اليوم، الناخبون يواصلون التصويت في 30 دائرة ملغاة بانتخابات مجلس النواب 2025    أسعار اللحوم في محافظة أسوان اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    جيانا: ناقلة النفط "سكيبر" رفعت علم البلاد بشكل غير قانوني قبل احتجازها    قرصنة دولية ومحاولة لنهب الموارد، أول رد فعل لفنزويلا بعد استيلاء على ناقلة نفط أمام سواحلها    ماسك يتحدث عن إلهان عمر وممداني والجحيم الشيوعي    يوسى كوهين شاهد من أهلها.. مصر القوية والموساد    لمدة 6 ساعات خطة انقطاع المياه اليوم في محافظة الدقهلية    مجلس النواب الأمريكي يصوّت بالأغلبية لصالح إلغاء قانون عقوبات "قيصر" ضد سوريا    DC تطرح أول بوستر رسمي لفيلم Supergirl    ناسا تفقد الاتصال بالمركبة مافن التي تدور حول المريخ منذ عقد    التعاون الإسلامي تدين خطط الاستيطان الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية    قرار جديد ضد المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة في النزهة    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    أول قرار ضد مضطرب نفسي تعدى على رجال الشرطة لفظيا دون سبب بمدينة نصر    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    مراكز الإصلاح والتأهيل فلسفة إصلاحية جديدة.. الإنسان أولًا    أحمد مراد يعتذر عن تصريحه الأخير المثير للجدل عن فيلم الست    القابضة للصرف الصحي تدعم رافع العريش بطلمبتين بعد صيانتهما    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    يوفنتوس ينتصر على بافوس بثنائية نظيفة    عاجل - قرار الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في ثالث خفض خلال 2025    "شغّلني" تُطلق مشروع تشغيل شباب الصعيد بسوهاج وقنا    لماذا تجدد أبواق السيسى شائعات عن وفاة مرشد الإخوان د. بديع بمحبسه؟    خالد أبو بكر يشيد بجهاز مستقبل مصر في استصلاح الأراضي: سرعة العمل أهم عامل    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    ما معنى تخفيض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس؟    تصعيد سياسي في اليمن بعد تحركات عسكرية للمجلس الانتقالي    أرسنال يسحق كلوب بروج بثلاثية خارج الديار    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11ديسمبر 2025........مواعيد الأذان في محافظة المنيا    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    الرفق بالحيوان: تخصيص أرض لإيواء الكلاب الضالة أحد حلول انتشار هذه الظاهرة    منتخب مصر يواصل تدريباته بمركز المنتخبات الوطنية استعدادا لأمم إفريقيا (صور)    رودريجو: ليس لدي مشكلة في اللعب على الجانب الأيمن.. المهم أن أشارك    كرة طائرة - خسارة سيدات الزمالك أمام كونيجيليانو الإيطالي في ثاني مواجهات مونديال الأندية    الخطر الأكبر على مصر، عصام كامل يكشف ما يجب أن تخشاه الدولة قبل فوات الأوان (فيديو)    "جنوب الوادي للأسمنت" و"العالمية للاستثمار" يتصدران ارتفاعات البورصة المصرية    حقيقة منع شيرين عبد الوهاب من رؤية ابنتيها وإفلاسها.. ما القصة؟    "امرأة هزت عرش التحدي".. الموسم الثاني من مسابقة المرأة الذهبية للمركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    المتهم بتجميع بطاقات الناخبين: «كنت بستعلم عن اللجان»    4 فوائد للملح تدفعنا لتناوله ولكن بحذر    أعراض اعوجاج العمود الفقري وأسبابه ومخاطر ذلك    معهد التغذية يكشف عن أطعمة ترفع المناعة في الشتاء بشكل طبيعي    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    ضبط شاب ينتحل صفة أخصائى علاج طبيعى ويدير مركزا غير مرخص فى سوهاج    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    ساوندرز: ليفربول ألقى صلاح تحت الحافلة؟ تقاضى 60 مليون جنيه إسترليني    الأرقام تكشف.. كيف أنقذ صلاح ليفربول من سنوات الفشل إلى منصات التتويج.. فيديو    ترامب: الفساد في أوكرانيا متفشٍ وغياب الانتخابات يثير تساؤلات حول الديمقراطية    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    "الصحة" تكشف عن الفيروس الأكثر انتشارا بين المواطنين حاليا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الدكتور مصطفى الحفناوى وخلفيات تأميم قناة السويس
نشر في صباح الخير يوم 22 - 01 - 2020

ما أن قرأت إعلانا عن صدور هذا الكتاب، حتى عزمت على شرائه وقراءته على الفور بسبب موضوع الكتاب، وبسبب آخر أقوى هو مؤلف الكتاب. وستعرف بعد قليل لماذا المؤلف. نحن أبناء الجيل الذى عاصر لحظة تأميم قناة السويس، وتابع العصر الكامل الذى فتحت أبوابه هذه اللحظة، لا يمكن أن ينساها، وعبدالناصر الذى كان يرتجل خطابه، ولم يكن التليفزيون قد ظهر بعد، كان يقرأ خطابه المكتوب ويرتجل أحيانا، ولكن عند لحظة إعلان القرار، قرأه من الأوراق التى أمامه، بنبرة مدوية ومتحدية، نفذت إلى قلوب الجميع، وبقيت فى ذاكرتنا إلى اليوم.

وبعد سنوات عرفنا، من حديث للرئيس عبدالناصر لصحيفة أجنبية، فى ذكرى التأميم، إشادة بدور الدكتور مصطفى الحفناوى فى تأميم القناة. ولكن لم نعرف الكثير عنه، ولا طبيعة هذا الدور ولا أظن أنه ظهر فى أى مناسبة عامة بعدها، بل إن الأستاذ هيكل فى كتابه عن «ملفات السويس» وهو مرجع مهم، وسفر جليل فى موضوعه، لم يذكر اسمه إلا بطريقة عابرة. ومن هنا كان شوقى إلى كتاب، سيشرح هو بنفسه خلفيات هذا الدور، بل خلفيات التأميم عموما. وكانت هذه المذكرات مفاجأة لى، مفاجأة بكل معنى الكلمة، ليس لأننى عرفت منها دوره فى لحظة تأميم قناة السويس. فلم يتوقف عندها طويلا، ولم تأخذ منه إلا سطورا قليلة.. ولكن هذه السطور القليلة، مليئة بكل شحنة الدراما. وأفضل أن أقتبس الفقرة الطويلة حولها من الكتاب كما رواها هو بنفسه:

• نص القرار

«فى شهر يوليو سنة 1956، كنت مع زوجتى وأولادى، نقضى الصيف كعادتنا بمدينة الإسكندرية، ولكنى أخذت نفسى وقتئذ ببرنامج آخر غير الاصطياف والبحر والنسيم العليل، فكنت أستيقظ يوميا فى ساعة مبكرة، وأستقل السيارة لأقطع مسافة خمسين كيلومترا، حيث أصل لمزرعة مملوكة لأولادى، وكنت أقضى اليوم كله، مشتغلا بتصريف شئون المزرعة. وفى الساعة الثالثة بعد ظهر يوم 23 يوليو 56، فوجئت بحديث هاتفى، كان المتحدث صديقا من خيرة من عرفت فى حياتى، وهو المرحوم اللواء صديق عبداللطيف حكمدار الإسكندرية يومئذ، لم يكن بالمزرعة خط هاتفى، فدهشت كيف عرف الهاتف فى مزرعة مجاورة. أبلغنى خفير مزرعتى أن مكالمة عاجلة من الإسكندرية تطلبنى عند الجيران، وحين تلقيت المكالمة، كان المتحدث حكمدار الإسكندرية، والذى تصور أننى عينت وزيرا. فقد قال لى إن الرئيس أمر باستدعائك منذ صباح اليوم، فبحثوا