* 20 ألف طفل يستحقون الدمج.. والوقت الإضافى فى الاختبارات مطلب عادل * أولياء الأمور: الدمج بصورته الحالية ظالم لأبنائنا والمحصلة «اجتماعية» وليست «تعليمية» * غياب التكنولوجيا الحديثة في الفصول.. واهتمام محدود ب«غرف المصادر».. والتوعية غير كافية * الخبراء: مطلوب حزمة برامج تدريبية لإدارة المدرسة والمعلمين والإخصائيين لتحقيق الرعاية المتكاملة * الاستفادة من بيوت الخبرة كالجامعات والمعاهد لإعداد معلمين مؤهلين للتعامل مع ذوي الإعاقة * المجلس القومي لشئون الإعاقة: الكثافة والامتحان الالكترونى والمناخ المناسب أبرز التحديات جميل جدا أن يصدر الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني قرارا بدمج الطلاب ذوي الإعاقات البسيطة في التعليم العام، فهذا هو أبسط حقوقهم، لكي يخالطوا أقرانهم من غير ذوي الإعاقة في الفصول، فلا يشعرون بالعزلة، ولا ينتابهم إحساس بأن الدولة أو المجتمع يميز بينهم وبين أقرانهم، ولكن الأجمل منه أن تكون هناك إجابات قاطعة لتساؤلات مشروعة منها: هل ثقافة المجتمع تسمح بذلك؟.. هل الطلاب من غير ذوي الإعاقة مؤهلون لتقبل أقرانهم من ذوي الإعاقة بجانبهم في الفصول؟.. هل تم إعداد المناهج بطريقة تناسب قدرات ذوي الإعاقات ؟.. ثم هل المعلم مؤهل للتعامل مع مثل هذه الحالات؟.. وهل الكثافات المرتفعة في الفصول الدراسية تسمح لذوي الإعاقة بالتحصيل العلمي؟.. وما هي التحديات التي لو تغلبنا عليها لحققنا عملية دمج ناجحة داخل المدارس؟.. هل أطراف العملية التعليمية ( طلاب ومعلمون وأولياء أمور ومدارس) مؤهلون للتعامل مع فكرة الدمج وإنجاحها؟ .. طرحنا تلك التساؤلات علي جميع الأطراف .. فماذا قالوا؟ نعود أولا إلي القرار الوزاري رقم 252، والذي أصدره الوزير قبل أيام، بشأن قبول التلاميذ ذوي الاحتياجات البسيطة بمدارس التعليم العام، وينص علي دمجهم بأقرب مدرسة لمحل إقامتهم، ويفضل أن تتوافر بها غرفة مصادر أو غرفة للمعرفة، وألا تزيد نسبة التلاميذ ذوي الاحتياجات علي 10 % من العدد الكلي للفصل بحد أقصي 4 تلاميذ، علي أن يكونوا من نوع الإعاقة نفسها . شهود عيان علي الدمج سألنا بعض أولياء الأمور ممن تم دمج أبنائهم في مدارس التعليم العام: كيف ترون تجربة الدمج؟.. وما أبرز التحديات التي تواجهها؟ تقول تسابيح كمال الدين وهبي ولية أمر الطالبة رهف بليغ حمدي في الصف الرابع الابتدائي ولديها إعاقة ذهنية، ألحقتها بمدرسة حكومية في إطار قرار دمج ذوي الإعاقة في التعليم العام، ومن أبرز التحديات أن الدمج اجتماعي فقط وليس تعليميا، كما أن بعض المعلمين غير مؤهلين للتعامل معهم، صحيح أنهم تربويون، وألحقتهم وزارة التربية والتعليم بدورات تدريبية، لكنهم يتعاملون مع التلاميذ المدمجين وفقا لخلفياتهم العلمية السابقة، وكأنهم لم يستفيدوا من الدورات التي حصلوا عليها، أضف إلي ذلك أن غرفة المصادر (مجسمات يتم تعليم الأطفال عليها الحروف والأرقام والأعداد) نادرا ما يتم إدخال التلاميذ ذوي الإعاقة فيها، والتعليم يتم بشكل عشوائي، وليس بشكل علمي، كما لا توجد توعية كافية للمعلمين بتقبل حالة أبنائنا، وظروفهم الصحية، وإعاقاتهم، ويتم وضعهم في الديسك الأخير، كما أن التكنولوجيا الحديثة غير موجودة بمدارس الدمج، والعجيب أن المنهج الذي يدرسه ذوو الإعاقة البسيطة هو نفسه الذي يدرسه أي طفل طبيعي، ومن ثم