من منا لا يطرب عند سماع الأغانى التى شكلت وجداننا وسكنت أرواحنا مثل: يا ولاد بلدنا يوم الخميس هاكتب كتابى وابقى عريس الدعوة عامة.. وهاتبقى لمة وها يبقى ليّا فى البيت ونيس «وأيضا..» وحشتنى عدد نجوم السما وحشتنى عدد كلام الغُنا وحشتنى ف كل يوم إنما وحشتنى أكتر وأكتر.. واحنا سوا وأيضا.. الحب الحقيقى مايتنسيش طول السنين الحب الحقيقى ما ينتهيش ولا الحنين جايز تنسّينا الدنيا.. جايز نقابل ناس تانية جايز نحب وجايز لأ.. لكن يا روحى إن جيت للحق لو قولنا فى البعد ارتحنا.. نبقى بنكدب على روحنا بالإضافة إلى «فى الركن البعيد الهادي» و«ببساطة كده» لمحمد على سليمان وأنغام «بحبك يا شبرا» و«غدارين» لمحرم فؤاد، «كنت فاكر» لحن أحمد الحجار وغناء على الحجار، «كده برضه يا قمر» لحن خالد الأمير وغناء هانى شاكر، «بنات كتير» لحن هانى شنودة وغناء فريق المصريين، «اضحك يا بوعلى يا خفيف الدم» لحن منير الوسيمى.. وغناء سمير صبرى.. وغيرها الكثير والكثير. لعل الكثير لا يعلم من صاحب القلم وراء كل هذا الإبداع.. إنه الجنرال الشاعر الكبير صلاح فايز، المولود فى وسط القاهرة سنة 1934 الثالث عشر من شهر نوفمبر، ثم انتقل مع العائلة لحى «شبرا» وهنا تشكلت شخصية صلاح فايز الطفل الذى نضج بكل هذا الإبداع الدفين، حيث قضى بها فترة المراهقة، وتفتحت مسامه فى هذا الحى. «صباح الخير» حاورت هذا المبدع.. وإلى نص الحوار.. • ماذا عن الحب فى حياتك؟ - أول حب فى حياتى كان تقريبًا عام 1955، وكانت العلاقة العاطفية بيننا قائمة على فكرة المراسلات، حيث كنت وقتها أخدم فى سلاح الفرسان فى منطقة بير جفجافة بسيناء، ولكنها اختفت. وبعدها بحوالى 30 سنة، كنت أجلس فى النادى وإذا بصوت من خلفى يقول لى « ازيك يا صلاح.. متغيرتش انت لسة زى م انت»، وقبل أن أستدير لأرى من يتحدث قلت لها «ازيك يا فلانة»، كانت حبيبتى الأولى، وعدت المنزل فكتبت «معقول»: معقول نتقابل ثانى معقول منتش نسيانى معقول معقول معقول بعد ما ذابت أحلامى بعد ما شابت أيامى ألقاك هنا قدامى ده كثير قوى كثير قوى كثير قوى يا زمانى • وماذا عن رحلتك مع محمد فوزي؟ - بعد مأساتى العاطفية التى انتهت نهاية ما كنت أفكر فيها ولا أعتقد أنها سوف تترك بداخلى ذلك الجرح الدامى، الذى مازالت تقطر بعض نقاطه على وسادة الزمن، تحملت الصدمة رغمًا وانتقلت للعمل كرئيس عمليات الكتيبة 213 دبابات بالفوج الثانى المدرع الذى كان وقتئذ يتشكل بمنطقة «الهايكستب» تأهبًا لانتقاله للتمركز بقرية «فنارة» بمنطقة «فايد» العسكرية فى صيف 1959 ومع انشغالى باستلام دبابات الكتيبة من مخازن «وادى حوف» بمنطقة حلوان وإعداد الكتيبة أفرادًا ومعدات للسفر بدأت أنشغل مرة أخرى باهتماماتى الذاتية فى مواصلة التدريب على كتابة وتأليف الأغانى فى موضوعات وأشكال مختلفة، وكنت أداوم على الذهاب لمعهد الموسيقى العربية للقاء الزملاء والأصدقاء من الوسط الفنى كالمعتاد. وفى أحد أيام شهر يوليو، وقبل الاحتفال بعيد الثورة الثامن بعدة أيام.. استعدادًا للمرور أمام المنصة التى كانت أمام ثكنات قصر النيل «محل مبنى الجامعة العربية الآن» والمواجه للنيل والتى كان سوف يجلس بها الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر وسط كوكبة كبيرة من الوزراء والسفراء وكبار رجال الدولة، وقد أجرت الكتيبة ضمن دورها فى