«التضامن» تقر إضفاء صفة النفع العام على جمعيتين بمحافظتي الشرقية والإسكندرية    قفزة في سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه في بداية اليوم    عيد ميلاد السيسي ال 71، لحظات فارقة في تاريخ مصر (فيديو)    النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025.. استقرار في مستهل التداولات بعد هبوط ملحوظ    السيسي وقرينته يستقبلان رئيس كوريا الجنوبية وحرمه    أسعار الخضروات اليوم الخميس 20 نوفمبر في سوق العبور    لمدة 5 ساعات.. فصل التيار الكهربائي عن 17 قرية وتوابعها بكفر الشيخ اليوم    البنك المركزي يعقد اجتماعه اليوم لبحث سعر الفائدة على الإيداع والإقراض    ترامب يعلن عن لقاء مع زهران ممداني الجمعة في البيت الأبيض    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    شبورة كثيفة تضرب الطرق والزراعية والسريعة.. والأرصاد تحذر من انخفاض مستوى الرؤية    شبورة كثيفة تؤثر على بعض الطرق.. والأرصاد تحذر السائقين من انخفاض الرؤية    موظفة تتهم زميلتها باختطافها فى الجيزة والتحريات تفجر مفاجأة    الاستعلام عن الحالة الصحية لعامل سقط من علو بموقع تحت الإنشاء بالتجمع    شبورة كثيفة وانعدام الرؤية أمام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    حلقة نقاشية حول "سرد قصص الغارمات" على الشاشة في أيام القاهرة لصناعة السينما    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    وزير الصحة يناقش مستجدات العمل بجميع القطاعات خلال الاجتماع الدوري للقيادات    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    الفراخ البيضاء اليوم "ببلاش".. خزّن واملى الفريزر    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    أضرار التدخين على الأطفال وتأثيره الخطير على صحتهم ونموهم    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    فلسطين.. قصف مدفعي وإطلاق نار من قوات الاحتلال يستهدف جنوب خان يونس    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعات في محراب الفنان الكبير جورج البهجوري:
أناشد وزارة الثقافة: تحويل مرسمي إلي متحف يحمل اسمي
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 02 - 2013


لا أحب »الجرافيتي« لأنه قابل للإزالة ووظيفته وقتية
هناك شخصيات مبدعة يعتبر اللقاء معها مناسبة في حد ذاتها، نظرا لما تحمله من منظومة متكاملة، وتراكمات الأيام والخبرات والتحولات، ومن هذه الشخصيات الفنان الكبير جورج البهجوري، الذي حاولت السعي للقائه، وكان المعرض التشكيلي الذي شارك فيه مؤخرا ببعض ابداعاته الجديدة فرصة لدعوته للحوار علي صفحات (أخبار الأدب) علي الرغم من أنه تجاوز الثمانين من عمره مؤخرا، إلا أنه لا يزال في حالة من التوهج الفني حتي انه حصد جائزة (سامبزيوم الأقصر) في نوفمبر الماضي. تسللت إلي محرابه الإبداعي.. قضيت ساعات في معبده الفني.. الذي يحتضنه مرسمه بوسط البلد.
عالم آخر يبعدك عن صخب الشارع وثرثرة الحياة، مع أنه في قلبها.. مكان فني أشبه بأيقونه سحرية.. يجعلك تتأمل وتحدق في تلك اللوحات الفنية والتشكيلات الجمالية التي تحاورك بدراما الألوان علي الجدران، وتتجاور مرايا فنية، تتحاور معك وهي منبسطة علي الأرض..أو متساندة علي حوائط الطابق الأول صعودا إلي الطابق الثاني.
هنا يعكف الفنان جورج البهجوري.. ويعتكف بين ابداعاته.. محاطا بالألوان المتنوعة، والظلال المتناثرة في أرجاء المكان.. ليس ثمة فراغ.. حتي الحوائط والأبواب.. هذه المجلدات المفتوحة والمغلقة تختزن ماضيه وتختزل حاضره وتوثق بمفردات الجمال شواهد ومشاهد رحلته الفنية ذات المحطات التي تراوحت بين القاهرة وباريس وغيرها من المدن الأوربية التي تكتسي بالثقافة والجمال والتاريخ والحضارة.
