بهذه الصحارى كنوز جلية فوق أراضيها أو مخفية فى باطنها.. وحتى لو كان بها واحة تحمل ظلالا من الجنة على الأرض.. وتبدو كعروس بكر مصانة فى خدرها يخطب ودها عشاق كثر يجيئون إليها من كل فج عميق إعجابا بحسنها.. وتميزها مغرمين بعروس الصحراء واحة سيوة!!
عندئذ ستدرك كم أسأنا إلى الصحراء.. فللصحراء سحر.. وعشاق وباحثون ومنافع لاتعد ولاتحصى عندما تخترق مئات الكيلومترات من الصحراء لتصل إلى واحة سيوة التى تقع بالصحراء الغربية على بعد (306كم) من ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربى من مرسى مطروح (820كم من القاهرة) ستدرك أن بعد المسافة.. والصحراء الشاسعة الممتدة إلى ما لانهاية يمثلان سياجا طبيعيا منحته الطبيعة لهذه الواحة ليحميها ويحافظ على خصوصيتها حتى وإن بدت أنها فرضت عليها عزلة إجبارية فعليا ومع كل خطوة تخطوها على أرض سيوة ما بين الخضرة والصمت.. الصحراء والبحيرات ستستشعر مزيجاً من الرهبة.. والسكينة التى تغشاك وتسرى فى كيانك لتمنحك هدوءا داخليا تفتقده كثيرا فى عاصمتنا الصاخبة وعندما يصبح التأمل رفيق رحلتك سترى فى الصورة تفاصيل مؤلمة وستدرك وأنت تتجول - مبهورا - بآثارها وبأهلها المشهود لهم بالكرم ودماثة الخلق والبشاشة إن عروس الصحراء - للأسف - تعانى من متاعب تهدد بقاءها.
السطور التالية هى رحلة بالصور والكلمات ترصد ملامح الحاضر.. وتسجل آثار الماضى وتتجول ما بين الإنسان السيوى بلهجته الخاصة والمكان الذى يضم بحيرات الملح وعيون الماء الكبريتية.. وبحيرات الصرف الزراعى التى تتمدد كل يوم لتهدد الواحة بالغرق وتنذر بدمار ثروة هائلة من أشجار الزيتون والنخيل.
• شالى
فى وسط مدينة سيوة تطل «شالي» فى الخلفية كقلعة حصينة مهدمة فى بعض جوانبها.. ولكنها شامخة رغم مرور الزمن.. هنا كان يعيش السيويون فى القرن ال12 وشالى تعنى باللغة السيوية «المدينة» وهنا سكن أهل سيوة عندما قرروا الدفاع عن أنفسهم ضد غارات القبائل الرحل وقرروا إقامة قريتهم أو بلدتهم المحصنة على التل واستخدموا فى بناء منازلهم ما يعرف «بالكرشيف» وهو خليط ما بين الطين والملح.. حيث البحيرات المالحة منتشرة فى سيوة بكثرة كما استخدموا خشب النخيل فى الأسقف.. وكانت المنازل على الطراز الكرشيفى تتميز ببرودتها فى أشهر الصيف ودفئها فى أشهر الشتاء.. وفى عام 1926 سقطت أمطار شديدة على واحة سيوة وقلعة شالى فهجر السكان قلعة شالى وانتقلوا إلى سفح الهضبة.. الآن لم يعد أحد يسكن شالى فقد تهدمت أجزاء كبيرة منها.. ولكنها أصبحت مزارا يصعد إليه السياح بعد رحلة شاقة بعض الشىء.. وعندما تصعد إلى قمة التل ستدهش مثلى عندما تتراءى لك مدينة مصغرة مقامة على هذا التل فى شكل أقرب إلى الحصن.. وتقع البوابة القديمة بجوار المسجد القديم الذى لاتزال تقام به الصلوات الخمس يوميا.. عمر عبدالله عمر منصور رجل فى السبعين من عمره يقول: «أنا خطيب وإمام ومؤذن وخادم المسجد من 45 سنة.. الجامع «ماسكني» (!) وأنا مرتبط بالجامع وأتمنى أن أظل خادما له حتى وفاتى فهذا الجامع أول جامع بنى فى سيوة سنة 500 هجريا وكان أهل سيوة يجتمعون فيه هربا من الغزاة.. والحمدلله لايزال المسجد يؤمه المصلون وتم عمل توسعة له ليستوعب أكبر عدد ممكن من أهل سيوة».. عندما استأذنت فى دخول الجامع وجدت جدرانه من الكرشيف.. وسقفه لايزال من جذوع النخيل. وإن كانت المراوح تنتشر بين أرجائه وكذلك الميكروفونات وتغطى أرضيته بموكيت أزرق.. أما المحراب فهو مبنى من 3 درجات على جانبيه جزع شجرة للاستناد عليها عند صعود المنبر، والحوائط مدهونة باللون الأبيض وبلا أى نقوش أو رسوم.
