فى سن الثانية والعشرين كوّن مع الفنان محمود ياسين وسيد طلب فرقة خاصة من المسرح الحر فى بورسعيد، كان وقتها موظفًا فى هيئة البريد، وخلال شهور قليلة كان على موعد للعمل فى قصر ثقافة بورسعيد الذى بدأ على يديه ولم يكن جاهزًا بعد للافتتاح. يصف المخرج المسرحى الكبير عباس أحمد عام 1962، بأنه عام العطاء الفنى للمحرومين من المتعة الفنية، حيث بدأت تنتشر قصور الثقافة، التى يحب أن يسميها «الجامعة الشعبية». «أتاحت لنا ثورة يوليو أن نكتب ونمثل ونخرج، تعرفنا على نعمان عاشور بعد أن شاهدنا مسرحيته «الناس اللى فوق»، منحتنا الثورة فرصة التعبير عن أنفسنا فى «الجامعة الشعبية»، أو قصور الثقافة التى سميت فيما بعد بالثقافة الجماهيرية، والتى كانت على غرار قصور الثقافة فى «الاتحاد السوفييتى».. يقول عباس: فى قصر ثقافة بورسعيد، بمنطقة عزبة فاروق، التى يسكنها البسطاء، قدم عباس أحمد ورفاقه عبده الوزير وحمدى الوزير ومراد منير وأحمد سخسوخ -الذين أصبحوا نجومًا بعد ذلك- فنونًا شعبية وموسيقى وغناء وأدبا ومسرحيات عالمية مثل الحصار لألبير كامى باللغة العربية، عن أزمة الطغيان فى البلاد والتسلط، كما قدم مسرحيات لبرخت وغيرهم من الكتاب العالميين. «أهالى بورسعيد، كوزموبليتان، اختلطوا بثقافات متعددة، ومنفتحون على كل الثقافات، وتقبلوا ما يقدمه شباب فى عمر 16، 17 سنة وقتها، كنت أكبر واحد فيهم وعندى 22 سنة، ومنهم فتيات مثل دولت إبراهيم وجازية شعبان، وسهير عبد السلام، بغداد، مديحة سكرانة، وكانت الواحدة منهن تأتى بمفردها دون أن يصطحبها والدها أو أى من أقاربها، متحملة المسئولية وبثقة من أهلها فى تجربتنا». شباب الفنانين الذين شاركوا فى أول عروض فنية تقدم فى قصر ثقافة بورسعيد، كانوا يعرفون بعضهم من المسرح المدرسى، والمسرح الحر. حسن ونعيمة على المسرح المحمول تجربة قصور الثقافة التى بدأت فى الستينيات هذه، ولدت فكرة مايصفه المخرج المسرحى عباس أحمد ب«المسرح المحمول»، الذى ينتقل إلى الناس فى القرى والنجوع وغيرها، والذى عرف بمسرح الفلاحين أو مسرح الجرن، «الجرن: ساحة واسعة فى القرية يجمعون فيها القمح ويقيمون فيها المناسبات المختلفة فى المساء». الكثير من الفرق المسرحية فى قصور الثقافة توجهت إلى عرض المسرحيات داخل القرى المختلفة، فى أواخر الستينيات وازدهرت خلال السبعينيات، ومن هذه الفرق الفرقة النموذجية التى كونها عباس أحمد، والتى يعتبرها أول مسرح محترف يذهب للفلاحين. «عرضنا حسن ونعيمة فى قرى كثيرة، وكان يحضر العرض مايقرب من 10 آلاف شخص من القرية والقرى المجاورة، وكان اليوم الذى لا يحضر فيه سوى ألفى متفرج، نرى أن العرض كان قليل الجمهور». ديكورات مسرح الفلاحين أو مسرح الجرن كانت فى الهواء الطلق ومن الطبيعة مع كشافات إضاءة عادية» الشجر والسماء أحسن من أى ديكور، وكان السلك الشائك فى رفح، هو الديكور الذى قدمنا عليه مسرحية «سالم أبو طويلة» البطل الذى اغتالته إسرائيل». تميزت عروض الفرقة النموذجية بقيادة عباس أحمد، بأنها تستثمر العرض المسرحى لمناقشة قضايا تهم الفلاحين والمجتمع بأكمله» كنا نتوقف عند قضية معينة فى المسرحية ونناقشها مع الجمهور، طرحنا سؤالًا: هل من حق بنت فى ظروف «نعيمة» فى مسرحية حسن ونعيمة، أن تتزوج بهذه الطريقة أو فى هذه السن، كانت هذه رسالتنا ووعينا، ولم تحدث أى مشكلة خلال المناقشات التى كانت فى أدق قضايا المجتمع والتفاصيل الاجتماعية، حتى فى القرى التى لم يكن بها متعلمون كثر». بداية مسرح الفلاحين بدأت على يد المخرج الكبير هناء عبدالفتاح، ود. أحمد عبد الهادى، وكانت يحضر العروض 14 ألف متفرج فى قرى الشرقية، وبعدها كانت «إدارة ثفافة القرية» بالثقافة الجماهيرية هى التى تختار القرى وتنسق العروض بين الفرق المسرحية فى كل المحافظات.•