لا تزال المشكلة الفلسطينية مستعصية على الحل، رغم التصريحات الرسمية وتحركات الإدارة الأمريكية، والتحركات لتنسيق المواقف العربية، التى كان آخرها اجتماع وزراء خارجية مصر والأردنوفلسطين فى القاهرة، الذى واكب الزيارة المشتركة لجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وجيبسون جرينبلات، المبعوث الأمريكى الخاص للمفاوضات فى الشرق الأوسط للقدس ورام الله. جاءت زيارة كوشنر وجرينبلات فى ظل تصريحات لمسئولين فى إدارة ترامب تشير إلى عدم تمسك الرئيس الأمريكى بحل الدولتين كأساس لجهوده لإحلال السلام فى الشرق الأوسط، واعتقاده بإمكانية تحقيق سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين يتفق عليه الطرفان. ويتصادم هذا الطرح الأمريكى مع ما أسفر عنه اجتماع القاهرة الذى نتج عنه بيان بثلاث توصيات لحل القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل بالتوصل إلى اتفاق نهائى وشامل قائم على حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، وعاصمتها القدسالشرقية؛ والتوصل إلى اتفاق نهائى فى وقت محدد وإطار زمنى معلوم ووفقا للشرعية الدولية. واتفقت الأطراف الثلاث، مصر والأردنوفلسطين، على ضرورة التشاور فيما بينهم فى إطار المفاوضات المقبلة، مع التزام مصر بالسعى لإنجاز المصالحة الفلسطينية بين السلطة وحماس، والتأكيد على حماية الأردن للمقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس والأراضى الفلسطينية. والهدف المعلن لهذه الزيارة هو مناقشة الخطوات المقبلة الممكن اتخاذها فى مساعى إدارة ترامب لاستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، والاستماع مباشرة من الفلسطينيين والإسرائيليين لأولوياتهم وعن الخطوات التالية الممكن أن يتخذها الطرفان لاستئناف المفاوضات المباشرة، التى يرى ترامب أنها السبيل الوحيد للحل، يتضح من متابعة تصريحات ترامب خلال جولته فى المنطقة التى شملت السعودية والقدس، أن رؤية الرئيس الأمريكى للحل لا تنفصل عن اهتمامه الرئيس الذى يركز على بناء تحالف بين إسرائيل وجيرانها العرب، خصوصا دول الخليج، فى مواجهة إيران، وأن رؤيته لحل القضية الفلسطينية تأتى فى إطار هذا التصور. السلام الاقتصادى الحقيقة أن موقف ترامب من سياسة الاستيطان الإسرائيلية وتأييده القوى لسياسات رئيس الوزراء اليمينى بنيامين نتنياهو الذى يراه حليفا رئيسا وصديقا شخصيا؛ وتعيينه ديفيد فريدمان المعروف بتأييده لبناء المستوطنات الإسرائيلية واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، سفيرا للولايات المتحدة فى إسرائيل، يمثل خروجا عن السياسة التى التزمت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التى تطورت مع إدارة الرئيس الجمهورى جورج بوش فى تبنى حل الصراع على أساس إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ثم الامتناع الأمريكى، ولأول مرة، عن استخدام الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الخاص بالمستوطنات، وهو الموقف الذى انتقده ترامب بشدة وتعهد بتصحيحه. ويخلص كثير من المراقبين إلى أن تحركات ترامب، تعنى التراجع عن حل الدولتين، كهدف تلتزم به السياسة الأمريكية وأن تشجيعه سياسات نتنياهو، خصوصا فيما يتعلق بالمستوطنات والقدس، يقوض الأساس الذى يقوم عليه الدولتان، ولا يتيح سوى حل الدولة الواحدة، وهى الدولة الإسرائيلية، وهو ما يعنى لدى البعض السعى لتصفية القضية الفلسطينية، والعودة مرة أخرى للتعامل مع الشعب الفلسطينى من خلال السعى لإيجاد حلول تحسن من أوضاعهم المعيشية كتجمعات سكانية فى الضفة الغربية أو فى غزة. ويدلل المراقبون على ذلك بما قاله ترامب فى بيت لحم، حيث دعا لما أسماه السلام الاقتصادى بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويرى المحللون أن دعوته ليست إلا تبنيًا لوجهة نظر نتنياهو التى تقول بتحسن الأحوال المعيشية الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل من أجل إمكانية التعايش والتعاون مع السلطة