عيد عبد الهادي: موافقة مجلس الشيوخ على تعديلات قانون الانتخابات تحقق تمثيل نيابي عادل    لضمان العدالة.. زعيم الأغلبية ب«الشيوخ»: لا تدخل حكومي أو حزبي في توزيع المقاعد الانتخابية    مدير تعليم الفيوم يجتمع مع لجان المديرية لمتابعة امتحانات الفصل الدراسي الثاني    سعر الذهب اليوم السبت 24-5-2025 وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع بالصاغة    أستاذ تمويل: البنك المركزي يتجه لخفض الفائدة لإنعاش الاقتصاد    المبعوث الأمريكي إلى سوريا يشيد بالشرع فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل    لبنان بين الاقتراع والإعمار.. جدل السلاح يعيد رسم المشهد الانتخابي.. الانتخابات البلدية تمثل لحزب الله محطة مفصلية أكثر من أي وقت مضى    استعدوا لما سيحدث يوم 25 مايو 2025؟ معهد الفلك يرد على تنبؤات «يوم الدمار» (فيديو)    إنريكي يعلن تشكيل باريس سان جيرمان لمواجهة ريمس في نهائي كأس فرنسا    فوز بورفؤاد وتيم إف سي.. نتائج مباريات الجولة الأخيرة في ترقي المحترفين    فليك يحدد هدفه مع برشلونة في الموسم المقبل    قائد الأهلي يوجه رسالة لجماهير النادي قبل نهائي سوبر السلة    44 درجة في الظل.. الأرصاد تكشف موعد ذروة الموجة الحارة    التضامن: الانتهاء من جميع الإجراءات المتعلقة بحجز الفنادق للحجاج    دراما وكوميديا.. موسم «الأوف سيزون» يتصدر المشهد الدرامي بصيف 2025    فرقة ديروط تقدم «السيد بجماليون» على مسرح قصر ثقافة أسيوط    اليوم.. عرض أولى حلقات برنامج مسيرتي ل جورج وسوف    ذكرى مرور 123 عاما على الإسعاف في مصر.. قصة نشأته ودلالة شعاره    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    هيئة الإسعاف: تطبيق «اسعفني» يسهل خدمات الطوارئ لفئات أوسع من المواطنين    أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عناد وعصبية الأطفال    الدفاعات الجوية الأوكرانية تعترض 245 طائرة مسيرة روسية    شديد الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا    وزير البترول يتفقد مشروعات فوسفات مصر بأبو طرطور.. ويؤكد: انطلاقة جديدة لقطاع التعدين    رئيس هيئة الإسعاف: إطلاق تطبيق "أسعفني" لتسهيل خدمات الطوارئ    7.5 مليون طن صادرات زراعية.. مصر تحصد ثمار استراتيجيات التنمية المستدامة    محافظ الدقهلية: تحصين 219 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية    مغامرة كأس العالم للأندية    مسلم يرد من جديد على منتقديه: كفاية بقى    محمد رمضان يروج ل فيلم "أسد" بصورة جديدة من الكواليس    سيميوني: أهدرنا فرصة الفوز باللقب فى أسهل موسم    مركز الساحل والصحراء يعقد مؤتمرًا عن "الإرهاب فى غرب أفريقيا".. صور    البابا تواضروس يصلي القداس الإلهي ب كنيسة «العذراء» بأرض الجولف    تباين أداء قطاعات البورصة المصرية.. قفزات في المالية والاتصالات مقابل تراجع المقاولات والموارد الأساسية    "ملكة جمال الكون" ديو يجمع تامر حسني والشامي    ملك المونولوج.. ذكرى رحيل إسماعيل ياسين في كاريكاتير اليوم السابع    تأجيل محاكمة متهمي اللجان النوعية    المانجو "الأسواني" تظهر في الأسواق.. فما موعد محصول الزبدية والعويسي؟    