«اعرفنى تقبلنى» هو أحدث برامج مركز سيتى التابع لكاريتاس مصر، ويركز على توفير فرص تدريب للشباب ذوى الإعاقة فى القاهرة والإسكندرية والمنصورة وطنطا والغردقة فى محلات كارفور، وتوظيفهم فى مهن ملائمة فى سوق العمل أو مساعدتهم على إنشاء مشروعات صغيرة، بالتعاون مع مجموعة ماجد الفطيم- كارفور، ومؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية. الشركاء الثلاثة جمعهم الإيمان بقدرات ذوى الإعاقة وبمساعدتهم على بناء مستقبلهم ودمجهم فى بيئة العمل ليستطيعوا الاعتماد على أنفسهم، بدلا من الاعتماد على المساعدات، ويصبحوا قادرين على توفير متطلبات الحياة الكريمة لهم ولأُسَرِهم. «مركز سيتى» أنشأته جمعية كاريتاس مصر فى عام 1986، لتقديم خدمات للأشخاص ذوى الإعاقة، ويعتبر من المراكز الرائدة فى مصر والعالم العربى فى العمل مع الأشخاص ذوى الإعاقة الذهنية، لأنه يركز على تأهيلهم، وتمكين أولياء أمورهم من التعامل معهم والمطالبة بحقوقهم، وتدريب المتعاملين مع هؤلاء الأطفال، وتوعية المجتمع بقضاياهم. يتميز مركز سيتى ببرامجه فى التأهيل المبكر للأطفال ذوى الإعاقة، بالتركيز على الدمج التعليمى والتأهيل المهنى والتوظيف للشباب ذوى الإعاقة، ولهذا حصل على جائزة أفضل الممارسات العالمية فى التأهيل المهنى والتوظيف من قِبل مؤسسة إيسل النمساوية والمجلس الأوروبى ودعى لعرض خبرته فى مؤتمر عالمى أقيم فى مقر الأممالمتحدة فى فيينا بالنمسا فى فبراير 2017، على اعتبار أن عمل مركز سيتى نموذج للتنمية المجتمعية فى البلاد النامية. وتقول د.مادلين صبرى المشرف العام على مركز سيتى كاريتاس مصر: «مشروع اعرفنى تقبلنى يسير فى اتجاه المركز نحو ضمان حصول الأشخاص ذوى الإعاقة على حقهم فى التدريب والعمل وتوعية المجتمع بقضايا الإعاقة، تنفيذًا لمواد القانون الجديد لحقوق الاشخاص ذوى الإعاقة الصادر فى بداية هذا العام». هدف المشروع كما توضح جانيت سمير، المسئول الإعلامى للمركز، تحقيق نسبة توظيف الخمسة بالمائة لأصحاب الإعاقات، التى يقرها القانون وغير مفعلة، فالبعض يشغل ذوى الإعاقة على الورق فقط، حتى لو أعطاهم رواتب لا يطلب منهم الحضور للعمل، لكن التوظيف بالمعنى الحقيق حق، وللوصول إلى الحق نبدأ فى تدريب الأطفال من سن 12 سنة، وحتى 18 سنة، ليبدأوا فى التوظف، ومنهم تم توظيفه فى مستشفيات وفى محلات لتقديم الطعام أو مساعد شيف، وبعضهم من أصحاب متلازمة داون والتوحد والشلل الدماغى، ليصل عدد من تم توظيفهم إلى 500 شاب وشابة خلال عام. كل واحد يختار وظيفته حسب مهارته فى التدرب عليها وحسب ميوله أيضا، ورأينا كيف استطاع شباب من متلازمة داون تقديم الطعام للناس فى المطاعم الشهيرة والناس تحبهم، وما زلنا نحتاج أن يرى المجتمع نجاحات هؤلاء ليقتنعوا بقدراتهم ومهاراتهم. طريق توظيف ذوى الإعاقات الذهنية، بدأ بالنسبة لسيتى من أولياء أمور الشباب، كما تحكى حنان نيكول، المسئولة عن برنامج المساندة الأسرية، عندما شارك أولياء أمور الأطفال فى التدريبات التى