رموز.. وألوان .. وظلال .. وذكريات.. ومذكرات.. كلها تفتح آفاقا واسعة لمواصلة حوارية مع المبدع الكبير ، وتناوشني ثقافة الأسئلة.. وتطل برأسها عبر مشواره الفني، حول رحلته مع الكاريكاتير، وعلاقة الفن بالسياسة ، والإبداع الفني بالدين، واشتباك الفنان مع السلطة.. عن فرنسا بلد النور الذي اجتذبته ثلاثين عاما ، ومع ذلك لم تنجح في أن تتفوق علي عشقه وحبه الصوفي لمصر..
عن البهجوري فنانا خلاقا.. سيرة ومسيرة.. وموهبة وعبقرية فنية.. أشاد بها النقاد في الشرق والغرب، كانت هذه الزيارة والمحاورة..
لأن ليس لي ورثة
إذا بدأنا الحديث عن هذا المرسم الذي يحمل مقتنيات غاية في الروعة والعديد من الرسومات غاية في التشويق والتنوع والاختلاف.. فماذا تقول عنه.. ؟
- أنا أرسم في هذا البيت العشوائي بوسط البلد، منذ خمسة عشر عاما، بعد عودتي من فرنسا،عندما أتخذت قراري بالاستقرار في وطني، فجمعت أعمالي ومقتنياتي في هذا المرسم كما ترين، لذلك فإن المكان ملئ بالذخائر الفنية والفرعونية التي صنعتها طوال عمري، وجميع الأعمال الموجودة به تنبض بالحياة وتضخ ألوانا، كما تحمل هذه المجلدات رسومات واعمالا فنية لي عمرها يرجع الي عشرات السنين، كما يحمل هذا المكان العديد من الذكريات الجميلة، التي تعز علي جداً، لذلك أرجو من وزارة الثقافة، أو من أي هيئة إعلامية، أن تحول مرسمي هذا لمتحف باسمي، نظرا لأن ليس لي ورثة.
لغة الألوان
أحدق في عشرات المجلدات التي تحوي بين طياتها رسومات الفنان الكبير عبر سنوات، بل تضم تشكيلات لونية مختلفة.. إلي أي حد يمكن أن تبوح عن المحطات التي انتظمت تطورك الفني؟
- التطور يظهر في أعمالي الطبيعية من مرحلة لأخري.. فأنا أري الخط رحلة تبدأها اليد وتنفذ للأعماق من خلال العقل وإدراك الذاكرة، فما أجمل أن يتنزه القلم بالحبر الأسود علي ورقة بيضاء فيثرثر في بهجة وأنين.. ليحكي مونولوجا أو موالا من حياتنا، لا أكتفي أو أتوقف إلا إذا شعرت أني رسمت كل ما أريد أن أحكيه.. واستعمل كل الألوان وكل الأنواع، ورنيش، زيت ، حبر، جواش، ألوان مائية.. وفي أعمالي ألوان باردة، وألوان دافئة، التي هي ألوان النار، والشمس، مثل الأحمر والأورنج، والألوان الباردة، هي لون الظل والبحر والسماء وما شابه ذلك.. فليس لدي عائلة لونية مفضلة عن الأخري، أو لون معين يفرض نفسه من حين لآخر، فكل شئ قابل للمعالجة والتدوال والتناول الفني.. فهناك فترات سيطرت علي رسوماتي الرماديات، وفترات أخري رسمت فيها وجوها حزينة بألوان قاتمة، لكني في جميع الحوال أعشق الانطلاق وعدم التقيد، لذلك فإن أعمالي تتسم بالعاطفة وتعبر عن أعماقي.