عنك فى القاهرة فى كل مكان، ثم صدرت الأوامر لنا بالبحث عنك فى جميع الشواطئ وأنا فى انتظارك بمقر هيئة التحرير بميدان المنشية. وقد تصورت أنه قد تقرر اعتقالى، وكان لهذا التصور مبرراته، فقد شاعت أنباء أن عبدالناصر يفاوض شركة قناة السويس كى تستثمر فى مصر بضعة ملايين، مقابل مد امتياز القناة. فرحت ألعن نظام الحكم فى أحاديثى لأصدقائى. وصادف أننى لقيت فى الليلة السابقة، أى مساء 22 يوليو، صديقا قديما هو محمد حلمى، مدير بورصة القطن فى عهد الوزارة الوفدية. وكانت لديه أوجاع غير وجيعتى، وجلسنا فى حديقة فندق البوريفاج، نتحدث عن أخطاء حكومة الثورة، وربطت بين هذا اللقاء والحديث وبين الاستدعاء. وما أن وصلت القاهرة بالطائرة، حتى حملتنى سيارة إلى بيت الرئيس، الذى صافحنى بحرارة وأعرب عن أسفه للطريقة التى تم استدعائى بها، ثم دخل فى الموضوع مباشرة قائلا: إنه قرر تأميم شركة قناة السويس، وأنك أفضل من يكتب مشروع القرار الجمهورى بتأميم الشركة. والأمر عاجل جدا، لأننى سأعلن هذا القرار للعالم كله، فى خطاب قرر أن يلقيه بميدان المنشية بالإسكندرية فى الساعة الثامنة من مساء يوم 26 يوليو 1952. والأمر المشدد الذى صدر لى هو ألا يعرف كائن من كان أنى موجود بالقاهرة، وذلك مراعاة لأقصى درجات السرية، كى لا ينتبه العدو فيأخذ حذره».

• الحركة الوطنية والتأميم

وقد كان جديدا علىَّ ما رواه، وهو يروى التفاصيل، أن مجلس الثورة كان مشغولا بموضوع استرداد القناة، منذ الأيام الأولى للثورة، فقد استدعاه جمال عبدالناصر، فى شهر أغسطس 1952 ليستمع منه إلى أوضاع القناة وإدارتها وتاريخها، هو ومجلس الثورة، وأصبح منذ تلك اللحظة، فى مكانة المستشار الذى يلجأون إليه فى هذه القضية الوطنية. وأكثر جدة علىّ أن هذا الموضوع كان من هواجس الحركة الوطنية كلها، فعلى ماهر عندما خلف وزارة مصطفى النحاس، بعد نجاح الوفد فى آخر انتخابات قبل ثورة 52، بعد أن أقاله الملك، عقب حريق القاهرة استدعى مصطفى الحفناوى، وتحدث «معى» فى حتمية الاستعداد لتصفية شركة قناة السويس، وقال إنه قرر إنشاء وكالة وزارة ملحقة بمجلس الوزراء، مهمتها التجهيز والاستعداد للتصفية، وأن أعين أنا شخصيا فى هذا المنصب ليتم تنفيذ ذلك كما أتمنى. وطلب منى أن أستعين بمجلس أعلى لشئون القناة، تاركا لى اختيار أعضائه».. ومن قبل هذا التاريخ، كان موضوع القناة، فى مقدمة برنامج الحركة الوطنية. وقد ولد مؤلف هذا الكتاب سنة 1911، ولقى وجه ربه سنة 1980.. أى أنه عاش بعد تأميم القناة، أربعة عشر عاما.. ولكن لم يكن اسمه معروفا لا على نطاق واسع، ولا فى دائرة محدودة، رغم أنه كان غارقا فى العمل إلى أذنيه، سواء فى عمله الخاص أو الشأن العام.. ولكنه كان يتعفف أن يتحدث عن نفسه ودوره، بل كان يحرص على أن يتوارى عن الأنظار.. وحسنًا فعل حين قرر فى أخريات عمره الإدلاء بشهادته «لأن الطريق الطويل الذى سرته من يوليو سنة 1946 إلى يوليو 1956، فيه أسرار خطيرة لا يمكن أن أخفيها عن الناس أوأسقطها، وهى ملك للتاريخ، ثم إن محفوظات شركة قناة السويس السرية التى وضعنا أيدينا عليها، بعد التأميم، فيها ما لا يعرفه أحد حتى الآن عن الكيفية التى تحكم بها مصر وتدار بها مكاتب شركة قناة السويس فى لندن وباريس وقصر الدوبارة والإسماعيلية».. وقد أجاب عن كل التساؤلات، ووفّى هذا الموضوع حقه.

