قدر الله لمصر منذ ميلادها أن تكون أمة صاحبة مشروع ونادرة هى الأمم التى تمتلك مشروع حضارى متحصن بالقيم قادرفى لحظة تحققه على قيادة الأنسانية الى مستقبل أمن متطور.. ينتمى المصريين جميعا الى هذه الأمة السابقة للتاريخ فى وجودها لكن كثير منا ينسى أو وقع فى غواية النسيان فلا يتذكر طبيعة الأمة المنتمى أليها ومشروعها الحضارى المتجذر فى وجدان الأنسانية والمحتم عليها كأمة متفردة القيام به لخير البشرية قبل نفسها. نستطيع بيسر أستشراف أهمية ومحددات هذا المشروع الحضارى المصرى من خلال تتبع فترات تحققه على أرض الواقع وفترات أنحساره بسبب تكالب قوى الظلام والفاشية على الأمة المصرية محاولة أجهاض مشروعها ولكن كل ما تصل أليه هذه القوى الظلامية أنها فقط تحد من عمله ولكنها لم ولن تستطيع تدميره. تستمد ملامح المشروع الحضارى المصرى وجودها من مقومات الحضارة التى بناها المصريين على ضفاف نهرهم الخالد السارى فى سلام وسكينة من ألاف السنين. أدى الموقع الجغرافى الفريد لمصر وتوسطها العالم القديم بقاراته الثلاث أن تصبح أرضها ملتقى كل العابرين من أجل تحقيق الأستفادة من حركة التجارة التى يوفرها هذا الموقع الفذ فأعطى هذا العبور المستمر للمشروع الحضارى المصرى صبغة التسامح وقبول الأخر. سمح التلاقى المتواصل بين المصريين والأمم الأخرى الى أكتساب الشخصية المصرية القدرة على أحتواء القادم الى أرضها حتى فى لحظة الطمع التى تصور لهذا الأخر أنه يستطيع الأستيلاء على هذه الأرض الطيبة وموقعها. تتجلى القدرة المصرية المكتسبة عبر ألاف السنين فى أذابة العدو داخل البوتقة المصرية بل العجيب تمكن الحضارة المصرية من مزج صفات هذا الأخر سواء فى حالته العدائية أو السلمية فى الشخصية المصرية مما يكسبها مناعة حضارية متراكمة ترسخت طوال قرون. يعتبر المشروع الحضارى المصرى هو المناقض تماما لمفهوم الفوضى فالمصريين عندما يتجهون لتحقيق مشروعهم يعملون فى نفس الوقت على تحقيق الأستقرار فى محيطهم الأقليمى وعند أنطلاق المشروع بكامل طاقته يمتد هذا الأستقرار الى المحيط الأوسع الذى يشمل المجتمع الأنسانى بكل أطيافه. تأسس الأسقرار فى المشروع الحضارى المصرى على ركائز ثلاث أولها هبة من الله سبحانه وتعالى تتمثل فى النيل نهر السعادة والسلام فجريان النهر وأمتداده كالشريان من الجنوب الى الشمال أعطى للأمة المصرية أتصال بين أجزائها لا يعرف الأنقطاع وتماسك فى مكوناتها الأنسانية يعود الى قناعة بأن مصدر الحياة للمصريين واحد. تعاقب عنفوان فيضان النيل وشح أنحساره ،هذه التقلبات المتعاقبة للنهر جعلت العقل المصرى يبتكر أدوات منظمة وحامية للأستقرار الذى ينشده ، فكانت الدولة العقل المنظم لشئون المجتمع حتى يستقر والجيش العمود الفقرى للأمة والذراع القوى الرادع لأعداء الخارج والداخل المهدديين للأستقرار. دائما ما يأتى الهجوم على المشروع الحضارى المصرى من قوى الظلام من نقطة تقويض دعائم الأستقرار سواء كان هذا الهجوم يقوم به أعداء الداخل أو الخارج فتحاول قوى الظلام فى شراسة متناهية تحطيم الأدوات التى أبتكرها العقل المصرى لتعطيل ماكينة صناعة الأستقرار. تقوم حسابات قوى الظلام على أهداف شريرة ومصالح ترى أن المشروع الحضارى المصرى يقف حائط صد فى سبيل تحقيقها فعندما تتحالف قوى الأستعمار الخارجى مع فاشيست الداخل فى مرحلة ما تكن الأهداف والمصالح واضحة من تدمير أدوات الأستقرار وأولها أن أشاعة الفوضى عن طريق فاشيست الداخل يسمح لقوى الأستعمار بالنفاذ من ثغرة الفوضى تلك لكى تحقق مخططها فى السيطرة على مقدرات الأمة المصرية ثم الأندفاع الى السيطرة على كافة المحيط الأقليمى من أجل أستغلال الشعوب وفرض الهيمنة عليها. يعطل وجود المشروع الحضارى المصرى هذه الأهداف والمصالح الشريرة القائمة على الأستغلال والهيمنة لسبب جلى وهو أن المشروع