كل الطرق تؤدى إلى الكاتب والأديب الكبير إحسان عبد القدوس إنسانًا وكاتبًا وأديبًا ومفكرًا وثائرًا، أجيال وراء أجيال قرأت له وتأثرت به وانفعلت مع إبطال قصصه ورواياته التي ظل ينشرها على صفحات روزاليوسف وصباح الخير لأكثر من ثلاثين عامًا، أمس واليوم وغدًا سيظل اسم إحسان عبد القدوس أسطورة نادرة لا تتكرر كثيرًا في تاريخ الصحافة المصرية. وقد توجت مجموعة كتب تراث روزاليوسف التى تصدرها المؤسسة بكتاب عن كاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس بعنوان (إحسان عبد القدوس أسطوره روزاليوسف)، وقد صدر الكتاب فى عيد ميلاد إحسان عبد القدوس المائة فى شهر يناير الماضي، حيث جمع الأستاذ رشاد كامل عددًا من المقالات والخواطر التى ظلت حبيسة المجلدات. ويعتبر الكتاب هو الكتاب الثالث عشر فى سلسلة تراث روزاليوسف والتى ظهرت للنور فى 2013 بفضل حماس وتشجيع المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس مجلس إدارة روزاليوسف والذى أكد فى بداية الكتاب أن المؤسسة يسعدها أن تقدم كتابًا عن إحسان عبد القدوس بوصفه ناظر المدرسة الصحفية العريقة التى مازالت تواصل نفس رحلة التنوير، مؤكدًا أن من لا ماض ليس له حاضر ولا مستقبل وأن سلسلة تراث روزاليوسف جاءت لتحيى ذكرى أعمدة المدرسة ومؤسسى الفكر الخاص بها والذى تميزت به على مر العصور لتكون أمام الأجيال الجديدة تخبرهم كيف كان يفكر هؤلاء الأعلام؟ كيف كانت لهم رؤية مستقبلية؟ وكيف كانوا يتناولون أى موضوع بموضوعية فضلا عن حلمهم بوطن جميل ومستقر لتسود العدالة الاجتماعية والحب والأمان. الكتاب مقسم لتسعة أقسام اختارها الكاتب لعرض مجموعة من المقالات المتنوعة تؤرخ لفترة زمنية عاشها كاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس. ففى القسم الأول من الكتاب وتحت عنوان «إحسان وحديث الذكريات» خصص هذا القسم للحديث عن الذكريات القليلة والنادرة فى روزاليوسف ومتاعبها وهمومها حيث يكتب عن انتقال المجلة لمقرها الحالى 89 أ شارع القصر العينى وحكاية الرجل صاحب تصميم المبنى المهندس سيد كريم وقصة صدور مجلة صباح الخير. الفتاه والخمر قصة لطيفة يحكيها إحسان عبد القدوس عن أول قطعة أدبية نشرت له فى جريدة روزاليوسف وكانت من الشعر المنثور أرسلها بلا إمضاء وبعد نشرها ذهب لوالدته كى يكشف لها عن شخصية الكاتب العظيم صاحب القطعة الأدبية لكنها ما كادت تعلم أن الكاتب هو ابنها حتى ثارت فى وجهه وحرمته من المصروف، فقد كان موضوع القصة يدور عن فتاه وخمر وكانت والدته تظن أنه يجهل الفتاة ولا يعرف ما هو الخمر. ويستكمل إحسان فى مقال نشره فى يناير 1947 يحكى فيه عن رحلته فى بلاط صاحبة الجلالة واصفًا الرحلة بأنها قبلات من الزمن وصفعات على وجهه، فيحكى كيف طرد من روزاليوسف وكيف عمل فى آخر ساعة وأشرف على تحريرها ومع ذلك كان يوقع بأول حرف من اسمه فقط (أ) ثم أصبح