فى تاريخ الفن رسم فنانون كثيرون أنفسهم فى المرآة، كان رمبرانت وسيزان وفان جوخ فى مقدمة هؤلاء الفنانين. عندما يرسم الفنان نفسه فى المرآة «البورتريه الذاتى» فهو يكشف عن مكنون ذاته، هو يكشف عن روحه ويعريها. كانت بورتريهات فان جوخ التى رسمها لنفسه محملة بعزلته ووحدته وعذاب روحه، كان يبدو فيها وكأن الحياة حكمت عليه بالموت، رسم معظمها فى سنواته الأخيرة، حتى إن بعض هذه اللوحات سجل بها حادثة قطع أذنه. عانى فان جوخ من العزلة، كان الشخص الوحيد الذى يتواصل معه هو أخوه يثو، وكان ذلك عبر الرسائل التى وصلت إلى أكثر من 800 رسالة. بدأ فان جوخ الفن فى عمر 27 عامًا بعد فشله فى عدة وظائف، رحل إلى باريس التى شاهد بها أعمال الانطباعيين وقد بهر بألوانهم الزاهية والمشرقة، كما كانت الرسوم اليابانية مصدر إعجاب وإلهام له فيما بعد، استطاع أن يخلق أسلوبه فى خلال سنتين منذ وصوله باريس، رسم أكثر من 700 لوحة فى أقل من عشر سنوات ولم يحالفه النجاح. كان يحلم بالألوان القوية النابضة بالحياة، رحل إلى جنوبفرنسا هربًا من ألوان باريس الرمادية، يتوقف فى «آرل» ويجذبه ضوء الشمس بها ذلك الضوء الذهبى الذى ظهر فى لوحاته فيما بعد، لقد ظهرت ضربات فرشاته القصيرة المتقطعة وهى السمة المميزة فى أعماله وأحد ملامح أسلوبه. بعد حادثة قطع أذنه إثر مشاجرة مع صديقه الفنان جوجان دخل مصحة نفسية، وظل يتردد عليها وكان يرسم داخل المصحة، معظم البورتريهات التى رسمها لنفسه تظهر نظراته المتوترة، والتى تكشف عن معاناته وخصومته مع العالم من حوله. أحد هذه البورتريهات رسمها فى المصحة وأظهر فيها ثلاثة أرباع جسمه وأخفى أذنه المشوهة، نشاهد فى خلفية اللوحة تموجات زرقاء والتى أحاط بها نفسه لتظهر معاناته الداخلية، وفى النظرة التحدى للمشاهد لتظهر روحه المعذبة، والبورتريه يسوده اللون الأزرق. رحل فان جوخ فى عمر 37 عامًا تاركًا خلفه كل هذا الإبداع.•