ويمكن تكثيف تطور المراحل الفنية التي مررت بها كالآتي: المرحلة الأولي بدأت في طفولتي حتي التحاقي بكلية فنون جميلة بالزمالك للدراسة الإكاديمية، أما المرحلة الثانية فكانت في السبعينات حيث العودة للتبسيط والجذور المصرية القديمة التي يتمثلها الفن الفرعوني والقبطي والإسلامي، أما المرحلة الثالثة فقد استخدمت القلم الروترينج ذي السن الرفيع جدا، وهو يشبه الشعرة، والمرحلة الرابعة بدأت بعد استلامي مرسمي في إيفري بباريس، وأطلق علي هذه المرحلة مرحلة فن التشخيص أو البورتريه حيث اتجهت لفن النحت، أما المرحلة الخامسة والأخيرة فهي دراسة أعمال أساطين الفن أمثال مايكل انجلو، ورمبرانت، وجوجان، ومانيه، وفيرمير، ومحمود سعيد، والجزار وحامد ندا.. لذلك أصف ببساطة تطور أي فنان بنمو مشاعره التي تختلف من مرحلة لأخري.
(بيكاسو) المصري
يشبهك النقاد بأنك بيكاسو المصري،في نقطة تماس اشتهر بها بيكاسو حين أعاد لوحات لمشاهير الفنانين بصياغة حديثة، فما هي أوجه التشابهه والاختلاف بينكما؟
الفن عبادة..وأرجو من الجماعات الدينية أن يضعوا الفن في مكانته الرفيعة من أجل تقدم البلد
اعتقال المثقفين كان أكبر غلطة ارتكبها عبد الناصر والسادات اعتبرني من الأحرار رغم رسوماتي المسيئة له
- جلست ساعات طوال أمام لوحات بيكاسو أستنشق رائحة ألوانها الزيتية، وأمعن النظر في أعماله التي أعشقها دائماً، وكان هدفي دائماً أن أصل لمستواه وأن أحقق العالمية مثله، وأعتقد إني حققت إنجازا دولياً كبيراً، وعرضت أعمالي في دول كثيرة، وأستطيع أن أجزم اني حققت انجازا افضل منه، لأني أحمل مصر داخلي، حتي وأنا مقيم ببارس، وكوني أرسم مصر مهد حضارات العالم فأنا حققت شيئا أفضل منه، لان بيكاسوا ضيع علي نفسه فرصة الانفتاح علي بوابة الشرق.
لكن لو عقدنا مقارنة بين ما قدمه بيكاسو وقدمته أنا في إعادة رسم لوحات لفنانيين آخرين عالميين، سنري أن بيكاسو تحرر تماما من كل قواعد الفن الكلاسيكي، وانطلق مبحرا بين التجريدية والتكعيبية، وإعادة الخلق الفني بقوة وسخونة وجرأة وحرية مطلقة وبنظرة لا تخلو من السخرية، لكني كنت أمعن التفكير في ظروف رسم اللوحة الأصلية مرة أخري، وكنت أستحضر في ذهني كيف رسمت ولماذا، حتي إني كنت أتخيل نفسي جالساً معهم وقت الرسم، رغم فارق الزمن الذي يصل لعدة قرون، تجربتي كانت ذهنية تتجه للتبسيط الفني لأني أكره التعقيد لكن هذا لا يمنع من وجود السخرية في العمل، وأسعدني تشبيه النقاد لي ببيكاسو فقالوا عني بيكاسو المصري، وحالياً المؤرخ محمد بغدادي يكتب عني كتاب ويعد فيلما أيضا.
فن البورتريه
لعب فن الكاريكاتير دورا هاما في شهرتك حتي ان هيئة الأمم المتحدة اختارتك في السنوات الأخيرة ، من خلال مسابقة عالمية، الرقم السابع عشر في فن الكاريكاتير علي مستوي العالم لجمعية فناني الكاريكاتير محبي السلام؟
- هذا صحيح وكان برئاسة جان بلانتو رسام فرنسا الأول ورئيس الجماعة وأنا واحد منهم، لكن ما لا يعرفه أحد عني هو أن اهتمامي في البداية كان لفن البورتريه، كنت أرسم اسكتشات لزملائي وأساتذتي برؤيتي الخاصة في فن الكاريكاتير، ولم يسلم مني حتي أستاذي حسين بيكار، رسمت كل الرؤساء بنفس الطريقة عبد الناصر والسادات ومبارك، ود.مرسي، وطبعا من يرسم أي شخص فهو بالضرورة يحمل له عاطفة، وطبعا هناك دعامات للنجاح في فن الكاريكاتير، فهو يعتمد قبل أي شئ علي خفة الظل والقفشة التي تعد مفتاحا سحريا يفتح كل الموضوعات، فلا ينجح رسام الكاريكاتير إذا كان( دمه ثقيل) وهناك العديد من رسامين الكاريكاتير فشلوا لثقل دمهم ولم يكملوا .