الإمضاء بالاسم الأول فقط إحسان حتى أن القراء كانوا يظنون أن الكاتب فتاة. وكيف خجلت عائلة زوجته من مهنته وكتبت فى بطاقات دعوة عقد القران محام وليس صحفي، حتى قرر أن يكتب للسينما وفى يوم كتب ثلاث قصص وباعها بمبلغ 240 جنيهًا وعندما أمسكت زوجته الشيك بكت. ليست القصص فقط ما اقتصر عليه الكتاب بل أيضًا معاركه الصحفية والسياسية قبل ثورة 23 يوليو، فقد حارب إحسان الظلم والفساد والطغيان واستبداد الرجل للمرأة، كان إحسان فى حاله ثورة دائمة وغليان لا ينتهى فى كل ما يجرى حوله من أوضاع سياسية وحزبية وكانت روزاليوسف هى أداة ثورته. فقد خاض إحسان عشرات المعارك الصحفية والسياسية ودفع ثمن هذه المعارك جميعًا من أعصابه وصحته ودفع ثمنًا غاليًا وهو سجنه واعتقاله بسبب مقالتين كتبهما فى مجلة روزاليوسف كانت المرة الأولى فى زمن الملك فاروق عندما هاجم المندوب السامى البريطانى وطالب بطرده عام 1945 والثانية فى زمن الرئيس جمال عبد الناصر عندما هاجم وانتقد طريقه حكم مصر. جمعية وطنية ويستكمل إحسان الحديث عن الجمعية الوطنية ويقصد بها هيئة تحرير ومحررو روزاليوسف واصفًا إياهم بأنهم شباب يفخرون بفنهم ومصريتهم جماعة ليس لهم رئيس، فرئيس التحرير ليس إلا رئيسا أمام القانون أما فى العمل فكلهم رؤساء وكلهم يشتركون فى توجيه سياسة المجلة وكلهم يشتركون فى الحملات التى تقوم بها المجلة واختاروا أن تبقى المجلة مستقلة عن أصحاب رؤوس الأموال، وأن تحقق مشروعاتها معتمدة على نفسها دون أن تفتح بابًا لتدخل أحدًا فى سياساتها، مؤكدة أنه ليس لجمعية روزاليوسف رئيس ولكن لها أم كافحت وهى تعلم أولادها كيف يكافحون؛ أم احتقرت الدنيا فى سبيل رأيها وهى تعلم أولادها كيف يحتقرون الدنيا؛ أم عنيدة وهى تعلم أولادها العناد. وفى القسم الثانى من الكتاب حملت المقالات اسم إحسان (سونة) لأول مرة، وسونة هو أول توقيع كان إحسان عبد القدوس يوقع به خواطره ومقالاته القصيرة على صفحات روزاليوسف عندما ذهب فى إجازة صيف إلى الإسكندرية وطلبت منه والدته أن يحصل على أخبار ويبادر بإرسالها للمجلة. وكانت البداية عندما ذهب إلى فندق وندسور ملتقى رجال السياسة وقتها ووجد أمامه الدكتور محمد حسين هيكل باشا فقال له أنا عايز أخبار ماما قالت هات أخبار!. ونشرت هذه المقالات من عام 1937 وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، منها مقاله يابلاش والذى يحكى فيه كيف قضى خمسين يومًا فى الإسكندرية بخمس جنيهات مستمتعًا بالاعتماد على النفس والإحساس بالحرية. مقال آخر يكتب فيه إحسان عن اسمه اللعين كما يصفه حيث كان من يسمع اسمه يظنه فتاة فضلا عن اللدغة التى عانى منها خلال سنوات دراسته. ثم العلقة السخنه التى نالها بسبب حبه لفتاه تعمل فى بوفية متنقل من قبل عواذل كانوا يطمعون فى قلب الفتاة. مقال آخر يحكى فيه عن الزوار بعنوان ناس بيزورونى نوادر لأغرب