المصرى يرتكز أساسه على قبول الأخر وأشاعة التسامح وليس أستغلاله والهيمنة عليه. أستطاع المشروع الحضارى المصرى التعامل مع المكون الأسمى عند الأنسان وهو الدين بشكل فريد فى تسامحه ويأتى هذا التسامح من طبيعة نشوء الأمة المصرية فهى فى وجودها المادى على هذه الأرض سبقت نزول الأديان السماوية وقام ترابط مكوناتها وتماسك الشخصية المصرية على أنتمائها الى مصريتها قبل أنتمائها للدين. لذلك فأعتقاد الأنسان المصرى فى دين وأيمان أخيه بدين أخر لا يمزق الأخوة بينهما لأن أساس هذه الأخوة قائم على الهوية المصرية السابقة على الدين. عندما يمتد المشروع الحضارى المصرى لا يصطدم بالأنتماء الدينى فى محيطه الأقليمى أو الأنسانى لأن هويته القائمة على المصرية لا تعرف التعصب الدينى أو الطائفية المذهبية بل على العكس فمخزونه من التسامح يتيح له أستيعاب أصحاب الأنتماءات الدينية المختلفة عنه. تضع الفاشية الدينية المتحالفة مع قوى الأستعمارهدف رئيس أمامها وهو محاولة طمس الهوية المصرية من أجل تعطيل المشروع الحضارى المصرى لأنها بهذا الفعل الشرير الذى تسعى ورائه ولن تنجح فيه تطلق مسوخ التعصب والفتنة والمذهبية وهذه المسوخ هى مليشيات الفوضى العدو الأول لمشروع الأمة المصرية القائم على الأستقرار. يتفرد المشروع الحضارى المصرى بأمرأخر خاص بجينات الأمة المصرية فعقل هذا المشروع والمحرك الأساسى له هو شخصية القائد هذا الحاكم المصرى الذى تحمله وتكلفه الأمة المصرية بأمانة الأنطلاق بمشروعها الحضارى بعد فرز دقيق. يأتى التفرد المصرى من طبيعة مكونات الأمة المصرية ذاتها فهى أمة طوال وجودها لم تعبد سوى أله واحد وكان نبع الحياة فيها من نهر واحد لذلك فأن مفهوم الأستقرار عند الشخصية المصرية وعلاقتها بالسلطة أحد روافده الأساسية يأتى من فكرة الحاكم القوى صاحب القدرة على أدارة أدوات الأستقراربمفرده لأن الشخصية المصرية لا تتقبل الفوضى فى المجتمع أو فى السلطة. يعطى التاريخ المصرى السابق للتاريخ والحاضرسمات واضحة لشخصية البطل المصرى القائد الذى يتحمل بشجاعة وأخلاص عبأ أمانة القيام بالمشروع ويعطينا التاريخ أيضا سمات هذا الظهور وترتبط هذه السمات جميعها ببداية بزوغ المشروع الحضارى المصرى وأنطلاقه. يكن الأستدعاء هو السمة الأولى فالأمة المصرية تستدعى هذا القائد وتكلفه بالمهمة وعليه التلبية ويأتى الأستدعاء فى ذروة تمكن الفوضى من مفاصل الدولة وتكن المهمة الأولى أو الأختبار هى تكليف القائد بأسترداد اليوم أسير مليشيات هذه الفوضى. عندما ينجح القائد فى تحرير اليوم من أسر الفوضى ويأمن المصرى فى حياته ويستعيد سكينته وعاداته المتوارثة من حضارته والتى لا تنقطع فى يومه تكن المهمة الثانية وهى تفعيل أدوات الأستقرار وأستثمارها الى أقصى درجة فى لحظة نجاح القائد فى مهمته الثانية هناتعطى الأمة القائد الصلاحية الكاملة فى أدارة مشروعها الحضارى ومواجهة أعداء هذا المشروع. الأن فى تلك الأوقات الفارقة من تاريخ الأمة المصرية نراقب جميعنا بحماس وحذر أنطلاق مشروع الأمة المصرية مشروعها الحضارى الذى حاولت وتحاول قوى الظلام تعطيله من أجل مصالحها الشريرة أن المصريين الذين يذهبون الى صناديق الأقتراع من اجل قول كلمتهم حول التعديلات الدستورية يتجاوز فعلهم أفق العملية السياسية فى أقرار هذه التعديلات. يتخطى فعلهم البعد السياسى الى ما هو أهم وأبقى أنها الأشارة المؤكدة على أنطلاق مشروع الأمة المصرية المشروع الحضارى الذى سيجاهد من أجل ترسيخ قيم التعاون والتسامح والأستقرار فى مواجهة ما تدبر له قوى الظلام من أشاعة الأستغلال والتعصب والفوضى. أن مشروع الأمة المصرية منذ وجودها على هذه الأرض يتلخص فى كلمة واحدة .. الخير ومهما تربص الشر وأذنابه بمشروعنا فأن العدالة والتاريخ وأرادتنا التى لاتلين تقول جميعها أن النصر حليف الخير.