«مواد بلا إدارة».. هكذا هى القارة السمراء التى تعد أكبر القارات التى تضم دولاً منتجة للنفط يتجاوز عددها 21 دولة، فيما يصل نصيبها من الإنتاج العالمى 11 %، ناهيك عن امتلاكها نحو 10 % من الاحتياطى العالمى للنفط. ويقول العالم الاقتصادى الكورى وأستاذ اقتصاد التنمية بجامعة كامبريدج هاجى وون تشانغ فى كتابه «23 شيئًا لا يقولونها لك عن الرأسمالية»، إن أحد المفاهيم المتداولة الآن عن أفريقيا هو أن قدرها ألا تنمو وتنهض بسبب مناخها الاستوائى الموبوء بالأمراض، وجغرافيتها القطرية، حيث العديد من الدول ليس لها موانئ بحرية، وغناها بالموارد الطبيعية ما يجعل أهلها كسالى يتفشى فيهم الفساد، وهى منقسمة عرقيًا؛ ما يعيق إدارة أهلها، وضعف مؤسساتها، وأخيرًا مشكلة الثقافة حيث لا تشجع الثقافة الأفريقية على العمل الجاد أو التعاون أو الادخار. ويضيف أن أفريقيا القارة البائسة التى تتحقق فيها معادلة: «ثروات طبيعية هائلة = فقر مدقع» وتتمثل الثروة هنا فى الموارد الطبيعية المختلفة التى تزخر بها القارة الأفريقية لكن التى تشكل لعنة حقيقة هى الموارد الثلاثة الأساسية (الكولتان والماس والنفط) والكولتان هو المكون الأساسى الذى تُصنع منه الهواتف النقالة الموجودة بين أيدينا الآن، بالإضافة إلى عدد كبير من الأجهزة الإلكترونية منها الحواسيب المحمولة. وتسبب تصدير هذه المادة فى حصد كثير من الأرواح فى حروب طاحنة للسيطرة على أماكن التنقيب عن هذا الخام المعدنى المهم الذى يتواجد معظمه فى الكونغو، مما نتج عنه ما يقارب 4 ملايين وفاة، وحاليًا رواندا وأوغندا تصدران الكولتان المسروق من الكونغو لدول الغرب (خصوصًا أمريكا)، حيث يستخدم هناك فى الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل صناعة الهواتف الخلوية، ومحركات الدى فى دى، البلايستايشن، وغيرها. والأمر ذاته ينطبق على معدن الألماس، فإن أحد الأسباب المعروفة للصراع أيضًا هو سعى كل طرف من أطراف الصراع للاستيلاء والسيطرة على مناجم الألماس فى البلاد، وهو السعى الذى يمثل غاية ووسيلة فى الوقت ذاته، فمن ناحية تمثل السيطرة على تلك المناجم مصدرًا للقوة والسطوة والرفاهية، ومن ناحية أخرى، تمنح إمكانات قوة يمكن توظيفها فى شراء الأسلحة والأتباع وتمويل الحرب. ويتركز الألماس فى دول مثل السيراليون، بتسوانا، أنجولا، جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية، ناميبيا، وساحل العاج، حيث تقوم بإنتاج 40% من إجمالى الألماس عبر العالم وهى القارة التى تتصدر السوق العالمى للألماس. وتعد منطقة الشريط الساحلى بين نيجيريا وأنجولاً مركز الثقل فى إنتاج النفط فى القارة، حيث تستأثر ب 70% من إنتاج النفط، الذى يمثِّل أهمية كبرى فى السياسة الأمريكية القائمة على ضمان الوصول إلى مصادر جديدة للطاقة، والسيطرة عليها، وحرمان المنافسين وعلى رأسهما الصين وروسيا من الوصول إليها. والنفط الأفريقى أكثر جودة من مثيله بالشرق الأوسط، لأنه من النوع الخفيف الذى تقل فيه نسبة الكبريت، فضلاً عن قربه من الأسواق الأمريكية؛ لقرب الساحل الغربى لأفريقيا من الساحل الشرقى للولايات المتحدة، ما يخفض تكاليف النقل والتأمين بنسبة 40% مقارنة بنفط الخليج