تعرف على أسعار حجز الأضاحي بمنافذ الزراعة    سيد عطا: جاهزية جامعة حلوان الأهلية لسير الاختبارات.. صور    كونتي ضد كابيلو.. محكمة تحدد المدرب الأفضل في تاريخ الدوري الإيطالي    بمشاركة منتخب مصر.. فيفا يعلن ملاعب كأس العرب    جرافينبيرش يتوج بجائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي    قوات الاحتلال تفرض حصارًا مشددًا على مخيمي طولكرم ونور شمس بالضفة    بيرو تفتح تحقيقاً جنائياً بحق جندي إسرائيلي بعد شكوى مؤسسة هند رجب    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    محافظ قنا يكرم باحثة لحصولها على الدكتوراه في العلوم السياسية    سقوط عدد من "لصوص القاهرة" بسرقات متنوعة في قبضة الأمن | صور    أزهر كفر الشيخ يختتم أعمال تصحيح الشهادة الابتدائية وجار العمل فى الإعدادية    نائب وزير الصحة يبحث مع وفد منظمة الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة ووضع خارطة طريق مستقبلية    مباشر.. أسرة سلطان القراء الشيخ سيد سعيد تستعد لاستقبال جثمانه بالدقهلية    سحب 829 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    براتب 20 ألف جنيه.. تعرف على فرص عمل للشباب في الأردن    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    الداخلية تضبط المسئول عن شركة لإلحاق العمالة بالخارج لقيامه بالنصب    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال عبد الناصر لأمريكا: "موتوا بغيظكم موعدنا يوم الخميس".. الزعيم الخالد استدعى محمود يونس فى اجتماع عاجل يوم الثلاثاء وكلفه بقيادة فريق تأميم القناة ردا على سحب واشنطن تمويل السد العالى
نشر في اليوم السابع يوم 06 - 08 - 2015


نقلا عن العدد اليومى...
كانت الساعة التاسعة صباح يوم الثلاثاء «24 يوليو 1956»، حين وصل الرئيس جمال عبدالناصر إلى معمل تكرير البترول ب«مسطرد» لافتتاح خط أنابيب البترول الجديد «السويس - القاهرة» ومعمل التكرير، وكان برفقته بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء.
قبل أن يبدأ «عبدالناصر» جولته لمشاهدة المعمل ونهاية الخط، التفت إلى محمود يونس رئيس الهيئة العامة للبترول قائلاً: «اتكلم واشرح ولا تتوقف عن الشرح سواء كنت أسمع لك أو لا»، فيما يعنى أن آخر شىء يفكر فيه الرئيس هو ما يشرحه يونس له وأدرك «يونس» شرود الرئيس وانصراف ذهنه عن كل ما يسمع، وحرصا منه على سلامته قال له: «أرجو أن لا تلمس أى ماسورة فى المعمل لأنها ساخنة جداً لأن الوقت لم يسمح بتغليفها».
وقائع هذا اليوم الذى كان مفتتحاً لقصة طويلة لمصر مع التحدى والكبرياء والإرادة الوطنية، تقرأها فى كتاب «قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا» وهو مذكرات المهندس «عبدالحميد أبوبكر» سكرتير الهيئة العامة للبترول وقتئذ، والذى حضر واقعة المؤتمر الصحفى، وكان القائد الثانى لفريق التأميم ويقول فى مذكراته إنه أثناء الافتتاح ارتجل الرئيس جمال عبدالناصر كلمة، كنا نتوقع أنها سوف تتناول البترول الوطنى، لكنها انصبت على سحب العرض الأمريكى لتمويل السد العالى، والذى أعلنته أمريكا قبل أيام وصاحبها حملة تشكيك واسعة فى سلامة اقتصادنا الوطنى شملت القول بأن مصر لن تستطيع تسديد ديونها كما أنها على خلاف مع دول نهر النيل حول المشروع.
قال الرئيس فى المؤتمر: «قامت فى واشنطن ضجة تعلن وقد تجردت من الحياء، بل تجردت من أى مبدأ من المبادئ التى تقوم على أساسها علاقات الدول، تعلن كذبا وخداعاً وتضليلاً أن الاقتصاد المصرى يدعو إلى الشك، إننى أنظر وأقول موتوا بغيظكم، والرد الذى سأقوله لهم على هذا الكلام اليوم، هو غير الرد الذى سأقوله لهم يوم الخميس القادم إن شاء الله».
وبعد حفل الافتتاح، دعا عبدالناصر المهندس محمود يونس إلى مكتبه بمقر مجلس الوزراء الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، فاصطحب «أبوبكر» إلى اللقاء وكان ظنهما أنه متعلق بالبترول وقضاياه، وذلك على خلفية نشاطهما الوظيفى، ولهذا جهز يونس ملفاً حول قضايا البترول.