• جيل الحفناوى

ولكن ما لفت نظرى، هو ما تقدمه المذكرات، من نموذج لواحد من جيل تلك المرحلة، مرحلة الاستعمار، وبالتالى مرحلة مقاومة الاستعمار. إن هذه المذكرات النادرة، تقدم نموذجا فذا، يجسد روح ذلك الجيل. فمن سن مبكرة انشغل التلميذ والطالب والشاب مصطفى الرفاعى بالقضية الوطنية، وانتمى إلى الحزب الوطنى، وهو أهم وأكثر التيارات نشاطا، فى توجيه الأنظار، وحشد القوى، لإنهاء الاحتلال. لم يشغله هذا الانشغال، عن إتمام دراسته فى كلية الحقوق والتفوق فيها واختيار سلك المحاماة، ولفت الأنظار لتفوقه وكفاءته فى عمله، فأصبح مكتبه من المكاتب الناجحة، الذى يتسابق الأفراد والشركات على طلبه والاطمئنان إلى نزاهته وكفاءته.. دون أن يكف لحظة عن الانشغال بالسياسة العامة، التى تلخصت فى الخلاص من المحتل الإنجليزى. ويروى أنه عارض معاهدة 36 بقوة، بل إنه ألف كتابا ضد معاهدة 1936 التى تحمس لها ووقعها حزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس. ولم يتوان النحاس عن مصادرة الكتاب. ولا يمكن لقارئ المذكرات ألا يحس بنبرة التطرف والتشدد، التى تصبغ قرارات وسلوك صاحبها فى جميع مراحل حياته. ولا أدلّ على هذه النزعة العميقة لديه، أنه عندما طلبت منه شركة بريطانية، تتولى عملية تعلية قناطر إسنا، أن يعمل مستشارا قانونيا لها، فلم يتصور أنه يمكنه أن يقبل هذا العمل، لأنها تحمل شبهة خيانة مبادئه والتعامل مع العدو، فلم يكن يتصور أن مثله يتعامل مع بريطانى، تحتل بلده مصر.. ومن حسن الحظ أن صديقًا له، نجح فى إقناعه بخطأ هذا المسلك، وأن فيها مغالاة ضارة، فمن مصلحة وطنه، أن يكون هو قريبا من هذا العمل، الذى فيه مصلحة وطنه. ومن حسن الحظ أنه اقتنع. • البداية صدفة ومن المصادفات المهمة فى حياته أن عمله هذا، يقوده إلى بريطانيا سنة 1946 للتشاور حول أعمال الشركة، وعلى الباخرة التى أقلته، يسمع بقصة قناة السويس لأول مرة. وكانت هذه المصادفة، بداية لانشغاله بقضية قناة السويس، وبحثها ومعرفة كل خباياها، بل أخذ على نفسه عهدا، أن يكون عمله فى المحاماة والبحث الأكاديمى حكرا عليها. ويتفرغ لها، ويحصل على درجة الدكتوراة من جامعة باريس فى قضية قناة السويس. لم تكن درجة أكاديمية، بل كانت إدارة معركة لاسترداد قناة السويس، كان سلاحه الكتابة والدراسة ونشر الكتب والمقالات وإصدار الصحف التى تنبه إلى أهمية قناة السويس، ودورها، والدعوة بل التخطيط إلى دراستها. اهتم من اليوم التالى له فى بريطانيا، بجمع الوثائق الخاصة بالقناة، التى لم يسمع بها إلا منذ لحظات. وفتحت له هذه الوثائق بابا مغلقا، فقد قرر بينه وبين نفسه أنه محام، وهذه هى القضية