الفنان بهجوري ل " محيط " : المثقف المصري متشدد وباريس ليست عاصمة الفن محيط - رهام محمود البهجوري " رسم على رسم " هو أحدث معارض التشكيلي المصري الكبير جورج بهجوري الذي أقامه بقاعة " مشربية " ، وفيه يعيد صياغة بعض لوحات أشهر فناني العالم برؤيته الخاصة ، بشكل يعكس ممارسة التمرد على اللوحات الأصلية لتبدو بأسلوب جديد . وعلى هامش المعرض ، كان لقاء " محيط " مع الفنان بهجوري ، ودار حول معرضه الجديد وذكرياته مع باريس ومع مصر وأزمته مع اسرائيل والتطبيع . محيط : من أين واتتك فكرة إعادة صياغة اللوحات العالمية ؟ عشت في باريس أكثر من ربع قرن ، كنت خلالها أزور المتاحف وأستمتع بروائع النغم واللوحات العالمية التي رسمت عبر العصور ، كأعمال بيكاسو، ميرو، سلفادور دالي الذين عاصرناهم، وقد تعلمت الفن أكاديميا مرتين ؛ في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، و كلية الفنون الجميلة بباريس. وحضرت رسالة الدكتوراة مباشرة مختصرا عامين ، وكان المشرف أحد أهم نقاد الفن في فرنسا وهو مارك ريبوت ، وفوجيء أن رسالتي مكونة من خمسين صفحة فقط وهذا لا يصلح ، فقلت أنني حضرت لأتعلم منك لا للحصول على لقب دكتور أو التدريس للطلاب . حينما أنتهي من تأمل لوحة أكتب ملاحظاتي حولها ، مثلما قال بيكاسو " إني أبحث " ، وارتأى أن يطبع بحثي للدكتوراة وأعجب به ، واكتفيت بهذه النصيحة وطبعت كتاب " أيقونة باريس " وأعتبر انني استفدت حقا من أساتذتي هناك . باريس أعطتني الثقافة العالية بزخم الفنون فيها ، وظللت فيها أرسم في المقاهي والمطاعم وبيوت الأصدقاء حتى وصلت 800 كراسة تصلح لعمل متحف ، وعرفت كيف يرسمون خطوطهم الأولى ، وقد تحدث بيكاسو عن تجربة " معاكسة " أساتذته ، ويعني صياغة لوحاتهم برؤيته ، وهو فلسفة معرضي الثاني . محيط: اخترت من بين لوحات الرواد المصريين اثنتين لعبدالهادي الجزار وراتب صديق ، ما السبب ؟ في البداية لابد أن أعيد رسم لوحة معجب بها ، وفي معرضي السابق مثلا أعدت صياغة لوحة لبيكار ، محمود سعيد ، سيف وائلي ، وراغب عياد وغيرهم حتى وصلت لفنانين معاصرين ومنهم حلمي التوني . وأعتبر أن ما أقوم به هو محاورة بيني وبين هؤلاء الفنانين ، وبالنسبة للفنان الجزار أرى أن لوحاته ساحرة تحمل غموضا ما ، وتحمل الروح الشعبية المصرية . أذكر أنه أثناء دراستي بكلية الفنون كان الأستاذ يحضر لنا لوحات لسيزان ودافنشي او تماثيل لمايكل أنجلو ويضعهم على السلم لنمر امامهم باستمرار ونتشبع بهم ، ومعظم كليات الفنون العالمية تقوم بذلك ، وكل هذا مع خبرتي بالرسم للصحافة أعطاني ثقة بنفسي أكبر ، وهذه الثقة ليست بفني فقط ولكن برأيي كذلك ، فقد هاجمت الرسامين الإسرائيليين وهزمتهم بضربة قلم ، ولا أنكر أن حياتي بباريس عودتني على الحرية في الرأي بدرجة أكبر . محيط: تعرضت لهجوم كبير لتعاملك مع فنانين إسرائيليين ، كيف تنظر لهذه الأزمة ؟ بالفعل كان لي تعامل وصداقة مع فنان تشكيلي إسرائيلي اسمه ميشيل كيشكا ، وهو من أشد المعارضين للسياسات الإسرائيلية والمدافعين عن الحقوق الفلسطينية ، وأنا ضد المقاطعة الثقافية عموما ، وأعتبر أن المثقفين المصريين هم الأسوأ في العالم ؛ فهم متحذلقين وغير ديمقراطيين ومتشددين ، وادعوهم لأن يفتحوا مداركهم بصورة اكبر ، وأرى أن المجتمع الأوروبي يتقبل الآخر بصورة أكبر ، ويقابل أحدهم عدوه في مهرجان دولي ويقول له " أنت عدوي " ولكن لا يقاطع المهرجان . وأرى اننا يمكننا التفوق في الرسم على الإسرائيليين وهنا يعرفوا أننا تفوقنا فكريا عليهم ، وأرى ان المثقف عليه أن يكون شجاعا ويعبر عن رأيه ، وأرى أننا متفوقون بالفعل على اسرائيل التي لا تملك تراثا أو حضارة . وكل ما جرى أنه تم اختياري من قبل الأممالمتحدة كواحد من افضل خمسة عشر رساما في العالم وتم ضمي لجماعة " فن الكاريكاتير من اجل القضاء على الحرب " ، وهو كاريكاتير إنساني يدعو للسلام ، ورفض المثقفين المصريين حديثي مع رسامين إسرائليين ضمن الحركة ، والعكس هو ما حدث أن الفنانين الإسرائيليين بهروا أن تكون مصر لديها هذا المستوى في الرسم . محيط: حدثنا عن نشأتك وبداية ممارستك الإبداع؟ نشأت في بهجورة. وكنت أرسم أقاربي باستمرار في المنزل، وتحمس لي قريبين، أحدهما من جهة الأم والثاني من جهة الأب، وهما من أعطياني بريق الأمل ، وقد عثرت على السعادة بعد التحاقي بكلية الفنون الجميلة ، واكتشفت نفسي في خطوطي وريشتي ، وجدت أنني أتأمل الناس وأعبر عنهم دونما كلام بمجرد الورق . أول معرض أقمته كان في أهم قاعة لوزارة الثقافة في باب اللوق، التي أغلقوها منذ فترة طويلة، وكانت تسع أكثر من مائة لوحة، وهذا المعرض لاقى نجاحا كبيرا، قلت وقتها لنفسي أنني أعطيت بلدي الكثير فأردت أن أطور نفسي؛ لأن زملائي في بلدي لم يتطوروا بسبب الظروف المحيطة بهم . وأعرف أن هناك زملاء فنانين لا يحبون أن يتفوق أحد عليهم ، ولذلك فكرت في السفر لباريس وعشت كرسام كاريكاتير هناك وحتى الآن أمتلك مرسما في ضاحية " ايفري " بباريس ، استطعت شراء حاجياتي الأساسية وأدوات الرسم المختلفة من دخلي هناك ، ووقتها ظننت أنه يمكنني الوصول للعالمية عبر السفر نفسه ، ولكني اكتشفت أن العودة للأصول والجذور هو أقصر الطرق للعالمية ، وفوجئت بأن العرب هم من يشترون أعمالي الفنية ، وبالتالي قررت العودة للشرق بعد الغرب . محيط: كيف رأيت مصر بعد عودتك من الخارج ؟ مصر وطني الحبيب ، والبسطاء هم موضوع لوحاتي دائما ، أهل البلد الطيبيون ، ولكني شعرت أن البلد فقدت هويتها وأصبحت تشبه بلادا أخرى ، وتمنيت ان نعرف أن الدين مقدس ولكن علينا التمسك بالعلم أيضا والتمدن . محيط: ما رأيك في الحركة التشكيلية المصرية مقارنة بالفرنسية ؟ الحركة التشكيلية المصرية متألقة حقيقة ، وفرنسا ليست مقياس ؛ أرى أنها انحدرت تشكيليا ، فلديهم عقدة أن كل اجنبي يجيء لبلادهم هو ساعي للشهرة والنجومية فقط ، مثل سلفادور دالي وبابلو بيكاسو وموندريان ، ورينوار الذي كرموا اسمه هذا العام وعرضوا روائعه بمتحف القصر الكبير ، والفرنسي يرى بلده عاصمة العالم في الفن ، ولكن برأيي أن فرنسا ليست متقدمة تشكيليا ، كانت في الماضي كذلك أيام المدرسة التأثيرية التي قادها مانيية ، ديجار، رينوار، فان جوخ، سيزان، ماتيس ، وفرنسا لم تلمع بعدها ولم يتقدم الفن فيها ، وعلى العكس أنا أرى أن أسبانيا أسبق بكثير في مضمار الفن . وأنا متفائل بالحركة التشكيلية المصرية، وخاصة بتشجيع وزير الثقافة المصري للفنانين وخاصة لأنه في الأصل فنان ، ويساعد قطاع الفنون التشكيلية حاليا في تسويق الأعمال الفنية. من لوحات معرض أم كلثوم محررة محيط تحاور الفنان وزير الثقافة أثناء افتتاح أحد معارض بهجوري