الاتحاد السكندري يعلن قبوله دفعه جديدة من الناشئين بسعر رمزي لشراء استمارة التقديم    القبض على «ٌقمر الوراق» بحوزتها 2.5 كيلو «حشيش» (التفاصيل الكاملة)    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ أسوان يترأس اجتماع مجلس الصحة الإقليمي (تفاصيل)    "هيئة الدواء" توقع مذكرة تفاهم مع "مركز مراقبة الدولة للأدوية" بكوبا لتبادل الخبرات    محافظ جنوب سيناء يترأس الاجتماع الأسبوعي لمتابعة الموقف التنفيذي للمشروعات    أحمد موسى بعد تحرك دول العالم لدعم القضية الفلسطينية: إسرائيل هتتجنن    رئيس الأعلى للإعلام يشيد بالعلاقات القوية بين مصر والسعودية    لاعب أرسنال: الأعين كلها نحو رفح    إصابة جندي بولندي في عملية طعن على يد مهاجر غير شرعي    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    الأهلي: جلسة ودية بين بيبو وحسام حسن لتوضيح موقف لاعبي الأهلي مع المنتخب    بسبب نادي نيس.. مانشستر يونايتد قد يشارك في دوري المؤتمر الأوروبي    شركات محددة تستحوذ على "نصيب الأسد"، اتهامات بالتلاعب في تخصيص الأراضي بالدولار    ضبط متهم بإدارة صفحة "فيس بوك" للنصب على راغبى استخراج شهادات جامعية بكفر الشيخ    ضبط شخص يدير صفحة عبر "فسيبوك" للنصب على أهالي كفر الشيخ    ليلى طاهر ل فيتو: أنا بخير وأستمتع بوقتي مع العائلة    تعاون جامعة عين شمس والمؤسسة الوطنية الصينية لتعليم اللغة الصينية    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    تراجع شبه جماعي للبورصات الخليجية مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بالشرق الأوسط    كشف ملابسات سرقة سائق بإحدى شركات تطبيقات النقل الذكي حقيبة سيدة    الخميس.. قصور الثقافة تقيم حفل أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بمسرح السامر مجانا    قومية سوهاج تقدم عرض اللعبة ضمن موسم مسرح قصور الثقافة بالصعيد    محافظ الإسماعيلية يشيد بدور مجلس الدولة في فض المنازعات وصياغة القوانين    عضو تنسيقية تقدُّم: إعلان مجلس السيادة السوداني عن حكومة كفاءات وشيكة تهديدٌ للقوى المدنية    تعرف علي مناطق ومواعيد قطع المياه غدا الاربعاء بمركز طلخا في الدقهلية    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    «الضوابط والمحددات الخاصة بإعداد الحساب الختامي» ورشة عمل بجامعة بني سويف    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    رئيس جامعة بني سويف يكرم الدكتور محمد يوسف وكيل وزارة الصحة السابق    شبانة: لجنة التخطيط تطالب كولر بحسم موقف المعارين لهذا السبب    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    برلماني: الرئيس يثق في قدرة الحوار الوطني على وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    دفاع الفنان عباس أبو الحسن: تسلمنا سيارة موكلى ونتتظر سماع أقوال المصابتين    الطب البيطرى: تحصين 144 ألفا و711 رأس ماشية ضد الحمى القلاعية بالجيزة    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    نسألك أن تنصر أهل رفح على أعدائهم.. أفضل الأدعية لنصرة أهل غزة ورفح (ردده الآن)    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    فيلم السرب الأول في شباك تذاكر أفلام السينما.. تعرف على إجمالي إيراداته    محافظ الجيزة: تطوير وتوسعة ورصف طريق الطرفاية البطئ    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    كارول سماحة تعلق على مجزرة رفح: «قلبي اتحرق»    دويدار: الجزيري أفضل من وسام أبو علي... وأتوقع فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«كتاب النميمة»
نشر في صباح الخير يوم 02 - 10 - 2019

عنوان كتاب صدر منذ وقت قريب للكاتب المبدع سليمان فياض، رحمه الله.