التى عليه أن يتولى الدفاع عنها. وحمل هذا العبء بالفعل منذ تلك اللحظة، ليس فقط بعزمه على تقديم رسالة دكتوراة عن قصة القناة، منذ بداية التفكير فى حفرها، على عهد الفراعنة، بل إلى اللحظة الحاضرة - أواخر الأربعينيات - حيث كانت شركة قناة السويس، دولة داخل الدولة، تدار من الخارج لايعرف أحد عنها شيئا. ولم يكن ينتظر درجة علمية رفيعة من جامعة فرنسية، بل كان ينتظر أن يكون هذا البحث بداية معركته للدعوة لاسترداد القناة. وقد كان. فقد كان هذا ما يقوم به منذ سنة 1946 إلى اللحظة التى استدعاه فيها الرئيس عبدالناصر يوم 22 يوليو 52، ليقول له إنه سيعلن تأميم القناة فى خطابه الذى سيلقيه فى الإسكندرية يوم 26 يوليو.. وليس هناك أجدر منه بصياغة قرار التأميم. فما أصدره من كتب وكتبه من مقالات وأصدره من صحف، تدور كلها حول قناة السويس، تاريخًا وحاضرًا وواجبًا أن تعود لأصحابها الآن وليس انتظارا إلى انتهاء أجل الامتياز سنة 1968. فالحديث الذى استمع إليه من الإنجليزى، وهو على الباخرة سنة 46، كان يؤكد أنها لن تعود أبدا فى ذلك التاريخ، بل ستظل فى أيدى القوى الدولية المتنفذة، والمصريون واهمون إذا تصوروا أنها سوف تسقط فى حجرهم كالثمرة الناضجة. • محامى القضية شيء يدعو للعجب والإعجاب، أن يمتلئ فرد واحد، بالحس بالمسئولية نحو إيقاظ الوعى، وتنبيه المسئولين، بل التخطيط إلى استعداد مصر لتسلم القناة، وهى قادرة على إدارتها فى اليوم التالى، بإعداد الكوارد المصرية التى تحل محل كل الخبراء والمتخصصين والمرشدين القادرين على إدارة القناة فى اليوم التالى. شىء يدعو للتقدير وما هو أكثر من الإعجاب، أن يتفرغ رجل واحد لمهمة كبيرة مثل هذه. بل عندما يقتضى الأمر أن يترك عمله ومهنته وأكل عيشه ومكتبه الناجح ويقبل وظيفة حكومية فى سفارة مصر بفرنسا، بمساعدة وزير الخارجية الوفدى العظيم محمد صلاح الدين، تدر عليه دخلاً أقل بكثير مما كان يكسبه فى مصر، لمجرد أن تكون الوظيفة مكانا ملائما له وقريبا من إدارة القناة، لمعرفة ما يمكن معرفته من أسرارها. وينجح نجاحا كبيرا، فى مهمته فى فرنسا، ليس كموظف دبلوماسى، ولكن فى مهمته الحقيقية، وهى التوصل إلى وثائق مفيدة عن وضع القناة وإدارتها. ولابد هنا أن نترحم على وزير الخارجية العظيم - محمد صلاح الدين - ابن ثورة 1919 والوفد والمرحلة الليبرالية. فقد كان يتابع نشاطه ويشجعه ويشمله بحمايته. ويتلقى نتائج عمله عن طريق الحملة الدبلوماسية، ليس نشاطه كموظف ولكن كجندى يتطوع للقيام بعمل وطنى كبير. وأثناء وجوده فى فرنسا، حصل على وثائق بالغة السرية، ما كان ممكنا الوصول إلى النجاح فى التأميم، بدونها، فقد