العربى، ومعظم الحقول النفطية الأفريقية تقع فوق الماء بعيدًا عن الشاطئ، أى بعيداً عن أى اضطرابات سياسية، كما أن هذه المواقع المائية يسهل حمايتها بواسطة قطع البحرية الأمريكية. وزاد الاهتمام الأمريكى بالنفط الأفريقى عقب أحداث 11 سبتمبر، فى ظل اعتماد استراتيجية تنويع مصادر الولاياتالمتحدة من النفط، وتقليل الاعتماد على الشرق الأوسط، حتى أعلن الرئيس الأمريكى «بوش الابن» فى خطابه عن حالة الاتحاد عام 2006 عن عزم الولاياتالمتحدة الاستغناءَ عن 75% من الواردات النفطية من الشرق الأوسط. ولا يزال مسلسل استغلال الغرب لأفريقيا مستمراً وفى ازدياد يوماً بعد يوم، نظراً لأنها القارة الأغنى بالموارد فى العالم، وفقاً لما ذكره الباحث الأمريكى ديفيد فرانسيس فى كتابه «أفريقيا.. السلام والنزاع»، الذى أشار إلى أن القارة صاحبة 54 دولة تملك ما يقدر بنحو 10 إلى 12% من إجمالى احتياطى النفط الخام العالمى، بالإضافة إلى 100 مليار برميل على شواطئ القارة فى انتظار من ينقب عنها، فرغم الفقر الذى يحيا فيه أغلب سكانها، فإن ثرواتها الطبيعية هى الأكبر على مستوى قارات العالم؛ وتحت أراضيها ومياهها توجد آبار النفط والغاز الطبيعى، وبين أحضان جبالها توجد مناجم الماس وذهب ويورانيوم وثروات معدنية هائلة، حتى رمال صحرائها الكبرى كنز لم يستغل، ناهيك عن مواردها البشرية. وتمتلك القارة السمراء 124 مليار برميل من الثروة النفطية تتركز فى 14 دولة، وتستورد الولاياتالمتحدة 1. 5 مليون برميل يومياً من غرب أفريقيا، وفقاً لكتاب «التكالب على نفط أفريقيا» الذى ألفه الكاتب الأمريكى من أصل إيرانى «جون غازفنيان». وطبقاً لوزارة الطاقة فى الولاياتالمتحدة، فإن واردات النفط الأمريكية من أفريقيا ستصل فى خلال هذا العقد إلى 770 مليون برميل سنوياً، فضلاً عن الاستحواذ على 23% من إجمالى إنتاج القارة، وتحصل الصين على 14% فيما تحظى دول الاتحاد الأوروبى بأكثر من 25% و8% لكل من إيطاليا والهند من إجمالى الإنتاج، وترقد كل من مصر وليبيا والجزائر ونيجيريا على 10% من إجمالى احتياطى الغاز العالمى. وتتميز القارة السمراء بمناجم ذهبها الخام التى تقدر بحوالى 40% من إجمالى الاحتياطى العالمى، ونصف إنتاج القارة من الذهب يتم عبر جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى 10 دول أخرى هي: «السودان، وزامبيا، وناميبيا، وإثيوبيا، وبوروندى، وغانا، وغينيا، ومالى، وتنزانيا وبوركينافاسو». وتتصدر القارة الأفريقية سوق الماس العالمى بإنتاج 40% من إجمالى إنتاج العالم، ويتركز فى دول «بوتسوانا، وأنجولا، وجنوب أفريقيا، والكونغو الديمقراطية، وناميبيا، وتنزانيا، وأفريقيا الوسطى، والكونغو، وليبيريا، وسيراليون، وكوت ديفوار»، بالإضافة إلى 80% من إجمالى البلاتين المنتج حول العالم، و9% من إجمالى إنتاج الحديد حول العالم فى «المغرب، والصحراء الغربية، والسودان، ونيجيريا، وغينيا، وموريتانيا». وتمتلك القارة اليورانيوم أيضاً، وبها أكثر من 18% من إجمالى الإنتاج العالمى، وتمتلك أكثر من 30% من إجمالى الاحتياطى العالمى لهذا المعدن المهم فى الأبحاث والصناعات النووية، ومن أشهر الدول الغنية به «تشاد، وغينيا