وليست هذه أول طبعة له، فقد صدر الكتاب فى حياته. ومنذ وقت بعيد سمعت به عند إصداره الأول ولم أتمكن من الحصول عليه آنذاك، رغم إننى كنت أتمنى قراءته، لما أعرفه عن صاحبه من دقة واهتمام واستقامة، منذ مجموعته القصصية الأولى «عطشان يا صبايا» والتى كانت جواز مروره إلى الحياة الأدبية، كاتبا له وزنه.
وقد أحسن ابنه، إذ قرر أن يعيد نشر ما تركه والده من آثار أدبية، سواء كان قصصًا قصيرة أو روايات أو أبحاثًا.
ويجىء كتاب النميمة، باكورة هذه الأعمال، وقد وعدت دار نشر ميريت بمتابعة نشر بما يمدها به الابن من كتب الأب الأديب.
ولم أعرف ما إذا كانت هذه الطبعة، هى نفس الطبعة السابقة. أم أن هذه طبعة مزيدة ومنقحة – كما يقول الناشرون –لاسيما أن هناك عنوانًا فرعيًا يلى العنوان الكبير، هو نبلاء وأوباش ومساكين.والكتاب ليس صغير الحجم فهو يزيد على 450 صفحة.
وإلحاق النميمة بوصف الكتاب يظلمه كثيرا. ولا يخفف من الظلم الشرح الذى تضمنته المقدمة لكلمة النميمة لغويا، وأنها تعنى : «الكتابة وصوت الكتابة الخفى من حركة شىء أو وطء قدم، كما تعنى الوشاية والكذب. وليس كل النم طعنا فى الظهر ولا وشاية بآخر، فمن النم فى اللغة والأدب ما هو إظهار الخفى وشم لرائحة طيبة كانت أو خبيثة»
والشرح اللغوى هنا، لا يؤثر بأى درجة، فيما توحى به كلمة النميمة عند سامعها، من معنى الاغتياب، ونشر معلومات ليست معروفة، وربما لا يريد صاحبها أن يعلن عنها، وأنها فى الغالب، تحمل رائحة التشهير وكشف العوار.
سيرة ذاتية
وليس هكذا أبدأ كتاب نميمة سليمان فياض
إنه كتاب رصين يمكن أن يكون لدرجة كبيرة سيرة ذاتية لصاحبها، رواها بقلم أديب، تمرس على الكتابة، والإبداع الإبداعى، واختار منها ما يرى أنه مفيد للقارئ، ووضعه فى قالب اختاره، يجمع بين النفس القصصى، وبين ما تواضع عليه، كتاب السيرة الذاتية، من قواعد ومبادئ، أصبحت أدوات استرشادية لمن يريد أن يضرب بهم، فى هذا اللون من ألوان الإبداع.
ومن جانب آخر، جاءت شهادة أمينة وذكية ومشوقة، لمعترك الحياة الأدبية والثقافية، على امتداد النصف الثانى من القرن العشرين، بما يموج به من تيارات وصراعات ومبادرات وثورات ومبدعين وأدعياء وملاحقات وسجون ومواقف وأشكال العلاقة المتوترة بين المثقفين والسلطة.
يدلى بهذه الشهادة، كما رآها بعينيه، أو انطبعت فى أعماقه. وبقدر ما عايشها، سنرى الجو العام للمشهد الثقافى، طوال السنوات التى أشرنا إليها، كما تلقاه وأحس به وانغمس فيه، أديب مبدع، منذ اكتشف فى نفسه جمرة الموهبة، والقدرة على حمل أمانة القلم، وكيف انطوى فى هذا التيار الهائج، وتعلم السباحة فى هذا البحر، وكيف تعلم من علمه، وكيف انطوى تحت هذه الراية الرائعة، راية الإبداع.