للفلسطينية القائمة لتطوير الوضع الاقتصادى فى الأراضى المحتلة فى الضفة الغربية، التى يراها المعسكر الذى يقوده نتنياهو جزءا من أرض إسرائيل التوراتية. «الدولة الواحدة»، أو الدولة ثنائية القومية، أو إسراطين، التى كان الزعيم الليبى معمر القذافى طرحها كإطار يجمع الفلسطينيين والإسرائيليين معا جميعها مصطلحات تعبر عن حل للقضية الفلسطينية يرى أن قيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية الممتدة بين نهر الأردن شرقا وحتى ساحل البحر المتوسط غربا الدولة الفلسطينية الإسرائيلية أمر غير عملى، رغم الزخم الذى حصل عليه حل الدولتين أو قيام كيان فلسطينى مستقل، مع اعتراف الأممالمتحدة وقبول الجمعية العامة دولة فلسطين كعضو مراقب بموافقة 138 دولة. فهل هناك فرصة حقا لحل الدولة الواحدة، خصوصًا أنه ليس حلا جديدا، لكنه يعود إلى عام 1944، وطُرحت صيغ مختلفة لمثل هذا الحل، للتعامل مع حقيقة تواجد الشعب الفلسطينى بشكل تاريخى على الأرض يسعى الإسرائيليون لإقامة دولتهم عليها. أولى هذه الصيغ والتى طرحت فى المناقشات داخل الحركة الصهيونية هى الدولة ثنائية القومية، التى تمنح السكان الفلسطينيين واليهود حقوقا متساوية ومواطنة واحدة فى كيان موحد ثنائى القومية. والصيغة الثانية هى حل الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية، ولاقى هذا الحل رواجًا فى الآونة الأخيرة لدى بعض المثقفين والساسة الفلسطينيين وعدد قليل من الإسرائيليين أيضا. الدولة ثنائية القومية ورغم أن البعض يستخدم مصطلح الدولة ثنائية القومية ومصطلح الدولة الواحدة كمترادفين، فإن هناك اختلافات فى شكل الدولة. مثلا الدولة ثنائية القومية تمنح كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين حقوق المواطنة مع الاحتفاظ بهوية كل من الشعبين. ومؤيدو هذا الطرح يرونه ضرورة لحماية الأقلية سواء كانت إسرائيلية أم فلسطينية. أما الدولة الديمقراطية فهى تمنح كل مواطن صوتًا مساويًا للآخر وتؤكد أن الدولة الأولى تعزز الانقسام بينما هى تعمل على المساواة والعدالة. يميل اليسار الإسرائيلى إلى تأييد الدولة ثنائية القومية لمواطنيها حقوق متساوية، بينما المعلن اليوم على لسان الكتاب والساسة الإسرائيليين بخصوص حل الدولة الواحدة هو دولة يهودية يسكن فيها أقلية عربية تمنح حقوق مواطنة من الدرجة الثانية أو حقوقًا للتعايش للحد الذى لا يجعلها تسبب أزمات للسكان اليهود أو تؤثر على الطابع اليهودى للدولة. ومن هنا خرجت أطروحات جديدة لكتاب فى جريدة هاآرتس تطالب بإنشاء كيان كونفيدرالى يضم إسرائيل وفلسطينوالأردن ويكون الاتحاد الخليجى طرفا مراقبا وأيضا مصر، وهذا التحالف يكون ضد الإرهاب الإيرانى والتطرف السنى من أجل ضمان حماية إسرائيل. فى المقابل، هناك الطرح الفلسطينى الإسلامى، ففى العام الماضى، ومع محاولة حماس إيجاد صيغة جديدة للتواجد على الساحة السياسية العالمية قامت بتغيير جلدها وتعديل ميثاقها وأعلنت طرحها لبديل آخر غير حل الدولتين. وهو الدولة الواحدة لكل مواطنيها وقال أحمد يوسف وقت إعلان الوثيقة الجديدة إن حماس تؤكد أن الأرض تاريخيا موجود عليها يهود ومسيحيون ومسلمون.. لكن كل هذه الاقتراحات لم تقدم حلا عمليا لهوية هذه الدولة الواحدة هل هى فلسطينية أم إسرائيلية؟ ومن هنا يكتسب اقتراح إسراطين الذى قدمه القذافى وجاهته خصوصا أنه لاقى تأييدا لدى فلسطينيين وإسرائيليين وبعض الدوائر العالمية. ويقوم على الدمج بين الكيانين الفلسطينى والإسرائيلى فى دولة ديمقراطية واحدة شريطة عودة اللاجئين وممارسة الانتخابات تحت إشراف الأممالمتحدة. ومازال للاقتراح مؤيدون ينشرونه من خلال مراكز أبحاث ومواقع إلكترونية. ورغم اقتناع كثير من المراقبين بأن حل الدولة الواحدة هو الحل التاريخى للمشكلة الفلسطينية، فإنهم يرون أن هذا الحل بعيد المنال ومراوغ كالسراب، وعليه يتمسكون بما جرى تحقيقه فى إطار حل الدولتين خصوصًا بعد قبول فلسطينبالأممالمتحدة، وهو ما سنناقشه فى الحلقة القادمة. •