بمجرد أن جلس «يونس» أمام جمال عبدالناصر بدأ فى عرض تقرير يحمله عن مشكلات البترول، وظل الرئيس يستمع إليه بلا تعليق، والحقيقة أنه كان مشغولاً بشىء آخر تماماً لا يعلمه محمود يونس، وفجأة سأله عبدالناصر: «إيه معلوماتك عن قناة السويس يا محمود؟».
أجاب محمود يونس: معلوماتى قليلة.
قالها يونس دون أن ينتبه إلى أهمية السؤال وضرورته فى هذا التوقيت، وبعد لحظات قال له عبدالناصر: «قررنا تأميم القناة».
لم يدر يونس بنفسه فقام على الفور وتلقائياً من مقعده معانقاً عبدالناصر، ثم عاد إلى مكانه ليكمل عبدالناصر: «أنا أكلفك بهذه المهمة يا محمود».
وللحظات لم ينطق محمود بكلمة واحدة
كان المهندس «أبوبكر» موجوداً خارج الاجتماع فاستدعاه عبدالناصر ليسأله عن معلوماته عن القناة، فأجاب: «معلوماتى قليلة»، إجابة كانت كما قال صديقه ورئيسه فى البترول «يونس»، ثم أبلغه أيضاً بقرار التأميم، وقبل أن يغادر الاثنان المكتب، أعطاهما الرئيس كتبا عن القناة وهى الكتب التى ألفها الدكتور مصطفى الحفناوى، بالإضافة إلى ملف بعنوان: «مذكرة عن الشركة العالمية لقناة السويس» مقدمة من إدارة التعبئة، وقال عبدالناصر وهو يودعهما: «القرار سيكون فى خطابى بعد غد الخميس، وبدء تنفيذ العملية سيكون عندما أذكر كلمة «ديليسبس».
وانصرفا الاثنان للتجهيز طوال 55 ساعة لواحد من أهم أحداث القرن العشرين، وعكفا على وضع خطة التأميم واختيار الفريق الذى سينفذ المهمة الكبيرة، ولما أتما ذلك كله اجتمعا بعبدالناصر الذى بارك الخطة والاختيارات.
وفى يوم «26 يوليو 1956» احتشد الآلاف فى ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية لسماع خطاب جمال عبدالناصر، وترقب العالم كله ماذا يعنى بكلمته «موتوا بغيظكم» التى وجهها قبل يومين إلى أمريكا رداً على قرارها بسحب تمويلها ل«السد العالى».
كانت وقائع اليوم كثيرة قبل بدء «عبدالناصر» لخطابه، يرويها عبدالحميد أبوبكر بالتفصيل، فالمجموعة التى ستتولى عملية التأميم بقيادة «محمود يونس» أعدت خطتها بسرية كاملة وحرفية هائلة، وشملت أماكن التنفيذ كل مواقع القناة فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية ومكتبها الإدارى فى «جاردن سيتى».
قبل الخطاب بساعتين استدعى عبدالناصر مجلس الوزراء وأعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو للاجتماع، وأبلغهم بالقرار فانقسم المجتمعون حوله، وانتهى الاجتماع بقول عبدالناصر لهم: «أريد أن أكون منصفاً لكم جميعاً، فأسجل هنا أننى أتحمل مسؤولية قرار التأميم، وللشعب المصرى والتاريخ أن يحاسبنى عليه، فلست أريد لأحد منكم أن يتحمل مسؤولية قرار خطير لم يعرف به إلا قبل إعلانه بوقت قصير».
كانت الساعة الثامنة والنصف مساء وقت أن بدأ عبدالناصر خطابه التاريخى الذى استغرق ثلاث ساعات، وأنصت إليه العالم، وشمل شرحاً وافياً لقصة مصر مع القناة منذ حفرها بسواعد المصريين الفقراء، وسيطرة فرنسا وبريطانيا عليها، كان عبدالناصر يخطب على طريقته السهلة الممتنعة التى تمزج الماضى بالحاضر، معتمداً على ذكر وقائع فى التاريخ فى صلب الموضوع، وكانت كلمة «ديلسيبس» فى الخطاب هى كلمة السر المتفق عليها لبدء تنفيذ عملية التأميم فور نطق عبدالناصر بها، يقول أبوبكر: «خشى عبدالناصر أن تفلت كلمة السر من أسماعنا، فأخذ يكرر اسم «ديلسبس» أكثر من مرة، كررها 17 مرة، بلا ضرورة فى بعض الأحيان، ليتأكد أننا تلقينا الإشارة المتفق عليها، غير أننا كنا قد سمعنا تماماً، بل إننا تلقينا الإشارة من أول مرة نطق فيها اسم «ديليسبس».