ومن هنا لا أراه أبدا كتابا فى النميمة، حتى بالمعنى اللغوى الذى شرحه، إننى أرى، أننا بإزاء كتاب وشهادة رائعة وصادقة عن المشهد الثقافى، كما ينعكس على عقل وقلب وروح أحد فرسانه.
طوال الفصول الخمسة والثلاثين، نتعرف فى كل منها على شخصية، التقى بها فى مرحلة من مراحل حياته. والتقى هنا لا تؤدى المعنى بالضبط، والأدق أنه قابلها وتعرف عليها وشاركها تجارب معينة وزار بيتها وأكل معها عيشا وملحا، وصادقها أو زاملها وتعامل معها.
بدون أسماء
وهذه الشخصيات بعضها ذكره بالاسم، وبعضها تركه مجهلا. ولكنه حين يعرض لشخصيات الفريقين، فإنه يثبت أنه يعرف الجميع معرفة جيدة، بحيث رسم لكل منهم صورة أدبية، تتناوله من جميع الجوانب، حتى ليبدو أمامك كأنك تعرفه وتحدثت إليه.
والذين ذكرهم بالاسم حوالى خمسة عشر اسما، والباقون بدون أسماء، وإن كان يمكن تخمين أسماء معظمهم، وبالذات بالنسبة للذين تربطهم بالحياة الثقافية والأدبية رابطة على درجة من العمق والتواصل والحضور.
وليست هناك مضرة، من ذكر من أعلن أسماءهم، ومن بينهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأمل دنقل ووحيد النقاش ويحيى حقى وصلاح عبدالصبور ومحمد مندور وأنور المعداوى وإبراهيم أصلان وسيد قطب وعادل كامل وفاروق عبدالقادر وبهاء طاهر وغالب هلسا وسعد زغلول فؤاد.
وربما يكون الذين أخفى أسماءهم، هم من الأوباش أو المساكين. بل إن بعض هؤلاء، حرص ألا يعرفهم أحد، محذرا «لست مسئولا عن أية إسقاطات أو تصورات شخصية لقارئ ما، على أحد النماذج فى هذه اللوحات لمجرد أنها معماة ولا تحمل اسما من الأسماء. ولست مسئولا عن أية وقائع أو مشابهات فى هذه البورتريهات إلا على من سميتهم بأسمائهم».
وعلى أى حال، فإن الفائدة والمتعة متحققة فى مجمل الكتاب بكل فصوله.
لم يكتب عن أحد فى هذه الفصول، لم يعرفه معرفة وثيقة، ويقترب منه فى السراء والضراء، ويرسم له صورة لمظهره وأعماق نفسه، مظهره الخارجى ودخيلته التى لا يبوح بها أحد بسهولة.
المظهر وداخله
فالصورة الخارجية لأمل نقل، على سبيل المثال: صعيدى جاف العود، له عينان واسعتان، تبدوان فى وجهه الضامر، المسفوط الخدين، كجوهرتين على شكل عينين، تحب أن تراهما، وتغض الطرف عنهما سريعا، فهما ترقبانك، وتقولان لك: كن على حذر منى، لا تتباسط، وفيما عدا ذلك خد راحتك.
أما الصورة الداخلية لوحيد النقاش، فكانت «سرعة ألفة الناس له. قابليتهم معه أكثر من سواه، أن يكونوا له أصدقاء. أن يتركهم بعد لقاءات قليلة بما لا يتجاوز لقاءين وقد صاروا له أصدقاء».
وهناك عدد من الأسماء، وردت فى سياق الكتاب، على صلة ما بالموضوع الذى يعرضه، جاءت عرضا، ولا بد أنه يعرفها معرفة ليست قليلة، فهو يشير لبعضهم كأصدقاء. وكان يمكنه أن يقدمهم للقارئ. ولكن يبدو أنه لم يكن يريد أن يبتعد عن المخطط الذى وضعه لمؤلفه، أو الأسماء التى اختارها، لبناء روايته وشهادته.