أما فى مدخل شالى فهناك عدة بازارات لبيع المنتجات السيوية والتذكارات يقول الناوى 34 سنة.. حاصل على دبلوم تجارة: كنت أعمل فى زراعة النخيل والزيوت ثم قررت أشارك صديق لى منذ 3 سنوات فى هذا البازار ولاتقتصر المنتجات فى البازار على المنتجات السيوية فقط، فأنا أبيع «أكلمة» من فوه بكفر الشيخ.. وشنط وشيلان من العريش وهناك أيضا أقمشة سورية!!
عندما سألته عن طبيعة الشمعدانات والفواحات التى تتصدر البازار وكنت أظنها من الألباستر ففوجئت بأنها من الملح!!
الذى يتم استخراجه من البحيرات المالحة ويتم تجهيزها وتصنيعها كتذكار من سيوة!!
كذلك أبديت إعجابى الشديد بفستان أبيض مطرز يدوى بالكامل وقال لى الناوى إن سعره لايقل عن 900 جنيه وهو فستان فرح ولكنه مستعمل أما الجديد فإن سعره 3 أو 4 أضعاف هذا المبلغ لأن كل فتاة «بتشتغل» على فستانها منذ صغرها ومنذ أن تبدأ فى تعلم التطريز.. وهى مهنة تتوارثها البنات عن الأمهات وكثير من الفتيات يعملن بالتطريز فى بيوتهن لصالح أصحاب البازارات وتصل يومية الفتاة فى اليوم مع توفير جميع الخامات إلى 40 -50 جنيها.
أما المرأة المتزوجة فى سيوة فهى ترتدى عباءة خاصة تميزها عن الشابة التى لم تتزوج بعد ومعظم الأقشمة الخاصة بالزى السيوى تصنع خصيصا فى مصانع فى كرداسة وهى من القطن أو الصوف أما الخيوط فهى من الحرير.
• عين فطناس
(ستكونين محظوظة لو لحقنا بمشهد الغروب فى فطناس)!!
هكذا بادرنى المرشد السياحى وهو يقود سيارة الدفع الرباعى مسرعا إلى عين فطناس الحقيقة لم أدرك قيمة كلماته الحماسية - الواحة بها 220 عينا طبيعية - إلا بعد وصولنا هناك.. فقد تراصت عشرات المقاعد المصنعة من جريد النخيل أمام بحيرة شديدة الاتساع وخلفها يبدو الجبل، بينما الشمس تميل إلى الغروب فى مشهد بانورامى رائع.. الطريف أن جميع الجالسين كان ظهرهم لعين فطناس وهى إحدى عيون المياه الساخنة التى تتدفق بماء كبريتى ومشهود لها بعلاج أنواع مختلفة من الحساسية الجلدية لكن وقت الغروب.. أعط ظهرك للعين وتابع غروب الشمس على صفحة البحيرة حتى تغيب وراء الجبل!
عم «عمران مطعم» 51 سنة وصاحب الكافيه البيئى بعين فطناس أو تحديدا الجلسة السيوية الحميمة لمشاهدة الغروب.. وهو أيضا حكاء يشارك فى منتديات فى بلاد عربية وأجنبية يحكى عن سيوة.. باللغة الأمازيغية.. ويصاحبه مترجم بلغة البلد الذى يستضيفه.
