لما تمشى من ميدان العتبة فى اتجاه عابدين، وتوصل عند تقاطع شارع الجمهورية مع شارع قصر النيل، هيقابلك جامع، الجامع ده اسمه جامع الكخيا، الكخيا ده شخص، كان أمير اسمه عثمان كتخدا الكازدوغلى، وفى زمنه حصلت حكاية لطيفة من واحد دكرورى. دكرورى يعنى إيه؟ إنت عارف بولاق الدكرور، الدكرور دى كلمة مش مصرية ولا عربية، دى كلمة أصلها من دولة مالى، اللى بنسمع عنها من الكورة فى الأمم الأفريقية، ومالى كانت مقسمة إلى خمسة أقاليم، واحد منها اسمه إقليم «التكرور» بالتاء، بس المصريين كانوا بينطقوها الدكرور بالدال أسهل. طب وإيه اللى جاب القلعة جنب البحر، يعنى إيه اللى جاب إقليم من مالى عندنا؟ الأزهر يا سيدى، كان بيستقبل طلاباً من بلاد كتير، وكان فيه ناس ياما جايين من مالى، وتحديدا من الإقليم ده، وبعضهم فضل فى مصر وما روحش بلدهم تانى، منهم سيدى الدكرورى، بس الدكرورى اللى بنتكلم عنه هنا دلوقتى، دكرورى تانى خالص، تعالى نشوف حكايته. الراجل الدكرورى ده راح شربين، ورجع حالته مبدولة شويتين، ومتغير، الكلام ده كان سنة 1147ه حسب الجبرتى، وكنا فى أوائل رمضان، الناس اللى حوالين الراجل الدكرورى ده لاحظوا تغيره، فسألوه، قال لهم إنه نبى منزل من السما، وإن جبريل بييجى له بالوحى، وهكذا أشياء. الناس اتلموا عليه، ولما أصر على كلامه، راحوا ودوه للشيخ العماوى، اللى كان من شيوخ الأزهر، فقعد يقرر الراجل، فصاحبنا ما تراجعش، بالعكس، زود على الكلام بتخاريف غير مقبولة زى إن جبريل خده فى ليلة 27 رجب، وطلع بيه السموات، وقال له روح بلغ الناس بالرسالة. الشيخ العماوى سأله: • إنت عبيط يا ابنى - لا، أنا نبى • يا ابنى مفيش حاجة اسمها كده المهم يمين شمال، ما أمكنش، فراحوا ضربوه وطردوه من الجامع. يبدو أن دعوة صاحبنا بدأت تلاقى زباين، لحد ما سمع بيه الأمير الكخيا، فجابه، وقرره فلقاه متمسك ب الحكاية دى، فحطه فى الموريستان (مستشفى المجانين) على أساس إنه معتوه، بس المشكلة إن أتباعه راحوا خرجوه من المستشفى وخبوه. والى مصر سمع بالحكاية، فراح بعت الجنود فضلوا يدوروا عليه، لحد ما عرفوا الناس مخبيينه فين؟ فقرر الوالى إنه يعمل حل جذرى للحكاية دى، فجابه فى القلعة، وفضل يقرره أو يحاول يخليه يتراجع عن اللى بيقوله، ما أمكنش. فقرر حبسه فى «العرقانة»، وده سجن شهير بناه واحد اسمه الطواشى سرور شاد الحوش جوه الحوش السلطانى فى القلعة سنة 895 ه، فى زمن السلطان قايتباى. قعدوه فى الحبس استتابة تلات أيام، وجمع الوالى العلماء وقال لهم نعمل فيه إيه؟ فأفتوا بقتله. جابوا النبى الدكرورى، وبلغوه إنه لو ما رجعش عن اللى فى دماغه، هيكون مصيره الإعدام، فكان رده عليهم: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل فراحوا نفذوا فيه حكم الإعدام، وسابوا جثته تلات أيام لحد ما عفنت، وراحوا دفنوه فى مكان مش معروف للعامة، خوفا من إن قبره يتحول لمكان مقدس بين أتباعه من الغوغاء والعامة والدهماء. الراجل اتقال فيه شعر بالعامية، وبالمناسبة ماهوش الوحيد فى التاريخ اللى كان كده، ده مصر شافت فى التلاتين سنة اللى فاتوا دول، يعنى من التمانينيات لدلوقتى، 26 واحد زى كده بحسب دراسة عملها ياسر ثابت، فاكر منها كويس واحد ظهر فى إسكندرية أيام التمانينيات اسمه صلاح بريقع كان له أتباع كتير، وكانت قضية هزت مصر كلها. إنما تفتكر الراجل الدكرورى ده اللى مات كان مصدق إنه فعلا نبي؟ أكيد، مش كده؟!•