يقدمها المركز للأطفال، اكتشفوا أنهم يستفيدون من خبرات بعضهم البعض فى الكثير من الأمور، ففكرنا فى إنشاء مجموعة منهم، اختاروا أن يسموها مجموعة «المساندة الأسرية» ويضموا إليهم الآباء الجدد، ليشعر كل واحد أنه ليس لوحده، وليس الوحيد الذى يعانى من المشكلة، وأن ابنه يمكن أن يصبح معتمدا على نفسه ويحقق نجاحات كثيرة، ويفرح هو بنجاح ابنه، من خلال ما يراه من نماذج ناجحة لتطوير قدرات الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية. تطورت مجموعات المساندة الأسرية، وأصبحت تنظم أنشطة لأعضائها، إلى جانب حضورهم للندوات التى ينظمها المركز، من هذه الأنشطة أنهم يعقدون لقاءات مع تجمعات فى المجتمع، يقولون للناس النجاحات التى استطاعوا اجتيازها، ما يؤذيهم من تصرفات الناس ونظراتهم تجاه أطفالهم. وتتابع مجموعات الآباء كل القرارات التى يصدرها المسئولون أو الجهات المختلفة بشأن ذوى الإعاقة، ويردون عليها أو يناقشونها ويقدمون آراءهم ومقترحاتهم فى اللقاءات التى تنظمها الجهات المختلفة لتوصيل صوتهم للمسئولين. «تتواصل مجموعات أولياء أمور الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية عبر جروبات فيس بوك وواتس آب، وكل أم تساعد الأخرى فى الوصول إلى أماكن الخدمة التى تحتاجها فى أقرب مكان، وانضم للمجموعات أباء من دول عربية أخرى» تقول حنان. العالم الافتراضى لا يكفى وحده: «أعياد ميلاد للأمهات ورحلات ليوم واحد عشان نتسند على بعض» من شروط مجموعات الآباء ألا تقل عن خمسة ولا يزيد عدد أعضائها على 20 عضوا، ليمكنهم التواصل بشكل أفضل، وكل عضو قديم يمكنه أن يكون مجموعة جديدة، إحدى الأمهات أنشأت مجموعة للجيزة، وأحد الآباء أنشأ جمعية فى الخانكة، وأم ثانية أنشأت جروبا على فيس بوك، جمعت فيه 211 أسرة، ليتبادلوا الخبرات معا، ويتقابلون مرة شهريا. أهمية هذا اللقاء «الواقعى» كما ترى حنان نيكول: «بيكونوا محتاجين يشوفوا بعض، عشان يعملوا أنشطة خاصة بيهم، ممكن عيد ميلاد لإحدى الأمهات أو الآباء، لأن الأسرة أو المركز أو الجهات التى تقدم خدمات للأطفال تقيم أعياد الميلاد للأطفال، لكن لا أحد يهتم بأن يحتفل بعيد ميلاد الأم أو الأب، وممكن ينظموا رحلة ليوم واحد لأسرهم، كى يقضوا وقتا جميلا وسط لعب الأطفال وأخواتهم من غير ذوى الإعاقة، فيرسلوا رسالة لباقى الأسر من حولهم أن الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية يتعايشون بشكل طبيعى مع أسرهم ومع باقى الأطفال، ولا داعى للخوف أو السخرية منهم، ولو أى أب أو أم من أعضاء المجموعة لسه مش قادر على مواجهة الناس ونظراتهم وتصرفاتهم معه ومع ابنه أو ابنته، بيكتسب الجرأة والحماس من باقى المجموعة، عشان كده الناس بتستغرب من قوة أعضاء المجموعات دى، ده لأنهم تخطوا مرحلة الصدمة والإنقاذ وبقوا مسنودين ببعض وبدأوا مرحلة المواجهة، فاعلين مش مفعول بهم». لا يتوقف الأمر عند هذا فقط بالنسبة للآباء والأمهات، فأغلبهم أصبح عنده روح التطوع، «لو واحدة لقيت أم ماشية