عم عمران لم يستكمل تعليمه بعد الابتدائية لكنه يجيد التعامل مع الكمبيوتر يقول: (كنا نعيش فى المرائى على بعد 15 كيلو من سيوة ونعمل أنا وإخواتى السبعة فى الزراعة، أما أخواتنا البنات فمكانهن البيت لم أنزل سيوة إلا عندما تزوجت أختى وذهبت للمدينة «البندر» علشان نحلق حلاقة أفرنجى وكانت جداتنا الكبار يتندرن على هذا (آخر زمن.. تحلقوا عند حلاق)!!.. خاصة أن الحلاقة كانت ب 3 قروش.. فى الوقت ده كانت سيوة لاتعرف سوى اللمبة الجاز.. وفى عام 1984 اشترى أبويا الغيط ده ب11 ألف جنيه وكانت مساحته فدان إلا ربع.. واكتشفنا هذه العين الكبريتية فيه فاستبشرنا خيرا وبدأت أساعد والدى فى الزراعة إلى أن زارنا سائح أجنبى أعجب بالمكان وبدأنا نضيفه.. ثم يجىء للمكان سياح آخرون فنعمل معاهم الواجب وبدأنا نعمل بالسياحة خاصة أننى كنت أحب أتعرف على الناس وأحكى لهم عن الواحة والآثار الفرعونية واليونانية والرومانية.. وحكايات جداتنا.. وبدأت اشترك فى المهرجانات وبقيت (حكاء) وأعمل فى ضيافة السياح الأجانب والمصريين اللى بيجيوا للعين ثم يشاهدون الغروب.. فى سيوة 11 قبيلة جميعنا نتحدث الأمازيغية وكل قبيلة لها شيخ وعشرة معاونين وحكم الشيخ نافذ.. ولا فيه نقض ولا استئناف.
• معبد آمون.. والإسكندر وقمبيز!
فى سيوة أنت أمام حوالى 1200 كم2 من التنوع البيئى الهائل الذى تكون عليه الصحراء، بالإضافة إلى ما بها من آثار فرعونية.. وإغريقية ورومانية وإسلامية تتجاور وتتداخل فى مكان واحد.
ومن أشهر هذه الآثار معبد آمون ومعبد الوحى وقد أرسل قمبيز الثانى - الملك الفارسى - 50 ألف جندى لمواجهة واحة سيوة وتدمير معبد آمون لاعتقاده بأن كهنة هذا المعبد قد يهددون استقرار حكمه على مصر.. فقامت عاصفة رملية اجتاحت المنطقة وقضت على جيش قمبيز كاملاً.. وقد ذاع صيت معبد آمون فى التنبؤ، فما كان من الإسكندر الأكبر بعد أن أخضع بلاد الأغريق وأجزاء كبيرة من بلاد فارس ومصر إلا أن يقرر القيام برحلة روحية لمعبد الآلهة آمون للتبرك به.
• البيت السيوى.. وتوثيق التراث
وسط البيوت الجديدة المبنية بالطوب والأسمنت كان هذا البيت المميز والمبنى بنفس المكونات القديمة التى كان يتم البناء بها من «الكرشيف» بملمسه الخشن ولونه الذى يقارب رمال الصحراء.. وإذا بى اكتشف أنه متحف لحفظ وعرض الأعمال اليدوية القديمة والأدوات التى كان يستخدمها المجتمع السيوى قديما والأثاث فى البيت السيوى التقليدى والذى يتكون عادة من طابقين وشرفة على السطح.. كما أنشأ مركز لتوثيق التراث بسيوة عام 2012 كحصيلة نتائج مشروع «سيوة طنجة» تراث ثقافى لحياة أفضل فى إطار برنامج التراث الأوروبى المتوسطى، وجمعت كل هذه المعلومات عن طريق شباب وشابات سيوة وذلك بمساعدة مركز توثيق التراث الثقافى والطبيعى التابع لمكتبة الإسكندرية.