المرور لتحية الرئيس عدة بروفات سابقة على يوم العرض والاحتفال فى 23 يوليو، وبعد الانتهاء من إحدى البروفات، جلست على السور الحجرى لكورنيش النيل مواجهًا بالمصادفة عمارة «بلمونت» وإذ بى ألمح المطرب والملحن ونجم السينما«محمد فوزى» خارجًا من العمارة يصاحبه عازف الكمان الأول « أنور منسى » وفى طريقهما إلى جراچ العمارة فاندفعت جاريًا عابرًا الطريق إليهما، وقلت: صباح الخير يا أستاذ فوزى، أنا اليوزباشى صلاح فايز وأنا باكتب أغانى يا ريت تسمعنى، وبكل الحنو والدفء والبساطة رد: طيب يا صلاح.. أنا رايح أعمل مونتاچ لأغنية فى الاستوديو وعند عودتى نتغدى سوا وتسمعنى بتقول إيه يا صلاح...وبعد 3 ساعات جاءت سيارتهما للجراج، وصعدنا معا الشقة وسأل الطباخ عن الغداء، فأخبره أنه ملوخية وأرز ودجاج ابتسم ابتسامة خفيفة وسألنى هل تحب الملوخية فأجبته طبعًا هو فيه حد مصرى ما بيحبش الملوخية، أعجبته الإجابة واستأذن منى لتغيير ملابسه.. وانتظرت بالريسبشن عدة دقائق ثم عاد مرتديًا جلبابًا بلديًا وينتعل « بُلْغَة » فى قدميه. بعد الغداء بادرنى: قول بقى يا أبو صلاح كاتب إيه، فارتجلت أربع أغانى، أولها أغنية «بعد بيتنا ببيت كمان» وقال لى بالحرف الواحد «الله.. حلوة قوى الغنوة دى يا أبو الصلح.. فكرة جديدة.. وأنت عندك الصور حاضرة فى ذهنك.. من فضلك اكتبلى الأربعة أغانى دول وخد رقم تليفون البيت والمكتب بالإيموبيليا وسيبلى رقم تليفونك.. وانتظر خيرًا بإذن الله». بعد أقل من 10 أيام سمعت أختى «منى» الأصغر منى تقول «الأستاذ فوزى على التليفون» جاءنى صوته المميز سريعًا متدفقًا، «اسمع كده يا صلاح».. وظل ذلك الصلاح يستمع 7 دقائق للحن الكامل لأغنية «بعد بيتنا ببيت كمان» مشدوهًا بالطبع، وسألنى ذلك العملاق « إيه رأيك يا ابو الصلح » قلت له « رائع جدًا يا أستاذ فوزى » فقال: طيب نسجلها بقى لهدى وهنا أبديت اعتراضى «هدى مين يا أستاذ!!».. «هدى سلطان» فقلت: ماتنفعش مدام هدى تغنيها، هو فيه راجل لما حبيبته تبتسمله يجرى يدخل من كسوفه» وهنا تنبه الأستاذ وقال لى «عندك حق يا صلاح إذن أنا اللى ح أغنى الأغنية دى ». فى يوم التسجيل اصطحبنى معه فى سيارته إلى ستوديو مصر وكان المرحوم الأستاذ «نصرى عبدالنور» أشهر من يسجلون الأغانى وغيرها هو القائم على التسجيل، كنت مبهورًا عندما شاهدت من خلال الكابينة الأستاذ فوزى وهو يعطى تعليماته لقائد الفرقة الموسيقية.. ثم يقف أمام الميكرفون ويقوم بتسجيل مقطع تلو الآخر وكان ذلك العمل مضنيًا حتى لمن يحضرون عملية التسجيل لا المطربين والموسيقيين فحسب. لم أحضر معه المونتاچ لانشغالى بعملى ولكنه طلب منى مقابلته بمكتبه بعمارة «الإيموبيليا» بوسط المدينة وسلمنى شيكًا بخمسة عشر جنيهًا قائلًا «الشيك ده المبلغ اللى فيه مش كتير وفى نفس الوقت مش قليل بالنسبة لناشئ» وكل ما ح نسجل سوا أغنية جديدة ح ازودك وقد فعل فعندما كتبت أغنية «يا حلو بينى وبينك تار» لتغنيها الشحرورة «صباح». سلمنى شيكًا بخمسة وعشرين جنيهًا. وظللت محتفظًا بأول شيك لا أقدم على صرفه لمدة طويلة اعتزازًا بالشيك وبصاحبه، الذى ظلت علاقتى به مستمرة حتى وفاته، وكان لى نصيب ثماني أغان من ألحانه بين 1960 - 1964 هى « بعد بيتنا ببيت كمان» بصوته و«بينى وبينك تار» لصباح و«يا ولاد بلدنا يوم الخميس» بصوته و«خفة دمك مش على حد» لعبد