لم تكن مصادفة بعد يونيو 2013 أن يتم إنهاء التداخل بين التنظيمات الموالية ل«داعش» وتلك الموالية ل«القاعدة» فى سيناء، لتصبح «داعش» هى المهيمنة.. وأن يتم فض الاشتباك بين التنظيمات المرتبطة بالفصيلين فى المنطقة الشرقية من ليبيا لتصبح «القاعدة» هى المسيطرة، وتوجه جهدها الرئيسى ضد مصر عبر الحدود الغربية، بينما تتفرغ «داعش» لولايتها فى «سرت».. عملية ترتيب الأوضاع أكدت أن التوزيع الاستراتيجى لمناطق تمركز تلك التنظيمات وأنشطتها يخضع لإرادة واحدة، تستهدف فى النهاية «مصر»، الجائزة الكبرى التى تتداعى بعدها كل دول المنطقة. تأسيس «جيش الصحراء» «داعش» دعت ل«النفير العام»، وانسحبت من بنغازى ودرنة وإجدابيا، للدفاع عن معقلها الرئيسى ب«ولاية سرت»، الذى كان يتعرض لهجوم ميليشيات «البنيان المرصوص»، مدعوماً بقصف جوى أمريكى تجاوز ال500 غارة، ما اضطرها للانسحاب نهاية 2016، عبر ممرات آمنة، توافقت بشأنها مع قادة الميليشيات!!.. بعض عناصرها توجه إلى الغرب «صبراتة»، على بعد «100 كم» من الحدود التونسية، أنشأت معسكرين للتدريب فى صبراتة، لتستفيد من مينائها البحرى فى استقبال الدعم الخارجى.. نفذت العمليات الإرهابية ضد متحف باردو «مارس 2015»، وسوسة «يونيو 2015»، لكن وجودها لم يستمر طويلاً.. إذ انتفض الأهالى وطردوها، بعد اقتحام مركز الشرطة، وقتل من فيه 23 فبراير 2018، بمشاركة أبناء البلدة الذين قاتلوا فى صفوفها بسوريا، ثم اقتحامها لمدينة بن قردان الحدودية التونسية، ليعيدوا التمركز بالمناطق الريفية خارج المدينة، باستثناء بعض القيادات والعناصر الفردية التى تتمتع بحماية كبار العائلات. أغلبية الدواعش توجهوا جنوباً، إلى الصحراء، حيث أسسوا «جيش الصحراء»، من 3 كتائب، تم تعزيزه بمتطرفين قدموا من مصر وتونسوالجزائر والسودان، إضافة لمن تم تجنيدهم من الأفارقة.. «داعش» خلصت إلى أن أحد أسباب هزيمتها، تعاقب غير الليبيين على القيادة «سعودى، بحرينى، تونسيان، سعودى»، ما حال دون توافر بيئة محلية حاضنة، لذلك تم اختيار «المهدى سالم دنقو»، الملقب ب«أبى بركات»، كأول ليبى يتولى منصب القائد العام ل«جيش الصحراء».. التنظيم يقيم نقاط تفتيش مؤقتة على الطرق، ويشن هجمات تستهدف المحلات التجارية ومحطات الوقود، مما يعكس وجود نقص لديه فى مواد الإعاشة والطاقة، مما قد يدفعه لمحاولة السيطرة على حقول النفط والغاز بالجنوب على نحو ماتم فى سوريا والعراق. «داعش» هاجمت مقر مفوضية الانتخابات بطرابلس، فجرت سيارة مفخخة واقتحمت مركز شرطة ونهبت المحلات بإجدابيا، إختطفت ضابطين من القوات الجوية بودان وعمال فليبينيين، واقتحمت مركز شرطة العقيلة، اقتحمت نقطة أمنية بمدخل زليتن، هاجمت مقر المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، واقتحمت بلدة الفقهاء بالجفرة، ومركز شرطة تازربو جنوب شرق البلاد، قتلت رئيسه وأحد العناصر الأمنية، واختطفت عميد البلدة و10 أخرى.. عمليات تصعيد مقلقة، حاول الجيش الوطنى مواجهته بقتل محمود البرعصى «أمير بنغازى» يوليو 2018، فى عملية تعقب بعد قيادته للهجوم على مركز