بيساو، والنيجر، والصومال، وناميبيا، وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى إشراف القارة على المعابر والموانئ الاستراتيجية فى المحيط الهندى والأطلسى والبحر الأحمر والمتوسط. وعلى الرغم من هذه الثروات التى لا تعد، فإن بعض المحللين يصفون أفريقيا بأنها القارة الملعونة نظراً لسوء إدارة ثرواتها بسبب الأنظمة الفاسدة، وضعف الحكام، بالإضافة إلى العوامل الخارجية التى تعرقل نهضتها، فتحت ذرائع ومصطلحات مزيفة مثل الفوضى وحركات التمرد والحرب على الإرهاب والجماعات الجهادية والإسلامية المسلحة، تتخفى وراءه القوى الاستعمارية (الولاياتالمتحدة ودول أوروبا) لإقامة قواعد عسكرية كاملة وتوسيع تواجد قواتها وتوفير غطاء شرعى يمكنها من نهب خيرات وموارد هذه القارة، وتحقيق مكاسبهم، ولكل قوى استعمارية أدواتها فى اختراق دول هذه القارة؛ فالفرنسيون يميلون إلى العمليات العسكرية فى المناطق التى يريدون فرض نفوذهم عليها، أما الولاياتالمتحدة فاختارت أن يكون نفاذها إلى مناطق اهتماماتها عن طريق «القيادة الأفريقية الأمريكية» أو ما يعرف ب «أفريكوم» وهى قوات موحدة مقاتلة تحت إدارة البنتاجون، ومسئولة عن العمليات العسكرية الأمريكية والعلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية، لتتمكن من مراقبة منطقة شاسعة من أفريقيا، وتمتد من الصومال وحتى موريتانيا. أما الحكومة الألمانية فانتهجت سياسة الدبلوماسية فى دول القارة الغنية بالنفط والغاز والمعادن النادرة المستخدمة فى التقنيات الحديثة وغيرها من المواد الخام وخاصة دول غرب أفريقيا، تحت شعار «الشراكة والتعاون الثنائى طويل الأمد مع أفريقيا» ووفقاً لمجلة «التايم» الأمريكية، إذا ما نظرت إلى القارة ستجد أنها أشبه بكرة اللهب، فشمالها شهد تغييرات سياسية ألحقت أضراراً كبيرة بالبنية التحتية، وفى بعض الدول مثل ليبيا، خرجت الأوضاع على السيطرة بسبب فوضى الجماعات الجهادية المسلحة، بالإضافة إلى معاناة دول الوسط من وجود حركات أصولية مثل حركة بوكو حرام فى نيجيريا وحركة «الشباب المجاهدين» فى الصومال، والتدخل الفرنسى فى مالى. وعقب تنصيب الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، أحد أبناء القارة وأول رئيس أسود للولايات المتحدة، قام بزيارة إلى غانا فى يوليو 2009 للاحتفال بانتخاب «جون أتا ميلس» كرئيس للجمهورية بعد أن جرت انتخابات ديمقراطية، ونصح أوباما حينها الأفارقة بأن يأخذوا مصيرهم بأيديهم وأن يكافحوا الأساليب التى تتنافى مع الديمقراطية وأن يحاربوا التخلف والفساد والأمراض. وفى غضون أشهر بدأ التزايد الملحوظ لتسلل الولاياتالمتحدة وقرنائها إلى القارة المسالمة مجدداً، خاصة دول غرب أفريقيا (سيراليون وليبيريا وغينيا)، التى يتميز نفطها بجودته وسهولة ورخص تكريره، فقد ابتليت دول المنطقة بالإيبولا، الوباء الأخطر لعائلة فيروسات لا يعرف علماء العالم عنها شيئاً، غير أنه حمى نزيفية. ووفقاً لصحيفة «واشنطن بوست» التى نقلت مقالاً للبروفيسور «سيريل برودريك» بجامعة كلية ليبيريا للزراعة والغابات، نشرته صحيفة «ديلى أوبزرفر» الليبيرية، كشف فيه ضلوع الولاياتالمتحدة فى هذه الكارثة الإنسانية مع حلفائها، حيث قال إن واشنطن هى المسئولة