فى السوق أو فى أى مكان ومعاها طفل من ذوى الإعاقة الذهنية، تستوقفها وتحكى لها عن طفلها، وتوجهها لأماكن الخدمات، وتتبادل معها الحوار وتحرص على أن تأخذ منها طريقة للتواصل معا، بقى عندهم روح الإحساس بالمسئولية مش بس تجاه أولادهم، لكن تجاه أولاد الآخرين كمان وتجاه القضية نفسها، مش بس بيطالبوا بخدمات لأولادهم، لكن بيطالبوا بحقوق أولادهم». «تسابيح» أم رهف بليغ حمدى: هكذا خضت «أسرار البلوغ» مع ابنتي «فضلت متقوقعة جنبها لغاية ما بقى عندها سنة ونصف، لغاية ما عرفت مركز سيتى، وأنه بيوفر جلسات تخاطب للأطفال الداون، وهناك عرفت معلومات كتيره من اللقاءات اللى بتنظم للأمهات والأخصائيين النفسيين، عن مراحل نمو الأطفال ذوى الإعاقة، وطريقة تعلمهم وغيرها، شفت أمهات تانية وكانت بنتى أصغر الأولاد، دلوقت بقى عندها 12 سنة». تحكى تسابيح والدة «رهف بليغ حمدى» عن بداية حصولها على كورس وشهادة معتمدة للتعامل مع الأطفال لذوى الإعاقة الذهنية، وكيف أصبحت الآن قائدة لمجموعة من مجموعات المساندة الوالدية، خلال السنوات التسع تلك عرفت كيف يمكن أن يتعلم أصحاب الإعاقة الذهنية وينبغوا فى مجالات مختلفة «دلوقت باندم على الليالى اللى قضيتها وابنتى فى حجرى وهى رضيعة، وأنظر إليها وأنا أقول لها يا عينى يا بنتى هتعيشى إزاى وسط المجتمع ده، يكفى مشاعر الفرح بنجاحها فى البطولات وفرحتها وهى تقول لى أنا بطلة، وفرحتى وهى تقول بسم الله الرحمن الرحيم قبل أن تأكل، وسعادتى وهى تقول لى سلامتك عندما أمرض». «جسمك لنفسك..» من سن 4 سنوات أخذت تسابيح تكرر على ابنتها رهف المعلومات والمفاهيم التى تعلمتها فى مركز سيتى «جسمك لنفسك، لازم يكون فى مسافة بينك وبين أى حد حتى بين البنت والبنت، أو الولد والولد، لأن الأطفال دول أكثر عرضة للتحرش، لأن المتحرش متأكد إنهم مش فاهمين، ومش هيقدر يقول هو مين اللى بيعمل معاه كده، لأنه مش فاهم إيه بالضبط اللى بيتعمل معاه، وزى ما اتعملت فى سيتى وبقول دايما للأمهات ماتعوديش ابنك أو بنتك على الأحضان والقبلات عمال على بطال لأن ده بيربى جواه حاجة مش كويسة، تكون بس فى وقت النجاح كمكافأة أو وقت ما يكون تعبان، أو بعد غياب عنه». أى ضيف يأتى إلى البيت مهما كان قريبا تترك رهف مسافة بينه وبينها، هكذا تعودت، وتعودت أن تغلق باب غرفتها وهى تغير ملابسها، «فى مرحلة البلوغ انزعجت من منظر الدم، فقلت لها بالراحة.. بصوت واطى، متخافيش، ما ينفعش حد يشوف الحاجات دى، وساعدتها مساعدة بسيطة، أختاها لم يسألانى أسئلتها لكنى أعرف أن المناهج الدراسية أجابتهم عن الكثير من هذه الأسئلة، ولم يحتاجوا سوى مساعدة بسيطة، رهف تسأل ليه وعلشان إيه كل ما إدراكها بيزيد» من يوميات رهف وتسابيح. «حكايات اختبارات الذكاء ودمج المدارس وحظك فى التأمين الصحى» عندما وصلت رهف لسن الخامسة، كان قرار الوزارة لدمج الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية أن من تقل نسبة ذكائه، التى تقاس باختبار معين، عن 55 درجة يلتحق بالمدارس