الخط الفكاهي
تتميز بأنك أسرع رسام ضربة القلم أو الريشة تنتهي بالإمضاء، كما ترسم اللوحة في أقل من الثانية، هل هذه الخاصية.هي التي ساهمت في انتشارك محليا وشهرتك عالميا؟
- نعم .. هذا ما أدي لانبهار الرسامين الآخرين بي من كثير من بلاد العالم لا سيما من اليابان واستراليا والنمسا وقد أصبحوا أصدقاء لي، وقال النقاد عني إني تميزت جدا، ولمع اسمي في خلال فترة وجيزة بعد عملي بمجلة روزاليوسف لهذا السبب، وقالوا عن خطي السريع أنه مليء بالفكاهة، وتنبأ لي الكاتب الكبير لطفي الخولي بعد أول غلاف نشر لي في روزاليوسف بهذه الشهرة، حتي انه ترك لي كلمة كتب فيها (عظيم يا جورج) تشجيعا منه لي، لكني بعد خمسة عشر عاما كرسام كاريكاتير وبعيداً عن دراستي الإكاديمية، سافرت إلي باريس للاطلاع علي اللوحات بالخارج لمدة أسبوعين، زرت إيطاليا أولا، ومتاحف العظماء بها مثل مايكل انجلوا، ودافينشي، ورفايل، انبهرت بأعمالهم لذلك لجأت إلي المزيد من المعرفة والاطلاع، وهو الأمر الذي غير اتجاهي الفني.
عبد الناصر والسادات وأنا
عملت بالصحافة وأنت طالب في الجامعة، وعلي حد علمي أن فن الكاريكاتير آثار حولك العديد من المشاكل مع القادة والمشاهير، ألم يكن ذلك صعبا عليك في مثل هذا العمر..؟
- فعلا.. رسم الكاريكاتير آثار علي العديد من المشاكل، لإني كنت أرسم غلاف روزاليوسف أسبوعيا، الفن يحتاج الوعي، وعندما عملت بالمجلة كان عمري عشرين عاما، طالبا بكلية الفنون الجميلة، مع الصحافة، فكنت دائماً أسمع زملائي يتحدثون في السياسة فيجذبني الحديث لأتناقش معهم، وأتناقش مع إحسان عبدالقدوس كل أسبوع حول موضوع الغلاف، تلك المرحلة كانت من أصعب المراحل بالنسبة لي، وكان لزاما علي أن أفهم سياسة وأدرس مصطلحاتها ، فكنت اقرأ كثيراً واستمع كثيرا لزملائي، وكان حولي أحمد بهاء الدين، ومحمود العالم، وفتحي غانم، وكنت اتقابل مع مصطفي أمين وعلي أمين، وحجازي الرسام وحجازي الشاعر، فعملي جعل مني سياسيا في عمر صغير، وكان يجب علي أن أكثف وعيي السياسي حتي امتلك الرؤية للتعبير، حتي قال عني الناقد الراحل غالي شكري (انه لا يرسمك وانما يقول رأيه فيك) فرسمت العديد من الشخصيات المعروفة ورسمت عبد الناصر، في الوقت الذي كان يقبض فيه علي المثقفين من زملائي بروزاليوسف، وهذا في رأيي أكبر غلطة ارتكبها عبد الناصر بالرغم من إني ناصري، لكنه لم يقبض علي، لأنه لم يغضب من رسوماتي، بل كان يضحك عليها، ولم يصل الموضوع عنده لأزمة شخصية، بل تقابلنا أكثر من مرة ، لكن أنور السادات وضعني في القائمة ونشرها بأخبار اليوم وبالصور، وكان عنوانها هؤلاء يشوهون سمعة مصر، فقد رأي في رسوماتي إساءة، لكن في النهاية اعتبرني من الأحرار والديمقراطيين ..