عن تفشى وباء الإيبولا فى دول غرب أفريقيا، نظراً لما تجريه من تجارب طبية بهدف اختبار الأسلحة البيولوجية. وأضاف «برودريك» أن البنتاجون يمول شركة أدوية كندية تسمى «تيكميرا» ب 140مليون دولار لإجراء بحوثها التى بدأت فى غينيا وسيراليون قبل تفشى الإيبولا، والشركة الكندية تجرى بحثها بحقن الأصحاء بالفيروس الفتاك، لافتاً إلى أن واشنطن لديها مختبر أبحاث فى مدينة «كينيما» فى سيراليون يجرى أبحاثاً عن السلاح البيولوجى بالحمى الفيروسية. وقال إن الولاياتالمتحدة سبق أن ضلعت من قبل فى نشر أمراض الزهرى والسيلان والقريح بين المئات من مواطنى جواتيمالا، موضحاً أنه تم توقيع اتفاق بين الرئيس الأمريكى «هارى ترومان» ورئيس جواتيمالا «خوان خوسيه أريفالو» لإجراء تجارب طبية فى جواتيمالا بين العامين 1946 و1948 مقابل معونات مادية تمنحها واشنطن لهذه الدولة الفقيرة، وبموجب الاتفاق أجرى فريق طبى أمريكى تجارب طبية على أكثر من 1500 من الجنود والعاهرات والسجناء والمرضى النفسيين فى جواتيمالا بدون إذن مسبق من هؤلاء المواطنين، ليس بهدف التوصل إلى علاج من الأمراض والأوبئة وإنما لنشر الأمراض، وتجربة المواد المعدلة وراثياً أو الفيروسية أو البكتيرية التى تستخدم كأسلحة بيولوجية استراتيجية فى حروب القوى العظمى. واكتفى أوباما فى عام 2010 عبر اتصال باعتذار لرئيس جواتيمالا «ألفارو كولوم» وللشعب الجواتيمالى، خلال اتصال هاتفى، عن أبحاث وتجارب طبية أمريكية أجريت فى بلادهم منتصف القرن الماضى، نتج عنها نقل مرض الزهرى لمئات المواطنين «الجواتيماليين» عمداً. و«سيراليون» بلد غنى بموارده الطبيعية، وهى تعتبر واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس فى العالم، وقد تم اكتشف الماس فيها عام 1930 ومنذ ذلك الحين يزدهر قطاع التنقيب عن الأحجار الكريمة فى شرق البلاد، وقد عثر عام 1972 على قطعة ألماس تزن ما يقرب من 969 قيراطاً أطلق عليها اسم «نجمة سيراليون»، وفى عام 2012 وصل الإنتاج إلى 406 آلاف قيراط، كما أنها تعد أكبر منتج للتيتانيوم والبوكسيت، وتعتبر أيضاً من المنتجين الأساسيين للذهب، ولديها ثالث أكبر ميناء طبيعى فى العالم. وسبق أن شهدت صراعاً دموياً على الماس بين بعض دول القارة مع الغرب وإسرائيل؛ حيث اتهمت الأممالمتحدة رسمياً إسرائيل عام 2009 بسرقة الماس الأفريقى والتورط فى تجارة «الماس الدموية» عبر مد حركات التمرد الأفريقية بالسلاح مقابل الماس فى مناجم هذه الدولة الفقيرة. ويمكن القول إن القوى الاستعمارية تركز على مناطق إقليمية معينة، وتدعم قادة موالين لها؛ فالولاياتالمتحدة وشركائها يدعمون الأقليات الحاكمة فى كل من «رواندا، وبوروندى، وأوغندا» والحرص على خلق مناطق نفوذ فى منطقة القرن الأفريقى الكبير، مما يضر بمصالح الدول المجاورة المصالح مثل قضية المياه وسد النهضة واستخدامها كورقة ضغط فى مواجهة كل من مصر والسودان. والوجود الأمريكى يرتبط دوماً بالوجود الإسرائيلي؛ حيث تسعى إسرائيل إلى فتح ثغرة فى خطوط الأمن المائى، وجعل أبواب المنطقة مشرعة أمام المصالح الأمريكية، حيث نجحت مساعيها فى مخطط تقسيم السودان (شمال وجنوب) بالإضافة إلى أزمة إقليم دارفور؛ فالسودان، ذات