الفكرية، وفجأة صدر قرار وزارى برفع هذه الدرجة إلى 75 درجة، وهنا تجمع أولياء الأمور ومنهن تسابيح ليوصلوا صوتهم للمسئولين «يا وزارة ادمجوا أولادنا مع أولادنا برضه، إيه المانع أن بنتك تساعد بنتى»، وبالفعل رجع القرار تانى إلى 52 درجة. وبعد سنوات قليلة صدر قرار وزارى ثالث إن تكون الدرجة اللازمة لدمج الأطفال ذوى الإعاقات الذهنية فى الفصول 64 على الأقل، وبحدا أقصى 4 أطفال فى الفصل «القرار لا يظلم أحد، لأن هذه الدرجة هى اللازمة للتواصل، وبها يتوصل الطفل لأن يستطيع أن يعتمد على نفسه فى الطعام، ويكتب الحروف، لكن المشكلة أن الطفل بيدرس نفس المنهج ويمتحن بطريقة مختلفة، والمفروض أنه يقعد مع زمايله كمستمع، لكن يكمل طريقة الدراسة بالاستعانة بغرفة المجسمات والتعلم بطريقة منتسورى، مع مجموعة مثله، ثم يعود للاندماج مع باقى الفصل ويكون عندهم منهج مخفف». رهف وصلت للصف الخامس الابتدائى الآن وعمرها 12 سنة، وترى تسابيح أن هناك صعوبات فى الالتحاق أيضا بمدارس التربية الفكرية، والمنهج والمقرر هناك وطرق الامتحانات ليست سهلة، «أولادنا محتاجين مناهج مبسطة وتدريبات مهنية وفنية كتيرة». رحلة التحاق طلاب الدمج بالمدارس، تبدأ من المدرسة نفسها، إما أن تجد مديرا متفهما يقبل، أو لا تجده، وعندما تجد المدير المتفهم، يعطيك ورقة للتأمين الصحى لإجراء اختبار الذكاء، وهناك كل واحد وحظة، فقد تقابل أخصائيا يريد أن ينتهى من الاختبار الذى يمكن أن يجرى فى ربع ساعة أو يمتد إلى ساعتين، حسب شروط التطبيق، مثل أن تجعل الطفل لا يشعر أنه فى اختبار وتصادقه ويكون شبعان مش عطشان...و...، وإما أن يرى سريعا أنه لا يستحق أكثر من 55 درجة، ويقول للأهل بشفقه عايزين تدمجوه ليه وتتعبوه. «بعض المستشفيات الحكومية مثل الدمرداش تجرى اختبار الذكاء بشكل مهنى جدا، وبعض المدارس تقبل باختبار ذكاء من أى جهة حكومية، والبعض يصر على أن يكون فى التأمين الصحى، وهنا يأتى دور تبادل الخبرات بين الآباء» تؤكد تسابيح أهمية تبادل الخبرات، وبالمثل تكون قصص حصول الأطفال على حقوقهم فى مركز شباب دون غيره، فى التدريب فى اللعبات المختلفة، وقصص الأمهات والآباء مع الجهات المختلفة تقصر الطريق على الآخرين كثيرا. بين القانون وتطبيقه مسافات كثيرة كما تحكى تسابيح وباقى الأمهات، وهى المنطقة التى تنشط فيها مجموعات المساندة، ورغم أن عام الإعاقة 2018 شارف على الانتهاء، فما زال هناك الكثير من الدعم الذى يطلبه أولياء الأمور من المجتمع والحكومة، فيكفى أن يعامل «مرافق ذوى الإعاقة» بالاحترام المطلوب وتيسر له الأمور فى كل مصلحة أو مؤسسة أو حتى فى مترو الانفاق، صعوبات كثيرة لازالت تواجه من يريدون الحصول على معاش كرامة لأبنائهم، ليس فقط فى الأوراق المطلوبة، وطريقة استخراجها، لكن أيضا فى أماكن الانتظار فى بعض المدن، وبشكل عام مرافق ذوى الإعاقة الذهنية «محتاجين دمج حقيقى فى المجتمع، وأن يكون فيه ناس مسئولين عن جودة وصول الحقوق لأصحابها، ومتابعة تطبيق الحقوق دى». •