المعاندة والمعارضة
اسألك من خلال سياق ما سبق عن ارتباط الفن بالسياسة.. وتعنت السلطة حيال فنك.. كم كلفك عنادك مع السلطة؟
- رسام الكاريكاتير يجب أن يكون عنيدا، وخصما للسلطة، يجب أن يكون معارضا، حتي يكون ناجحا، وطبعا يغضبون مني في السلطة، وأكون مهددا دائما، وأقمت في فرنسا مدة طويلة تصل الي الثلاثين عاما، صحيح في بادئ الأمر كان سفري رغبة مني في المزيد من المعرفة والإطلاع، لكن بعد اتفاقية كامب ديفيد التي كنت معارضا لها، كنت مضطرا للإقامة في فرنسا رغم أنفي، فلم أزر مصر طوال مرحلة السادات، لانه كان سيعرض رسوماتي كلها في مجلة الوطن العربي وكان سيقول لي كيف رسمت هذه الرسومات، وكنت ايضا ارسم نكتا عليه، بالإضافة الي أن السادات كان يسجن المعارضين له، وسجن الكثير من الصحفيين، حتي أنه حاول شطبي من نقابة الصحفيين، لكني من خلال اقامتي بالخارج كنت مشغولا جدا بالفن ودراسته، وسنحت الفرصة لي أن أتقابل مع رسامين إسرائيليين في مهرجان عالمي تابع لهيئة الأمم المتحدة، وشاركت برسومات كاريكاتير في عام 2007 وانتصرت عليهم في الرسم ورسمتهم محتلين خاطفين فلسطين، واعتبرتني الأمم المتحدة وقتها (غلطان) لكن كتب عني مكرم محمد أحمد في مصر يهنئني بموقفي، وكتب عمودا بالأهرام، قال فيه إن من حق الصحفي لو جاءت له فرصة اللقاء مع إسرائيليين ، أن يخرج سيفه ويبارزهم، وهذا السيف هو القلم أو الريشة، الفكرة الجديدة تأخذ وقتاً لاستيعابها حتي يفهمها الآخر، وأنا كنت صاحب فكرة الرسم أمام العدو ومواجهته وليس الإنقطاع عنه والبعد عنه ونجحت في ذلك..
مشكلتي في الدكتوراه
ذكرت أنك سافرت لفرنسا أولا بمحض إرادتك لدراسة الفن، أريد منك القاء بعض الضوء علي تلك الفترة وإلي أي حد أثرت فيك وتأثرت بها؟
- كانت تربطني بأحمد بهاء الدين علاقة منذ من البداية وهو كان رئيس مجلس الإدارة، وكان يكتب وأنا أرسم فبعثت له بطلب لمد فترة وجودي بالخارج من ايطاليا لباريس بهدف الاطلاع أكثر علي الفنون، لكني بعد شهر من اقامتي بفرنسا قدمت اوراقي بالسربون لدراسة تاريخ الفن، وقررت أن اترك أوراقي في الجامعة ورجعت مصر لأحصل علي اذن للدراسه، الأمر الذي جعلني أوضب لاقامة طويلة مع تواصلي الدائم بمجلة روزاليوسف، وطلبت إجازة بدون مرتب، وقدمت وقتها الفنان رجائي ونيس، ودرست بالفعل في باريس الفنون الجميلة، حتي إني تقدمت برسالة دكتوراه للسربون، وحدث لي مشكلة في الدكتوراه، لأني قدمت للاستاذ المشرف عددا قليلا من الصفحات وهو كان يريد مائتي صفحة، وقال لي إن زملاءك يجمعون من المراجع، فأفعل مثلهم، لكني قلت له أنا أرسم لوحات، كل ما انتهي من لوحة اكتشف نظرية جديدة في الرسم، مثلا في خط بيكاسوا كنت اتواصل مع الخط، فالرسالة التي أقدمها لك هي اكتشافاتي بعد كل لوحة، وكانت تلك النظريات عبارة عن رسومات التي كنت أعدها من فترة لأخري، الأمر الذي جعلني لا أركز علي الدكتوراة، وكتبت عن تلك المرحلة مذكراتي في باريس في كتاب (أيقونه شعب) واستغرقت في كتابته، وشرحت كيف تركت خلفي ما حققته بمجلة روزاليوسف من شهرة لابدأ من الصفر بباريس، كانت رحلة بها إصرار علي النجاح ومغامرة كبري لكني أصفها بأنها رحلة الهوس بالفن ومن أجله أضحي بكل شئ وأي شئ .