الموقع الاستراتيجى الهام، تبلغ مساحتها مليونى كيلومتر مربع، فيمر به نهر النيل، ويجمع موقعه خصائص استراتيجية مهمة فى اتجاه العمق الإفريقى والقرن الأفريقى والبحر الأحمر. وفى هذا السياق تبرز الصين كأكبر مستثمر فى حقول النفط فى جنوب السودان من خلال شركتى «ناشيونال بتروليوم كورب» و«سينوبك» الحكوميتين، ويمتد الصراع على موارد دول القارة بين الصين والغرب، إلى الصومال؛ فالغرب يريد أن يسبق التنين الأصفر فى الاستحواذ على امتيازات التنقيب عن النفط واستثمار الثروات الطبيعية فى الصومال. وكشفت صحيفة «أوبزرفر» البريطانية أن بريطانيا منخرطة فى مساعٍ سرية عالية المخاطر لاستخراج النفط فى الصومال، من خلال عرض مساعدات إنسانية وأمنية على الصوماليين للحصول على حصة من قطاع صناعة النفط فى المستقبل. ولعل ما أكدته إدارة المعلومات حول الطاقة فى الولاياتالمتحدة، وهى وكالة رسمية معنية بجمع المعلومات حول الطاقة فى كل أنحاء العالم، بوجود 200 مليار قدم مكعب من الاحتياطى المثبت من الغاز الطبيعى فى الصومال يوضح رغبة واشنطن فى التفرد بموارد الطاقة فى الصومال. فى سياق متصل، انهار النظام فى بوركينا فاسو بسرعة قياسية -وهى رابع منتج للذهب فى العالم - والواقعة بين مالى، التى تسيطر عليها القوات الفرنسية، ونيجيريا، وسقط النظام فى أحد البلدان الأفريقية الأكثر ارتباطاً بالغرب، فرئيسها «بليز كومباورى» مكث فى الحكم 27 عاماً عزز خلالها سيطرته على مفاصل الدولة للبقاء على رأس السلطة، بالاتفاق مع الولاياتالمتحدةوفرنسا، اللتين أنعمتا عليه بدور الوسيط لحل الأزمات، لضمان مصالحهم فى منطقة الغرب الأفريقى. وجاءت هذه الإطاحة فى أعقاب تظاهرات شعبية حاشدة ووسط صمت من حلفائه الغربيين. وعلى الرغم من فقر موارد الدولة فإنها حققت نتائج تفوق أكثر التوقعات، حيث بلغ نمو الناتج الإجمالى المحلى لها نسبة 9. 5% خلال عام 2013 وفقاً لبيانات البنك الدولى. وفى 31 أكتوبر 2014 طوت بوركينا فاسو صفحة كومباورى، حيث اضطر للتنحى استجابة لاحتجاجات شعبية غاضبة ضد مساعيه لتعديل الدستور والبقاء فى الحكم بعد عام 2015. وقد غادر كومباورى البلاد على الفور إلى ساحل العاج. أما فى مالى فقد نجحت فرنسا فى إقناع الأممالمتحدة وحلفائها بضرورة التدخل العسكرى لمحاربة الإرهاب، وذلك بعد شعور فرنسا بأن مستعمراتها القديمة بدأت تتوجه إلى الولايات الأمريكية وأن دولاً جديدة بدأت تتغلغل إليها كالصين وإيران تريد أن تحمى مصالحها فى مالى. لذا قرر الرئيس الفرنسى السابق «فرانسوا هولاند» العودة إلى المستعمرات القديمة للحفاظ على مصالحه الاقتصادية وإعادة النفوذ على دول غرب أفريقيا مثل السنغال، والنيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، «دول المجموعة الفرانكفونية» لأن فرنسا الأكثر امتلاكاً للعلاقات الثقافية؛ فاللغة الفرنسية هى اللغة التى تحكم السوق فى تلك الدول، فمعروف أن الاستعمار الفرنسى، كان استعماراً ثقافياً، تمكنت من خلاله وعن طريق البعثات الدراسية، الهيمنة والسيطرة على شعوب تلك الدول، هذا بجانب الروابط العسكرية بين الطرفين، التى تتمثل فى مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات، تنظم