ومن بين هذه الأسماء على سبيل المثال: فاروق شوشة، نعيم عطية، عز الدين نجيب، لويس عوض، سامى خشبة، صبرى حافظ، فاروق خورشيد، عبدالقادر القط.
وكل صورة رسمها لهؤلاء المبدعين، الذين اختارهم تبدوا كأنها قصة قصيرة، توفر عليها وقتا، حتى استوت بين يديه، لتخرج ناطقة ومعبرة.
خمس أو ست لقطات تدور حول بطل القصة يرويها باختصار عن واقعة أو مشهد معين، رآه أو عاصره، تتضافر هذه اللقطات معا، فى إحكام، لتصنع الصورة ولكل شخصية مفتاح معين، إذا جاز التعبير، يكفى للإشارة لصاحبه، وغالبا ما يضعه عنوانا لما يكتبه.
وهو حاضر بنفسه دائما فى كل صورة. ومن هذا الحضور ينسج خيوط شهادته أو سيرته.
فأبطال روايته، وحضوره وصوته هو، يرسمان صورة شاملة للحياة الثقافية فى عصر كامل.
ولعل أبرز ما يلفت النظر، هو عرضه لمسيرته على طريقة الإبداع، وكيف اكتشف أنه يمكن أن يكون مبدعا وكيف أعد نفسه لهذه المسئولية، وكيف حافظ عليها، والمحاولات غير القليلة التى مزقها ليبدأ من جديد والأساتذة الذين أرشدوه إلى الطريق. والذين مدوا إليه يد المساعدة، وشدوا من أزره، والجهد الكبير الذى بذله بنفسه، والتضحيات التى قدمها، لينال شرف الاعتراف به كأديب.
ولا يقول هذا بعجب وتيه، ولكن يرويه كما حدث وكأنه ينظر إلى لحظة اختيار صعب يجرى لغيره. بعد أن أنهى دراسته فى كلية أزهرية. ولم يكن فى سن صغيرة، كان فى منتصف العشرينيات. وكان قد حزم أمره واختار طريق الأدب، استدعاه مسئول كبير فى وزارة الأوقاف، وكانت بينهما معرفة ومودة، ليعرض عليه العمل واعظا فى مسجد من مساجد الدرجة الأولى، واعتذر الشاب بلباقة، وتعجب المسئول فإن هذا الموقع، يتهافت عليه من هو أهم منه. وشرح له مزايا هذا العمل الكثيرة.
ولكن الشاب لم يتراجع، حتى عندما قال له: إن لك فى هذا المسجد، من صندوق النذور وحده، ما يصل إلى عشرين ألف جنيه سنويا. وتصور أن هذا الإغراء يثنيه، ولكن الفتى كان قد حسم أمره، أن يكون مبدعًا.
أول قصة
ولم يكن قد نشر قصة واحدة بعد.
وعندما أرسل قصة إلى مجلة الآداب البيروتية لأول مرة، نُشرت على الفور، تشجيعا له، وكما قال له سهيل إدريس: لأنها تكشف عن بدعم كاتب، رغم ما فيها من هنات. والحق أنها كانت ثمرة استعداد وتأمل ومحاولات عديدة لم تر النور.
وكان هذا النشر اعترافا به.
ولكن لم يسقط عليه هذا الاعتراف منه من السماء.
فقد احتشد له قبلها بوقت طويل. وبدأ هذا الاحتشاد بحب القراءة. وبين بلدان الدلتا، حيث تنقلت أسرته، كان يبحث أول ما يبحث عن المكتبات العامة، فى السنبلاوين والزقازيق والمنصورة.
والتهم كتبا متنوعة داخل هذه المكتبات، التى كان يقضى فيها معظم وقته.