فإن فكرة الدمج بوضعها الحالي وآلياتها الراهنة في التعليم «ظالمة» لأبنائنا . دمج اجتماعي لا تعليمي وتقول هناء عبد السميع السيد ولية أمر الطالبة رقية علي سليمان في الصف السادس الابتدائي، إن أولياء الأمور يبعدون أبناءهم الأصحاء عن أبنائنا، مؤكدة أن ابنتها لا تستفيد من العملية التعليمية، إذ لا تعرف شيئا سوي أبجديات التعليم ( بداية الحروف الهجائية، وبعض الأرقام البسيطة مثل أرقام 1،2،3) وكلمات بسيطة مثل (أسد - قط - أرنب)، وقد طالبنا مرات عديدة بوجود أخصائي تخاطب، وفتح غرفة المصادر، لتنمية مهاراتهم، لكن لم يحدث، وفي المناهج الفرق الوحيد يكمن في نظام الامتحان فقط، إذ تكون اختبارات أبنائنا علي طريقة (صح وخطأ أو أكمل)، وعندما نواجه مشكلة لا نعرف لمن نشكو، لذلك نطالب بتوفير آلية واضحة لشكاوي أولياء أمور الطلاب ذوي الإعاقة في مدارس الدمج. مناهج مناسبة.. ومعلم مؤهل ويقول الدكتور أشرف مرعي أمين عام المجلس القومي لشئون الإعاقة: إن دمج ذوي الإعاقة في المجتمع أو في التعليم حق أصيل من حقوقه، فهو إنسان، وعزله يزيد البعد بينه وبين الآخرين من غير ذوي الإعاقة، ولذلك فمن حقه أن ينعم بحقوقه، والتعليم أحدها، ولكي تتم عملية الدمج بنجاح ينبغي أن يكون المعلم مؤهلا، والمناهج مناسبة، مشيرا إلي أن الإعاقات البدنية والبصرية لا يؤثران علي القدرات الذهنية لدي الطالب، ولكن قد يكون هذا الطالب بحاجة لشكل من أشكال المساعدة في تقديم المادة له بما يتلاءم مع حالته، أو مساعدته علي الكتابة، فيما يحتاج الطلاب ذوو الإعاقات البصرية لوسائل تعليمية مختلفة كالاسطوانات والوسائط الالكترونية أو مواد تعليمية تم تصميمها بطريقة «برايل»، بينما ذوو الإعاقات السمعية إذا تم تأهيلهم منذ الصغر، فإنهم يتفاعلون مع العملية التعليمية إلي حد كبير، أما ذوو الإعاقات الذهنية البسيطة فيتم قياس مستوي الذكاء لديهم بواسطة مقاييس محددة منها اختبار الذكاء، وكذلك مقاييس السلوك التوافقي وهل السلوك التوافقي لدي الطالب ذي الإعاقة عند سن محدد متناسب مع السلوك الخاص بأقرانه في نفس سنه؟ . قواعد وأصول الدمج ويضيف : للدمج قواعد وأصول، إذ ينبغي أن يحصل الطالب ذو الإعاقة علي نفس المنهج الذي يتلقاه زملاؤه من غير ذوي الإعاقة، لكن علي المدرسة في المقابل أن تهيئ للطالب ذي الإعاقة المناخ المناسب أو المساعدات المناسبة لتلقي العلم وأداء الاختبارات، فإذا كان ذو الإعاقة يستخدم كرسيا متحركا، فهنا ينبغي أن تراعي المدرسة حالته، من حيث إلحاقه بفصل في الدور الأرضي، أو توفر مصعدا إذا كانت ستلحقه بالفصول في الأدوار العليا، والسماح له باصطحاب من يكتب له أثناء الامتحانات، أو تخصيص امتحانات إلكترونية له يؤديها علي الكمبيوتر، وأن تكون كثافة الطلاب منخفضة في الفصول، وتخصيص مساعد لمعلم الفصل لمساعدة هذه الحالات من ذوي الإعاقة. وهناك معلمون للتربية الخاصة مؤهلون للتعامل مع ذوي الإعاقات البصرية والسمعية والذهنية البسيطة، ويمكن الاستفادة من خبراتهم لمساعدة المعلمين الذين يعملون في المدارس التي سيتم دمج الطلاب ذوي الإعاقة بها، وينبغي إكساب هؤلاء المعلمين مهارات وتدريبا لكي يتمكنوا من توصيل المعلومة للطالب ذي الإعاقة، يضاف إلي ذلك التخوفات التي تعتري أولياء أمور هؤلاء الطلاب خشية أن يسخر منهم زملاؤهم من غير ذوي الإعاقة، ولهؤلاء نقول إن