تقول نعمة محمد كيلانى.. كنت واحدة من فريق مكون من 17 شابا وفتاة (12 فتاة و5 شباب) نقوم بجمع التراث، حيث كنا ننزل ونجلس مع كبار السن لتسجيل كل العادات والتقاليد والتراث من الأغانى والأدب الشعبى وتدربنا على تجميع المادة بأسلوب علمى وتوثيقها وإعداد قاعدة بيانات متكاملة.. لم يكن الأمر سهلا.. فنحن كسيويين نتحدث اللغة الأمازيغية بجانب العربية وهى لغة تنطق ولا تكتب!! فكنا نكتبها باللغة العربية على عكس الأمازيغية فى دول المغرب العربى.. كما أن للسيوى بصمة خاصة، وقد سافرنا إلى طنجة أثناء إعداد قاعدة البيانات الخاصة بالتراث، ولكننا اشترطنا- أنا وزميلتي- احتراما لتقاليدنا أن يسافر معنا محرم وبالفعل سافر معنا إخواننا الشباب.. البنت فى سيوة تطورت ولكننا نحرص على عاداتنا.. فزمان كانت البنت تتزوج فى سن 14 سنة.. ونسبة قليلة من تتجاوز العشرين حاليا.. أنا عندى 26 سنة ودرست دبلوم صنايع.. وعملت فترة فى مجال التدريس قبل أن أشترك فى توثيق التراث وقد يرانى البعض فتاة متحررة.. لكنى ملتزمة وارتديت النقاب لأنى شعرت أننى بحاجة إلى حماية نفسى والتأكيد على التزامى ووفقا للتقاليد السيوية فإننى عندما أتزوج لن أعمل.. منذ 5 شهور نتقاضى نصف رواتبنا لأن المنحة قد انتهت!!.. وفى متحف البيت السيوى التقيت بأبوبكر إسماعيل المسئول عن المتحف الذى اصطحبنى بجولة داخل المتحف مرحبا لأننى صحفية بمجلته المفضلة «صباح الخير» يقول فى حماس: أنا وعيت على الدنيا وأنا أقرأ الموضوعات السياسية فى «روزاليوسف» والتحقيقات الاجتماعية فى صباح الخير.. فقد كان أخى الذى يكبرنى ويدرس بمرسى مطروح يحضرهما معه أسبوعيا، كنت أقرأهما بنهم وتعلمت منهما الكثير.. أما هذا المتحف فهو ليس تابعا لوزارة الثقافة، ولكنه تحت إشراف مجلس محلى مدينة سيوة.. ولجنة الحفاظ على التراث ورسم دخول الزائر المصرى جنيه بينما الأجنبى 5 جنيهات.
والبيت يضم ملابس سيدات ورجال الواحة.. وهناك عدة فساتين للزفاف، فهناك فستان ليلة الفرح.. وفستان ثالث يوم وفستان آخر لسابع يوم، يوم زيارة الأم لابنته.
كذلك هناك إكسسوارات من الفضة.. وشبكة العروس كانت من الفضة.. وكانت المرأة المتزوجة ترتدى «إكسسوار» بينما الآنسة ترتدى إكسسوار آخر.. ويشير إلى طوق ضخم قائلا: هذا اسمه «أدرم» أما الحلقة المدورة فاسمها «أغرو» والآنسة ترتدى «أغرو» و«أدرم».. والمرأة المتزوجة أيضا لها زى خاص غير الآنسة.. فنحن مجتمع له نظم وعادات وتقاليد وقوانين عرفية منظمة لجميع نواحى الحياة.. فقديما لم نكن نعرف اللغة العربية إلا بعد ذهابنا للمدرسة.. أما قبل المدرسة الابتدائية فالطفل لا يعرف سوى الأمازيغية، لكن الآن بعد دخول التليفزيون والنت أصبح الطفل يتعلم العربية وينطقها بالفصحى قبل دخوله المدرسة، وذلك من خلال برامج الكارتون المدبلج!!.. ونحن مجتمع هادئ.. لا يعرف الجريمة.. وأى تجاوز يتصدى له رئيس القبيلة.. ولا نذهب للقسم أبدا فكل مشاكلنا تحل عرفيا ويعتبر من يلجأ إلى الأقسام متجاوزا فى حق قبيلته مما يستحق عليه العقاب!!
• جبل الدكرور.. وأكبر مائدة طعام
فى ليالى اكتمال القمر فى شهرى أكتوبر ونوفمبر من كل عام واحتفالا بنضوج وحصاد البلح والزيتون يخرج جميع أهل الواحة كبارا وصغارا.. إلى جبل الدكرور ليقيموا هناك لمدة 3 أيام إقامة كاملة يذبحون الإبل والماشية لعمل الفتة ويلتقى الجميع «31 ألف سيوي» حول أكبر مائدة طعام يعرفها العالم ويعرف هذا العيد بعيد السلام والوفاق.. ويقال إن هذا الحدث يرجع إلى أن قبيلتين تقاتلتا لسنوات حتى قررتا أن تصالحا ويعم الوفاق بينهما فخرج أهل الواحة جميعا ليشهدوا هذا الصلح والتقوا على مائدة طعام من الفتة واللحم.. وأصبحت عادة سنوية فى الاحتفال بالسلام، ويصبح موسما للتعارف بين الأسر واختيار الشباب للعروس المناسبة.