الإفضاء والبوح
الفنان الكبير جورج البهجوري يتحدث الي الزميلة سحر عبدالفتاح
من هنا نتطرق للبهجوري الكاتب وإن كان الأمر ليس بعيداً عن الإبداع.. فكتبت (ايقونة فلتس) و(رسومات ممنوعة) وكلاهما أيضا كانا سيرة ذاتية، لكن اللافت للنظر هو رأي النقاد فيك حيث أشادوا لك بالموهبة وشبهوك بالكاتب الياباني الحائز علي جائزة نوبل (موشيما)؟
- نعم كان لي كتابات أخري غير (أيقونة شعب)، فكتبت سيرة ذاتية بعنوان (أيقونة فلتس) ومعناه المحب لله، سردت من خلال هذا الكتاب أحلامي منذ الطفولة والمراهقة والصبا والشباب، والتحاقي بكلية الفنون الجميلة، وسردت في (أيقونة فلتس) أدق تفاصيل أسرتي بكل أحلامها وتطلعاتها والصعود لأعلي، وكيف كان الآباء يروون لأبائهم إما أن يكونوا أطباء أو صيادلة رغبة في الأرتقاء، كما كتبت الكثير من القضايا الوطنية وكيف يمكن أن يكون الإخلاص لتراب مصر، في (فلتس) قدمت كشف مصارحة لمسيرة حياة أسرة صعيدية قبطية بسيطة نزحت الي الشمال، تكبدت صعوبات عديدة لكنها تغلبت عليها.. كنت في هذا الكتاب صادقا في الافضاء والبوح.
وفي كتاب (الرسوم الممنوعة) الذي مثل رحلة أخري من حياتي، وكيف أني ألقيت وراء ظهري جميع الاعتبارات للخوض في الأمور السياسية الشائكة، فألقيت نظرة تاريخية عن فن الكاريكاتير، وكيف نشأ مع بدء الخليقة، ويعتبر نوعا من فنون الفكاهة التي تضمنها مخطوطات كليلة ودمنة بالمكتبة الوطنية بباريس، كما عبرت بالكلمات مع الرسوم عن طفولتي ومراهقتي وشبابي ودراستي بكلية الفنون الجميلة وعلاقتي بزملائي وأساتذتي وعلاقتي بالصحفيين الكبار ، أمثال احسان عبد القدوس الذي منحني صفحة الغلاف لأرسمها، وعلاقتي بمكرم محمد أحمد الذي منحني صفحة كاملة لرسم شخصيات العالم في باب الوصف بالرسومات، عبرت بجرأة عما يجيش في صدري نحو سلوكيات إجتماعية، وسياسية حتي لو كان صاحبها في قمة السلطة.
نسر ثورة يناير
نتحدث عن جورج البهجوري النحات.. ومن هذا المنطلق أتذكر أيقونة ثورة 1919 التي جسدها النحات محمود مختار في تمثال النهضة.. فماذا عن ثورة يناير2011 وكيف يمكن تجسيدها الآن؟
- تعلمت النحت علي يد صديقي النحات الروماني (يميتري كوزا) وكان جاري في مرسم (إيفري) بباريس حتي اننا تشاركنا في سمبوزيوم النحت بأسوان، انا كنحات أري أن النحت يأتي من الرسم، ويحول الرسم لكتلة ناطقة، أي قطعة حجر أو جزء من شجرة أصنع لهما بالشانيور الكهربائي عينين، والملامح تأتي بعد ذلك من ذاكرتي البصرية، وأعشق الفنون الفرعونية فأحفر وجوها مصرية بتفاصيلها، فدائما أبحث عن الهوية في العديد من اللوحات والأعمال التي أقوم بها، استفد من التراث القبطي في الفن المصري القديم، كما يجمع اعمالي خيط فني واحد، وهو ارتباطي بالموروث الثقافي الممتد لتاريخ الفن المصري قديمه وحديثه، فيجب علي أي فنان أن يتفاعل مع الوطن والناس، ويعبر من خلال رسوماته عنهم. أما عن الثورات فجسد تمثال نهضة مصر ايقونة ثورة 19 لمحمود مختار، وجسدت منحوتات لعبد الناصر ثورة 1952.