دمجهم في التعليم العام، سوف يفيدهم، بينما نقول لأولياء أمور الطلاب من غير ذوي الإعاقة أن الطالب ذا الإٌعاقة لن يؤدي إلي تعطيله ولن يؤثر علي نسبة الاستيعاب داخل الفصل، وفي كل الحالات يجب توعية الجانبين بذلك. تقييم التجربة ويضيف الدكتور أشرف مرعي: أما الطلاب فينبغي توفير جهاز كمبيوتر يناسب حالتهم، وكذلك توفير مصادر المعلومات لهم، وآلية محددة لأداء الاختبارات، وأن يكون الاختبار هو ذات الاختبار الذي يحصل عليه زملاؤه الأصحاء، وبنفس درجات الصعوبة ، وألا يكون هناك تمييز بينهم، لأن أي تمييز لا يتوافق مع قواعد الدمج، مشيرا إلي أن التجربة طبقت من قبل، وسنعمل علي إجراء استطلاع رأي لتقييمها وتلافي سلبياتها، وتنمية الإيجابيات، لتحقيق أقصي استفادة للطلاب ذوي الإعاقة من العملية التعليمية. تحديات كبيرة وفقا لإحصاءات وزارة التربية والتعليم يبلغ عدد المستحقين بمدارس التربية الخاصة نحو 40 ألف طفل، بينما يبلغ عدد المستحقين لنظام الدمج التعليمي نحو 20 ألف طفل في حين يتعدي عدد الأطفال في سن المدرسة نحو 3 ملايين طفل، والسبب كما تقول إجلال شنودة عضو مجلس إدارة المجلس القومي لشئون الإعاقة والمدير التنفيذي لمركز سيتي كاريتاس مصر- أن هناك ثقافة سائدة بأن الأطفال ذوي الإعاقة يحتاجون إلي نظام للتعليم، وهناك ثقافة خاطئة بأن كل الأطفال ذوي الإعاقة يحتاجون لمدارس التربية الخاصة، مع أن التجارب والخبرات في المدارس الحكومية المصرية، وفي بلدان أخري نامية أثبتت نجاح فكرة دمج الأطفال ذوي الإعاقة في المدارس النظامية إذا تم تأهيل البيئة المدرسية لتقبلهم والتعامل معهم، بل أثبتت الأبحاث والدراسات العلمية أن المستوي التعليمي للمدرسة ككل يرتفع إذا تبنت المدرسة أسلوب الدمج، وأن المعلم يصبح قادرا إذا تم تدريبه علي التعامل مع الفروق الفردية لدي الطلاب بمختلف قدراتهم. وتضيف: هناك بعض النقاط التي تحتاج لتعديل في القرار الوزاري مثل عدم السماح بوقت إضافي في زمن الامتحان، علما بأن هناك أطفالا ذوي إعاقة حركية يجدون مشكلات في الكتابة بسرعة، وأطفالا آخرين ذوي صعوبات في التعلم، ومشاكل التكامل السمعي يحتاجون وقتا أطول للتعامل مع المعلومة، وكذلك يحتاج الأطفال ذوو الإعاقات البصرية لوقت إضافي دون أن يحتاجوا بالضرورة لتعديل محتوي الامتحان، وهناك إشكاليات تحيط بنظام المرافق القانوني، حيث نص القرار علي وجود طفل أصغر سنا من الطالب لمرافقته في أثناء عملية الكتابة، مما ينتج عنه مشكلات عديدة، خاصة أن الكثير منهم يكون لديه امتحان في الوقت نفسه، ونحن نعمل مع الوزارة حاليا للتفكير في طريقة لتلافي المشكلات التي قد تحدث بشأن كيفية التوعية بهذا القرار، وتلافي المشكلات التي تنتج عن عملية التطبيق . ومن أهم عوامل نجاح الدمج وجود البيئة المرحبة، والمسئولين المتفهمين الذين يذللون العقبات ففي التجارب الناجحة تم تشكيل لجنة للدمج داخل المدرسة، لتذليل الصعوبات التي يمكن أن تواجه هذه العملية، يشارك فيها مدير المدرسة، والاخصائي الاجتماعي، ومعلم يتم تدريبه داخل المدرسة، مثل معلم غرف المصادر، ويكون من ضمن أدوار الاخصائي الاجتماعي توعية الأطفال بخصوص قبول الاختلاف، من خلال أنشطة داخل الفصل وخارجه، بحيث لا يتعرض الطفل ذو الإعاقة لأي سخرية أو تهميش من جانب زملائه . قبول مبكر ودمج ذوي الإعاقة البسيطة في مدارس التعليم العام - كما تقول د.مها أبو حطب أستاذ مساعد صحة الطفل بقسم رياض الأطفال جامعة حلوان - من شأنه أن يؤثر بصورة ايجابية علي الجميع خاصة الأطفال وأولياء الأمور، وسيؤتي ثماره علي التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة والمجتمع، ولعل من أهم التحديات التي تواجه المدرسة «قبول هؤلاء الأطفال مبكرا» من مرحلة ما قبل المدرسة (رياض الأطفال) والاهتمام باختبارات القبول التي تجريها المدارس، والاستجابة لقرارات التقييم الواردة من الجهات المتخصصة (الطبية والنفسية) بالإضافة لمتابعة تنفيذ برامج التدخل الفردية التي قد تشكل عبئا علي المعلم في حالة عدم تأهيله والاهتمام بدعمه «علميا ومهنيا ونفسيا واقتصاديا واجتماعيا» ليشعر بالنجاح في مهمته الجديدة. تجهيز المدارس ويمكن للمدرسة أن تصبح مؤهلة للدمج بأقل الإمكانات المادية وبإدارة مرنة تسمح بتنفيذ القرارات المؤثرة علي المجتمع مثل القرار الحالي الذي سنري آثاره الايجابية علي المدي القصير والبعيد في حالة تنفيذه بدقة . فالمدرسة في حاجة إلي الإعداد الجيد من حيث المنشآت والتجهيزات لقبول هؤلاء الأطفال حتي تصبح مكانا«آمنا» لرعايتهم تعليميا ونفسيا واجتماعيا وصحيا، إضافة للمعلمين بتخصصاتهم الفرعية (رياض الأطفال/ التربية الموسيقية/ التربية الرياضية/ الكمبيوتر/معلم التخصص...وغيرهم ) وكل هؤلاء في حاجة إلي التدريب والتأهيل، لأنهم المكون الأساسي في رعاية هؤلاء الأشخاص، وهنا أري ضرورة إعداد برامج تدريبية متعددة موجهة للمدرس والإخصائي النفسي، والإخصائي الاجتماعي، وإدارة المدرسة، والموجهين، والطلاب (الأقران) والأسرة، وكل من له صلة للوصول لرعاية متكاملة تؤتي بثمارها علي الطفل والأسرة والمجتمع . الاستعانة ببيوت الخبرة ويجب الإشارة إلي ضرورة أن تسعي وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، إلي تفعيل دور بيوت الخبرة في إعداد حزم تدريبية متكاملة عامة ومتخصصة لكل نوع من أنواع الإعاقة التي يمكن قبولها في المدراس خاصة العجز المعرفي (الإعاقة العقلية) وبطء التعلم والأشخاص ذوي صعوبات التعلم وأطفال (التوحد) والإعاقة الحركية والسمعية والبصرية البسيطة. التقويم والمتابعة ومن أهم البرامج التي يجب البدء «فورا» بها : «تدريب معلم رياض الأطفال والإخصائي النفسي والإخصائي الاجتماعي» لمتابعة ودعم المعلم والطفل والأسرة في هذه المرحلة المهمة. أما تأهيل معلمي المدارس الفنية فهو يمثل ضرورة ملحة لأن الأشخاص ذوي الإعاقة سينتقلون من مرحلة تعليمية إلي مرحلة أعلي وفقا» للتقييم والتقويم المستمر ، والذي- غالبا - ما سيقدم توصية بنوع التعليم المناسب وفقا لإمكانات الشخص، ونقاط القوة لديه . ولكي نصل لعملية دمج ناجحة، ينبغي متابعة إجراءات الإعداد، والمتابعة، والتقييم والتقويم للبيئة المدرسية، خاصة الفصل والمعلم والمنهج. مع تدريب المعلم لتطبيق المرونة في المنهج ، وفق البرامج الفردية للأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة ، وفي النهاية، فإن الجميع مسئول عن دعم هؤلاء الأشخاص سواء كانت المسئولية مباشرة أو غير مباشرة ، وعلينا الوقوف - جنبا إلي جنب- نحو تنفيذ القرار، والبدء في تقديم مبادرات مجتمعية، لإنشاء مدارس نموذجية ، وفق معايير محددة لدمج الأطفال في المراحل السنية المختلفة من رياض الأطفال، حتي التعليم الفني.