أمريكا وروسيا وإسرائيل عقدوا أول قمة أمنية فى القدسالغربية 25يونيو 2019، شارك فيها مستشارو الأمن القومى؛ الأمريكى جون بولتون، والإسرائيلى مائير بن شبات، وسكرتير مجلس الأمن الروسى نيكولاى باتروشيف، وترأسها نتنياهو!!.. القمة استهدفت بحث قضايا الأمن الإقليمى على نطاق شامل؛ خصوصًا فيما يتعلق بإيرانوسوريا والقضية الفلسطينية. اللقاءات الأمنية على هذا المستوى الرفيع لا يتم عادة الإعلان عنها، ولا عن مضمونها، إلا إذا كان ذلك الإعلان يحمل رسائل أو يعكس دلالات.. أهمها هنا: إن اللقاء مبادرة أمريكية، ضمن إجراءات ترامب لتشديد العقوبات وإحكام إجراءات المقاطعة والحصار ضد إيران.. تمثيل ريتشارد بولتون لأمريكا، يكتسب أهمية خاصة؛ لقيادته تيار الصقور المعادى لطهران بالإدارة الأمريكية.. الترويج الإعلامى الواسع للقاء، يوجِّه رسالة صريحة لطهران مؤداها؛ اتفاق عدوّها الأمريكى مع حليفها الروسى على ضرورة وضع الترتيبات الكفيلة بتقويض دورها فى سوريا، ووضع نهاية للحرب السورية، وللمواجهات بالمنطقة. نتنياهو أكد عزم إسرائيل على الاستمرار فى استهداف المواقع الإيرانية فى سوريا، ضِمن جهودها لمنع طهران من التموضع عسكريّا، وتَعهَّدَ بمنع القوات الإيرانية من التواجد قرب مناطق الحدود.. باتروشيف رد بأن الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا غير مرغوب فيها؛ لأن روسيا لاعتبارات سياسية ومراعاة للتوازن، تضع مصالح إيران فى الاعتبار، وربط بين أمن إسرائيل والأمن فى سوريا؛ ليؤكد حتمية إحلال السلام.. بولتون بدوره أكد أن إيران سيتم إجبارها على القبول بالتفاوض تحت ضغط العقوبات والحصار، وذلك بهدف القضاء على برنامج الأسلحة النووية الإيرانى بشكل كامل و«أبد الدهر»، وعلى نحو يمكن التحقق منه، وكذا على أنظمة إطلاق الصواريخ الباليستية، وإيقاف دعمها للإرهاب الدولى، وبالتالى يتم وقف تهديداتها لإسرائيل ودول الخليج. التفاهمات الاستراتيجية قمة القدس تأتى تنفيذًا للتفاهمات التى تمت بين بوتين وترامب فى هلسنكى يوليو 2018، والتى وعد خلالها الرئيس الأمريكى بالتسامح مع الوجود العسكرى الروسى فى سوريا، شريطة التزام موسكو بمراعاة أمن إسرائيل.. بوتين تعهد بذلك، ونفذه، لا فيما يتعلق بمنع التهديدات الموجهة لإسرائيل من سوريا، بل أيضًا بتقييد رد الفعل السورى والإيرانى تجاه الغارات الجوية والقصف الصاروخى اللذين شنتهما إسرائيل ضد سوريا، على امتداد الشهور الماضية.. القمة أيضًا انطلقت من حتمية التنسيق والمقايضة لوضع أسُس ومراحل التسوية، وانعقادها عكس قدرًا من توافق المصالح بين الدول الثلاث.. وكانت بداية لوضع آلية جديدة للتنسيق الأمنى؛ لمواجهة العَقبات الطارئة التى تواجه عملية التسوية.. والحيلولة دون وقوع صدامات بين جيوشهم؛ خصوصًا فى المجال الجوى السورى.. وضِمن هذا الإطار يمكن تحجيم الدور الإيرانى، بإلزامه بالقيود التى يتم التوافق عليها، وقد يمكن إلزام إسرائيل بها.. وأخيرًا بين