أتيح له أن يقرأ العقد الحقيقى لحفر القناة، وليس العقد المزيف الذى تتعامل به الشركة، لتبعد إمكانية طلب مصر التدخل فى أمور القناة. العقد الحقيقى الذى يعطى مصر الحق فى استرداد القناة. • رجل فريد وبعد أن قرأت هذه المذكرات، لم أندم لأننا لم نعرف هذا المصرى العظيم. فقد كان من الطبيعى ألا نعرفه. فهو من ذلك النفر من الناس، المعتز بنفسه، الذى يعف عند المغنم، ويعتبر أن ما يقوم به، هو واجب فرضه على نفسه، عن رضا وطواعية، وأنه لا ينتظر جزاءً، وأنه يعمل لله والوطن. وهو من النوع الذى يصعب التعامل معه. فهو يحدد الهدف لنفسه وبنفسه، وينطلق فمن يقف إلى جانبه فأهلا ومرحبا. ولذلك فقد قام بعمله، كعضو فى إدارة شركة قناة السويس بعد التأميم، حتى سنة 1965، بكفاءة واقتدار. حتى استقال سنة 1965، ليتفرغ لعمله «مجاهدا فى حقل القانون الدولى مدافعا عن حقوق موكليه من الشركات والمؤسسات الدولية». ولابد أن نشكر عميق الشكر، ابنه الدكتور مهندس على الحفناوى، بإعداده ونشره لهذه المذكرات. ونعاتبه بحزن لأنه يقول «قمت بحذف تفاصيل مختلفة من هذه المذكرات باعتبارها «شخصية» أو «خارج السياق» وقد لاتهم القارئ. إن كل حرف فى هذه المذكرات مفيد وناصع وأصيل، حتى عندما يخرج عن السياق، فإن قدرته على الملاحظة عميقة وثاقبة. إنه عندما يلاحظ أثناء زيارته القصيرة لإنجلترا، أن أطفال إنجلترا الذين ولدوا بعد 1939 لايعرفون الموز إذا قدم لهم لأنهم لم يروه. ليصف الحالة التى كان عليها الإنجليز أثناء الحرب، فهذه ملاحظة رجل حاد البصيرة، ويعلق أنه عندما سأل أحد الإنجليز، كم كانوا يستطيعون الصبر على هذه الحال، يجيب مائة عام طالما ننقذ بريطانيا من دنس الاحتلال. وهذه الإجابة موجهة لأهله ومواطنيه إنها مذكرات مفيدة ومثيرة يكتبها مصرى فاضل؛ نجح على مستويات عديدة باحثا وكاتبا مؤرخا وترك وراءه سيرة عاطرة وذكرا حسنا. وأحسن ابنه الدكتور على مصطفى، أن اهتم بالمحافظة على المذكرات، وإعدادها بعد هذا الوقت الطويل.. وربما وجد صعوبة فى الحصول على ناشر يتحمس لهذا العمل.. وحسنا أنه وفق لدار النشر غير الكبيرة التى يبدو أنها من الدور التى لاتبحث عن الربح، بقدر ما ترحب بما هو جاد ومفيد ومخلص، والتى أصدرت الكتاب، وهى دار ميريت التى يديرها محمد هاشم. فالشكر للابن البار، والناشر المحترم الذى احتفى بالكتاب، وقام بطبع الكتاب ونشره ونظم ندوة عامة لمناقشة الكتاب والترويج له، ودعا لها أستاذين فاضلين من أساتذة الوثائق والتاريخ: الدكتور عماد أبوغازى والدكتور محمد عفيفى اللذين ألقيا أضواء كاشفة لكتاب مهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.