وفيها التقى بأضرابه، وبرفاق أكثر خبرة، بل بزملاء اعتبرهم أساتذة له وموجهين.
مدهشة جدا، الفترة الليبرالية، التى أعقبت ثورة 1919، والتى سبقت ثورة 1952. كانت تجربة رائعة فى تحقيق النهضة، وبناء دعائم تغيير، كانت تهدف إلى قهر التخلف. بل إنها طمحت أن تغطى الوطن كله. وليست العاصمة وحدها.
إن الكاتب الفاضل يشيد بفضل المكتبات العامة آنذاك، واهتمام المسئولين عنها، وحرص ولاة الأمر على تزويدها باستمرار بالكتب المختارة والمفيدة.
ولا أعرف لماذا توقفت هذه المهمة النبيلة.
عرفنا منه أنه التقى فى هذه المكتبات بكثيرين، أسهموا بعد ذلك بمواهبهم. يذكر منهم: أبو المعاطى أبوالنجا وعبدالجليل حسن وثالث لم يذكر اسمه، أشار عليه باسم الأستاذ لرجاحة عقله وحدة ذكائه رغم فقره المدقع. ونجاحه فى تخطى الأسوار. ولكن جنى عليه تفوقه، فرغم ترتيبه الأول وحماس الدكتور زكى نجيب محمود له، ليعين معيدا بقسم الفلسفة، فأن رئيس القسم لم يرحب به. وسدت أمامه الأبواب.. ووقفت أجهزة الأمن ضده منذ منتصف الخمسينيات. رغم تفوقه وقدراته التى لم تخف على أحد. ولم يخسر هو بقدر ما خسر الوطن، كما يبدو من الصورة القلمية التى رسمها له.
ونفهم من سيرته قبل أن يضع أقدامه على أول الطريق إلى اكتشاف مقدرته وموهبته كان قد مر عليه وقت طويل فهو من خريجى الأزهر. وحين تخرج فى كلية اللغة العربية، كان فى منتصف العشرينيات. ومع ذلك فقد ثابر على «الكتابة» الكتابة مدة طويلة، قبل أن يخرج على الناس وكان يجمع بين العمل مدرسا أو موظفا أو معارا إلى السعودية، وبين تجاربه الأدبية.
لم يستعجل جنى الثمار. وفى نفس الوقت لم يهمل صقل موهبته.
وكان يجد دائما العون والإشادة من رجال فضلاء. ذكرهم بالاسم مقدرا الأفضال التى أسدوها إليه منهم: سهيل إدريس أول من نشر له قصة باسمه فى مجلة الآداب، وزملاؤه بهاء طاهر وأبوالمعاطى وغيرهما، والشاعر صلاح عبدالصبور الذى أوقفه دون سابق معرفة، وأبدى إعجابه بقصة له قرأها فى الآداب. وقال له نصيحة. ظلت ترن فى أذنه طويلا وغيرهم كثيرون ذكرهم بالاسم.
وبعد أن تم الاعتراف به. لم يتوقف عن صقل موهبته وغربلة ما يكتبه والتعلم من أعمال كبار القصاصين من عرب وأجانب. وحين غامر ونشر أول مجموعة قصصية له فوجئ بحفاوة الاستقبال من النقاد والقراء.
ولم يركن إلى هذه الحفاوة، بل اعتبرها تكلفه مزيدا من الصقل والإجادة.
شاهد عيان
إن هذا السّفر الثمين ملىء بثمار طيبة. ليست فقط الشخصيات التى رسمها من معروفين ومجهولين ولكن قصة حياته التى تستحق التعرف إليها.
كما أنه كان الشاهد الوحيد على واقعتين، لابد أن مؤرخى الأدب والأدباء يهمهم أن يكونوا على علم لها.