بوتين وترامب على هامش «قمة العشرين» بمدينة أوزاكا اليابانية. التسريبات المتعلقة بصفقات اتساع التركيز الإعلامى على التسريبات المتعلقة بعَقد صفقات ضِمن عملية التسوية السياسية للمشكلة السورية، فرض على أطراف اللقاء التعليق؛ جيمس جيفرى المبعوث الأمريكى الخاص بالشئون السورية، نفى مايتم تداوله بشأن وجود صفقة تعترف الولاياتالمتحدة بمقتضاها بشرعية الرئيس الأسد، مقابل تقويض روسيا للوجود الإيرانىبسوريا، أو أن بلاده تسعى لتغيير النظام السورى، مؤكدًا أن «دور الأسد فى مستقبل بلاده يقرره الشعب السورى».. مايك بومبيو وزير الخارجية حاول نفى التسريبات، فأكدها، عندما أبدى استعداد بلاده للتفاوض مع طهران «دون شروط مسبقة»، إذا ما قبلت أن تكون «دولة عادية»، والمقصود هنا تخليها عن سياسة تصدير الثورة لدول المنطقة، والانكماش داخل حدودها، وفقط. المتحدث باسم الرئاسة الروسية نفى صحة ما يتردد من تسريبات، سيرجى فيرشينين نائب وزير الخارجية نفى وجود صفقات مع واشنطن أو تل أبيب بشأن سوريا، كما نفى المتاجرة بأوضاع دول المنطقة وسيادتها ووحدة أراضيها.. والحقيقة أن موقف روسيا كان بالغ الوضوح منذ البداية، فرُغم أن إيران هى التى بادرت بطلب التدخل العسكرى الروسى فى سوريا سبتمبر 2015؛ فإن موسكو لم تتدخل إلا بعد التفاهمات التى تمت بين بوتين وكل من نتنياهو وباراك أوباما، وتضمنت تعهُد روسيا بالمشاركة فى ضمان أمن إسرائيل.. والملفت، استمرار ذلك الالتزام حتى بعد إسقاط إسرائيل لطائرة عسكرية روسية فى سبتمبر 2018، بسبب ما ادعت أنه مناورة خاطئة قامت بها المقاتلات الإسرائيلية.. بوتين يدرك أنه بغض النظر عن التفاهمات السابقة مع أوباما وترامب؛ فإن أمريكا لديها أوراق مهمة للضغط، أهمها وجود قواتها شرق الفرات، ومشاركة فرنسا وبريطانيا وألمانيا فى التحالف الدولى الداعم لذلك الوجود، إضافة إلى قدرة واشنطن على «عرقلة» أى جهود لتطبيع دول المنطقة للعلاقات مع دمشق، أو لإعادة إعمار سوريا، مما يفرض على موسكو مراعاة جدية طلب واشنطن الخاص بتقويض الدور الإيرانى فى سوريا. التوافق على الخروج الإيرانى على أصغر خاجى نائب وزير الخارجية الإيرانى للشئون السياسية، أكد أن «طهران لن تستسلم للتجاوزات الأمريكية- الإسرائيلية؛ لأنها تثق فى موقف موسكو الذى يميل لصالحها فيما يتعلق بوجودها العسكرى فى سوريا»، لكن ذلك تبرير أخلاقى، لا موضع له فى السياسة ولا علاقة له بالمصالح، التى تحكم الموقف الروسى؛ لذلك فإن تصريح «خاجى» يعكس القلق، أكثر مما يستهدفه من بث للثقة، وهو محاولة لاستثارة الحليف الروسى للتعرّف على ردود فعله الحقيقية، أو نواياه فى ضوء هذه التسريبات. والحقيقة، أن إجبار إيران على مغادرة سوريا مطلب تتفق عليه كل القوى التى يمكن التعويل على دورها فى إعادة إعمار سوريا؛ خصوصًا الاتحاد الأوروبى، ودول الخليج والسعودية، كما أنه مطلب روسيا نفسها؛ عبّر عنه بوتين صراحة خلال اجتماعه بالأسد فى سوتشى مايو 