عندما يرحل الفنان يتوقف إبداعه ويقل عرض أعماله، ثم تختفى مع مرور السنين وتدريجيًا تذهب سيرته طى النسيان. وهذا المعرض الذى افتُتح السبت الماضى بقاعة «صني» بعنوان «مبدعون خالدون» ما هو إلا محاولة لإعادة إحياء وإلقاء الضوء على بعض الفنانين الراحلين الذين قد تطرق لهم النسيان وقد لا يعرفهم شباب الفنانين الآن. المعرض أشبه بمتحف مفتوح يحتوى على سبعة عشر فنانًا من جيل الوسط من الأربعينيات حتى الستينيات والسبعينيات يعبرون برؤى مختلفة عن الهوية المصرية بالتصوير والنحت والرسم والكاريكاتير، وهم يمثلون مدارس مختلفة وأجيالاً متفاوتة. ففى التصوير تحتل أعمال أستاذى الفنان جمال كامل جناحا كاملا، تتميز لوحاته بلمساته التأثيرية الجميلة وبألوانها المشرقة وبقوة بناء الفورم، وبالمعرض لوحتان من مشروع تخرجه، وهناك بورتريهات لأم كلثوم وفاتن حمامة ويوسف شاهين، وهناك لوحتان إحداهما لزوجته والأخرى لابنته من أجمل لوحات المعرض، وكل اللوحات بالألوان الزيتية ما عدا لوحة أم كلثوم مرسومة بألوان الباستيل «الألوان الطباشيرية الملونة». ثم هناك لوحات المصور عبدالعزيز درويش وهى ثلاثة مناظر تعكس تأثره بالفنان سيزان وبغنائية لمساته التأثيرية وقوة البناء للأشكال وصلابتها. فى الدور الثانى للقاعة نجد لوحات الفنان سمير رافع أحد رموز الفن المصرى الحديث، وقد اشترك فى معارض جماعة الفن المعاصر وكأن أحد أعضائها وأسسها الفنان حسين يوسف أمين. لوحاته تعبر عن بدايات السيريالية المصرية، والمرأة محور أعماله يصيغها فى تكوين محكم بين الرمز والواقع. وهناك لوحة للفنان عمر النجدى تعكس بيئته المصرية وتوظيفه لرموزها مع شخوصها ثم نرى بعد ذلك لوحات الفنان على كامل الديب التى نفذها بالألوان المائية وسجل فيها الريف المصري. وهناك للوحتان للفنان السكندرى عزت إبراهيم بالحبر الأسود للفنان سيد درويش ثم أعمال للفنان سمير المسيرى ورسوم صحفية لمحمد سليمه. فى النحت تخطف عيناك أعمال المثال المبدع عبدالبديع عبدالحي. وهى معبرة عن عظمة النحت المصرى يقول النحات عبدالبديع «أخذت الحجر الصلب لأنه يعيش وصعوبة الحجر علمتنى الكثير، علمتنى الاحتراس والحذر والصبر وقوة الاحتمال وعدم التسرع» لقد صنع من أحجار البازلت والجرانيت تماثيل جميلة محملة بمشاعره الصادقة، ولذلك أصبحت أعماله علامة بارزة فى النحت المصرى وكتب لها الخلود. وهناك المثال محمد هجرس الذى مزج فى تماثيله الواقعية بالتكعيب واكتشف لنفسه لغة خاصة ومختلفة فى النحت المصري. ثم النحات الغول أحمد ويستلهم أعماله من البيئة المصرية، وله بالمعرض تمثال جميل بعنوان «الكرسى والقطة». ثم أعمال المثال جابر حجازى بتماثيله التجريدية وهو يهتم بالفورم ويبحث عن الحركة الداخلية لمنحوتاته. ثم تماثيل للنحات السكندرى حمادة جبر. فى لوحات الكاريكاتير نجد لوحات الرسام سانتس رائد الكاريكاتير الصحفي، رسم الكاريكاتير لمدة 40عاما فى كل الإصدارات الصحفية المصرية والعربية من أول القرن العشرين مثل المصور والاثنين والكشكول التى نشرت له الكثير من رسومه تناولت الأحوال السياسية المصرية، له بالمعرض ثلاثة رسوم تظهر براعته وتمكنه من أدواته الفنية. ثم كاريكاتير حجازى الرسام المبدع والذى عبر عن البيئة المصرية وأصدق تعبير له بالمعرض لوحتان «كاريكاتير وبورتريه». ثم تطالعنا بالمعرض رسوم الفنان طوغان صاحب الريشة القوية والمتمكن من اقتناص حركة شخوصه ببراعة، مناظر بالريشة والحبر الأسود وملونة بالألوان المائية منذ الأربعينيات تظهر تمكنه كرسام ورسوم كاريكاتير معبرة عن مهارته فى التقاط اللحظة والتعبير. ثم الفنان مصطفى حسين له رسوم كاريكاتير، ولكن له لوحة كبيرة رسمها بأسلوبه الذى لا تخطئه العين لرموز النغم والغناء تجمع أم كلثوم ورامى و القصبجى وعبدالوهاب وبليغ واستطاع رسم شخوص اللوحة فى تلخيص وتكوين جميل. رسالة المعرض هى تقديم هؤلاء الرواد للأجيال الجديدة والذين قد لا يعرفوونهم وهو جهد مشكور.