الواقعة الأولى حول رواية أولاد حارتنا، التى شغلت الحياة الأدبية كما لم تشغلها رواية أخرى. فقد حضر الاجتماع الذى دعت له لجنة الدفاع عن الإسلام التى يرأسها الشيخ سيد سابق وحضرها الشيخ محمد الغزالى، وكان سليمان فياض سكرتير الاجتماع بحكم وظيفته.
وكان الاجتماع مقصورا على دراسة ما تقصده أولاد حارتنا. وكانت تنشر فى الأهرام لأول مرة. ويقول إننى أحسست كأننى فى جلسة لإحدى محاكم التفتيش. وانتهى الاجتماع بإرسال خطاب إلى القيادة السياسية عن الفكر المنحرف الذى تدعو إليه. وحرص الشيخ الغزالى أن يكتب المحضر والرسالة بنفسه. وطلب من سليمان فياض نسخ صورة من المحضر. ونجح فى الاحتفاظ بصورة له. وخرج من الاجتماع وقدم استقالته. وفى اليوم التالى قابل نجيب محفوظ وعرض عليه الرسالة. وفوجئ بها بل صدم ثم علق: إذا لن تنشر هذه الرواية، فاقترح عليه سليمان أن يرسلها إلى سهيل إدريس فى لبنان.
فقال له : يا ريت واتصل بالفعل بصاحب دار الآداب الذى رحب وطلب إرسالها على الفور ونشرها على الفور.
والواقعة الثانية تدور حول قصيدة الشاعر صلاح عبدالصبور «عودة ذى الوجه الكئيب» التى قيل وقتها إنها كتبت فى هجاء جمال عبدالناصر، بعد أحداث سنة 1954 والقضاء على الديمقراطية، مهما تكون مساحة هامشها قبل ثورة 1952.
وكانت أول من نشرها مجلة الآداب. كما أسهم الطبعة الأولى من ديوان صلاح عبدالصبور الأول، تضمنت القصيدة، بعنوان فرعى للتمويه، إلى الاستعمار وأعوان الاستعمار.
وحذفها الشاعر من الطبعة الثانية وقيل لأنه غير رأيه وموقفه من الزعيم. ثم عاد فى الأعمال الكاملة وأعاد نشرها.
ونعرف من كتاب فياض، أن العدد الذى حمل العقيدة صودر فى مصر، وكذلك الأعداد التالية له.
وفهم سهيل إدريس أن ذلك بسبب نشر القصيدة.
وجاء إلى القاهرة والتقى بمجرد حضوره بسليمان فياض، وقال له سبب حضوره وسأله هل تستطيع مساعدتى فى لقاء عبدالناصر؟
فضحك سليمان وقال له ما معناه، إنك تعطينى فوق قدرى.
ونجح سهيل فى الوصول إلى جمال عبدالناصر، بعد وقت قصير، الذى التقى به فى مكتبه بمنزله.. ووجد فى رف خلفه أعدادا كثيرة من الآداب.
ودخل الرئيس فى الموضوع مباشرة قائلا: أنا ينشر عنى مثل هذا الكلام. فقال له سهيل إدريس: لا يمكن أن تكون أنت المقصود بهذه القصيدة وكرر هذا المعنى بقوة بطرق عديدة.
يقول سهيل إدريس لسليمان فياض: رغم أن الرئيس قرر إلغاء المصادرة، فإن انطباعى أنه لم يصدقنى ويكاد يقول أنت تعرف وأنا أعرف من المقصود.
وكل ما اهتم به سليمان هو خوف على ما يمكن أن يحدث لصلاح عبدالصبور.
وحرص ألا يقول له كلمة مما سمعه من إدريس.
وبمرور أيام اطمأن على أن الشاعر قد أفلت من العقاب وإن كان يعتقد أنه لا بد أن سهيل إدريس قد أبلغه بطريقة ما.
••
إذا كنت تصدقنى فإنك ستجد فى هذا الكتاب خيرا كثيرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.