2018، مؤكدًا «عند انطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية، يبدأ انسحاب القوات الأجنبية من الأراضى السورية».. ألكسندر لافرنتيف- المبعوث الروسى لسوريا- أوضح أن «المقصود بذلك القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله والقوات التركية والأميركية».. روسيا قادرة عمليّا على تقويض النفوذ الإيرانى فى سوريا، حتى لو اضطرت للاحتكام لقوة الردع التى تملكها، سواء من خلال تشكيلات القوات المسلحة السورية التى أسستها ودربتها وسلحتها وترتبط بها، وأبرزها «اللواء 130 مشاة محمول، والفيلق الخامس اقتحام»، أو تشكيلات الشرطة العسكرية الروسية، ولكن العائق لتنفيذ ذلك سياسى فى الأساس، يتعلق بحرصها على علاقات التحالف مع طهران، وتجنب اغضاب دمشق. النظام السورى لأسباب سياسية وطائفية متمسك باستمرار الوجود الإيرانى؛ لأن هناك اتفاقًا رسميّا يُكسبه الشرعية، وهو أكثر مصداقية فى دعم حُكم الأسد، من الوجود الروسى، الذى قد تثور حوله الشكوك، بشأن ما قد تفرضه المصالح عليه من مواءمات، ربما تضحى بالرئيس السورى نفسه.. روسيا تستشعر الحرج من مطالبة إيران بالمغادرة، تجنبًا لتأزُّم علاقاتها بالنظام السورى، مما يفسر تراجع بوتين بتأكيده فى أكتوبر 2018 «روسيا ليست مسئولة عن إخراج القوات الإيرانية من سوريا».. توالى الغارات الإسرائيلية الكثيفة ضد القوات الإيرانية يستهدف مضاعفة تكلفة وجودها، وإجبارها على الرحيل، ورفع الحرج عن روسيا، وإقناع النظام السورى بأنه صار يدفع ثمنًا فادحًا لذلك التواجد، ما يجعله أكثر استعدادًا لتقبل مبدأ التخفف من تبعاته. التسوية السورية تصعيد التوتر فى الخليج.. وتوسيع العقوبات ضد إيران، يدخل أيضًا ضمن محاولة إحكام حلقات الحصار عليها؛ لإنهاء تواجدها فى سوريا، بحُكم تأثيره المباشر على أمن إسرائيل، تمهيدًا لاستهداف تواجدها بالعراق واليمن، ودور حزب الله والحوثيين كأذرع رئيسية لها.. مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة.. الحرب السورية قاربت على الانتهاء.. القمة الأمنية استهدفت الاتفاق على أسُس التسوية، موسكو تسعى لاعتراف أمريكا بنظام الأسد، والانسحاب من شمال شرق سوريا، والمشاركة فى إعادة الإعمار، وهى تعتمد فى توازن القوى بالمنطقة على المحور الثلاثى الذى تلعب فيه دولتا الأطراف إيران وتركيا دورًا رئيسيّا.. أمريكا بعد فشلها فى إنشاء كيان للدولة الكردية تسعى إلى فرض إسرائيل كعنصر توازن قوى من قلب المنطقة.. ديميترى بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، كشف التوصل لعدد من الاتفاقيات المهمة بشأن سوريا، لكنه لم يفصح عن أى تفاصيل.. لا خلاف على أن الحرب السورية تقترب من محطتها الأخيرة، لكن ذلك لا يعنى التسوية؛ لأن إيران بما تمتلكه من عناصر قوة، رفضت فكرة التفاوض تحت تهديد العقوبات.. مما يعنى أنه لايزال فى الساحة متسعٌ لضغوط، وتوترات، وتصعيد متبادل.. وهى أدوات التفاوض.. ووسائل صياغة شروط التسوية.