وكانت الساعة حوالى العاشرة مساء حين وصل عبدالناصر فى خطابه إلى القول: «الآن وأنا أتكلم إليكم يقوم أخوة لكم من أبناء مصر، ليديروا الشركة العالمية لقناة السويس ويقوموا بعمل الشركة، الآن فى هذه اللحظة يتسلمون شركة القناة المصرية».
فور الانتهاء من هذه العبارة كانت «مجموعة التأميم» داخل مبانى الشركة فى مدن القناة الثلاث، وفتح سكان العمارات القريبة منها الشبابيك والأبواب ليتأكدوا مما سمعوه فى الخطاب فتأكدوا من الحقيقة، وفى أقل من ساعتين تمت السيطرة على جميع مكاتب الشركة وجرد المكاتب والخزائن وارتفع علم مصر عليها بدلاً من علم القناة، وأثناء ذلك طلب صحفى سويدى اسمه «أندرسون» كان يتابع الحدث مقابلة المسؤول عن العملية، فأدخلوه إلى «يونس» ليجد شخصاً بسيطاً يفترش الأرض عمره 43 عاماً، ونقل الصحفى السويدى هذه الصورة البسيطة إلى العالم والتى تدل على عمق الإرادة الوطنية والتصميم على أن يمسك المصريون بمصيرهم ومستقبلهم، وكان من اللافت أن الاثنين اللذين شاركا فى قيادة عملية التأميم كانا شباباً، ف«عبدالحميد أبوبكر» عمره «33 عاماً» و«محمد عزت عادل» 31 عاماً، هكذا كان الشباب.
بعد أن دخل محمود يونس ومجموعته ومعه «عبدالحميد أبوبكر» مبنى هيئة القناة فى الإسماعيلية، جلس يونس على مكتب مسيو بيير مينيسه، المدير المالى والإدارى وأكبر موظف فرنسى فى الشركة، ثم أحضر صورة لجمال عبدالناصر، وحاول أن يثبتها على جدار المكتب، ولم يجد ما يدق به المسمار سوى تمثال فرعونى حديدى، فلم يتردد فى استخدامه وخلال ربع ساعة كانت عملية الاستيلاء قد تمت وبدأت مرحلة الجرد، وما جرى فى الإسماعيلية حدث أيضاً فى بورسعيد والسويس.
فى القاهرة دعا محمد أبونصير، وزير التجارة، إلى مؤتمر صحفى فى مكتبه بالوزارة أذاع فيه بياناً شرح فيه قانون التأميم وقانون وموقف شركة القناة، وقصتها مع المصريين شعباً وحكومة، وكان هذا البيان هو المذكرة الإيضاحية للقانون التى عكف على إعدادها بعد الظهر وتم الاتفاق مع الرئيس عبدالناصر على إذاعتها فى المؤتمر عقب إعلان قرار التأميم، وفى الوقت الذى كان وزير التجارة يعقد فيه مؤتمره، كان المديرون للإدارات الثلاثة يجلسون أمام محمود يونس ومعهم ضابط الاتصال المصرى المكلف بالترجمة.
كان يونس يجلس على مكتبه وخلفه صورة جمال عبدالناصر، وطلب من كمال بدر أن يبلغ المديرين الثلاثة قرار التأميم، وأن الشركة أصبحت مصرية تتلقى تعليماتها من مصر وليس من أى جهة خارجية كما كان، وفى البداية لم يستوعبوا ما قيل لهم فطلبوا من ضابط الاتصال المصرى إعادته مرة أخرى، فتلا محمود يونس القرار بالنص، وترجمه كمال بدر فقرة فقرة، وشرحه لهم، ولم يجد المديرون الثلاثة غير الصمت والإطراق.
سأل المديرون الثلاثة عن مصيرهم ومصير زوجاتهم وأولادهم فرد يونس بأن الحكومة المصرية تضمن سلامتهم وتؤكدها، وكل ما تطلبه الحكومة أن يستمر كل شخص فى أداء عمله المعتاد والحكومة مسؤولة على المحافظة على كل حقوقهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.