اللطيف التلبانى و«اللى حسبته لقيته» بصوته و«قد القول وكلامنا عمره ما يقع الأرض» بصوته عن تحويل مجرى نهر النيل وبناء السد العالى و«شد الحزام» للمجموعة، أما الأغنية الأخيرة فكانت بعنوان «يا حبيبى قلبى ده اللى أنت ناسيه» للتليفزيون والتى تم تسجيلها ولكنها لم تذع أبدًا. كان مكتب محمد فوزى بالإيموبيليا ملتقى لكثير من أهل المغنى، مثل بليغ حمدى، عبدالوهاب محمد، محمد حلاوة، سيد مرسى، سعيد المصرى وغيرهم. فى عام 1971 تم إنتاج خمس أغنيات من تأليفى ومن بينها أغنية تم تلحينها بلحنين مختلفين، الأول من ألحان حسن نشأت والثانى من ألحان محمد الموجى، بعنوان «طَرَح الهَوى» وغنت اللحن الأول المطربة «هدى زايد» زوجة المطرب «عادل مأمون» وتم تسجيلها لإذاعة الكويت التى كانت تشترى فى ذلك الوقت من شركة صوت القاهرة أو من وكلاء يقومون بدفع تكاليف التأليف والتلحين والغناء والتسجيل بالاستوديوهات بأجور رمزية بينما يحصل الوكلاء على نصيب الأسد من المسئولين بالكويت. واللحن الثانى لأغنية «طَرَح الهَوى» من غناء المطربة المغربية «نعيمة حسن» وتم عرضها بالتليفزيون المصرى فى حينه، وأعترف أننى ارتكبت خطأً قانونيًا فى قانون الملكية الفكرية وحق المؤلف لأنه لا يجوز أن يتم تلحين نص واحد لأكثر من ملحن ولكن يجوز للملحن أن ينشر لحنه الواحد لأكثر من صوت غنائى ولم أرتكب مثل ذلك الخطأ أبدًا لا قبل ولا بعد تلك الحالة، وللعلم أن مثل هذه الحالة تكررت أيضًا لأغنية «أنا وانت وبس» التى غناها كل من «فريد الأطرش» و«محرم فؤاد» من كلمات «مرسى جميل عزيز». وللملحن «عبدالمنعم البارودى» وللمطرب «جلال فكرى» كتبت أغنية «كل عود أخضر» وهى أغنية وطنية اجتماعية من إنتاج الإذاعة المصرية، كما كتبت فى نفس العام 1971 أغنية للإذاعة بعنوان «جلاّب النصر» لحنّها وغناها المطرب «عبد العزيز محمود» وفى نفس العام تم تسجيل أغنية «محرم فؤاد» الصباحية «بنصبّح » بإذاعة الكويت. كان عام 1972 نقلة جديدة وبداية مرحلة مثمرة، وبدأت علاقتى وصداقتى القوية مع توأم فكرى وإبداعى الموسيقار «خالد الأمير» الذى كنت أراه كثيرًا قبل أن أصادقه بسنوات شابًا أنيقًا وسيمًا خلال عامى 1958 و1959، الذى تخرج ضابطا فى سلاح المشاة عام 1956. فى أوائل عام 1972 استمعت إلى مها صبرى فى أغنية «وحشنى كلامك » فأعجبنى لحنها، فحرصت على أن أعرف اسم الملحن وجاء الرد أن الملحن ضابط «خالد الأمير». اتصلت به فرد: أهلًا.. أهلًا يا أفندم.. طبعًا زمانك دلوقتى بقيت مقدم.. أو عقيد، أفهمته مندهشًا أننى فعلًا برتبة العقيد فقال «طبعًا أعرفك كويس.. إنت كنت دايمًا بتقعد مع حسين حسنى وسعيد فوزى بكافيتريا الهيلتون ». أعطيته موعدًا لمقابلتى بشقتى بعمارة رمسيس بميدان رمسيس، بعد ثنائى على لحن وحشنى كلامك الذى كتبه «مأمون الشناوى». فرحت بلقائه بعد حوالى اثنى عشر عامًا فعلت بنا نحن الاثنين ما فعلت، وعلمت منه أنه ترك الخدمة بالقوات المسلحة، واختار أغنية «من غير ميعاد» ليلحنها ومنذ تلك الليلة التى كانت بميعاد والتى استمرت وسوف تستمر بإذن الله. • وكيف تقضى يومك الآن؟ - أقضى يومى بين التمرينات الرياضية، والكتابة، وأتابع الأخبار السياسية والرياضة، وأشاهد قبل النوم فيلما رومانسيا قديما، لينتهى نومى نهاية سعيدة، وأمتلك مزرعة زرعتها منذ شبابى وأسعد كثيرًا بمتابعتها. •