شرطة العقيلة.. تقرير خبراء الأممالمتحدة أغسطس 2018 أكد أن أعداد إرهابى «داعش» 3000/4000، ويقدرهم الجيش الوطنى ب5000.. عبء ثقيل، يفرض المزيد وطنياً ودولياً لمواجهته. القاعدة و«سرايا دفاع بنغازى» تنسيق الجيش الوطنى مع مصر أسفر عن طرد «القاعدة» من بنغازى وإجدابيا ودرنة، واعتقال هشام عشماوى قائد «المرابطين»، وإعلان شرق ليبيا خالياً من التنظيمات الإرهابية.. الفلول انتشرت بالمناطق الصحراوية والأودية الممتدة من صحراء سرت وحتى بنى وليد، وصولاً إلى مدن الجنوب الليبى.. «مجلس شورى بنغازى» انضم الى «شورى ثوار أجدابيا» و«شورى مجاهدى درنة»، فى كيان جديد هو «سرايا دفاع بنغازى»، بقيادة الإرهابى الإخوانى إسماعيل الصلابى، اتخذت من الجفرة مركزًا لها، وشاركت فى محاولات احتلال الهلال النفطى، مستفيدة من دعم المؤتمر الوطنى المنتهية ولايته، وقادة المجلس العسكرى لمصراتة، وبعض أعضاء المجلس الرئاسى.. لكن تعرضها لخسائر فادحة، دفعها لفتح أبوابها لضم العناصر المنشقة عن «داعش»، والتوسع فى تجنيد عناصر جديدة، والتوقف تقريباً عن تنفيذ أية عمليات بالخارج، لتجنب استهدافها، وقد تتجه للتحالف مع «جيش الصحراء»؛ لتكوين أكبر تجمع إرهابى فى شمال أفريقيا، مما يفرض مزيداً من اليقظة على حدودنا الغربية. أمريكا تصنع الإرهاب وتحاربه!! أمريكا قامت بدور رئيسى فى إسقاط النظام الليبى وفتحت الأبواب للتنظيمات الإرهابية، التى استهدفت السفير وعناصر المارينز فى بنغازى، وتشارك حالياً فى مواجهتها؛ دفعت عناصر من القوات الخاصة إلى مصراتة، شنت 500 غارة على سرت حتى تحررت «ديسمبر 2016»، استأنفت هجماتها «يناير 2017» كعمليات فردية، تستهدف مراكز تجمع الإرهابيين، قامت بتصفية 50 إرهابى فى قصف موقع قريب من صبراتة «19 فبراير 2018»، واصطياد عدد من رؤوس الإرهاب، من بينهم موسى أبو داوود زعيم قاعدة المغرب الإسلامى «مارس 2018»، وأربعة قياديين فى بنى وليد يونيو، و«وليد أبوحربية» مسئول السجون والتحقيقات السابق فى سرت، وآخر الغارات «29 نوفمبر» بأقصى جنوب غرب البلاد، قتل فيها 11 عنصر، تبين انهم عصابة إجرامية لقطع الطرق وسرقة السيارات لتهريبها إلى الجزائر، ونظم ذويهم من الطوارق وقفة احتجاجية بمدينة أوبارى احتجاجاً على الحادث، بدعوى أن الضحايا «لصوص»، أبرياء من تهمة الإرهاب!!.. قائد قوات «أفريكوم» اعترف فى شهادته للكونغرس مارس الماضى «نحن متورطون بشدة فى عمليات مكافحة الإرهاب داخل ليبيا»، ولذلك تم توسيع مطار صغير ببلدة «ديركو» شمال شرق النيجر، للاستطلاع الجوى، والعمليات التى تنفذها الطائرات المسيرة دون طيار. الجنوب الليبى ملاذاً آمناً منذ أن فشلت محاولات «داعش» و«القاعدة» تأسيس «ولايات» تابعة فى الشرق والغرب الليبيين، بدأت قيادتا التنظيمين فى إعادة هيكلتهما، وتعويض خسائرهما بعمليات تجنيد جديدة، تعتمد أساساً على مساجد المنطقة الغربية، لأن نظيرتها شرق البلاد خضعت لسيطرة الأوقاف، خلايا التنظيمين انتشرت جنوب ووسط البلاد، فى توافق على أن يكون إقليم فزان «الملاذ الآمن» لهما، على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الجفرة أصبحت مركزاً للتنسيق والتواصل، ومراكز إنتاج البترول والغاز بالمنطقة صارت هدفاً يتطلعان إليه، المنطقة أضحت مقصداً للعناصر القادمة من القرن الأفريقى عبر الخرطوم، ثم تشاد والصحراء المصرية أقصى الجنوب الغربى فى اتجاه المدن الصحراوية الليبية، أما القادمون من غرب أفريقيا فيتجهون عبر داكار بالسنغال فى اتجاه باماكو فى مالى ونيامى عاصمة النيجر وصولا إلى تمنراست بالصحراء الجزائرية، ثم يعبرون الصحراء إلى ليبيا.. الجنوب الليبى بركان الخطر. موقف دول الجوار الليبى دول الجوار الليبى تحاول السيطرة على الحدود، ضمن إجراءات مواجهة الإرهاب على أراضيها، مصر كانت الهدف الرئيسى لتنظيم القاعدة والتنظيمات المتعاونة معه، لكن امتداد العملية «سيناء 2018» إلى الحدود الغربية، والتنسيق مع الجيش الوطنى فى الجهد الجوى والمعلوماتى، ساهم فى توجيه ضربات حاسمة للإرهاب بالمنطقتين الشرقية والجنوبية.. مصر استضافت مقر المركز الإقليمى لمكافحة الإرهاب لتجمع الساحل والصحراء ودعمته ب100 مليون جنيه، وجهزته بالمعدات والأجهزة اللازمة، مما يعكس إدراكها الواعى لحجم المخاطر والتهديدات التى يمثلها الحشد الإرهابى الراهن جنوب ليبيا، ويعبر عن دورها القيادى فى الحرب على الإرهاب بالمنطقة والعالم، واضطلاعها بدور رئيسى وفاعل فى الجهود المتعلقة بإعادة تنظيم الجيش الليبى، وإنهاء الانقسام الراهن بين الشرق والغرب، تجسيداً لالتزاماتها تجاه الظهير الغربى لأمنها القومى.. السودان بعد التحسن فى علاقاته مع مصر، قام بنشر قوات على الحدود مع لبيبا لمنع تسلل الإرهابيين، وضبط عصابات التهريب والاتجار بالبشر، وهناك توجه لتشكيل وحدة مشتركة مصرية سودانية للسيطرة على أمن الحدود.. القوات التونسية قامت بتصفية بلال القبى مساعد زعيم «قاعدة المغرب الإسلامى»، الذى تسلل عبر الحدود الجزائرية، ما أجهض مهمتة لإعادة توحيد إرهابى «القاعدة» المتشرذمين فى تونس.. والجزائر نجحت فى إحكام سيطرتها على الأوضاع الأمنية، لذلك لم تتعرض لعمليات إرهابية كبرى منذ 2013.. وتبقى الحدود الجنوبية مع تشادوالنيجر فى حاجة للمزيد من إحكام السيطرة. التنسيق بين الميليشيات والإرهابيين عقب العملية الإرهابية التى وقعت ضد مقر مفوضية الانتخابات الليبية فى طرابلس مايو 2018، أكد تقرير لجنة الاستخبارات والخدمات المسلحة فى الكونجرس الأمريكى أن الهجوم يعكس حالة من التقارب والتنسيق العملياتى بين منظمتى «القاعدة» و«داعش» من ناحية، والتشكيلات الإجرامية من ناحية أخرى.. الهجوم على المؤسسة الوطنية للنفط الليبية بالعاصمة أغسطس 2018، فور صدور قرار إنهاء دور الميليشيات فى حراسة المؤسسات الرسمية للدولة، أكد التنسيق بينها وبين التنظيمات الإرهابية، حتى تظل القوة الممسكة بخناق الدولة، وحصار مؤسساتها.. ليبيا تحملت الكثير جراء إسناد المهام الأمنية للميليشيات المسلحة.. فهل آن الأوان لتفعيل اتفاقات القاهرة بشأن توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، لتعيد الأمن والأمان إلى ربوع الدولة؟!.•