إنسانة هادئة وجميلة وابتسامتها رقيقة، تشبه فى حضورها أميرات القصص الأسطورية، أما عن إبداعها على آلة الفيولا، فيكفى أنها بأناملها الذهبية صنعت جمهورا عريضا لآلة لم يكن لها جمهور فى مصر، ورغم صعوبة الأمر فى البداية، أصبحت حفلات «رشا يحى» التى تمزج فيها بين الشرق والغرب لها عشق خاص وينتظرها المئات من العاشقين لموسيقاها. «رشا يحى» أستاذ مساعد فى معهد «الكونسرفتوار» بأكاديمية الفنون، وتعشق الكتابة فهى حاصلة على «ليسانس آداب- قسم إعلام- تخصص صحافة» من جامعة عين شمس عام 2006، إلى جانب بكالوريوس الكونسرفتوار الذى حصلت عليه عام 2001بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وتحرص على الكتابة بشكل مستمر، وصدر لها كتابين هما أسرار «الفيولا» والقوة الناعمة.. تحية للجميلات متعددات المواهب اللاتى لا يعجزن عن تحقيق أحلامهم وشغفهن بالفن والحياة... فى السطور القادمة حوارى مع واحدة منهن... • آلتك الفردية من الصعب أن تؤثر فى الناس مقارنة بالآلات الأخرى.. لماذا الفيولا؟ - يتم اختيار الآلات للطلبة فى «الكونسرفتوار» حسب المواصفات الجسدية لكل طالب، وحسب عمر كل طفل وتكوينه الجسمانى أيضا، وعندما كان عمرى عشر سنوات ووفقا لسنى ووفقا لمقاييسى الجسمانية تم اختيارى للعزف على آلة الفيولا، وسعدت جدا لهذا الاختيار لأنها بالفعل آلة مميزة، وهى أكبر من «الكمنجة» وتحتاج شخصا طويل ولديه أصابع طويلة ومقاييس خاصة، وهى آلة ليست منتشرة كالكمان وتوجد بشكل أكبر فى الموسيقى الغربية، وهى آلة صوتها مميز جدا ما بين «الكمان والتشيلو» فى الطبقة الوسطى، ويسمى صوتها أيضا بالصوت الآلتو وهو صوت به شجن... عندما بدأت التدرب على الفيولا وأنا فى طفولتى، لم تكن حفلاتها منتشرة ومعروفة بشكل كبير، وعندما بدأت أقدم حفلا لأن الكونسرفتوار دراسته تعتمد إلى حد كبير على الشكل الكلاسيكى والموسيقى الكلاسيكية الغربية، وعندما بدأت فى عروضى الموسيقية كان الريسيتال يعتمد على الشكل الغربى بالكامل من البداية إلى النهاية للمؤلفين الكبار المعروفيين، كنت المس سعادة الجمهور واستمتاعه ولكن كان لدى شعور أن هناك شئ ما يفتقده الجمهور، لأن التلقى لدى الجمهور المصرى والعربى بشكل عام مختلف ومرتبط بالكلمة عادة وبوجود مطرب ولدى الجمهور دائما رغبة فى الأستماع إلى مؤلفات شرقية ومؤلفين مصريين، وكانت الفيولا أعمالها نادرة جدا باستثناء مقطوعتين صغيرتين لجمال عبدالرحيم، وفى البداية توجهت لدكتور جمال سلامة وطلبت منه مقطوعة خاصة بى، ألف لى مقطوعة اسمها «رقصة من الصعيد» من المقطوعات الجميلة، وألف لى دكتور علاء الدين مصطفى مقطوعة اسمها «شذرات ماء النيل»، وأمير عبدالمجيد ألف لى مقطوعة أسماها «رشا»، ومن هنا بدأت فى تقديم مقطوعات مختلفة عن الشكل الكلاسيكى المعتاد وبها الروح المصرية واثناء تقديمى الحفلات خارج مصر وجدت استقبال الجمهور الغربى للموسيقى المصرية بحب وشغف شديدين جدا ومن هنا بدأت تقديم مقطوعات لعبدالوهاب وملحنين مصريين وتقديم صيغة مختلفة وكان هذا يعد تحديا بالنسبة لى لأن دراستنا فى الكونسرفتوار كانت تعتمد على الشكل الكلاسيكى الغربى، فحاولت القيام بهذا التطوير لأصل لشريحة اكبر من الجمهور وبشكل متنوع ولكى لا يشعرون بالملل ومن خلال الحفلات أحاول تقديم هذه التوليفة من الشكل الكلاسيكى ومزجها بمقطوعاتنا المصرية بشكل قريب لى جدا ومن شخصيتى . • هناك أنواع من الموسيقى فى مصر عندما تُذكر يذكر معها اسم بعينه.. وقد أصبحت الفيولا مرتبطة باسم رشا يحى.. ماذا يعنى ذلك لك؟ - سعيدة جدا وردود الأفعال تلك هى التى تجعلنى أستمر ناسية التعب والإجهاد، وسعيدة أيضا لأن الناس بدأت تتعرف على الآلة، وفى البداية كان هناك خلط بينها وبين الكمان، وأصبحت أقابل أطفالا يقولون لى «نفسى أعزف فيولا» فأصبحت سعيدة جدا لهذا الوعى وانتشار الآلة بهذا الشكل. • ما الصعوبات التى يواجهها العازفون والموسيقيون؟ - هناك صعوبات لهذا المجال فى المطلق، لأنه من المجالات التى تتطلب مجهودا كبيرا طوال الوقت، ويجب أن يكون هناك اجتهاد ومذاكرة وشغل على الموهبة وتطويرها مع التدريب المستمر، ففى هذا المجال ليس هناك حد للنجاح والتحقق، ودائما هناك تطلع للمزيد من النجاح والتميز، مثل بطل الرياضة الذى يجب أن يتمرن طوال الوقت، لذلك هو مجال مجهد جدا رغم متعته ورغم النجاح، بالاضافة إلى صعوبة مواجهة الجمهور ونسبة التوفيق فى كل حفل نسبية، لذلك أكون فى توتر طوال الوقت مع كل حفل رغم اعتيادى على الجمهور. • هل هناك عوائق للموسيقيين المصريين بشكل خاص؟ - لنتفق أن جمهور الموسيقى ليس جمهورا كبيرا، لذلك نحاول أن يكون لها جمهورا أكبر من الشريحة التى تحب أن تسمع المقطوعات الموسيقية لأنه لازال هناك قطاعا كبيرا ترتبط الموسيقى عنده فقط بالغناء أو بالرقص، بالمقارنة بجمهور العزف، كذلك نعانى أيضا من صعوبة التسويق والدعاية غير الجيدة ونضطر أن نقوم بكل شىء، فإذا كان لدى حفلة فأنا مضطرة أن أقوم بالتسويق لها وبالدعاية بشكل ذاتى، وهذا يجعل العبء أكبر، وعندما أكون فى حفل خارج مصر لا أركز سوى فى عملى فقط ولا أركز فى أى شىء آخر، ونحتاج فى مصر إلى دعم أكبر واهتمام أكبر بالدعاية لتلك الحفلات وكذلك نحتاج اهتماما من القنوات الفضائية بالموسيقى البحتة وأن تصل هذه الفنون إلى كل الناس وأن يتم إذاعة الحفلات بالكامل فى التلفزيون، حتى يكون هناك وعيا أكبر بنوعية هذه الفنون. ..أما عن العوائق المادية فمن يعملون فى هذه المهنة، فإن المجالات التى يمكن أن يعملون بها فى الموسيقى الغربية، لا تعود عليهم بالعائد الذى يتناسب مع ما يقومون به من مجهود, ولا يحصلون على العائد المعنوى أو المادى وهذا ما يدفع الكثيرين إلى الاتجاه بعيدا عن الموسيقى الكلاسيكية التى تحتاج بالفعل إلى اهتمام أكبر، ومن هنا فالدولة إذا لم تدعم هؤلاء وترعاهم لن نجدهم ذات يوم وسيصبحون عملة نادرة. • ما الحل فى رأيك؟ - مصر بها مواهب كبيرة وأتمنى أن تعتمد الجهات المسئولة مبدأ صناعة النجم، ولا يعتمدون على النجم الجاهز، فهناك نجوم من الأوبرا على سبيل المثال يضطرون للاشتراك فى المسابقات وبرامج المواهب التى تقدم على الفضائيات لكى يحققوا بعض الشهرة والجماهيرية، رغم أنهم فى موقع النجوم فى الأوبرا ولكنهم يلجئون إلى هذه المسابقات، وقد يكون من يقيمونهم هم أقل منهم، لذلك أطالب الدولة بتبنى سياسة صناعة النجوم والمواهب كثيرة فى كل المجالات وشاهدت نماذج كثيرة منهم فى كل المحافظات، ومنذ أيام كان لدى حفلة ولمست سعادة الجمهور واندماجه جدا مع المقطوعات رغم أن هذه الحفلة قدمت أعمالا غربية بحتة وثقيلة وليست سهلة، وسعيدة ببداية تقبل الجمهور للأعمال الكلاسيكية الثقيلة التى لم يكن معتادا عليها، ولكنه مع الوقت بدأ يستمتع بها ويشعر بالألفة معها وهذه هى وظيفة الفنان الحقيقية التى لا تعتمد فقط على الرضوخ للذوق الرائج ولكن دائما ما يحاول تطويره، وأحيانا أقول لنفسى من فرط الإجهاد والصعوبات بعد كل حفلة «مش هاعمل حفلات تانى» ولكن مع ردود الفعل التى ألمسها وتقدير الناس وسعادتهم، تجعلنى أتحمل أى صعوبة وأتجاوزها لنصل لهذه المتعة مرة اخرى. • هل تغير الذوق العام المصرى وكيفية تذوقه للفنون؟ - بالتأكيد هناك تدهور إذا تحدثنا عن الذوق ولكن «طول عُمرالدنيا كده» طوال الوقت يكون هناك فنا راقيا يقابله فن هابط وجمهور هذا يشجع ما يحبه والعكس صحيح، وإذا رجعنا لسنوات طويلة سنجد فى فترات زمنية كالعشرينات والخمسينات كلمات كارثية أكثر مما نسمعه الآن، فمازال لدينا أناس «بتحب الفن الحلو» ومازال لدينا مواهب هائلة» ومصر فعلا ولادة»، وطالما هناك فنا جيدا سيفرض نفسه على الجمهور، مثل جمهور عمر خيرت الذى ينتظر فى طوابير لساعات لحضور حفله وغالبيتهم شباب من طلاب الجامعات،وقد قدمت حفلات فى الجامعة وأنا أقدم عرض موسيقى بدون غناء ووجدت إقبالا من الشباب والطلبة وحب لهذا النوع من الموسيقى. • أثناء عزفك هل تندمجين فيما تقدميه وتنفصلين أم تتابعين ردود أفعال الجمهور؟ أحيانا اكون مستغرقة تماما فى ما أقدمه ولا أشعر بسواه، وأحيان أخرى يكون هناك تواصلا مع الجمهور ألمس به تفاعله، ففى آخر حفلة لى قدمت مقطوعات من الشرق والغرب وفى نهاية الحفل قدمت مقطوعة لأم كلثوم ووجدت أن الجمهورمن فرط الحماس، بدأ يغنى معى وهذه اللحظات من التواصل حققت لى حالة من السعادة لا تقدر. • من الفنانين الذين نستطيع أن نقول أنهم رمانة الميزان الآن للحفاظ على الذوق المصرى؟ - أرى أن عمر خيرت قام بدور هائل فهو من أكثر الفنانين الذين استطاعوا أن يجبروا الجمهور على الذهاب إلى المسرح لسماع حفلة موسيقى، وهذا الرجل ظاهرة تستحق الاحترام والتقدير، وكذلك الفنان يحى خليل نجم موسيقى الجاز ينتظر الجمهور حفلاته، ومازلنا فى حاجة أكبر أن نعيد الحفل الموسيقى وألا تعتمد المهرجانات الموسيقية على أسماء المطربين المعروفين فقط بل يجب أن يكون بها حفلات موسيقية بحتة ويجب أن تعتمد المهرجانات على هذا النوع من الموسيقى. • إلى من تستمعين؟ - أسمع موسيقى غربية وأحب أن أتابع الأعمال الحديثة للعازفين العالميين وأسمع فيروز وأم كلثوم ومن الأصوات الشابة أحب جدا صوت آمال ماهر. • كيف تحققين التوازن بين عملك كعازفة وحفلاتك وحرصك على وجود إنتاج أدبى والكتابة؟ - من البداية أنا أحب الكتابة وكنت اعتبرها هى الهواية فى حين أن الأولوية للعزف، فهذين المجالين تحديدا بالنسبة لى يجسدوا لى أسمى معانى الحرية والتعبير عن النفس، بالعزف أستطيع أن أعبر عما لا أستطيع التعبير عنه، والكتابة تحقق لى هذا التعبير.