• عيون كليوباترا
هى إحدى عيون المياه الكبريتية ويقال إن كليوباترا جاءت لسيوة ونزلت هذه العين وهى تشتهر أيضا باسم «عين جوبا» وهذه المياه ساخنة فى فصل الشتاء.. باردة فى فصل الصيف.
• بحيرة المراقى
بحيرات الملح فى سيوة.. من البحيرات المميزة والفريدة من نوعها عندما تذهب للبحيرة تجد كميات هائلة من الملح وقد انحسرت عنها المياه وهذه الكميات تكون على هيئة كتل ضخمة وأحيانا كتل متوسطة أو صغيرة.. أهل الواحة يحملون هذه الكتل إلى بيوتهم، حيث يطحنونها ويستخدمونها فى الطبخ طوال العام.. وكذلك يستخدمونها فى أعمال الديكور «شمعدان- أباجورة»، أما فى شرق سيوة فهناك بحيرة أخرى للملح.. هذه البحيرة تمتاز بالملح الكريستال وهو يصدر للخارج لاستخدامه فى إذابة الجليد.
• طوق النجاة «تبغبغ»
أهل سيوة لا يشكون إذا لم تسألهم.. وتلح عليهم لا يبوحون بأوجاعهم.. فإذا ما صرحوا عن المسكوت عنه.. فالحلول العلمية والعملية دائما جاهزة فى أذهانهم وكأنهم اعتادوا على تدبر أمورهم بأنفسهم، لكن الأمر- هذه المرة- يبدو أنه أكبر من قدراتهم على تنفيذ تلك الحلول على أرض الواقع، لذا فالمشكلة المزمنة التى تعانى منها الواحة وتهددها بالغرق ترجع إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بالواحة التى ظهرت على هيئة بحيرات من الصرف الزراعى تتكاثر وتتمدد يوما بعد يوم وتلتهم أراضى واسعة من الواحة.. وتغرق بيوتا وتهجر أسرا.. بل وقضت على نصف أشجار الزيتون وتهاجم النخيل بضراوة.. وهما الثروة الزراعية المتميزة جدا فى الواحة.
يقول المهندس شاكر حبون «تقع واحدة سيوة فى منخفض تحت مستوى البحر والمناطق المحيطة بها بانخفاظ من 10- 17 مترا وتبلغ مساحة المنخفض نحو 250 كم طولا من الشرق إلى الغرب كما تقع واحة سيوة فى الحافة الشمالية الغربية لبحر الرمال العظيم ويوجد حولها كثبان رملية هائلة.. وبحيرات سيوة كانت مساحتها 37 ألف فدان وصلت الآن إلى 47 ألف فدان فى حين أن الأرض المنزرعة 28 ألف فدان!! وهذه البحيرات لو استطعنا أن نوجهها إلى الأراضى الصحراوية لتضاعفت مساحة الأراضى الزراعية وانخفض منسوب المياه الجوفية فنحافظ على الأرض المنزرعة بالفعل..
كما أننا نعانى من ارتفاع ملوحة آبار الرى وهذا أيضا يؤثر سلبا على الزراعة رغم أن وجود «معالج مغناطيسي» على كل بئر من الممكن بسهولة تحسين خواص المياه.. وهذا المعالج أنا نفذته بالفعل فى مزرعتى واستطعت الحفاظ على أرضى.. فلو استطاعت وزارة الرى كمشروع قومى فى الواحة أن تركب على كل بئر «45 بئر» معالج سيمكننا هذا من أن نحافظ على الثروة الزراعية وهى ومصدر الدخل الرئيسى لهم.
يقول الحاج أحمد من قبيلة أولاد موسى هذا الموسم خسرنا 50% من الزيتون الذى تشتهر به الواحة، فأشجار الزيتون لم تتحمل هذه التربة «المطبلة» وبالتالى المحصول قل والجودة انخفضت.. والنخيل أيضا مهدد فمن المفروض أننا كمزارعين نمنع المياه عن النخيل منذ شهر 7 حتى ينضج البلح، ولكن مع ارتفاع الرطوبة أصبح التمر السيوى أيضا مهدداً.. والمشكلة أن 80% من أرض سيوة مربوط بشبكة صرف زراعى «ترع» ترمى على بحيرتين.
