ينحدرون فى منطقة خارج التغطية.. تُرى ما الذى يحدث هناك؟!!! هل تستيقظ الأمهات لإعداد الوجبات المدرسية لأطفالهن.. هل يُنفض الآباء تراب الأحلام؛ لرحلة يوم جديدة فى سبيل الشقا والهناء.. وهل يضرب أحدهم موعدًا مع صديق؛ لاسترجاع ذكريات مرّت، والاستنارة من دفتر المستقبل الذى يكافح من أجله، وهل تسقى أوراق الحب بالشهد والحنة.. ربما تلك الصورة هى السائدة فى بيوت المصريين كافة.. لكن سيناء الفيروز - تلك المنطقة المزدحمة ب«الإرهاب» و«الدمار».. والمعطّرة بدماء الشهداء ودموع أوراق الشجر.. يعيش أهلها عملية شاملة كل يوم ضد غزوات أبناء الشر - المستترون خلف جبال الجهل والتجهل.. يواجهون مصائرهم كل يوم لدعم جيش مصر العظيم وشرطتها وهم يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه، العبث بأمننا القومى. يوميات من الصمود وتحدٍ للظروف ومبادرات وحياة مختلفة وعلاقات أسرية يعيشها البعض لأول مرة، يرويها أبطال من قلب العملية الشاملة.. أبطال ليسوا من ورق؛ أجواء سيحكى عنها الكثيرون طويلا. تحكى الدكتورة سهام جبريل، مدير عام بالهيئة العامة للاستعلامات فى شمال سيناء، مدرس التاريخ وحقوق الإنسان، بجامعة سيناء، يوميات الأسر المصرية فى العريش، خلال الشهرين الأخيرين منذ بدء العملية الشاملة للجيش فى سيناء، قائلة: «كل الأسر هنا تتأقلم مع الظروف الصعبة بشجاعة وتحدٍّ، فالمواجهات بين الجيش المصرى بجانب الشرطة دائرة مع الإرهابيين.. تعوّدنا على الصبر والصمود، وتحمّل الأزمات، مثل كل من يعيشون فى الصحراء ومناطق الحروب». تستكمل: «عارفين إنها مرحلة وهتعدّى وبلادنا هتنضف من الإرهاب، عندنا عزيمة ويقين.. وإلى جانب الرجل تقف المرأة السيناوية قوية مستعدة لتحمّل كل الظروف.. معظم الناس استغنوا عن المواصلات، وأصبحوا يقضون أغلب مصالحهم مشيًا على الأقدام؛ لدرجة أن معظمنا شعر بتحسن حالتة الصحية؛ لتعوده على السير بشكل يومى»، مؤكدة أنه رُغم هذه الأجواء؛ فالخدمات الصحية متاحة طول اليوم والليلة، وكذلك يمكن طلب الإسعاف فى أى وقت للحالات الحرجة، كحالات الولادة أو الطوارئ. نهار الحياة تحرص الدكتورة سهام مثل كل أمهات العريش، أن تذاكر لأبنائها فى البيت، بعد أن تعطّلت الدراسة بالمدارس والجامعات «عشان ما يحسوش إنهم فى إجازة، لأن الدراسة أكيد هترجع والامتحانات هتكون فى وقتها، خصوصًا لطلاب الثانوية العامة.. مدرستك هتفتح ذاكر واستعد». أغلب الأنشطة الترفيهية تقتصر على الصباح فقط، فالخروج مساءً يكون فى أضيق الحدود - تتابع سهام: «لأننا نعيش أجواء حرب العصابات، فالزيارات العائلية كلها نهارية، والدروس الخصوصية تقتصر على فترة الصباح، والذهاب للنادى أو مركز الشباب أيضًا يكون نهارًا، والصباح يشهد كذلك كل أنشطة ندوات التوعية فى مراكز الشباب.. ندواتنا دلوقت كلها عن الأمن القومى والمواطنة، والدعم النفسى لتحمّل الظروف، خصوصًا بالنسبة للأطفال والشباب». عيش صاج ومربى.. بنمشّى حالنا وكلّه بيتى أغلب ربات البيوت العاملات يقمن بالانتهاء من أعمالهن مبكرًا، ويكون المساء والليل فرصة للعودة لإنتاج أكلات تصلح مع نقص بعض السلع أو تأخر وصولها للعريش، مثل صنع المربى والمخللات، وأيضًا عيش الصاج والأنواع الأخرى من العيش الذى يمكن صناعته فى المنزل «أنا من جيل لم يتعوّد على صنع الخبز فى البيت، لكن الظروف فرضت صناعته منزليّا علينا».. مستدركة: «ظروف الحياة فى العريش وشمال سيناء تحت وطأة العملية العسكرية الشاملة، جعلت الكثيرين منا يقللون استهلاكهم من المواد الغذائية، ويتقاسمون رغيف العيش.. ممكن أقسم مع جارتى كيلو الطماطم اللى اشتريته، وهى تقسموا معايا لما تشتريه