الزيارات وكيف منعت السيدة روزاليوسف دخول الحسناوات للمجلة حفاظا على دولاب العمل. وفى القسم الثالث تناول الكتاب مقالات بعنوان «إحسان مقالات ما قبل ثورة يوليو». مع بداية سنه 1945 وقبل تولى إحسان رئاسة التحرير كتب أخطر وأهم مقالاته فهو يزور فلسطين ويكتب تحقيقًا مهمًا هو فتاة من تل أبيب وبعد رئاسته للتحرير يكتب عن اللورد كيلرن فيتم سجنه وتتوالى مقالاته عن الشباب والثورة ونريد من الملك ومطلوب زعيم شجاع والشعب والدستور ومطلوب تعديل الدولة ولو الغيت هذه الأحزاب وانحنوا لمصر وغدا من يحكم مصر ورجال الصحافة وأخبار القصر، ثم يبدأ فى نشر أخطر حملة صحفية عن الأسلحة الفاسدة على مدار عدة أسابيع بسبب ما جرى فى حرب فلسطين وتتوالى مقالاته التى تبشر بقيام ثورة يوليو 1952 التى لم يكن بعيدًا عن أبطالها. فقد كتب إحسان مقاله الشهير الجمعية السرية التى تحكم مصر فى 22 مارس 1954 وبعد ستة أيام فقط وجد نفسه محبوسًا فى السجن الحربى بتهمه قلب نظام الحكم وظل حتى 31 يوليو من نفس العام فى الزنزانة رقم 91 ولم تنشر المجلة حرفًا عن غياب إحسان، لكن السيدة روزاليوسف قاطعت أخبار كل ما يخص الثورة وقاداتها وبعد حوالى شهر روى إحسان التجربة فى مقاله الشهير 95 يومًا فى السجن والتى تناول فيها التجربة النفسية العنيفة التى مر بها حيث تم وضع وطنيته موضع الاختبار. القسم الرابع حمل اسم إحسان غرام وصدام يوليو واحتوى على مقالات الهزيمة الأولى ومتى يعود الدستور وتجرى الانتخابات؟. غدا لن يتقرر إلا إذا تحررنا من عقلية العبيد وكيف نريد أن تحكم مصر وانقلاب آخر بعد ثمانية عشر عامًا. وفى مقاله الشعب والدستور يلخص إحسان أزمة البرلمان قائلا: إن العيب الأساسى فى حياتنا البرلمانية هو أننا لا نؤمن بالحياة البرلمانية وأن الأغلبية الشعبية لم تستطع أن تقدر بعد معنى الأمة مصدر السلطات ولم تستطع أن تتفهم هذه السلطات الواسعة وأن يمنحها لها الدستور. ودور الناخب فى مصر ينتهى بإدلاء صوته فى الانتخابات فى حين أن دوره فى الدول الديمقراطية يبدأ بعد إدلاء صوته ودوره هو أن يعى ويفهم ويراقب. وفى القسم الخامس يستعرض رشاد كامل مقالات كتبها إحسان عبد القدوس بعنوان عرفت هؤلاء ومنهم الملك فؤاد والنحاس ومكرم ومحمد محمود وأحمد ماهر وأحمد باشا. ويحكى إحسان عن نجوم الصحافة والأدب فى القسم السادس. أما الخواطر والأفكار فيستعرضها فى القسمين السابع والثامن من الكتاب فيكتب عن ابنه محمد قائلا عشت حياتى حرًا طليقا ثائرًا لا أحترم تقليدًا ولا قانونًا ولا أسمح لكائن من كان أن يحد من حريتى أو يفرض عليّ أمرًا إلى أن جاء ابنى فأحتلنى احتلالا عسكريا وفرض عليّ قانونًَا عرفيًا ظالمًا وسلط أمره ونهيه على جميع نواحى حياتى. ويختتم الكتاب بمقالات روزاليوسف عن ابنها إحسان ومنها مقالان للسيدة فاطمة اليوسف هما إلى ولدى السجين وإحسان ولدى رئيسا للتحرير.•