أما عن ثورة يناير فإن لها أحداثا تاريخية هامة يجب توثيقها والحفاظ عليها، وأنا ضد من يصور فيديو بهدف التوثيق ويقول أن هذا فن، لابد أن نرسم باليد، كما أني لا أحب الجرافيتي لانه قابل للإزالة ووظيفته وقتية للتعبير فلا يصح ان نعتمد عليه كتوثيق تاريخي، وحتي نوثق للثورة يجب أن ننشأ متحف للثورة ، مثل متحف الفن الحديث يجمع الأعمال الفنية والنحتية التي عبرت عن يناير، وعن نفسي أنا رسمت لوحات مختلفة وأعمالا عديدة عن ثورة يناير، منها لوحة مشهورة عن معركة (الجمل) ولوحة أخري بعنوان (نسر الثورة).
الدين والفن
لكن اذا تطرقنا للحديث عن علاقة الفن بالدين، كيف تري تلك العلاقة في ظل الهجمة الشرسة علي الابداع والفن وهذا الامر حسم منذ قرنين ماضيين؟
- أشعر وأنا أرسم أني أصلي، وأشعر بعلاقتي بالله لإني لو لم أخلص لله، فلن أشعر بفني، ولا أخرج عملا جيدا، لأن العمل عبادة ، لذلك أرجو من رجال الدين أن يحبوا الفنون ويحبوا الأدب والموسيقي ولا يضعوا عوائق خيالية، بل ينظروا لعملية الخلق والإبداع كيف تتم، وما وراء العمل من فكرة دون تعصب، ولا يحيطون الفنون بمحظورات، لذلك أرجو من الجماعات الدينية أن يضعوا الفن في مكانته الرفيعة من أجل تقدم البلد، لأن الفن مرآة الشعوب وحضارة الدول، ففي روسيا مثلا كانت الفنون مع الثورة كل شئ، ازدهرت فنون الأدب، والشعر، والرسم، والمسرح، والسينما، حتي الباليه كان فيه رأي، فالفتاة كانت ترقص دفاعا عن الحرية والعدل.لقد خلق الله جميع المخلوقات بخطوط وكتلة جميلة وبشكل بديع جدا كل المخلوقات سواء الانسان أو الحيوان حتي النباتات لذلك يجب أن ندرس ما خلقه الله من خلال تجسيده فنياً، لنحب الله أكثر ونقدسه أكثر ونعبده أكثر..
مع أجدادي الفراعنة
من خلال إقامة استمرت ثلاثين عاماً بدول الغرب حتي ان رسوماتك في العديد من المتاحف هناك.. كيف تري فكرة الشاعر البريطاني(أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا)؟
- قضيت حياتي بين الشرق والغرب، لذلك فإن رسوماتي موجودة بفرنسا، بالاضافة الي أن أعمالي عرضت في جميع بلدان العالم، وكنت حريصا علي ذلك، فعرضت في إيطاليا ، وأسبانيا، وغيرهما، ولي لوحات في متحف بوريلي مرسيليا بإيطاليا ولي لوحات في متحف اللوفر بجناح أجدادي الفراعنة العظماء، أيضا لي رسومات بمتحف دمييه، كما إني حصلت علي العديد من الجوائز من أسبانيا، وحصلت من باريس علي جائزة البحر الأبيض، وحصلت من مرسيليا علي جائزة التفوق عام 2010 لذلك أقول إننا لابد أن نقدر لغرب، ولا نكون متعصبين، كما يجب أن نشيد بفضل حضارة أوروبا وثقافتها، ومن المهم جداً أن تعود السياحة بقوة، لأن الغربيين يزورون مصر ليس فقط بهدف التنزه، وإنما هم يكتبون كتبا هامة عن مصر، لذلك لابد أن يعود الأمن والأمان حتي تعود السياحة، مع تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الغرب، ولابد أن نكون علي اتصال دائم بهم، فما المانع أن نجمع ما بين شرقيتنا وعلوم الغرب وحضارتهم بهدف التقدم والازدهار، فنحن نريد الثقافة والحضارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.