من السوق، ونمشّى حالنا، وعشان الخضرة مش متاحة بدأنا كلنا نزرع فى بيوتنا الجرجير والبقدونس والكزبرة»، موضحة أن أجواء الليل الطويل أيضًا دفعت ربّات الأسر إلى العودة إلى هواياتهن، فصنعت العديد من المشغولات اليدوية.. بنحاول نرشد استهلاكنا فى كل حاجة، المية والكهرباء، ماحدش عارف الظروف، كلنا إيد واحدة مع جيشنا، إحنا عيون الجيش، لو لاحظنا أى حركة غير طبيعية، نبلغ بسرعة.. الأزمة قربتنا من بعض، بقينا نسيجا واحدا، كلنا اتمسّكنا بأرضنا وماحدّش ساب بيته.. كلنا عرايشية، كلنا سيناوية وإيد واحدة». بنحارب على الأرض «مش باليفط والشعارات» «أبناء سيناء يعيشون أجواء حرب حقيقية، بعض الأنشطة متوقفة، وبعض أصحاب المهن توقفت أعمالهم، مثل سائقى التاكسى، بعد أن توقف ضخ الوقود إلّا لسيارات الإسعاف والمواصلات العامة والجهات الحكومية فقط»، يصف عبدالله قنديل بدوى، رئيس الغرفة التجارية، بشمال سيناء، الأجواء التى يعيشها أصحاب المهن الخاصة فى سيناء عامة، مشيرًا إلى أن نحو 500 أسرة، أربابها من أصحاب الحِرَف، مثل الميكانيكى والخرّاط وأصحاب بعض البضائع،فقدوا أعمالهم.. أوضح رئيس الغرفة التجارية، أن محافظ سيناء، درس إمكانية تأجيل القروض المستحقة عن أصحاب الحِرَف هؤلاء، مراعاة لظروف الحرب، لا سيما أنهم متمسكون إلى أبد الدهر بأرضهم ولا سبيل لديهم لتخليهم عن وطنهم»، مشيدًا بأن سيناء استحوذت على نصيب الأسد من نسبة التصويت خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، لأنهم يريدون الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية لأرض الفيروز من جديد.. «نعلم أن حياة الرفاهية لا تدوم.. وحب الوطن بالعطاء مش باليفط والشعارات».. شرد خيال قنديل، للحظة؛ متذكرًا الحروب والأجواء الصعبة التى عاشتها أهالى العريشوسيناء، بشكل عام منذ حرب فلسطين عام 1948، مرورًا بالعدوان الثلاثى عام 1956، ونكسة 1967، وحرب الانتصار 73، التى ساهمت بشكل كبير فى ترسيخ جينات الصمود والمقاومة.. يكمل: «صمدنا أيام الاحتلال وقاومناه، وعانى أجدادنا كثيرًا.. كل هذا جعلنا نرتبط بالوطن أكثر.. فالإرهابى عابر لسيناء وليس من أبنائها، والحرب بالدين أخطر أنواع الحروب» - لا ينسى قنديل - أن يروى بطولات أجداد عشقت رملة سيناء وسماءها اللامعة - أمجاد الفريق لبيب شراب، قائد المخابرات الحربية فى حرب أكتوبر، والفريق أول فؤاد أبوذكرى من قادة القوات البحرية فى حرب أكتوبر، واللواء محمود عبدالله إسماعيل، المسئول عن تأمين العاصمة فى حرب أكتوبر، وعثمان أحمد عثمان «ابن عمنا العرايشى» صاحب شركة المقاولون العرب التي شيّدت الكثير من الصروح فى مصر وإفريقيا، وحلمى البلك، رئيس الإذاعة الأسبق، ودرويش الفار، مكتشف منجم المغارة الذى يحوى حبات الكنوز فى سيناء، وغيرهم. الأمور ماشية.. والأزمة قربتنا يشرح فتحى راشد، وكيل وزارة التموين فى شمال سيناء، المعاناة التى واجهت العاملين فى قطاع التموين خلال الأيام الأولى من بداية العملية الشاملة، بسبب نقص السلع بالأسواق، بعد أن اندفعت الأسر للشراء لتخزين السلع؛ خوفًا من شبح الاختفاء، قائلًا: «لكن بالتعاون مع جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وفرنا الفاكهة والخضروات واللحوم والدواجن والأسماك بأسعارها العادية، ووصلت إلى الأماكن جميعها فى العريش، عبر سيارات تجوب الأحياء، وكذلك أعلاف الدواجن وغيره.. الأزمة قربتنا والأمور ماشية». الأب فتحى راشد، وكيل وزارة التموين، يروى يومياته مع أصغر أبنائه الطالبة بالثانى الإعدادى»: «بقيت أقعد أكثر مع فريدة وأراجع معاها الدروس، وأسمع لمشاعرها وقصصها، الأزمة قربتنا». •