• بركة سيوة فى الغرب.. وبركة أغورمى فى الشرق
أما الباقى «20%» فيرمى على بركة بهى الدين.. المشكة أن هذه البرك طغت على الأراض الزراعية ومع ازدياد حفر الآبار بشكل عشوائى أصبحت سيوة بمثابة مصفاة.. والحل يكمن فى أن تسحب مياه الصرف الزراعي- وهى بلا أى كيماويات أو أسمدة نهائيا لأن زراعتنا أورجانك على بحر الرمال العظيم ويتم عمل غابات خشبية على مساحة 7- 8 كم وإما تصرف هذه المياه فى منخفض «تبغبغ» على بعد 80 كم وتتم زراعة هذه المسافة على جانبى الترعة يمينا وشمالا.
أما فتحى عبدالله عضو مجلس إدارة جمعية أبناء سيوة للخدمات السياحية والحفاظ على البيئة، فيشير إلى أن قرية «وفلة» قد دخلت المياه إلى البيوت فأغرقتها واضطر أهلها للخروج منها وهجرتها والمأساة تتجسد بشكل أوضح فى الشتاء، حيث لا يوجد بخر كما فى الصيف.. كما أن منطقة «الشحاين» بها مستويان للأرض حيث هناك جانب أعلى من الجانب الآخر.. وفوقهما كوبرى.. هذا الكوبرى لو انفتح ستغرق سيوة فعلا.. لماذا لا يتم عمل محطات رفع تحمل هذه المياه إلى الصحراء فترويها وتزرعها بدلا من أن تغرق المياه الأراضى الزراعية حاليا.. والحل يكمن فى «تبغبغ» وهناك دراسات لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ.
• من عروس البحر إلى عروس الصحراء!
لسيوة عشاق متيمون بها.. أسرتهم بجمالها ونقائها وبساطتها.. منهم من أقام مشاريع سياحية استثمارية بها لا تعرف الكهرباء أو مفردات عصر العولمة.. وتستخدم كل ما هى بيئى وأورجانك فقط، ومنهم من أقام استراحة خاصة له ولأصدقائه محترما ومحافظا على البيئة بشدة ومن هؤلاء د.أمين سليمان نصر أستاذ طب وجراحة العيون وأجلسنا على شط البحيرة بعد أن أوقف التسجيل الذى كان يحمله معه مشحونا من الإسكندرية ليستمع عليه الموسيقى الكلاسيك الذى يفضلها فى هذا المكان الرحب.. المبدع.. يقول د.أمين: نعم تركت عروس البحر التى تلوثت ولا تزال تبحث عن مجدها القديم وجئت إلى عروس الصحراء.. فسيوة من المناطق التى استطاعت أن تحافظ على «الاستايل الخاص بها فهى منطقة بكر، بكر جدا» وعندما يتفاعل الإنسان مع مصادر الطبيعة فنموه المعنوى والحسى بيكون فى أفضل حالاته.. أول مرة جئت لسيوة كانت عام 1986 ووقعت في غرامها وفى عام 99 قررت أن يكون لى مع قدوم الألفية الثانية مكان خاص بى فى سيوة اشتريت 5 أفدنة وبدأت ابنى على جزء منهم استراحة صغيرة لى وبعض الاستراحات لأصدقائى الذين استضيفهم فى هذا المكان الساحر.. الحياة بسيطة جدا وهذا سر تميزها فالإنسان كلما اقترب من الطبيعة شعر بالهدوء الداخلى والسعادة لذا فإننى أحرص على أن أجىء هنا كل شهر لأقضى 3- 4 أيام فى هذه الأجواء الصحية لأنى حرصت على استخدام جميع عناصر البيئة بالأسلوب التقليدى والبسيط لذا فإننى أتمنى أن نحافظ على هوية هذه المنطقة الرائعة.. وإذا فكر أى مستثمر أو جهة تقديم خدمات لهذه المنطقة وناسها تكون بشروطهم هم وحسب احتياجاتهم الحقيقية حتى لا تفسد عليهم حياتهم الجميلة ولا نشوة واقعهم.. ولنعمل مثل الإسكندر الأكبر ابن الحضارة اليونانية الذى جاء من مرسى مطروح فى أول بعثة غير حربية لسيوة ليشهد عراقة معبد آمون ويأخذ البركة من الإله رع. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.