التعاون العسكرى وتعطى للقوات الفرنسية امتيازات واسعة تصل إلى حد استغلال قواعد عسكرية بحرية وجوية وبرية، وربما تصل إلى إمكانية تدخل فرنسا لمواجهة أى خطر داخلى أو خارجى يهدد أمن هذه البلاد وذلك بناء على طلب من حكوماتها. ومن أهم تلك المصالح التى تريد فرنسا الحفاظ عليها، استخراج اليورانيوم من مناجم النيجر، شمال شرق مالى، والذى تديره شركة «أريفا» الفرنسية ويزود أكثر من ثلث محطات الطاقة النووية لشركة EDF للكهرباء فى فرنسا. كما تمتلك أكبر شركة اتصالات هى شركة «أورانج» ولها شركات كبيرة تعمل فى تنقيب الذهب هناك، فعدم استقرار مالى سيعرقل مصالحها، ولذا قررت الحكومة الفرنسية حسم التمرد فى البلاد لأنها تعى جيداً، أن مالى هى ثالث دولة فى إنتاج الذهب بعد جنوب أفريقيا وغانا، فهى تنتج أكثر من 45 طناً من الذهب وفيها سبعة مناجم قيد الاستغلال حالياً، كما يوجد بها احتياطى كبير من النفط واليورانيوم، فهناك مخزون كبير من هذا العنصر المهم على مساحة 150 كيلومتراً تمتد حتى شمال غينيا، قد يصل المخزون فيها إلى 5 آلاف طن، إضافة إلى منطقة مجاورة لمدينة غاو، فيها نحو 200 طن. وقد تم اكتشافه من قبل شركات إيطالية وصينية، بعد أن حصلت الأخيرة على حق التنقيب عن اليورانيوم فى شمال مالى خلال حكم الرئيس المالى «أمادو تومانى تورى». وتعتمد فرنسا على الطاقة النووية فى توليد 75% من احتياجاتها فى الكهرباء، والتى تحصل عليها من مناجم اليورانيوم شمال مالى وشرق النيجر، ويضاف إلى ذلك احتواء مالى على احتياطى كبير من النحاس والرصاص وثروات معدنية أخرى، تتركز فى شمال البلاد. وفى يناير 2013 قدمت العمليات الجوية الاستطلاعية التى تديرها وكالة المخابرات الأمريكية فى أفريقيا، وقيادة «أفريكوم» معلومات للقوات الفرنسية التى تم دفعها إلى مالى بقرار من مجلس الأمن لمواجهة مسلحى جماعتى القاعدة «أنصار الدين، التوحيد والجهاد» الطامحين فى إنشاء إمارة لهم فى شمالى مالى. ولم تتوقف الأطماع الفرنسية فى القارة عند مالى، بل امتدت إلى أفريقيا الوسطى، حيث قررت إرسال قوات عسكرية إلى تلك الدولة، مدعومة بمشروع قرار من الأممالمتحدة، يقترح إرسال قوات دولية إلى هذا البلد بحجة الفوضى التى تسوده، فالانقلابات المتكرره فى أفريقيا الوسطى كانت سببًا قويًّا، تتذرع به الدول الغربية للتدخل فى شئون البلاد، من خلال مزاعم حماية المدنيين والحريات، وشهدت هذه المنطقة 5 انقلابات عسكرية، منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960. وأفريقيا الوسطى من حيث المساحة هى أكبر من مساحة فرنسا نفسها. وتمتلك ثروات هائلة من الذهب واليورانيوم والنفط والألماس، فشمال شرق البلاد أبرز المناطق المنتجة للماس وهناك بدأ تمرد حركة سيليكا، وبحسب الأرقام الرسمية يصل إنتاج جمهورية أفريقيا الوسطى للماس إلى 400 ألف قراط سنوياً إلا أنه فى عام 2012 تراجع إلى 293 ألف قيراط. وأيضاً موقع أفريقيا الوسطى جعلها مطمعاً للمستعمر الفرنسى وشركائه، فهى قريبة من دارفور وحفرة اليورانيوم أو «حفرة النار» كما يطلق عليها؛ والتى تحتوى على أكبر مخزون من اليورانيوم فى العالم. كما أن حدودها مع «تشاد» بها أحد أهم الحقول النفط الأفريقية. •